عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 21-08-2021, 11:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (24)

سورة آل عمران (2)

قوله تعالى : كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ، لم يبين هنا من هؤلاء الذين من قبلهم وما ذنوبهم التي أخذهم الله بها .

وبين في مواضع أخر أن منهم قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم لوط ، [ ص: 198 ] وقوم شعيب ; وأن ذنوبهم التي أخذهم بها هي الكفر بالله ، وتكذيب الرسل وغير ذلك من المعاصي ، كعقر ثمود للناقة ، وكلواط قوم لوط ، وكتطفيف قوم شعيب للمكيال والميزان ، وغير ذلك كما جاء مفصلا في آيات كثيرة كقوله في نوح وقومه : فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون [ 29 \ 14 ] ، ونحوها من الآيات وكقوله في قوم هود : إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم الآية [ 51 \ 41 ] ، ونحوها من الآيات . وكقوله في قوم صالح : وأخذ الذين ظلموا الصيحة الآية [ 11 \ 67 ] ، ونحوها من الآيات . وكقوله في قوم لوط : فجعلنا عاليها سافلها الآية [ 15 ] ، ونحوها من الآيات . وكقوله في قوم شعيب : فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم [ 26 \ 189 ] ، ونحوها من الآيات .
قوله تعالى : قد كان لكم آية في فئتين التقتا الآية ، ذكر في هذه الآية الكريمة أن وقعة بدر آية أي : علامة على صحة دين الإسلام إذ لو كان غير حق لما غلبت الفئة القليلة الضعيفة المتمسكة به الفئة الكثيرة القوية التي لم تتمسك به .

وصرح في موضع آخر أن وقعة بدر بينة أي : لا لبس في الحق معها وذلك في قوله : ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة [ 8 \ 42 ] .

وصرح أيضا بأن وقعة بدر فرقان فارق بين الحق والباطل ، وهو قوله : وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان الآية [ 8 \ 41 ] .
قوله تعالى : والخيل المسومة والأنعام ، لم يبين هنا كم يدخل تحت لفظ الأنعام من الأصناف .

ولكنه قد بين في مواضع أخر أنها ثمانية أصناف هي الجمل ، والناقة ، والثور ، والبقرة ، والكبش ، والنعجة ، والتيس ، والعنز كقوله تعالى : ومن الأنعام حمولة وفرشا [ 6 \ 142 ] ، ثم بين الأنعام بقوله : ثمانية أزواج من الضأن اثنين [ 6 \ 143 ] ، يعني الكبش والنعجة : ومن المعز اثنين ، يعني : التيس والعنز إلى قوله : ومن الإبل اثنين [ 6 \ 144 ] يعني : الجمل والناقة ، ومن البقر اثنين ، يعني : الثور والبقرة وهذه الثمانية هي المرادة بقوله : وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [ 39 \ 6 ] ، وهي المشار إليها بقوله : فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا [ ص: 199 ] الآية [ 42 \ 11 ] .

تنبيه :

ربما أطلقت العرب لفظ النعم على خصوص الإبل ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " من حمر النعم " يعني : الإبل . وقول حسان رضي الله عنه : [ الوافر ]
وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء

أي : إبل وشاء .
قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية . صرح تعالى في هذه الآية الكريمة : أن اتباع نبيه موجب لمحبته جل وعلا ذلك المتبع ، وذلك يدل على أن طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هي عين طاعته تعالى ، وصرح بهذا المدلول في قوله تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله [ 4 \ 80 ] ، وقال تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] .

تنبيه :

يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هي اتباعه صلى الله عليه وسلم ، فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر ; إذ لو كان محبا له لأطاعه ، ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

وقول ابن أبي ربيعة المخزومي : [ المتقارب ]
ومن لو نهاني من حبه عن الماء عطشان لم أشرب


وقد أجاد من قال : [ البسيط ]
قالت : وقد سألت عن حال عاشقها بالله صفه ولا تنقص ولا تزد


فقلت : لو كان رهن الموت من ظمأ وقلت : قف عن ورود الماء لم يرد


قوله تعالى : قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر ، لم يبين هنا القدر الذي بلغ من الكبر ، ولكنه بين في سورة " مريم " أنه بلغ من الكبر عتيا ، وذلك في قوله تعالى عنه : وقد بلغت من الكبر عتيا [ 19 \ 8 ] ، والعتي : اليبس والقحول في المفاصل [ ص: 200 ] والعظام من شدة الكبر .

