عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-09-2021, 12:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بحث حول الآية السادسة والآية السابعة من سورة البقرة

بحث حول الآية السادسة والآية السابعة من سورة البقرة
أنس بن محمد بوابرين


المسائل العقدية :
-الرد على المعتزلة في قولهم ( لا يجوز أن يكون علم الله تعالى وخبر الله تعالى عن عدم الإيمان مانعا من الإيمان)
قال الفخر الرازي :
( قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ : لَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَقَامَانِ: الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عَدَمِ الْإِيمَانِ مَانِعًا مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْمَقَامُ الثَّانِي: بَيَانُ الْجَوَابِ الْعَقْلِيِّ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فَقَالُوا: الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ مَمْلُوءٌ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ لِأَحَدٍ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى [الْإِسْرَاءِ: 94] وَهُوَ إِنْكَارٌ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَجُلًا لَوْ حَبَسَ آخَرَ فِي بَيْتٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ ثُمَّ يَقُولُ مَا مَنَعَكَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِي كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مُسْتَقْبَحًا وَكَذَا قَوْلُهُ: وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا [الْأَعْرَافِ: 12] وَقَوْلُهُ لِإِبْلِيسَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ [النِّسَاءِ: 39] وَقَوْلُ مُوسَى لِأَخِيهِ: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا [طه: 92] وَقَوْلُهُ: فَما لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [الِانْشِقَاقِ: 20] فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ [الْمُدَّثِّرِ: 49] عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التَّوْبَةِ: 43] لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التَّحْرِيمِ: 1] قَالَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ فِي فَصْلٍ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ: كَيْفَ يَأْمُرُهُ بِالْإِيمَانِ وَقَدْ مَنَعَهُ عَنْهُ؟ وَيَنْهَاهُ عَنِ الْكُفْرِ وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَصْرِفُهُ عَنِ الْإِيمَانِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَّى تُصْرَفُونَ؟ وَيَخْلُقُ فِيهِمُ الْإِفْكَ ثُمَّ يَقُولُ أَنَّى تُؤْفَكُونَ؟ وَأَنْشَأَ فِيهِمُ الْكُفْرَ ثم يقوم لِمَ تَكْفُرُونَ؟ وَخَلَقَ فِيهِمْ لَبْسَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ ثُمَّ يَقُولُ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ [آلِ عِمْرَانَ: 71] وَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ثُمَّ يَقُولُ: لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: 99] وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ ثُمَّ قَالَ: وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا وَذَهَبَ بِهِمْ عَنِ الرُّشْدِ ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ [التَّكْوِيرِ: 26] وَأَضَلَّهُمْ عَنِ الدِّينِ حَتَّى أَعْرَضُوا ثُمَّ قَالَ
: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. [الْمُدَّثِّرِ: 49] وَثَانِيهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النِّسَاءِ: 165] وَقَالَ: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى [طه: 134] فَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَبْقَى لَهُمْ عُذْرًا إِلَّا وَقَدْ أَزَالَهُ عَنْهُمْ، فَلَوْ كَانَ عِلْمُهُ بِكُفْرِهِمْ وَخَبَرُهُ عَنْ كُفْرِهِمْ مَانِعًا لَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْذَارِ وَأَقْوَى الْوُجُوهِ الدَّافِعَةِ لِلْعِقَابِ عَنْهُمْ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ فِي سُورَةِ «حم السَّجْدَةِ» أَنَّهُمْ قَالُوا: قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ ذَمًّا لَهُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ، فَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ مَانِعًا لَكَانُوا صَادِقِينَ/ فِي ذَلِكَ فَلِمَ ذَمَّهُمْ عَلَيْهِ؟ وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ قَوْلَهُ:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى آخِرِهِ ذَمًّا لَهُمْ وَزَجْرًا عَنِ الْكُفْرِ وَتَقْبِيحًا لِفِعْلِهِمْ، فَلَوْ كَانُوا مَمْنُوعِينَ عَنِ الْإِيمَانِ غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَيْهِ لَمَا اسْتَحَقُّوا الذَّمَّ الْبَتَّةَ، بَلْ كَانُوا مَعْذُورِينَ كَمَا يَكُونُ الْأَعْمَى مَعْذُورًا فِي أَنْ لَا يَمْشِيَ. وَخَامِسُهَا:
