عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-08-2021, 10:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,861
الدولة : Egypt
افتراضي نحو تصنيف كتاب لتعليم العربية لأغراض خاصة وفق اللسانيات التطبيقية المعاصرة

نحو تصنيف كتاب لتعليم العربية لأغراض خاصة وفق اللسانيات التطبيقية المعاصرة
د. محمد خالد الفجر








أهدافُ البحث:

1- البدءُ بتصنيفِ كتابٍ مختصٍّ بالعلوم الشرعية للناطقين بغير العربية.

2- الوقوفُ على مشكلةِ قلة عدد كتب تعليم العربية المصنفة لأغراضٍ خاصة.

3- التفريقُ بين طبيعةِ اللّغة العامة، وطبيعةِ اللّغةِ المختصة.

4- الاطلاعُ على بعض جهودِ الغربيين في الإفادة من اللّسانيات التطبيقية في تصنيفِ كتبِ تعليم اللّغة.

5- اقتراح تشكيل فريقٍ مكوَّنٍ من اللّغويين، ومختصين بالعلوم الشرعية؛ لتكوينِ مدوّنةٍ لغويةٍ خدمةً لهذا الكتاب.

6- تحديد نصوص كتابٍ يتّفق مع المرحلة التي سيدرّس فيها، وهذا يعتمد على المؤسسة التي ستتولى النهوض بهذا العمل.



منهجُ البحث:

اعتمدتُ في بحثي على المنهجِ الوصفي التَّحليلي، فاستطلعتُ عددًا من الكتب التي صُنِّفت في زمننا الحديث، واطّلعت على بعضِ التَّجارب الغربية، ثمّ قُمتُ بتحليلٍ للآراء وقفْتُ استنادًا إليه على ما ينبغي أن يتحقّقَ في مجال تأليف كتبِ العربية لغير النّاطقين بها.



خُطَّةُ البَحثِ:

قَسَمْتُ البَحثَ إلى:

1- تمهيدٍ: أجبتُ فيه عن سؤال: لِمَ الحاجةُ إلى هذا النوع من الكتب؟ وبيّنْتُ أيضًا واقعَ اللُّغة العربية، وغاياتِ الطُّلاب من تعلُّمِها.



2- المَوضُوع: فِيهِ ثلاثةُ مَباحثَ:

المبحثُ الأوَّلُ: اللُّغة العامة واللغة المختصة: تحدّثتُ فيه عن نقاط الاختلاف بين اللغتين استنادًا إلى آراء الألسنيين، وبيّنتُ أن البدءَ بتحديدِ الفوارق بين هذين المستويين يُسهِّل علينا تصنيف الكتاب، كما أنَّني عرضتُ أوجهَ الاختلاف بينهما، وأنواعَ اللُّغة المختصة التي تتوزعُ على اللُّغة المهنية والأكاديمية والموضوعات المحدَّدة.



المبحث الثاني: بعض التَّجاربِ في تصنيفِ كتبِ العربية لغير الناطقين بها: حيث وقفتُ على بعضِ التَّجارب التي حقّقتِ انتشارًا، وتبين لي: أنّ هذه الكتب في معظمِها كانت مصنَّفةً بلغةٍ عامّةٍ لم تُراعِ اختصاص الطُّلاب، وإنما هي موجّهة إلى عموم طالبي اللغة العربية من غير أهلها، عدا بعضِ التَّجارب القليلة التي بدأتْ تظهرُ في الآونة الأخيرة، ومنها: كتابُ السّياحةِ في ماليزيا.



المبحثُ الثَّالِثُ: آليات ومراحل تصنيف كتاب مختص لأغراض العلوم الشرعية: ويتمحورُ هذا المبحثُ حولَ مادةِ المحادثةِ لطلّاب العلوم الشرعية. فتحدّثتُ عن مستويات الطلاب، والهدفِ من تصنيف الكتاب، وبيّنتُ العلاقةَ الوطيدة بين الأمرين، ثمّ وقفتُ على مراحل وضعِ النُّصوص، التي ارتأيتُ أنْ يسبقَها تكوينُ فريقٍ من المختصين بالعلوم الشرعية، والمختصين باللسانياتِ فيقوم الفريقُ الأوّل باختيارِ أكثر الكلمات شيوعًا في العلوم الشرعية، ويقوم الفريق الثاني بتوزيعها على حقولٍ دلاليّةٍ معتمدين على النّظرياتِ الألسنيّةِ في هذا المجال، وختمتُ البحثَ بأمثلةٍ تُعطي صورةً جزئيَّةً عن الكتاب المقترَح.



