سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]
رامي حنفي محمود
تفسير الربع الخامس من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط
الآية 60: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ﴾:يعني إنما تُعطَى الزَكَوَات الواجبة ﴿ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ وهم المُحتاجون الذين لا يَملكون شيئًا، ﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ وهم الذين لا يَملكون كفايتهم وكفاية مَن يَعُولونهم، ﴿ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾ وهم الذين يُرسلهم الحاكم لِجَمْع الزكاة، وكذلك الذين يقومون على حراسة أموال الزكاة، وكذلك الذين يقومون بتقسيمها وتوزيعها على مُستحِقيها، ﴿ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ وهم الذين تُؤَلِّفون قلوبهم بالزكاة، مِمَّن يُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفْعُهُ للمسلمين، أو دفْعُ شَرِّهِ عن المسلمين، ﴿ وَفِي الرِّقَابِ ﴾:أي وتُعطَى الزكاة لِعِتق رقاب العبيد والإماء من الأَسْر.
﴿ وَالْغَارِمِينَ ﴾:أي وتُعطَى الزكاة لمن اقترض في غير معصيةٍ أو تبذير، ثم أثقلَتْه الديون فلم يَستطع سَدادها، (وكذلك تُعطَى الزكاة لمن يُلزِم نفسه بمالٍ معين من أجل الإصلاح بين القبائل والعائلات المتشاجرة، كأنْ يَدفع - مثلاً - مَبلغاً من المال لإرضاء إحداهما مقابل الإصلاح بينهما، أو يَدفع نقوداً مِن أجل إعداد طعام لِجَمْع القبيلتين عليه حتى يَصطلحا، فهؤلاء يُعْطَوْنَ مِن الزكاة - مِن أجل هذا الإصلاح - ولو كانوا أغنياء).
﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾:أي وتُعطَى الزكاة للمجاهدين في سبيل الله، واعلم أنّ بعض العلماء قد ذهبوا إلى أنَّ الحج يَدخل في هذا الباب أيضاً، لأنّ الحج يُعتَبَر نوعٌ من أنواع الجهاد في سبيل الله، كما ثبتَ في الحديث: (أفضلَ الجهاد حَجٌّ مبرور) (البخاري: 1520)، قالَ ابن تَيْمِيَة رحمه الله: (وَمَن لم يَحُجّ حَجَّة الإسلام وهو فقير، أعْطِيَ ما يَحُجّ به)، ﴿ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ﴾:أي وتُعطَى للمسافر الذي فَقَدَ ماله - أو نَفَذ ماله - واحتاجَ للنفقة.
وقد كانت هذه القِسمة ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ﴾ فرَضَها عليكم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بمصالح عباده، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تدبيره وشرعه.
الآية 61، والآية 62: ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ﴾:يعني ومن المنافقين قومٌ يُؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالكلام ﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ﴾:أي ويقولون عنه: (إنه يستمع لكل ما يُقالُ له فيُصَدِّقه)، ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها النبي -: ﴿ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ﴾:يعني إنَّ محمدًا يَسمعُ مِن كل مَن يقول له، فلا يَتكبر على أحد، ولكن لا يُقِرّ إلا الحق ولا يَقبل إلا الخير والمعروف، وهو ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ﴾ ﴿ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾:أي ويُصَدِّقُ المؤمنين فيما يُخبرونه، ويُحسِنُ الظنّ بمَن يُحَدِّثه (ما لم يَصدُر مِن أحدهم خِلافَ ذلك)، فإذا عَلِمَ أنّ مَن يُحَدِّثُه كاذب، فإنه يَسمع منه ولا يُصَدِّقه، ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ ﴾:أي وهو رحمةٌ لمن اتَّبَعه واهتدى بهُداه، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ - بأي نوع من أنواع الإيذاء - ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
واعلموا أن هؤلاء المنافقين ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ ﴾ كَذِباً بأنهم ما طَعَنوا في الرسول ولا قالوا فيه شيئاً، وذلك ﴿ لِيُرْضُوكُمْ ﴾ أيها المؤمنون، حتى لا تَبْطِشوا بهم انتقاماً لِكَرامة نَبِيِّكم، ﴿ وَاللَّهُ ﴾ أحق أن يُرضوه بالتوبة إليه والاستغفار، ﴿ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ بطاعته واتِّباعه ﴿ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ حقًاً كما يَزعمون.