وقال ابن جرير في " تفسيره " : وكل متناه إلى غايته في كبر أو فساد أو كفر فهو عات ، وعاس . قوله تعالى عن زكريا : امرأتي عاقرا [ 19 \ 8 ] ، لم يبين هنا هل كانت كذلك أيام شبابها ، ولكنه بين في سورة " مريم " أنها كانت كذلك قبل كبرها بقوله عنه : وكانت امرأتي عاقرا الآية .
قوله تعالى : قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة ، لم يبين هل المانع له من كلام الناس بكم طرأ له ، أو آفة تمنعه من ذلك ، أو لا مانع له إلا الله وهو صحيح لا علة له .

ولكنه بين في سورة " مريم " أنه لا بأس عليه وأن انتفاء التكلم عنه لا لبكم ، ولا مرض وذلك في قوله تعالى : قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا [ 19 \ 10 ] ; لأن قوله سويا حال من فاعل تكلم مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة ، لا لاعتقال اللسان بمرض ، أي : يتعذر عليك تكليمهم ولا تطيقه ، في حال كونك سوي الخلق سليم الجوارح ، ما بك شائبة بكم ولا خرس ، وهذا ما عليه الجمهور ، ويشهد له قوله تعالى : واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار [ 3 \ 41 ] .

وعن ابن عباس : أن سويا عائد إلى الليالي . أي : كاملات مستويات ، فيكون صفة الثلاث ، وعليه فلا بيان بهذه الآية لآية " آل عمران " .
قوله تعالى : إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه الآية ، لم يبين هنا هذه الكلمة التي أطلقت على عيسى ; لأنها هي السبب في وجوده من إطلاق السبب وإرادة مسببه ، ولكنه بين في موضع آخر أنها لفظة كن ، وذلك في قوله : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن [ 3 \ 59 ] ، وقيل : الكلمة بشارة الملائكة لها بأنها ستلده واختاره ابن جرير ، والأول قول الجمهور .
قوله تعالى : ويكلم الناس في المهد ، لم يبين هنا ما كلمهم به في المهد ، ولكنه بينه في سورة " مريم " بقوله : فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا مباركا أين ما كنت ‎وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا [ 19 \ 29 \ 33 ] .
[ ص: 201 ] قوله تعالى : قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ، أشار في هذه الآية إلى قصة حملها بعيسى وبسطها مبينة في سورة " مريم " بقوله : واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا الآية [ 16 \ 17 ] . إلى آخر القصة وبين النفخ فيها في سورة " التحريم " و " الأنبياء " ، معبرا في التحريم بالنفخ في فرجها ، وفي " الأنبياء " بالنفخ فيها .
قوله تعالى : فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله الآية ، لم يبين هنا الحكمة في ذكر قصة الحواريين مع عيسى ، ولكنه بين في سورة " الصف " أن حكمة ذكر قصتهم هي أن تتأسى بهم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في نصرة الله ودينه ، وذلك في قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله الآية [ 14 ] .
قوله تعالى : ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ، لم يبين هنا مكر اليهود بعيسى ، ولا مكر الله باليهود ، ولكنه بين في موضع آخر أن مكرهم به محاولتهم قتله ، وذلك في قوله : وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله [ 4 \ 157 ، 158 ] ، وبين أن مكره بهم إلقاؤه الشبه على غير عيسى وإنجاؤه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وذلك في قوله : وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم [ 4 \ 157 ] ، وقوله : وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه الآية [ 157 \ 158 ] .
قوله تعالى : إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك الآية .

قال بعض العلماء : أي منجيك ورافعك إلي في تلك النومة ويستأنس لهذا التفسير بالآيات التي جاء فيها إطلاق الوفاة على النوم ، كقوله : وهو الذي يتوفاكم بالليل الآية [ 6 \ 60 ] ، وقوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها [ 39 \ 42 ] .
قوله تعالى : يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم لم يبين هنا ما وجه محاجتهم في إبراهيم ، ولكنه بين في موضع آخر أن محاجتهم في إبراهيم هي قول اليهود : إنه يهودي ، والنصارى : إنه نصراني ، وذلك في قوله : أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله [ 2 \ 140 ] ، [ ص: 202 ] وأشار إلى ذلك هنا بقوله : والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا الآية [ 3 \ 66 \ 67 ] .
قوله تعالى : إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم .

قال بعض العلماء : يعني إذا أخروا التوبة إلى حضور الموت فتابوا حينئذ ، وهذا التفسير يشهد له قوله تعالى : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار [ 4 \ 18 ] . وقد تقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد ، ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا .

وقال بعض العلماء : معنى لن تقبل توبتهم لن يوفقوا للتوبة حتى تقبل منهم ويشهد له قوله تعالى : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا [ 4 \ 137 ] ، فعدم غفرانه لهم لعدم هدايتهم السبيل الذي يغفر لصاحبه ونظيرها قوله تعالى : لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم [ 4 \ 168 ، 169 ] .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]