عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-09-2021, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي وراء الباب المغلق (قصة)

وراء الباب المغلق (قصة)
ميادة بدوي



"لقد كان يومًا طويلًا بحق".
أُجهدتُ كما لم يحدث من قبل، أليس لي قليل من الراحة أو بعض الشراب الدافئ حتى أنعم بنومٍ لم أرَ مثله قط؟ حسنًا، سأفعل ذاك حالًا.

بدَّلتُ ملابسي، وأصبح معي كوب من الكاكاو الساخن الذي أحبُّه، وقرَّرتُ أن أتجوَّل قليلًا في بحر الصور التي لديَّ؛ ففيها من الأماكن الطبيعية ما يجلبُ الراحة حتى تغط في نومٍ عميق دون أن تدري.

فشرعتُ أقلِّب في ذاك الجهاز الصغير الذي أصبحتُ لا أستطيع العيش بدونه.

"كيف كنتُ يا ترى قبل اختراع الهاتف المحمول؟".
دسستُ قدمَيَّ تحت الغطاء في هيئة نصف اضطجاع كي أنعَمَ بكوبي السَّاخن، والآن هلمَّ إليَّ بالنوم العزيز!

"أعتقدُ أنَّ خيالي قد أخذني لأبعد مما أشتهي"، نظرتُ حولي قليلًا في محاولةٍ لاستيعاب أين أنا، ألَم أكن منذ قليل أحاول فقط النوم؟ ليس لي مِزاجٌ الآن لحلم أو كابوس، رأفةً بي أيها الخيال.

كان أمامي ممَرٌّ طويل يغلب عليه الظلام، إلَّا من أشعة ضئيلة جدًّا لا تُدرك مصدرها، وعلى الجانبين يوجد الكثير والكثير من الأبواب الخشبية ذات اللون البنيِّ، يغلب عليها القِدَم، وتفصلها مسافة صغيرة لا تتعدَّى نصف المتر.

نظرت لنفسي، أراني لا زلتُ أرتدي المَنامَة، ولكن كأني لستُ أنا، كأنِّي لا أشعر بجسدي، مجرَّد جسد موجود، لكن في الحقيقة لا أشعر بماهيته، لا أشعر أنِّي يمكنني تحريك ساقيَّ أو يديَّ، فقط ناظري هو القادر على التجوُّل، غريب!

سرتُ للأمام أو سار ناظري باتجاه أوَّل باب يقعُ على يساري، ربما خيالي أرادني أن أفتحه.

لم أكد أضع يدي حتى فُتح الباب، لم يكن مغلقًا، هناك وجدتُ غرفةً جميلة جدًّا، طلاؤها يبدو جديدًا على خلاف الممرِّ، كانت باللون الأزرق، وبها كرسيَّان أَسْودان ومنضدة سوداء، وكان هناك شخصان جالسان، لم أتبيَّنْهما، فاقتربتُ قليلًا، إنه لأمر عجيب!

كانت الشخصية الأولى رفيقة لي قديمًا، وقد حصل فيما بيننا خلافٌ كبير حتى انقطعَت فيه الصِّلات، أتذكر أنها ظلمَتْني بشكل أو بآخر، وإن كنتُ لا أتذكَّر ما حدث، ولم تعتذر ولم نتحدَّث.

أما الشخصية الأخرى، فكانت أنا! كنتُ جالسة أمامها نتحدَّث كأننا على عهدنا، واستشعرت أنَّني أسامحها على كل شيء كأنَّ قلبي تحوَّل لقطعةٍ إسفَنجية تتشرَّب الماء حتى آخر نقطة دون ضيق أو ضجر!

كان شعورًا رائعًا! ولكنِّي لم أفهم بعدُ كيف أرى نفسي، وأين أنا؟
أغمضتُ عيني لأستوعب، وحين فتحتُها كان ما يحدثُ أغرب، وجدتُ نفسي عدتُ لذاك الممرِّ بكل تفاصيله، إذًا فلا بأس أن أفتح الباب الأول عن يميني هذه المرة.

