بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (21)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ (20)
[ مبحث في الربا ]
قوله تعالى : يمحق الله الربا ، صرح في هذه الآية الكريمة بأنه يمحق الربا أي : يذهبه بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به كما قاله ابن كثير وغيره ، وما ذكر هنا من محق الربا ، أشار إليه في مواضع أخر كقوله : وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله [ 30 \ 39 ] ، وقوله : قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث الآية [ 5 \ 100 ] ، وقوله : ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم ، كما أشار إلى ذلك ابن كثير في تفسير هذه الآية .
واعلم أن الله صرح بتحريم الربا بقوله : وحرم الربا [ 2 \ 235 ] ، وصرح بأن المتعامل بالربا محارب الله بقوله : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون [ 2 \ 278 ، 279 ] .
وصرح بأن آكل الربا لا يقوم أي : من قبره يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس بقوله : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا [ 2 \ 275 ] [ ص: 161 ] والأحاديث في ذلك كثيرة جدا .
واعلم أن الربا منه ما أجمع المسلمون على منعه ولم يخالف فيه أحد وذلك كربا الجاهلية ، وهو أن يزيده في الأجل على أن يزيده الآخر في قدر الدين ، وربا النساء بين الذهب والذهب ، والفضة والفضة ، وبين الذهب والفضة ، وبين البر والبر ، وبين الشعير والشعير ، وبين التمر والتمر ، وبين الملح والملح ، وكذلك بين هذه الأربعة بعضها مع بعض .
وكذلك حكى غير واحد الإجماع على تحريم ربا الفضل ، بين كل واحد من الستة المذكورة فلا يجوز الفضل بين الذهب والذهب ، ولا بين الفضة والفضة ، ولا بين البر والبر ، ولا بين الشعير والشعير ، ولا بين التمر والتمر ، ولا بين الملح والملح ، ولو يدا بيد .
والحق الذي لا شك فيه منع ربا الفضل في النوع الواحد من الأصناف الستة المذكورة ، فإن قيل : ثبت في " الصحيح " عن ابن عباس ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ربا إلا في النسيئة " وثبت في " الصحيح " عن أبي المنهال أنه قال : سألت البراء بن عازب ، وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا : كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصرف ، فقال : " ما كان منه يدا بيد فلا بأس ، وما كان منه نسيئة فلا " ، فالجواب من أوجه : الأول : أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بجواز الفضل ومنع النسيئة فيما رواه عنه أسامة ، والبراء ، وزيد ، إنما هو في جنسين مختلفين ، بدليل الروايات الصحيحة المصرحة بأن ذلك هو محل جواز التفاضل ، وأنه في الجنس الواحد ممنوع .
واختار هذا الوجه البيهقي في " السنن الكبرى " ، فإنه قال بعد أن ساق الحديث الذي ذكرنا آنفا عن البراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، ما نصه : رواه البخاري في الصحيح عن أبي عاصم ، دون ذكر عامر بن مصعب ، وأخرجه من حديث حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، مع ذكر عامر بن مصعب ، وأخرجه مسلم بن الحجاج ، عن محمد بن حاتم بن ميمون ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي المنهال ، قال : باع شريك لي ورقا بنسيئة إلى الموسم أو إلى الحج ، فذكره وبمعناه رواه البخاري [ ص: 162 ] عن علي بن المديني ، عن سفيان ، وكذلك رواه أحمد بن روح عن سفيان ، وروي عن الحميدي عن سفيان عن عمرو بن دينار ، عن أبي المنهال ، قال : باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل .
عندي أن هذا خطأ ، والصحيح ما رواه علي بن المديني ، ومحمد بن حاتم ، وهو المراد بما أطلق في رواية ابن جريج ، فيكون الخبر واردا في بيع الجنسين ، أحدهما بالآخر ، فقال : " ما كان منه يدا بيد فلا بأس ، وما كان منه نسيئة فلا " ، وهو المراد بحديث أسامة ، والله أعلم .