الآية 63: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾:يعني ألم يَعلم هؤلاء المنافقون ﴿ أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ ﴾ أي مَن يُحارب ﴿ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ وذلك بأن يَسُبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أو يَذمّ فيه: ﴿ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ﴾ ﴿ ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ﴾:أي ذلك المصير هو الذل العظيم.
الآية 64: ﴿ يَحْذَرُ ﴾ أي يَخاف ﴿ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي تُنَزَّلَ في شأنهم ﴿ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا ﴾ يُخفونه ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ من الكُفر، ﴿ قُلِ ﴾ لهم - أيها النبي -: ﴿ اسْتَهْزِئُوا ﴾:أي استمِروا على ما أنتم عليه من السخرية والطعن في الإسلام وأهله، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴾ أي مُخْرِجُهُ من نفوسكم ومُظهِرُهُ للناس أجمعين (وبالفِعل، فقد أخرج سبحانه ما في قلوبهم وفضحهم في هذه السورة، التي سُمِّيَتْ بـ "الفاضحة").
الآية 65، والآية 66: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ﴾ - أيها النبي - عما قالوا في حقك وحق أصحابك: ﴿ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾:يعني إنما كنا نتحدث بكلامٍ لا قصدَ لنا به، ونلعب تقصيراً للوقت ودفعاً للملل.
واعلم أنّ سبب نزول هذه الآية أن بعض المنافقين - في غزوة "تَبُوك" - قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَظن هذا أنه يَفتح قصور الشام وحصونها)، واتهموا أصحابه بالجُبن ومِلْء البطون، فأطْلَعَ اللهُ نَبِيَّهُ عليهم، فدعاهم، فجاءوا واعتذروا له، فأنزل تعالى: ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾؟ ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا ﴾: أي لا فائدة مِن اعتذاركم، فـ ﴿ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ بسبب هذه المَقولة التي استهزأتم بها، ﴿ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ ﴾ طلبتْ العفو وأخلصتْ في توبتها: ﴿ نُعَذِّبْ طَائِفَةً ﴾ أخرى ﴿ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾: أي بسبب إجرامهم بهذه المقالة الفاجرة وعدم توبتهم من النفاق.
الآية 67: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ يعني إنهم صِنفٌ واحد في إظهارهم للإيمان وإخفائهم للكفر، ومتشابهون في قولهم وعملهم، فمِن صفاتهم أنهم ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ﴾: أي يأمرون الناس بالكُفر ومعصية الرسول، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ﴾: أي ويَنهونهم عن الإيمان والطاعة، ﴿ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ﴾: أي ويُمسكون أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله.
وقوله تعالى: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾: أي تركوا اللهَ فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله، فتَرَكهم تعالى محرومين من هدايته ورحمته ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.
الآية 68، والآية 69: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ هِيَ حَسْبُهُمْ ﴾: أي يَكفيهِم عذابُ جهنم، عقابًا لهم على كُفرهم، ﴿ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ أي طردهم مِن رحمته، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ لا يُفارقهم لحظة.
ثم وَضَّحَ لهم سبحانه بعض الصفات والأفعال التي استحقوا بها هذا العذاب فقال لهم: ﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: يعني إنَّ أفعالكم - أيها المنافقون - هي نفس أفعال المُكَذِّبين من الأمم السابقة (كالاستهزاء والكُفر والاغترار بالمال والأولاد)، فقد ﴿ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ﴾ فرَضُوا بحياتهم الدنيا عِوَضاً عن الآخرة ﴿ فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ ﴾: أي فتَمتَّعوا بنصيبهم من المَلَذَّات الرخيصة، ﴿ فَاسْتَمْتَعْتُمْ ﴾ أيها المنافقون ﴿ بِخَلَاقِكُمْ ﴾ أي بنصيبكم من الشهوات الفانية ﴿ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ ﴾، وتركتم العمل للآخرة، ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾: أي وخُضتم في الباطل والشر والفساد كَخَوْض تلك الأمم قبلكم، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ المتصفون بهذه الصفات هم الذين ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ أي ذهبتْ حسناتهم ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ لأنها لم تكن خالصة لِوَجه اللهِ تعالى، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ بِبَيْعِهم نعيم الآخرة الأبدي مقابل حظوظهم العاجلة.