3- الخاتمة والتوصيات:

عرضتُ في الخاتمة لأهمِّ النقاط التي تناولتها في البحث، ثمّ وضعْتُ بعض المقترحات التي ركّزت على أهمية أنْ ينهضَ بهذا العمل فريقُ عملٍ متجانسٍ؛ حتّى يكونَ هذا الكتاب محقِّقًا للغاية المنشودةِ منه، وبيّنت أهميةَ الاعتماد على اللسانيات التطبيقية في وضعِ المدوّنة اللغوية للكتاب؛ لأنّها تُسهِم في اختيار النصوص المحتوية لأكثرِ المصطلحات تداولاً، كما أنّها تُعيننا على توزيعِ الكتاب على سلاسل متتابعةٍ متَّفقة مع مستويات الطلاب.





تمهيد:

الحمدُ لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آلهِ وصحبه أجمعين، وبعد:

لم الحاجة إلى هذ النوع من الكتب؟

صارَ متّفقًا عليه في زمننا أنّ اللّغةَ العربيةَ تشهدُ انتشارًا واسعًا في عالمنا الفسيح، الذي يُختصر ليصلَ إلى القرية الصغيرة أو لنقل البيت الصغير، بعدَ الانفجارِ الهائلِ في عالم التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أنّ التواصل بين البشر بشكلٍ عامٍّ أُزيلت الحدودُ والموانعُ أمامه، وقد هُيّئ لهذه اللّغة بوساطة هذه الحالة التواصلية بين أبناءِ الكون مجالاً رحبًا للانتشار. ومن متابعةِ بعض البرامج التّوثيقية عن تعليمِ اللّغة العربيةِ، نجدُ أنّ أكثرَ طلابِها في العالم لهم غايٌة محدّدةٌ دفعتْهم إلى تعلّم العربية، فمنهم من يتعلَّمها لأسبابٍ سياسية، ومنهم من يريدُ تعلُّمَها لأسبابٍ اقتصادية، ومنهم من يريدها من أجل أنْ يعملَ في مجال السياحة، لا سيّما في البلدان التي تشهدُ زيادةً متتاليةً في عدد السُّياح العرب كتركيا وماليزيا...، وأمّا النسبةُ الأكبر من طلّابها، فهم الذين يتعلمونها لغايةِ فهم العلوم الشرعية، وهذه ميزةٌ لهذه اللغة الشريفة؛ إذ إنّها تزيدُ على باقي اللغات الحيَّة من هذه الناحية فهي لغة دينية (religious ********) لما يزيد على مليار مسلم؛ ولهذا لا تنحصر دراستُها في الكلِّيات التي تهتُّم بالدراسات الشرقية أو الجامعات التي تركّز على اللُّغاتِ السَّامية، بل تتعدى هذا إلى الدراسات الدينية؛ لأنَّ كلَّ من يَدين بهذا الدين يحتاج إليها في شعائره التعبدية، كما أنّ الراغبينَ في التعرف على دينِ الإسلام لا يمكنهم فهمه فهمًا صحيحًا إلا بتعلُّم لغته، ألا وهي اللغة العربية.



فالمذكور آنفًا يُفيد أنَّ علينا نحنُ العَاملين في هذا الحقل أنْ نؤمِّن مواد تلبِّي حاجة متعلمي العربية؛ حتى لا يصطَدِموا بمادةٍ لا يجدون فيها حاجتَهم، فيملُّون من المادة ومن اللُّغة التي أُلِّفت بها؛ لأنَّ طالب أيَّ علمٍ يسعى إلى أن يُهيِّئ له علمُه القدرةَ على التواصل في الحقلِ العلمي الذي ينوي التخصص فيه. واللغة كما عرَّفها ابن جني: "أصواتٌ يعبِّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم"[1] فعِلَّة وجودِها التواصل "وجوهرُ المدخل الاتصالي، كما هو معروفٌ في الأدبيات التربوية، يكمُنُ في حيويّة تعليم اللّغة، وارتباطِها بالمواقف الحقيقية للاتصال باللـُّغة، وليس بمـواقفَ مصطنعةٍ أو مواقف يتخيل المؤلفُ أو المعلِّم أنَّ الدَّارسين بحاجةٍ إليها. وكذلك الأمرُ في التقويم، فالتقويم الجيد في برامج تعليم اللُّغة لأغراضٍ خاصَّةٍ تقويمٌ يرتبط تماماً بالمهام التي يمرُّ بها الدارسُ بالفعل، والتي يحتاج للاتصالِ باللغة من خلالها"[2]؛ ولهذا فإنَّ الجهدَ في هذا المرحلة ينبغي أن يُوجّه إلى تأمينِ اللُّغة التي يستطيع عبرَها المتعلِّمون التواصل مع المجمتع الذي يحتاجون إلى العربية فيه؛ ولهذا سأعرِّف تعريفًا مختصرًا باللغة المختصة، التي تساعد في حصر كلمات التَّخَصُّص الذي ينوي الطالبُ تعلَّمَ العربية لأجله.