الْقُرْآنُ إِنَّمَا أُنْزِلَ لِيَكُونَ حُجَّةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَيْهِمْ، لَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُجَّةً عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، فَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ وَالْخَبَرُ مَانِعًا لَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إِذَا عَلِمْتَ الْكُفْرَ وَأُخْبِرْتَ عَنْهُ كَانَ تَرْكُ الْكُفْرِ مُحَالًا مِنَّا، فَلِمَ تَطْلُبُ الْمُحَالَ مِنَّا وَلَمْ تَأْمُرْنَا بِالْمُحَالِ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا جَوَابَ لِلَّهِ وَلَا لِرَسُولِهِ عَنْهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْخَبَرَ يَمْنَعُ وَسَادِسُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الْأَنْفَالِ: 40] وَلَوْ كَانَ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ عَنِ الْإِيمَانِ كُلِّفَ بِهِ لَمَا كَانَ نِعْمَ الْمَوْلَى، بَلْ كَانَ بِئْسَ الْمَوْلَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ، قَالُوا: فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ مَانِعٌ أَلْبَتَّةَ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ الْإِيمَانِ وَخَبَرَهُ عَنْ عَدَمِهِ لَا يَكُونُ مَانِعًا عَنِ الْإِيمَانِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: قَالُوا إِنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُودِ الْإِيمَانِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ، لِأَنَّ الَّذِي عَلِمَ وُقُوعَهُ يَكُونُ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَالَّذِي عَلِمَ عَدَمَ وُقُوعِهِ يَكُونُ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ، وَالْوَاجِبُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، لَا بِالْقُدْرَةِ فَسَوَاءٌ حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَالَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْقُدْرَةِ فِيهِ أَثَرٌ، وَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ فَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، وَذَلِكَ كُفْرٌ بِالِاتِّفَاقِ فَثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الشَّيْءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِمْكَانِ وُجُودِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا عِلْمُهُ مُمْكِنًا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِلْمُهُ وَاجِبًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْكُفْرَ بِالنَّظَرِ إِلَى ذَاتِهِ مُمْكِنُ الْوُجُودِ، فَلَوْ صَارَ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِسَبَبِ الْعِلْمِ كَانَ الْعِلْمُ مُؤَثِّرًا فِي الْمَعْلُومِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُحَالٌ. وَثَالِثُهَا: لَوْ كَانَ الْخَبَرُ وَالْعِلْمُ مَانِعًا لَمَا كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، لِأَنَّ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُقُوعَهُ كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَالْوَاجِبُ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَالَّذِي عَلِمَ عَدَمَهُ كَانَ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ، وَالْمُمْتَنِعُ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، فَكَانَتْ حَرَكَاتُهُ وَسَكَنَاتُهُ جَارِيَةً مَجْرَى حَرَكَاتِ الْجَمَادَاتِ، وَالْحَرَكَاتِ الِاضْطِرَارِيّ َةِ لِلْحَيَوَانَات ِ، لَكِنَّا بِالْبَدِيهَةِ نَعْلَمُ فَسَادَ ذَلِكَ، فَإِنْ رَمَى إِنْسَانٌ إِنْسَانًا بِالْآجُرَّةِ حَتَّى شَجَّهُ فَإِنَّا نَذُمُّ الرَّامِيَ وَلَا نَذُمُّ الْآجُرَّةَ، وَنُدْرِكُ بِالْبَدِيهَةِ تَفْرِقَةً بَيْنَ مَا إِذَا سَقَطَتِ الْآجُرَّةُ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ مَا إِذَا لَكَمَهُ إِنْسَانٌ بِالِاخْتِيَارِ : وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ بِبَدَاءَةِ عُقُولِهِمْ يُدْرِكُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَدْحِ الْمُحْسِنِ وَذَمِّ الْمُسِيءِ، وَيَلْتَمِسُونَ وَيَأْمُرُونَ وَيُعَاتِبُونَ وَيَقُولُونَ لِمَ فَعَلْتَ وَلِمَ تَرَكْتَ؟ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْخَبَرَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ. وَرَابِعُهَا: لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالْعَدَمِ مَانِعًا لِلْوُجُودِ لَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَافِرِ بِالْإِيمَانِ أَمْرًا بِإِعْدَامِ عِلْمِهِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِأَنْ يُعْدِمُوهُ فَكَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ، بِأَنْ يُعْدِمُوا عِلْمَهُ، لِأَنَّ إِعْدَامَ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْأَمْرُ بِهِ سَفَهٌ وَعَبَثٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَمِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الْوُجُودِ. وَخَامِسُهَا: أَنَّ الْإِيمَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُمْكِنَاتِ الْجَائِزَاتِ/ نَظَرًا إِلَى ذَاتِهِ وَعَيْنِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُمْكِنَاتِ الْجَائِزَاتِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ كَذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ جَهْلًا، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِذَا عَلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُمْكِنَاتِ الْجَائِزَاتِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا الْبَتَّةَ، فَلَوْ صَارَ بِسَبَبِ الْعِلْمِ وَاجِبًا لَزِمَ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَوْنُهُ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ، وَكَوْنُهُ لَيْسَ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ وَذَلِكَ مُحَالٌ. وَسَادِسُهَا: أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُحَالِ سَفَهٌ وَعَبَثٌ، فَلَوْ جَازَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهِ لَجَازَ وُرُودُهُ أَيْضًا بِكُلِّ أَنْوَاعِ السَّفَهِ، فَمَا كَانَ يَمْتَنِعُ وُرُودُهُ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِينَ وَلَا إِنْزَالِ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَبَاطِيلِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا بِصِحَّةِ الْقُرْآنِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ كَذِبًا وَسَفَهًا، وَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ وَالْخَبَرَ عَنْ عَدَمِ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِيمَانِ. وَسَابِعُهَا: أَنَّهُ لَوْ جَازَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِالْمُحَالِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَجَازَ وُرُودُ أَمْرِ الْأَعْمَى بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ. وَالْمُزْمِنِ بِالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ، وَأَنْ يُقَالَ لِمَنْ قُيِّدَ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَأُلْقِيَ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ:
لِمَ لَا تَطِيرُ إِلَى فَوْقٍ؟ وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعُقُولِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَمْرُ بِالْمُحَالِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَمِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْوُجُودِ، وَثَامِنُهَا: لَوْ جَازَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِذَلِكَ لَجَازَ بِعْثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى الْجَمَادَاتِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ عَلَيْهَا، وَإِنْزَالُ الْمَلَائِكَةِ لِتَبْلِيغِ التَّكَالِيفِ إِلَيْهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ سُخْرِيَةٌ وَتَلَاعُبٌ بِالدِّينِ.
وَتَاسِعُهَا: أَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُودِ الشَّيْءِ لَوِ اقْتَضَى وُجُوبَهُ لَأَغْنَى الْعِلْمُ عَنِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرًا مُرِيدًا مُخْتَارًا، وَذَلِكَ قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ الْقَائِلِينَ بِالْمُوجِبِ. وَعَاشِرُهَا: الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ لَمْ يُوجَدْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [الْبَقَرَةِ: 286] وَقَالَ: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الْحَجِّ: 78] وَقَالَ: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ .. وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ الْوُجُوهِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ كَلِمَاتٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْكَشْفِ عَنْ وَجْهِ الْجَوَابِ بَلْ هِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى التَّشْنِيعَاتِ . فَأَمَّا الْجَوَابَانِ اللَّذَانِ عَلَيْهِمَا اعْتِمَادُ الْقَوْمِ فَفِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ. أَمَّا قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هِشَامٍ وَالْقَاضِي: خَطَأٌ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ يَدُلُّ، وَخَطَأٌ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَدُلُّ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحُكْمَ بِفَسَادِ الْقِسْمَيْنِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا بِفَسَادِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَذَلِكَ لَا يَرْتَضِيهِ الْعَقْلُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا حَقٌّ لَكِنْ لَا أَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ أَوْ لَا يَدُلُّ كَفَى فِي دَفْعِهِ تَقْرِيرُ وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ ، فَإِنَّا لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَمِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ الْعَدَمِ، فَلَوْ حَصَلَ الْوُجُودُ مَعَهُ لَكَانَ قَدِ اجْتَمَعَ الْعَدَمُ وَالْوُجُودُ مَعًا وَلَا يَتَمَكَّنُ الْعَقْلُ مِنْ تَقْرِيرِ كَلَامٍ أَوْضَحَ مِنْ هَذَا وَأَقَلِّ مُقَدِّمَاتٍ فِيهِ.} التفسير الكبير ج2ص289