الآية 70: ﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ﴾: يعني ألم يأت هؤلاء المنافقين خبرُ ﴿ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ كـ ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ ﴾ - وهم الذين أرسل اللهُ إليهم شعيباً - ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ﴾ - وهي قرى قوم لوط ﴿ وهي ثلاث مدن، ومعنى المُؤتَفِكات أي المُنقلِبات، حيثُ صارَ عالِيها سافلها) - فهؤلاء الأمم قد ﴿ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالآيات الدالَّة على صِدقهم في رسالاتهم فكذَّبوهم، فأنزل اللهُ بهم عذابه; انتقامًا منهم لِسُوء أعمالهم ﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾، (وقد كَذَّبتم أيها المنافقون رَسولنا عندما جاءكم بالبينات - كما كَذَّبَ الذين من قبلكم رُسُلَهم -، فتوبوا حتى لا يُصيبكم ما أصابهم).
الآية 71: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ أي بعضهم أنصارُ بعض، ومِن صفاتهم أنهم ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: أي يأمرون الناس بالإيمان والعمل الصالح، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾: أي ويَنهونهم عن الكُفر والمعاصي، ﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾: أي يُؤَدُّونها - بشروطها وأركانها - في خشوعٍ واطمئنان ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ ﴿ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ﴾ فيُنقِذهم من عذابه ويُدخلهم جنته، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ أي غالبٌ على أمْره في تحقيق وَعْده ووعيده ﴿ حَكِيمٌ ﴾ يَضع كل شيء في مَوضعه اللائق به، فيُعذب المنافقين ويُنَعِّم المؤمنين.
الآية 72: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري الأنهار من خلال قصورها وأشجارها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ﴾: أي وَوَعَدَهم سبحانه مساكنَ حَسَنَة البناء، طَيِّبة الرائحة (كالقصور والخِيام المصنوعة من اللؤلؤ)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: "إنّ للمؤمن في الجنة لَخَيْمةً مِن لؤلؤة واحدة مُجَوَّفة، طُولها سِتُّونَ مِيلاً، للمؤمن فيها أهْلُون، يطوفُ عليهم المؤمن فلا يَرى بعضهم بعضاً"، ﴿ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾: أي في جنات الخلود، ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ يُحِلُّهُ عليهم: ﴿ أَكْبَرُ ﴾ - أي أعظم مِمَّا هم فيه من النعيم - ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.
الآية 73: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ﴾ المُحارِبين بالقتال، ﴿ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾: أي وجاهِد المنافقين باللسان والحُجَّة، ﴿ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾: أي واشدُد على كِلا الفريقين في القول والفعل، ﴿ وَمَأْوَاهُمْ ﴾ - أي ومَقرُّهم - ﴿ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
الآية 74: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ﴾: أي يَحلف المنافقون باللهِ إنهم ما قالوا شيئًا يُسِيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنهم لَكاذبون في ذلك، ﴿ وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾: أي ولقد قالوا كلمةً يَكفُرُ بها مَن قالها، وهي قول أحدهم: (إنْ كانَ ما جاء به محمدٌ حقاً: لَنحن شرّ مِن الحَمير)، ﴿ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ﴾: أي وارتَدُّوا بهذه الكلمة عن الإسلام، ﴿ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ﴾: أي وحاولوا قتْل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يُمَكِّنَهم اللهُ من ذلك.
﴿ وَمَا نَقَمُوا ﴾: يعني: وما وجد المنافقون شيئًا يَعيبونه ويَنتقدونه في الإسلام ﴿ إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: يعني إلا أن كانوا فقراء، فأغناهم اللهُ بما فتح على نَبِيِّهِ من الخير والغنائم! (وهذا على سبيل السُخرية منهم)، وإلاَّ، فهل الغِنَى بعد الفقر مما يَكرهه المَرء؟!، والجواب لا، ولكنّ الكُفر والنفاق يُفسدان العقل والفِطرة.
ورغم كل ما قاموا بهِ من كُفرٍ وفساد، فإنّ الربَّ الرحيم قد فتح لهم باب التوبة، فقال: ﴿ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ ﴿ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن يُعرضوا عن التوبة ويستمروا على حالهم: ﴿ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ ﴿ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾: أي وليس لهم - في الأرض جميعاً - مِن مُنقذ يُنقذهم، ولا ناصر يَدفع عنهم عذابَ الله.
[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.