اللُّغة العامة واللغة المختصة:

إنَّ عصرنا الذي نحياه يميل في كلِّ الأمور إلى التخصص الدقيق واللُّغة ناقلةٌ للفكر متأثرةٌ بالمحيط العام أو بالعصر الذي تحياه، وهذا يعني أنّ حاملةَ الفكرِ وأداةَ التواصل ستتأثر بهذا المَلمح في مفرداتها ومكوّناتها؛ ولهذا فإنَّ اللغة استطاعت أن تساير هذا العصر التخصصي، فَوُلِدَتْ لغةٌ هي من رحم اللَّغة العامة وُسمَت باللغة المختصة، ومنهم من وسمها بمصطلح لغة المهنة تعبيرًا عن التلاصق بينها وبين ما تتناوله من علوم، ونتج عن هذا المصطلح الجديد أنواعٌ من اللغات المختصة، حيث صار عندنا لغةُ الاقتصاد ولغةُ الكهرباء ولغة الكيمياء...إلخ. هذه اللغاتُ الوليدة عن اللغة العامة صار لها مفرداتُها التي تحمل دلالاتٍ تساير الحقلَ العلمي الذي تحمل مفاهيمه، ونتَج عن هذه الكتاباتِ التي ازدادت في عصر التخصص في أيامنا سماتٌ امتازت بها اللغة المختصة عن اللغة العامة، وقد وقف الألسنيون على هذه الاختلافات، حيث بيَّنوا أنَّ الكلمة في المعجم، إما أن تكون كلمةً عامةً وهي الكلمات التي تتناول أمورَ الحياةِ بشكلٍ عامٍّ، وإمّا أن تكون مختصةً تحمل دلالةً مستقلةً عن دلالتها في الحياة العامة، وتكونُ مفهومةً عند علماء يعملون في حقلٍ معين، ونتيجة هذا التقسيم صار عندنا في اللُّغة معاجمُ عامة ومعاجم مختصة أو مخصّصة اعتمـادًا على هذيـن النوعين للكلمات؛ "لأنّ الوحداتِ المعجمية المستعمَلة في أيِّ لغةٍ من اللغـات الطبيعية تكون إمّا عامةً وإمّا مخصَّصةً"[3].



وقد ذكر الباحثون الألسنيون عدّة فوارق بين الكلمة العامة والكلمة المختصة، فمن هذا الفوارق الآتي:

1- يكون المنطلقُ في الكلمة العامة من اللّفظ إلى الدَّلالة المعجمية، أمَّا في الكلمة المختصة فيكون من المفهوم إلى اللفظ.

2- دلالةُ الكلمة المختصة حقيقيةٌ بعيدةٌ عن التخييل الذي يكون في الكلمة العامة.

3- تخضع الكلمة المختصّةُ للتوليد المقصود القائم على أسسٍ معياريّةٍ، أمّا الكلمة العامة فإنّ توليدها عفويٌّ ناتجٌ عن حاجات التواصل اليومي[4].



ويلخِّص الدكتور ابن مراد الحكم على عمومية الكلمة بقوله: "إنَّ الوحدة المعجمية تكون عامةً إذا عبَّـرت تعبيراً عفوياً عن تجربة المتكلِّم في الكون، وكانت شائعةَ الاستعمال متواترةً بين أفـراد الجماعة اللغوية عامةً؛ لأنَّها من الرصيد المشترَك بينهم قد انتهت إليهم بتناقل الأجيال لها، جيلاً عن جيل"[5].



