أسباب العمل بخبر الواحد
فراس رياض السقال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإن الله تعالى أرسل إلينا نبيه صلى الله عليه وسلم برسالة عظيمة، هي دين الله الحنيف، فبلَّغها وأدَّاها حقَّ تأدية، حتى وصلت إلينا سالمة مكرمة، ومما وصل إلينا من رسالته صلى الله عليه وسلم الخالدة سنته العطرة، عبر أحاديثه المروية بطريق الصحابة الكرام ومن تبِعهم، ومن هذه الأحاديث ما رواه عدد غفير من الصحابة فبلغ حد التواتر، فسُمِّيت بالأحاديث المتواترة، ومنها من رواه العدد القليل منهم فسميت بأحاديث الآحاد، ومن العلماء من أخذ بها بعد أن جرَّد منها الضعيف وعمل بها، ومنهم من ردَّها لظنِّيَّتِها، وفي هذا البحث أسرد سبب الأخذ بحديث الآحاد رغم أنه ظَنِّيٌّ، والله تعالى هو الموفق أولًا وآخرًا.
تعريف الخبر:
الخبر: النبأ؛ قال الليث: الخبر ما أتاك من نبأ عمن تستخبر[1]؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4]؛ أي: يوم تخبر بما عمل عليها.
أقسام الخبر[2]:
باعتبار ما علم كذبه، وما لا يعلم صدقه ولا كذبه.
الأول: ما علم صدقه؛ وهو نوعان: متفق عليه، ومختلف فيه.
المتفق عليه؛ وهو:
1- ما علم صدقه بالضرورة؛ مثل: الواحد نصف الاثنين، والكل أعظم من الجزء.
2- خبر الله تعالى؛ لأن الصدق صفة كمال، والكمال واجب له، والكذب صفة نقص، وهو محال عليه سبحانه.
3- خبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به عن الله لدلالة المعجزة على صدقه.
4- خبر كل الأمة؛ لأنها لا تجتمع على ضلالة، لثبوت عصمتها.
5- كل خبر يوافق ما أخبر الله تعالى عنه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو الأمة.
6- الخبر المتواتر، وسيأتي الكلام عليه.
وأما المختلف فيه، فمنه:
خبر من أخبر بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، فقيل: عدم إنكاره دليل صدقه، وقد عدَّه الغزالي من المعلوم صدقة، فقال: "كل خبر صح أنه ذكره المخبر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن غافلًا عنه فسكت عليه؛ لأنه لو كان كذبًا لَما سكت عنه، ولا عن تكذيبه، ونعني به ما يتعلق بالدين"[3].
الثاني: ما علم كذبه:
1- ما يعلم خلافه بضرورة العقل أو نظره، أو الحس المشاهد، أو أخبار التواتر.
2- ما يخالف النص القاطع من الكتاب والسنة المتواترة وإجماع الأمة.
3- ما صرح بتكذيبه جمع كثير يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب.
4- ما سكت الجمع الكثير عن نقله، والتحدث به مع جريان الواقعة بمشهد منهم، ومع إحالة العادة السكوت عن ذكره لتوفر الدواعي على نقله، كما لو أخبر مخبر بأن أمير البلد قُتل في السوق على ملأ من الناس، ولم يتحدث أهل السوق به فيُقطع بكذبه؛ إذ لو صدق لتوفرت الدواعي على نقله، ولإحالة العادة اختصاصه بحكايته[4].
الثالث: ما لم يُعلَم صدقه ولا كذبه: وهو ثلاثة أقسام:
الأول: ما ترجح احتمال صدقه كخبر العدل.
الثاني: ما ترجح احتمال كذبه كخبر الفاسق.
الثالث: أن يتساوى الأمران كخبر مجهول الحال[5].
معنى كلمة آحاد:
لغة: أح د: (الأحد) بمعنى الواحد، وهو أول العدد تقول: أحد واثنان وأحد عشر وإحدى عشرة[6]. واصطلاحًا: عند الأصوليين: ما عدا المتواتر، فيشمل كل خبر لم تتوفر فيه شروط المتواتر[7].