كان مغلقًا بمفتاح، يبدو أنَّه مهما كان ما يحدث لا يجب أن أراه!
دار ناظري حولي لأرى إنْ كان هناك مِفتاح، ووجدتُه أسفل الباب! فُتح الباب، وولجتُ.

غرفة ليست بالأنيقة ولا بالقبيحة، الحائط يغلب عليه اللون الأحمر كأنه يتوهَّج، وهناك أثاث قد تمَّ تكسيره بطريقة ما، منضدة نصفان وكراسي لَم تلتئم أشلاؤها، ومرايا قد تفتَّت زجاجها إلى أصغر مما تتخيل، كان هذا عندما رأيتُ في مرآة لا زالت سليمة وجهي، ولكن بملابس تختلف! لا بل كنتُ أحمل في يدي كرسيًّا كأني على وشك تحطيم هذه الأخيرة!

نظرت ورائي فإذا بي أرى نفسي من جديد، ولكن في حُلَّةٍ مختلفة، بل وفي ملابس سوداء، وبكل قوة أهوي بهذا الكرسي على المرآة المسكينة، فتبعثرَت!

لم أفهم ما الذي يُغضبني لهذا الحدِّ، حاولتُ الحديثَ مع نفسي:
"لماذا أنتِ أو أنا - إن صحَّ التعبير - غاضبة؟".
انتظرتُ قليلًا، فلم أجد إجابة، أعدتُ السؤالَ، ولكن لا جواب؛ غريب!

دار في خاطري أنِّي إذا كنتُ أحلم فأنا في شكل هلاميٍّ، ولن أرى نفسي حقًّا؛ إذًا لن أسمعني كذلك، فلِمَ العناء؟!
إذًا لا بأس، فلنخرج ونجرِّب بابًا جديدًا، وكان ذاك الباب الثالث، حين اقتربتُ منه تحوَّل لونه للأسود!

فتحتُه ولكن هذه المرَّة لم يكن مفتوحًا ولا مغلقًا بمفتاح، فقط مقفل، حسنًا هذا مطمئن.
الغرفة مظلمة جدًّا، لا أرى شيئًا، لكنِّي أسمع شيئًا ما.

أصغَيتُ السمع، "أهذا نحيب؟"، حاولتُ التجوُّل لأقترب من مصدر الصوت، ولكني أشعر به في كلِّ مكان، بل وأشعر...

أشعر كأنَّ قلبي يؤلمني، كأنَّه يعتصر ألمًا! لِم؟
هبطتُ بناظري أرضًا لأرى فتاة جالسة وقد جعلَت ساقيها بين يديها ورأسها على ركبتَيها وتبكي بحرارة، تبكي كثيرًا جدًّا، تبكي كأنَّها لن تبكي ثانيةً بعد هذه المرَّة!

أهي أنا؟
انتظرتُ قليلًا لأرى إن كنتُ هي أم لا؛ فقد أصبح الأمر محيِّرًا! وطالما كانت الأُخريان هما أنا، فلا بدَّ لهذه أن تكون أنا، ألا ترى هذا معي؟

رفعَتْ رأسَها فتبينتُ من ملامحها أنها أنا الحزينة جدًّا! إنَّ ملامحي تختلف؛ فالحزن يؤدِّي بنا إلى العَجز! ولكن لمَ أبكي؟

لم أجهد نفسي في السؤال، فلم أتوقَّع إجابة.
قلتُ في نفسي: "لمَ لا أكمل بقيَّة الأبواب؛ لعلِّي أهتدي لإجابة؟".

خرجتُ لأجرِّب الباب الرابع، كان مفتوحًا كالأول؛ بل من قبل أن أمسه وجدتُه يُخرج سَنا ضوءٍ كأن ما بداخله يتوهَّج!

نظرتُ من خلال الفُتحة، لم أتبيَّن شيئًا غير أنَّ هناك ضوءًا.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]