واستناداً إلى تعريف الدكتور ابن مراد للكلمة العامة يمكن القول: إنَّ الكلمة المختصة هي التي تكون خاصةً بحقلٍ علميٍّ محدَّدٍ يفهمها العاملون فيه، وتقوم على معانٍ متعارفٍ عليها عند جمهور اللغة، لكنَّها اكتسبت مدلولاتٍ جديدةً تتفق مع اختصاص العالم والحـقل الذي يعمل فيه[6].



فالكلمات هي التي تكوِّن صورة اللغة المختصة التي تختلف عن اللُّغة العامة. وهذه اللغة المختصة تتنوع نوعين اثنين: نوعٌ مرتبطٌ بالمستويات الجامعية وهي اللغة المختصة الأكاديمية، ونوعٌ مرتبطٌ بالمهن التي يحترفها الناس وهي اللغة المختصة المهنية.



وقد بدأ التركيز في الغرب على هذه اللغة المختصة بعد الحرب العالمية الثانية؛ لأنَّ العالم وقتها شهد تطوراتٍ عظيمةً في مجال الصناعة والتجارة والتواصل، وبدأتِ اللُّغةُ الإنكليزية تُشكِّلُ لغةَ العلم، فصارتِ الحاجة ماسةً لإيجاد لغةٍ يتخاطب بها قاصدو الإنكليزية لأغراض خاصة أو ما يعرف في علم اللسانيات بلغة الأغراض الخاصة (LSP). ومع هذه الحاجة الماسة للغةٍ مختصَّةٍ شهدت الدراسات الألسنية تطورًا كبيرًا بعد تطور اللسانيات وظهور اللسانيات التطبيقية، وقد تأثَّرت بهذا التطور في مجال اللسانيات طرق تدريس اللغات لغير الناطقين بها، وركّزوا اهتمامهم على اللغة الإنكليزية؛ لأنها لغة العلم وتشهد إقبالاً كبيرًا من راغبي تعلمها وبدؤوا بتحليل اللغة الإنكليزية العلمية؛ ليحددوا منهجًا يكون أكثر قربًا من حاجات متعلمي اللغة الإنكليزية للأغراض الخاصة، ومن أفضل الأمثلة على ذلك دورةٌ في أساسيات الإنكليزية العلمية (A Course in basic scientific English) قام بها كلٌّ من إور ولاتوور (Ewer and Lattore) وقاموا في هذه الدورة بتحليل نصوص اللغة العامة في المدارس حيث تبين لهم أن هذه اللغة تهمل مظاهر عديدة من مظاهر اللغة العلمية، نحو (الأسماء المركَّبة، والمبني للمجهول، وأفعال الشّرط)، ورأوا أنَّ هذه الأشكال اللغوية يجب أن تحتل محل الصدارة في الإنكليزية العلمية[7].



هذا العرض الموجز للغة الأغراض الخاصة ووضعِ المناهج المحددة في الغرب، لم يكن بالسوِّية نفسها في عالمنا العربي وهذا يعود إلى أمورٍ كثيرةٍ منها: أنَّ الدولَ العربية مرَّت في تلك المرحلة -مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية- ببداية استقلال الدول العربية عن الاستعمار، فلم تكن مسألةُ تعليم العربية لغير الناطقين بها تحتلُّ أولوياتِ القائمين على العملية التعليمية، بل كانوا منهمكين في كيفية إعادة اللغة العربية إلى بلادها، حيث إنَّ عددًا من البلاد العربية تغرَّبتِ العربية عنها كما في بعض بلاد المغرب، والأمر الثاني أن وسائل الاتصال لم تكن قد وصلت إلى ما نحن عليه الآن.



بعض التَّجاربِ في تصنيفِ كتبِ العربية لغير الناطقين بها:

لقد شهد الربع الأخير من القرن العشرين تصنيفَ عددٍ ليس بالقليل من الكتب العربية لغير الناطقين بها، ولا يمكن حصر هذه التجارب كلِّها؛ لأنّها بحاجة إلى بحثٍ مستقلٍ يتناول التطوراِت التي شهدها هذا المجال، ولكنني سأقف على عددٍ منها، وسيكون هذا العدد مختارًا من الكتب التي نهض بها مجموعةٌ من الباحثين، وتبنتها مؤسساتٌ علميةٌ مرموقة، فمن هذه الكتب:

"الكتاب الأساسي" الذي صدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وقد صدر بطبعتين: الأولى سنة 1983، والثانية بجزأين سنة 1988، وما يهمنا في هذا الكتاب الغاية من تصنيفه التي وردت في مقدمته حيث نرى أن هذا الكتاب: "يتناول الحياةَ اليومية وموضوعاتها من خلال التعامل التلقائي باللغة مع أبناء المجتمع العربي...."[8].