تعريف خبر الآحاد:
لغة: خبر الواحد في اللغة: ما يرويه شخص واحد[8]، عند المحدثين: خبر الواحد كل ما لم ينتهِ إلى التواتر، وقيل: هو ما يفيد الظن[9]، وعند الأصوليين: خبر الواحد عن الواحد حتى ينتهي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من انتهى به إليه دونه[10]، وخبر الواحد هو ما نقله واحد عن واحد، أو واحد عن جماعة، أو جماعة عن واحد، ولا عبرة للعدد إذا لم تبلغ حد المشهور[11]، وقال المروزي السمعاني: "أخبار الآحاد ما أخبر به الواحد، والعدد القليل الذي لا يجوز عليهم المواطأة على الكذب"[12].
أقسام خبر الواحد:
وينقسم خبر الآحاد من ناحية العدد إلى: غريب، وعزيز، ومشهور، ومستفيض.
فالغريب:ما انفرد به واحدٌ في طبقة من الطبقات، ويُسمَّى فردًا.
والعزيز:ما انفرد به اثنان في طبقة من الطبقات.
والمشهور:ما انفرد به ثلاثة إلى تسعة في طبقة من الطبقات.
والمستفيض:ما انفرد به عشرة فصاعدًا، ولم يصل حدَّ التواتر.
بما يفيده خبر الواحد[13]:
اختلف العلماء فيما يفيده خبر الواحد العدل الضابط عن مثله إلى صلى الله عليه وسلم، فقالوا:
• إنه يفيد العلم، وهؤلاء منهم من قال: يفيد العلم على اطراد، ومنهم من قال: يفيده لا على اطراد.
• وذهب البعض أنه إنما يفيد العلم بانضمام القرائن غير اللازمة للتعريف.
• وقالت طائفة: إنه إنما يفيد الظن.
قول جمهور الأصوليين:
إن خبر الواحد العدل، لا يفيد إلا الظن، واستدلوا على ذلك بأدلة، أهمها:
1- نعلم ضرورة أنا لا نصدق كل خبر نسمعه.
2- لو أفاد العلم لأدى إلى تناقض المعلومين، فيما لو أخبر ثقة آخر بضد ما أخبر به الأول.
3- لو أفاد العلم، لحصل العلم بنبوة من يخبر بكونه نبيًّا من غير حاجة إلى معجزة دالة على صدقه.
4- لو أفاد العلم، لجاز نسخ القرآن والأخبار المتواترة به، لكونه بمنزلتها في إفادة العلم.
5- لو أفاد العلم، لوجب تخطئة مخالفه بالاجتهاد، وتفسيقه وتبديعه.
6- لو أفاد العلم، لوجب الحكم بالشاهد الواحد من غير حاجة إلى شاهد آخر، ومن غير افتقار إلى تزكية.
7- لجواز الكذب والغلط على الراوي، لكونه غير معصوم فصفة خبر الواحد أنه يجور عليه الكذب والوهم.
معنى الظن:
لغة: قال: الظن يقين وشك: يقول: اليقين منهم كعسى، وعسى شكٌّ، وقال شمر: قال أبو عمرو: معناه ما يظن بهم من الخير فهو واجب، وعسى من الله واجب، وقال الله جل وعز حكاية عن الإنسان: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 20]؛ أي: علمت[14].
اصطلاحًا: تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر[15].
في إفادة خبر الواحد العلم:
ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن خبر الواحد العدل يفيد القطع إذا صح، واختارها جماعة من أصحابه، واختار هذا القول الحارث المحاسبي، وهو قول جمهور أهل الظاهر، وجمهور أهل الحديث.
وقال ابن القيم: "فممن نص على أن خبر الواحد يفيد العلم مالك والشافعي، وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه، كأبي محمد بن حزم، ونص عليه الحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن أسد المحاسبي، قال ابن خويز: ويقع بهذا الضرب أيضًا العلم الضروري، نص على ذلك مالك، وقال أحمد: نعلم أنها حق، ونقطع على العلم بها".
يتبع