والذي يدل على ذلك أيضا ما أخبرنا به أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد : أنا أبو سهل بن زياد القطان ، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، حدثنا أبو عمر ، حدثنا شعبة ، أخبرني حبيب هو ابن أبي ثابت ، قال : سمعت أبا المنهال قال : سألت البراء وزيد بن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الورق بالذهب دينا ، رواه البخاري في " الصحيح " عن أبي عمر حفص بن عمر ، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة اهـ من البيهقي بلفظه ، وهو واضح جدا فيما ذكرنا من أن المراد بجواز الفضل المذكور كونه في جنسين لا جنس واحد .
وفي تكملة " المجموع " بعد أن ساق الكلام الذي ذكرنا عن البيهقي ما نصه : ولا حجة لمتعلق فيهما ; لأنه يمكن حمل ذلك على أحد أمرين ، إما أن يكون المراد بيع دراهم بشيء ليس ربويا ، ويكون الفساد لأجل التأجيل بالموسم أو الحج ، فإنه غير محرر ولا سيما على ما كانت العرب تفعل .
والثاني : أن يحمل ذلك على اختلاف الجنس ويدل له رواية أخرى عن أبي المنهال ، قال : سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الذهب بالورق دينا ، رواه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ البخاري ومسلم بمعناه . وفي لفظ مسلم عن بيع الورق بالذهب دينا ، فهو يبين أن المراد صرف الجنس بجنس آخر .
وهذه الرواية ثابتة من حديث شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي المنهال ، والروايات الثلاث الأول رواية الحميدي ، واللتان في " الصحيح " وكلها أسانيدها في غاية الجودة .
[ ص: 163 ] ولكن حصل الاختلاف في سفيان فخالف الحميدي علي بن المديني ، ومحمد بن حاتم ، ومحمد بن منصور ، وكل من الحميدي وعلي بن المديني في غاية الثبت . ويترجح ابن المديني هنا بمتابعة محمد بن حاتم ، ومحمد بن منصور له ، وشهادة ابن جريج لروايته ، وشهادة رواية حبيب بن أبي ثابت لرواية شيخه ، ولأجل ذلك قال البيهقي رحمه الله : إن رواية من قال إنه باع دراهم بدراهم خطأ عنده . اهـ منه بلفظه .
وقال ابن حجر في " فتح الباري " ما نصه : وقال الطبري معنى حديث أسامة : " لا ربا إلا في النسيئة " إذا اختلفت أنواع البيع . اهـ محل الغرض منه بلفظه ، وهو موافق لما ذكر . وقال في " فتح الباري " أيضا ما نصه :
تنبيه
وقع في نسخة الصغاني هنا قال أبو عبد الله : يعني البخاري سمعت سليمان بن حرب يقول : لا ربا إلا في النسيئة ، هذا عندنا في الذهب بالورق ، والحنطة بالشعير ، متفاضلا ولا بأس به يدا بيد ، ولا خير فيه نسيئة . قلت : وهذا موافق . ا هـ منه بلفظه .
وعلى هامش النسخة أن بعد قوله : وهذا موافق بياضا بالأصل ، وبهذا الجواب الذي ذكرنا تعلم أن حديث البراء وزيد لا يحتاج بعد هذا الجواب إلى شيء ; لأنه قد ثبت في " الصحيح " عنهما تصريحهما باختلاف الجنس فارتفع الإشكال ، والروايات يفسر بعضها بعضا ، فإن قيل : هذا لا يكفي في الحكم على الرواية الثابتة في الصحيح بجواز التفاضل بين الدراهم والدراهم أنها خطأ ; إذ لقائل أن يقول لا منافاة بين الروايات المذكورة ، فإن منها ما أطلق فيه الصرف ومنها ما بين أنها دراهم بدراهم ، فيحمل المطلق على المقيد ، جمعا بين الروايتين ، فإن إحداهما بينت ما أبهمته الأخرى ، ويكون حديث حبيب بن أبي ثابت حديثا آخر واردا في الجنسين ، وتحريم النساء فيهما ، ولا تنافي في ذلك ولا تعارض .