وهذا الاتجاه أيضًا كان متَّبعا في كتاب "دروس اللغة العربية لغير الناطقين بها" للدكتور ف. عبد الرحيم، الذي صدر بأربعة أجزاء في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة سنة 1418 هـ الموافق لــ1997م. فقد غلبت الألفاظ العامة على هذا الكتاب.



ولم تكن سلسلة "العربية بين يديك" التي صدرتْ عن العربية للجميع بمشاركة مجموعةٍ من المؤلفين مغايرةً للكتابين الذين سبقاها من ناحية السير على سمات اللغة العامة في محتواها، إلا أنّها زُوِّدت بتقنيات حديثة في الإخراج، وباختبارٍ لتحديد مستوى الطالب، في حين بقيت طبيعتها اللغوية موافقةً لسمات اللغة العامة، فلم تكن الغاية من تصنيف هذه السلسلة تعليمَ العربية لأغراضٍ خاصة.



فالملاحظ من المذكور آنفًا أنّ أغلب المصنَّفات العربية غلب عليها الطَّابعُ اللّغوي العام، ولم تكن مركِّزةً على التخصص، مع أنَّ هذه الكتب تشهد انتشارًا في الكليات المتخصصة، فقد بيّن مصنفوها أن هذه الكتب أُلِّفت من أجل الحياة العامة، وهذا يعني أنها موجَّهةٌ إلى المستعمل العادي للغة، وليس إلى المستعمل المختص في مجالٍ ما من مجالات المعرفة.



لكن مع هذا فإننا نقف على بعض التجارب التي حاولت أن تزوّد الطالبَ ببعض الكلمات والمصطلحات والتعابير المرتبط بتخصصه، ومثالها سلسلة تعليم اللغة العربية التي صدرت عن جامعة الإمام محمد بن سعود سنة 1402 هـ الموافق لـ1981 م، حيث حاول مصنفو هذه السلسلة الدَّمج بين اللغتين العامة والمختصة فوجدنا بعض النصوص العامة وكذلك بعض النصوص المختصة، وقد قُسِّمت السلسلة أربعةَ مستوياتٍ، وأُفرِد لكلِّ مادة كتابٌ مستقل، وقدِ احتوت عددًا ليس بالقليل من الكلمات المرتَّبة بالعلوم الإسلامية.



لا شك أن هذه التجربة تُعدُّ في زمنها مبادرةً محمودة، إلا أنَّ الملاحظ عليها أنّ النصوص العامة فاقت النصوص المختصة، كما أنها لا تناسبُ الكليات التي تدرِّس العربية مع مواد أخرى وذلك لطولها، ويضاف إلى ما سبق قِدَمُ الكلمات التي وردت في نصوصها مثل الكلمات التي تتعلق بالبرقية ووسائل المواصلات فقد جدّ في هذا المجال كثيرٌ من الكلمات والمصطلحات؛ ولهذا لا بدّ من تطوير هذه السلسلة في جميع النواحي اللغوية.



ومع أن ما سبق يدلُّ على غلبة اللغة العامة، إلا أنّ اتجاهًا قد بدأ في الآونة الأخيرة، قد بدأ بالظهور، وكمثالٍ عليه الكتاب الذي صُنِّف في ماليزيا، والذي كُتِب بلغةٍ خاصَّةٍ بالسياحة، وعنونه المؤلفان بـ: "منهج اللغة العربية للسياحة"، وقد شرح المصنِّفان المنهجَ الذي اتُّبع في تصنيف هذا الكتاب والغاية من تصنيفه فقالا: "لقد كان الكتاب ترجمةً لإحساسِ المؤلِّفَين بحاجة ماليزيا لكتب اللغة العربية لأغراضٍ مهنية"[9] فالكتاب موجَّهٌ إلى فئة مخصوصة وبحاجةٍ إلى استعمال اللغة في سياقات معينة، وقد بيَّن المؤلفان أنهما زارا المكاتب والشركات السياحية ليجمعا الكلماتِ المرتبطةَ بهذا المجال، ولمعرفةِ ما يحتاجه السائح العربي من معلومات لا بد أن يكون المرشد السياحي الماليزي مدركًا وعارفا لها[10].



