ورُوِيَ الحديث من طريق أخرى؛ أخرجه ابن حزم في «المحلى» (1/ 158)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (2/ 112)، من طريق محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة الحلبي، بحلب، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وفيها ما ينجي الناس، والمحايض، والجنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».
قال ابن عبد البر رحمه الله عقيبه: «وهذا اللفظ غريب في حديث سهل، ومحفوظ من حديث أبي سعيد الخدري، لم يأت به في حديث سهل غير ابن أبي حازم. والله أعلم»اهـ.
وصحح هذا الإسناد ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (5/ 224).
قلت: بل هو إسناد ضعيف؛ فأبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة الحلبي، مجهول.
وقد قال ابن حزم: «عبد الصمد بن أبي سكينة ثقة».
قال الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 13): «قلت ابن أبي سكينة الذي زعم ابن حزم أنه مشهور، قال ابن عبد البر وغير واحد: إنه مجهول، ولم نجد عنه راويًا إلا محمد بن وضاح» اهـ.
وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله (1/ 95): «وعبدالصمد هذا الذي ذكر ابن حزم أنه ثقة مشهور، تتبعت تراجم من اسمه عبد الصمد في «تاريخ الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقي»، فلم أجد له في تلك التراجم ذِكرًا» اهـ.
***
الشاهد الثاني: أخرجه الطيالسي في «مسنده» (2269)، ومن طريقه البيهقي في «الكبير» (1218)، عن قيس؛ يعني: ابن الربيع، عن طريف بن سفيان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا على غدير فيه جِيفة، فتوضأ بعضُ القوم، وأمسك بعض القوم حتى يجيء النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس، فقال: «تَوَضَّئُوا وَاشْرَبُوا، فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًّا.
• قيس بن الربيع. ضعَّفه غير واحد من الأئمة، وقال أحمد: «روى أحاديث منكرة».
• وطريف بن سفيان؛ هو ابن شهاب، أو ابن سعد.
جاء في «التهذيب» (13/ 379، 380): «قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ليس بشيء، ولا يُكتب حديثه.
وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ضعيف الحديث.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس بقوي.
وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم.
وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال في موضع آخر: واهي الحديث.
وقال النسائي: ضعيف الحديث.
وقال في موضع آخر: متروك الحديث.
وقال في موضع آخر: ليس بثقة.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال ابن حبان: كان مغفلًا، يَهِم في الأخبار، حتى يقلبها، ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات.
وقال ابن عدي: روى عنه الثقات، وإنما أنكر عليه في متون الأحاديث أشياء لم يأت بها غيره، وأما أسانيده فهي مستقيمة» اهـ.
• وأبو نضرة؛ هو المنذر بن مالك العبدي البصري، ثقة.
وقد تابع قيسَ بن الربيع على هذا الحديث شريكُ بن عبد الله القاضي.
فقد أخرجه أبو عبيد في «الطهور» (147)، والطبري في «تهذيب الآثار» (1056)، وابن عدي في «الكامل» (5/ 187)، ومن طريق ابن عدي البيهقي في «الكبير» (1219)، من طريق شريك بن عبد الله، عن طريف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، به.
قلت: وشريك ضعيف سيئ الحفظ جدًّا.
جاء في ترجمته في «التهذيب» (12/ 471): «قال يعقوب بن شيبة: شريك صدوق ثقة سيئ الحفظ جدًّا.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: شريك سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، مائل.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن شريك يُحتج بحديثه؟ قال: كان كثير الخطأ، صاحب وهَم، وهو يغلط أحيانًا» اهـ.
قلت: وقد اضطرب شريك في هذا الحديث؛ فرواه مرَّة هكذا؛ ورواه مَرَّة عن طريف، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله، به.
أخرجه ابن ماجه (520).
ورواه مرَّة ثالثة على الشك؛ فقال: عن طريف البصري، عن أبي نضرة، عن جابر، أو أبي سعيد، به.
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (1056)، والطحاوي في «معاني الآثار» (5).
***
الشاهد الثالث: ذكره الدارقطني في «العلل» (8/ 156)؛ حيث «سئل عن حديث سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بئر بضاعة، فقال: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».
فقال: يرويه ابن أبي ذئب، واختلف عنه: فرواه عبد الله بن ميمون القداح، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة.
وخالفه عدي بن الفضل؛ رواه، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن إسحاق، عن عياض، وعقبة، عن أبي هريرة.
ورواه وكيع، عن ابن أبي ذئب، قال الشيخ: فيه كلام كثير، والحديث غير ثابت» اهـ.
وقول الدارقطني: «غير ثابت»، قال ابن الملقن في «البدر المنير» (1/ 382): «قال النووي في كلامه على سنن أبي داود: صححه يحيى بن معين، والحاكم، وآخرون من الأئمة الحفاظ، وقال في «الخلاصة»: وقولهم مقدَّم على قول الدارقطني: إنَّ هذا الحديث ليس بثابت.
قلت: كذا نَقَل عن الدارقطني هذه القولة أيضًا ابن الجوزي في «تحقيقه»، ولم أرها في «علله»؛ بل ذكر في «علله» الاختلاف في إسناده» اهـ.
وقال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 13): «ونقل ابن الجوزي أن الدارقطني قال: إنه ليس بثابت، ولم نر ذلك في العلل له ولا في السنن، وقد ذكر في العلل الاختلاف فيه على ابن إسحاق وغيره» اهـ.
قلت: هو موجود كما ترى في «العلل»، ولكن عند كلامه عن حديث أبي هريرة، وليس عند حديث أبي سعيد.
[1] تصحفت في «مسند أبي يعلى» تحقيق حسين سليم أسد إلى (عن أبيه) بدل (عن أمه)؛ وقد رواه أبو الشيخ في «طبقات المحدثين»، و أبو نعيم في «تاريخ أصبهان»، من طريق أبي يعلى، على الصواب.
وإنما جاءت (عن أبيه) من رواية هشام بن عمار فقط.
[2] جاء في «معجم الطبراني» تحقيق حمدي السلفي: (جابر بن إسماعيل) بدل (حاتم بن إسماعيل)؛ وهو تحريف؛ وقد رواه أبو نعيم في «تاريخ أصبهان»، من طريق الطبراني على الصواب.