فالجواب على تسليم هذا بأمرين : أحدهما : أن إباحة ربا الفضل منسوخة .
والثاني : أن أحاديث تحريم ربا الفضل أرجح ، وأولى بالاعتبار على تقدير عدم النسخ من أحاديث إباحته .
[ ص: 164 ] ومما يدل على النسخ ما ثبت في " الصحيح " عن أبي المنهال قال : باع شريك لي ورقا بنسيئة إلى الموسم أو إلى الحج ، فجاء إلي فأخبرني فقلت : هذا أمر لا يصح ، قال : قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك علي أحد ، فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ونحن نبيع هذا البيع ، فقال : " ما كان يدا بيد فلا بأس به ، وما كان نسيئة فهو ربا " ، وأتيت زيد بن أرقم فإنه أعظم تجارة مني ، فأتيته فسألته فقال مثل ذلك . هذا لفظ مسلم في " صحيحه " وفيه التصريح بأن إباحة ربا الفضل المذكورة في حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانت مقارنة لقدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة مهاجرا .
وفي بعض الروايات الصحيحة في تحريم ربا الفضل أنه - صلى الله عليه وسلم - صرح بتحريمه في يوم خيبر ، وفي بعض الروايات الصحيحة تحريم ربا الفضل بعد فتح خيبر أيضا ، فقد ثبت في " الصحيح " من حديث فضالة بن عبيد الأنصاري - رضي الله عنه - قال : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب ، وهي من المغانم تباع ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب وزنا بوزن " هذا لفظ مسلم في " صحيحه " ، وفي لفظ له في " صحيحه " أيضا عن فضالة بن عبيد قال : اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها ، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لا تباع حتى تفصل " ، وفي لفظ له في " صحيحه " أيضا عن فضالة - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر نبايع اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا الذهب بالذهب ، إلا وزنا بوزن " . وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر ، فقدم بتمر جنيب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكل تمر خيبر هكذا ؟ " قال : لا والله يا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تفعلوا ، ولكن مثلا بمثل ، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا ، وكذلك الميزان " هذا لفظ مسلم في صحيحه ، وفي لفظ لهما عن أبي هريرة وأبي سعيد أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على خيبر فجاء بتمر جنيب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكل تمر خيبر هكذا ؟ " قال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلا تفعل بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا " والأحاديث بمثله كثيرة ، وهي نص صريح في [ ص: 165 ] تصريحه - صلى الله عليه وسلم - بتحريم ربا الفضل بعد فتح خيبر ، فقد اتضح لك من هذه الروايات الثابتة في " الصحيح " : أن إباحة ربا الفضل كانت زمن قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة مهاجرا ، وأن الروايات المصرحة بالمنع صرحت به في يوم خيبر وبعده ، فتصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم ربا الفضل بعد قدومه المدينة بنحو ست سنين وأكثر منها ، يدل دلالة لا لبس فيها على النسخ ، وعلى كل حال فالعبرة بالمتأخر ، وقد كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث .
وأيضا فالبراء ، وزيد - رضي الله عنهما - كانا غير بالغين في وقت تحملهما الحديث المذكور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف الجماعة من الصحابة الذين رووا عنه تحريم ربا الفضل ; فإنهم بالغون وقت التحمل ، ورواية البالغ وقت التحمل أرجح من رواية من تحمل وهو صبي ; للخلاف فيها دون رواية المتحمل بالغا ، وسن البراء وزيد وقت قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، نحو عشر سنين ; لما ذكره ابن عبد البر عن منصور بن سلمة الخزاعي : أنه روى بإسناده إلى زيد بن حارثة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استصغره يوم أحد ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، وأبا سعيد الخدري ، وسعد بن حبتة ، وعبد الله بن عمر ، وعن الواقدي أن أول غزوة شهداها يوم الخندق .