فساد قول المنكرين تكليف ما لا يطاق إلاّ بمعونة اللّه
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :وهذه الآية من أوضح الدلّيل على فساد قول المنكرين تكليف ما لا يطاق إلاّ بمعونة اللّه؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّه ختم على قلوب صنفٍ من كفّار عباده وأسماعهم، ثمّ لم يسقط التّكليف عنهم ولم يضع عن أحدٍ منهم فرائضه ولم يعذره في شيءٍ ممّا كان منه من خلاف طاعته بسبب ما فعل به من الختم والطّبع على قلبه وسمعه، بل أخبر أنّ لجميعهم منه عذابًا عظيمًا على تركهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه من حدوده وفرائضه مع حتمه القضاء مع ذلك أنّهم لا يؤمنون). [جامع البيان: 1/ 265 -268]
- مذهب أهل السنة في خلق أفعال العباد
قوله تعالى (لا يومنون )
قال الفخر الرازي ( الْمَقَامُ الثَّانِي: قَالُوا إِنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُودِ الْإِيمَانِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ نَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ، لِأَنَّ الَّذِي عَلِمَ وُقُوعَهُ يَكُونُ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَالَّذِي عَلِمَ عَدَمَ وُقُوعِهِ يَكُونُ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ، وَالْوَاجِبُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، لَا بِالْقُدْرَةِ فَسَوَاءٌ حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَالَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْقُدْرَةِ فِيهِ أَثَرٌ، وَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ فَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، وَذَلِكَ كُفْرٌ بِالِاتِّفَاقِ فَثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الشَّيْءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِمْكَانِ وُجُودِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا عِلْمُهُ مُمْكِنًا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِلْمُهُ وَاجِبًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْكُفْرَ بِالنَّظَرِ إِلَى ذَاتِهِ مُمْكِنُ الْوُجُودِ، فَلَوْ صَارَ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِسَبَبِ الْعِلْمِ كَانَ الْعِلْمُ مُؤَثِّرًا فِي الْمَعْلُومِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُحَالٌ. وَثَالِثُهَا: لَوْ كَانَ الْخَبَرُ وَالْعِلْمُ مَانِعًا لَمَا كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، لِأَنَّ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُقُوعَهُ كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَالْوَاجِبُ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَالَّذِي عَلِمَ عَدَمَهُ كَانَ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ، وَالْمُمْتَنِعُ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، فَكَانَتْ حَرَكَاتُهُ وَسَكَنَاتُهُ جَارِيَةً مَجْرَى حَرَكَاتِ الْجَمَادَاتِ، وَالْحَرَكَاتِ الِاضْطِرَارِيّ َةِ لِلْحَيَوَانَات ِ، لَكِنَّا بِالْبَدِيهَةِ نَعْلَمُ فَسَادَ ذَلِكَ، فَإِنْ رَمَى إِنْسَانٌ إِنْسَانًا بِالْآجُرَّةِ حَتَّى شَجَّهُ فَإِنَّا نَذُمُّ الرَّامِيَ وَلَا نَذُمُّ الْآجُرَّةَ، وَنُدْرِكُ بِالْبَدِيهَةِ تَفْرِقَةً بَيْنَ مَا إِذَا سَقَطَتِ الْآجُرَّةُ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ مَا إِذَا لَكَمَهُ إِنْسَانٌ بِالِاخْتِيَارِ : وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ بِبَدَاءَةِ عُقُولِهِمْ يُدْرِكُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَدْحِ الْمُحْسِنِ وَذَمِّ الْمُسِيءِ، وَيَلْتَمِسُونَ وَيَأْمُرُونَ وَيُعَاتِبُونَ وَيَقُولُونَ لِمَ فَعَلْتَ وَلِمَ تَرَكْتَ؟ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْخَبَرَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ. وَرَابِعُهَا: لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالْعَدَمِ مَانِعًا لِلْوُجُودِ لَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَافِرِ بِالْإِيمَانِ أَمْرًا بِإِعْدَامِ عِلْمِهِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِأَنْ يُعْدِمُوهُ فَكَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ، بِأَنْ يُعْدِمُوا عِلْمَهُ، لِأَنَّ إِعْدَامَ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْأَمْرُ بِهِ سَفَهٌ وَعَبَثٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَمِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الْوُجُودِ. وَخَامِسُهَا: أَنَّ الْإِيمَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُمْكِنَاتِ الْجَائِزَاتِ/ نَظَرًا إِلَى ذَاتِهِ وَعَيْنِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُمْكِنَاتِ الْجَائِزَاتِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ كَذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ جَهْلًا، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِذَا عَلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُمْكِنَاتِ الْجَائِزَاتِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا الْبَتَّةَ، فَلَوْ صَارَ بِسَبَبِ الْعِلْمِ وَاجِبًا لَزِمَ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَوْنُهُ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ، وَكَوْنُهُ لَيْسَ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ وَذَلِكَ مُحَالٌ. وَسَادِسُهَا: أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُحَالِ سَفَهٌ وَعَبَثٌ، فَلَوْ جَازَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهِ لَجَازَ وُرُودُهُ أَيْضًا بِكُلِّ أَنْوَاعِ السَّفَهِ، فَمَا كَانَ يَمْتَنِعُ وُرُودُهُ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِينَ وَلَا إِنْزَالِ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَبَاطِيلِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا بِصِحَّةِ الْقُرْآنِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ كَذِبًا وَسَفَهًا، وَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ وَالْخَبَرَ عَنْ عَدَمِ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِيمَانِ. وَسَابِعُهَا: أَنَّهُ لَوْ جَازَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِالْمُحَالِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَجَازَ وُرُودُ أَمْرِ الْأَعْمَى بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ. وَالْمُزْمِنِ بِالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ، وَأَنْ يُقَالَ لِمَنْ قُيِّدَ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَأُلْقِيَ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ:
لِمَ لَا تَطِيرُ إِلَى فَوْقٍ؟ وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعُقُولِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَمْرُ بِالْمُحَالِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَمِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْوُجُودِ، وَثَامِنُهَا: لَوْ جَازَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِذَلِكَ لَجَازَ بِعْثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى الْجَمَادَاتِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ عَلَيْهَا، وَإِنْزَالُ الْمَلَائِكَةِ لِتَبْلِيغِ التَّكَالِيفِ إِلَيْهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ سُخْرِيَةٌ وَتَلَاعُبٌ بِالدِّينِ.) ج2 ص288
(وخلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في القدر وأفعال العباد ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة من أن الله سبحانه هو الخالق لكل شيء من الأعيان والأوصاف والأفعال وغيرها ، وأن مشيئته تعالى عامة شاملة لجميع الكائنات ، فلا يقع منها شيء إلا بتلك المشيئة ، وأن خلقه سبحانه الأشياء بمشيئته إنما يكون وفقا لما علمه منها بعلمه القديم ، ولما كتبه وقدره في اللوح المحفوظ ، وأن للعباد قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم ، وأنهم الفاعلون حقيقة لهذه الأفعال بمحض اختيارهم ، وأنهم لهذا يستحقون عليها الجزاء : إما بالمدح والمثوبة ، وإما بالذم والعقوبة ، وأن نسبة هذه الأفعال إلى العباد فعلا لا ينافي نسبتها إلى الله إيجادا وخلقا ؛ لأنه هو الخالق لجميع الأسباب التي وقعت بها . )شرح العقيدة الواسطية ص261

- الرد على المعتزلة في تأويلهم الختم على قلوب الكافرين
تقدم بيانه في كلام الطبري رحمه الله

المسائل البلاغية :
- الإستفهام المراد به الخبر في قوله (أأنذرتهم)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :لا
وأمّا قوله: {أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} فإنّه ظهر به الكلام ظهور الاستفهام وهو خبرٌ؛ لأنّه وقع موقع أيّ، كما تقول: لا نبالي أقمت أم قعدت، وأنت مخبرٌ لا مستفهمٌ لوقوع ذلك موقع أيّ، وذلك أنّ معناه إذا قلت ذلك: ما نبالي أيّ هذين كان منك، فكذلك ذلك في قوله: {سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} لمّا كان معنى الكلام: سواءٌ عليهم أيّ هذين كان منك إليهم، حسن في موضعه مع سواءٍ: أفعلت أم لم تفعل.) جامع البيان: 1/ 263 -265]

-حذف متعلق الكفر في قوله (إن الذين كفروا )
قال الدكتور عادل أحمد صابر الرويني: {حذف متعلق الكفر ، لأن القصد تعميم جحود الكافرين ،فكفرهم لا يقتصر على الكفر بالله ،بل يتعداه إلى جحود كل نعمة ، وكل خير، وفيه زيادة تشنيع عليهم وتبشيع عليهم وتبشيع لكفرهم ، وتمهيد للحكم بعدم إيمانهم في قوله (لا يؤمنون) }من غريب بلاغة القرآن الكريم ص36