وممن قال : بأن حديث البراء وزيد منسوخ ، راويه الحميدي . وناهيك به علما واطلاعا . وقول راوي الحديث : إنه منسوخ ، في كونه يكفي في النسخ خلاف معروف عند أهل الأصول ، وأكثر المالكية والشافعية لا يكفي عندهم . فإن قيل : ما قدمتم من كون تحريم ربا الفضل واقعا بعد إباحته ، يدل على النسخ في حديث البراء وزيد ، لعلم التاريخ فيهما ، وأن حديث التحريم هو المتأخر ، ولكن أين لكم معرفة ذلك في حديث أسامة ؟ ومولد أسامة مقارب لمولد البراء وزيد ; لأن سن أسامة وقت وفاته - صلى الله عليه وسلم - عشرون سنة ، وقيل : ثمان عشرة ، وسن البراء وزيد وقت وفاته - صلى الله عليه وسلم - نحو العشرين ، كما قدمنا ما يدل عليه .
فالجواب : أنه يكفي في النسخ معرفة أن إباحة ربا الفضل وقعت قبل تحريمه ، والمتأخر يقضي على المتقدم .
الجواب الثاني : عن حديث أسامة أنه رواية صحابي واحد ، وروايات منع ربا الفضل عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رووها صريحة عنه صلى الله عليه وسلم ، ناطقة بمنع ربا الفضل ، منهم : أبو سعيد ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأبو هريرة ، وهشام بن عامر ، وفضالة بن عبيد ، وأبو بكرة ، وابن عمر ، وأبو الدرداء ، وبلال ، وعبادة بن الصامت ، [ ص: 166 ] ومعمر بن عبد الله وغيرهم وروايات جل من ذكرنا ثابتة في " الصحيح " كرواية : أبي هريرة ، وأبي سعيد ، وفضالة بن عبيد ، وعمر بن الخطاب ، وأبي بكرة ، وعبادة بن الصامت ، ومعمر بن عبد الله ، وغيرهم . وإذا عرفت ذلك فرواية الجماعة من العدول أقوى وأثبت وأبعد من الخطأ من رواية الواحد .
وقد تقرر في الأصول أن كثرة الرواة من المرجحات ، وكذلك كثرة الأدلة كما عقده في " مراقي السعود " ، في مبحث الترجيح ، باعتبار حال المروي بقوله : [ الرجز ]
وكثرة الدليل والرواية مرجح لدى ذوي الدراية
والقول بعدم الترجيح بالكثرة ضعيف ، وقد ذكر سليم الداري أن الشافعي أومأ إليه ، وقد ذهب إليه بعض الشافعية والحنفية .
الجواب الثالث : عن حديث أسامة أنه دل على إباحة ربا الفضل ، وأحاديث الجماعة المذكورة دلت على منعه في الجنس الواحد من المذكورات ، وقد تقرر في الأصول أن النص الدال على المنع مقدم على الدال على الإباحة ; لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام ، وقد قدمناه عن صاحب " المراقي " ، وهو الحق خلافا للغزالي ، وعيسى بن أبان وأبي هاشم ، وجماعة من المتكلمين حيث قالوا : هما سواء .
الجواب الرابع : عن حديث أسامة أنه عام بظاهره في الجنس والجنسين ، وأحاديث الجماعة أخص منه ; لأنها مصرحة بالمنع مع اتحاد الجنس ، وبالجواز مع اختلاف الجنس ، والأخص مقدم على الأعم ; لأنه بيان له ولا يتعارض عام وخاص ، كما تقرر في الأصول . ومن مرجحات أحاديث منع ربا الفضل على حديث أسامة الحفظ ; فإن في رواته أبا هريرة ، وأبا سعيد ، وغيرهما ، ممن هو مشهور بالحفظ ، ومنها غير ذلك .
يتبع