-إطلاق العموم والمراد الخصوص
يقول الطاهر بن عاشور وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ (الَّذِينَ كَفَرُوا) الْمَذْكُورِينَ هُنَا هُمْ فَرِيقٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ مَأْيُوسٌ مِنْ إِيمَانِهِمْ، فَالْإِتْيَانُ فِي ذِكْرِهِمْ بِالتَّعْرِيفِ بِالْمَوْصُولِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ مُرَادًا مِنْهُ قَوْمٌ مَعْهُودُونَ كَأَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَضْرَابِهِمْ مِنْ رُؤُوسِ الشِّرْكِ وَزُعَمَاءِ الْعِنَادِ دُونَ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا فِي أَيَّامِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ مَنْ آمَنَ بَعْدُ مِثْلَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِغْرَاق ِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكُفْرِ أَبْلَغُ أَنْوَاعِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: لَا يُؤْمِنُونَ فَيَكُونُ عَامًّا مَخْصُوصًا بِالْحِسِّ لِمُشَاهَدَةِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَوْ يَكُونُ عَامًّا مُرَادًا بِهِ الْخُصُوصُ بِالْقَرِينَةِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هُمَا اللَّذَانِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَهُمَا نَاظِرَانِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَبَيَّنَ بَعْدُ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى مَعْنَى الَّذِينَ قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشَّقَاءِ وَنَظَّرَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [يُونُس: 96] وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَشَتَّانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَنْظِيرِهِ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ حَمَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ مِثْلَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَأَبِي رَافِعٍ يَعْنِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ فِيهَا مِنَ الْكَافِرِينَ سِوَى الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِي نَ وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ عَادَةِ الْقُرْآنِ وَإِعْرَاضٌ عَنِ السِّيَاقِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ ذِكْرُ مَنْ حُرِمَ مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ حَصَلَ لَهُمُ الِاهْتِدَاءُ بِهِ، وأيّا مَا مَا كَانَ فَالْمَعْنَى عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّ فَرِيقًا خَاصًّا مِنَ الْكُفَّارِ لَا يُرْجَى إِيمَانُهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ اهْتِدَائِهِمْ بِالْقُرْآنِ كَانَ لِعَدَمِ قَابِلِيَّتِهِم ْ لَا لِنَقْصٍ فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْخَيْرِ وَهَدْيِهِ إِلَيْهِ.
وَالْكُفْرُ بِالضَّمِّ: إِخْفَاءُ النِّعْمَةِ، وَبِالْفَتْحِ: السَّتْرُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ كَفَرَ إِذَا سَتَرَ.)التحرير والتنوير ج1ص248
-ذكر الإنذار دون البشارة
(لأن تأثير الإنذار في الفعل والترك اقوى من تأثير البشارة، فاشتغال الإنسان بدفع الضرر أشد من اهتمامه بجلب المصلحة والله أعلم ) من غريب بلاغة القرآن الكريم ص37

-في بيان الفائدة من التعدية ب (على )
(للإشارة إلى تمكن الإستواء وهذا مدلول حرف الإستعلاء ) من غريب بلاغة القرآن الكريم ص37
-فائدة الفصل
(لكمال التباين ، وتمام الإختلاف بين مضمون هذه الآية والآيات قبلها ،فهذه الآية خبر عن الكفار الضالين ،وماقبلها خبر عن المتقين المهتدين وسرد لبعض صفاتهم) من غريب بلاغة القرآن الكريم ص38
-الغرض من تصدير الآية بحرف التوكيد (إن )
يقول الطاهر بن عاشور (وَتَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ إِمَّا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَغَرَابَتِهِ دُونَ رَدِّ الْإِنْكَارِ أَوِ الشَّكِّ لِأَن الْخطاب للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْأُمَّةِ وَهُوَ خِطَابُ أُنُفٍ بِحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْ شَكٌّ فِي وُقُوعِهِ، وَمَجِيءُ (إِنَّ) لِلِاهْتِمَامِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. وَقَدْ تَكُونُ (إِنَّ) هُنَا لِرَدِّ الشَّكِّ تَخْرِيجًا لِلْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ حِرْصَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هِدَايَةِ الْكَافِرِينَ تَجْعَلُهُ لَا يَقْطَعُ الرَّجَاءَ) ج1ص248
-فائدة جمع القلوب والأبصار وإفراد السمع
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ :
{وأما قوله عز وجل: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم)( فليس من هذا؛ لأن السمع مصدر، والمصدر يقع للواحد والجمع.
وكذلك قول الشاعر، وهو جرير:

إن العيون التي في طرفها مرضٌ قتلـنـنـا ثــــم لــــم يـحـيـيـن قـتـلانــا
لأن الطرف مصدر. وأما قول الله عز وجل: {ثم يخرجكم طفلاً} وقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً} فإنه أفرد هذا، لأن مخرجهما مخرج التمييز؛ كما تقول: زيد أحسن الناس ثوباً، وأفره الناس مركباً. وإنه ليحسن ثوباً، ويكثر أمةً وعبداً). [المقتضب: 2/168-171] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "طرفها ساج" ولم يقل: "أطرافها" لأن تقديرها تقدير المصدر، من طرفت طرفًا، قال الله عز وجل: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ}
لأن السمع في الأصل مصدر. قال جرير:
إن العيون التي في طرفها مرضٌ قتلننـا ثــم لــم يحيـيـن قتـلانـا ).
[الكامل: 1/370-371]
ووحد السمع مع أنه متعدد في الواقع ومقتضى الانتظام بالسباق واللحاق أن يجري على نمطهما للاختصار والتفنن مع الإشارة إلى نكتة- هي أن مدركاته نوع واحد ومدركاتهما مختلفة- وكثيرا ما يعتبر البلغاء مثل ذلك، وقيل: إن وحدة اللفظ تدل على وحدة مسماه- وهو الحاسة- ووحدتها تدل على قلة مدركاتها في بادىء النظر فهناك دلالة التزام ويكفي مثل ما ذكر في اللزوم عرفا (1) ومنه يتنبه لوجه جمع القلوب كثرة والأبصار قلة وإن كان ذلك هو المعروف في استعمال الفقهاء في جميعها على أن الأسماع قلما قرع السمع- ومنه قراءة ابن أبي عبلة في الشواذ- وعلى أسماعهم، واستشهد له بقوله:
قالت ولم تقصد لقيل الخنا ... مهلا لقد أبلغت أسماعي
والقول بأنه وحدة للأمن عن اللبس كما في قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا ... فإن زمانكم زمن خميص
ولأنه في الأصل مصدر والمصادر لا تجمع فروعي ذلك- ليس بشيء- لأن ما ذكر مصحح لا مرجح وأدنى من هذا عندي تقدير مضاف مثل- وحواس سمعهم- وقد اتفق القراء على الوقف على سمعهم وظاهره دليل على أنه لا تعلق له بما بعده فهو معطوف على عَلى قُلُوبِهِمْ وهذا أولى من كونه هو وما عطف عليه خبرا مقدما لغشاوة أو عاملان فيه على التنازع وإن احتملته الآية لتعين نظيره في قوله تعالى: وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ [الجاثية: 23] والقرآن يفسر بعضه بعضا ولأن السمع كالقلب يدرك ما يدركه من جميع الجهات فناسب أن يقرن معه بالختم الذي يمنع من جميعها وإن اختص وقوعه بجانب إلا أنه لا يتعين، ولما كان إدراك البصر لا يكون عادة إلا بالمحاذاة والمقابلة جعل المانع ما يمنع منها وهو الغشاوة لأنها في الغالب كذلك كغاشية السرج، ومثل هذا يكفي في النكات ولا يضره ستره لجميع الجوانب كالإزار، وما في الكشف: من أن الوجه أن الغشاوة مشهورة في أمراض العين فهي أنسب بالبصر من غير حاجة لما تكلفوه، ويكشف عن حالة النظر في المعنى اللغوي ممن لا غشاوة على بصره.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]