فهذه التجربة تُعد من التجارب الرائدة في هذا المجال، إلا أننا بحاجةٍ ماسة إلى تصنيف كتبٍ مختصة في مجالاتٍ أخرى، لا سيما مجال العلوم الإسلامية لكثرة الراغبين في تعلم العربية لهذا الغرض، وفي الورقات الآتية سأقدِّم مقترحًا عن كتابٍ يرتبط بحقل العلوم الشرعية، وموجَّهًا إلى طلاب العربية من غير أهلها.



آليات ومراحل تصنيف كتاب مختص لأغراض العلوم الشرعية:

لابد في عملية تصنيف الكتاب من مراعاة امرين أساسيين هما:



المرحلة الأولى: تعيين مستوى الطلاب الموجه الكتاب إليهم:

إنَّ مستوى الطالب يقوم بدور أساسيٍّ في تحديد الكلمات التي سيحتويها الكتاب، وفي كتابٍ يصنَّف لغايةٍ معينةٍ، وهي إيجادُ نصوصٍ مرتبطةٍ بطلبة العلوم الشرعية من غير الناطقين بالعربية، علينا أن نتنبه في تصنيفه إلى أنَّ الطلاب الذين يلتحقون بالكلية الشرعية منهم من يكون قد درسَ في الثانويات الشرعية، وهو يكون ذا اطلاعٍ عامٍّ على بعض المصطلحات الشرعية، ومن الطلبة من يأتي من الثانويات العامة وهو عادةً يكون عديمَ الصِّلة بالمصطلحات الشرعية في الدول التي لا تُدرِّس العلوم الإسلامية في ثانوياتها العامة، وبناءً على ما ذكر آنفا، فإنَّ الكتاب يجب أن يكون مراعيا لهذا الجانب، فلا تكون المعلوماتُ غايةً في البساطة حتى لا يمل ذو الاطلاع العام، ولا بعيدةً عن حاجات المستجد.



فمربط الفرس في عملية تعليم العربية لغير الناطقين بها هو تحديدُ مستوى الطالب؛ لأنَّ من يكابد مشاق هذا النوع من التعليم يدرك مدى خطورةِ التفاوت بين المادّة المؤلّفة والطلاب الذين توجه إليهم؛ لأنّ المعلم هو الذي ستُوكل إليه مهمَّةُ شرح الكلمات والنصوص، وإيصالها إلى الطلاب في عملية التواصل الصفي التي تمثل جزءًا من المجتمع الأكبر؛ لأنَّ الصف مجتمعٌ مصغَّرٌ وهذا يعني أنَّ مستوى الكلمات التي سيحتويها الكتاب من الأهمية بمكان أن تكونَ مما يستعمله المجتمع، فلا يمكن أن نضع كلماتٍ ضاربةً في البلاغة لطلابٍ لا يستطيعون تأليف جملةٍ صحيحةٍ من فعل وفاعل ومفعول، فبعض الكتب تراها تضع الكلمة وهي غير مدركةٍ لمستوى الطالب الذي سيستعمل هذه الكلمات؛ وهذا يرجع إلى أنَّ المؤلّف يضع هذه الكلمات لسببين الأول: أنه لا يعيش حالة الطالب ومستواه، والثاني: أنه يؤلف الكتب لطلاب يأتون إلى بلد عربي، مع أنَّ أكثر الطلاب صاروا يتلقون دروس العربية وهم في بلادهم الأجنبية، وهذا يعني ضرورة تزويد الطالب بكلمات بسيطةٍ يستطيع اعتمادًا عليها أن يصلَ إلى درجةٍ جيّدةٍ في التواصل مع الآخرين، وهذا يتحقّق بتطبيق المصطلح الذي أصبح مشهورًا في بيئة الدراسات اللغوية ألا وهو: مصطلَح الشيوع.



فمثلاً عندما تقول للطالب: لا يضير الإنسان أن يكون فقيرًا. لا يمكن لهذا الطالب المبتدئ ولا حتى المجتاز لمرحلة المبتدئ أن يدرك معنى يضير، فلو استعملنا بدلًا منها لا يُنقص قدر الإنسان أن يكون فقيرًا فهذه الجملة تكون أقرب إلى فهمه وتفكيره، وهذا ما ينبغي أن يكون متَّبعًا في اللغتين العامة والمختَّصة.



المرحلة الثانية حصر حقول مادة الكتاب:

إنّ وضع هدف هو الخطوة التي تيسِّر طريقة تصنيف الكتاب ووضع مفرداته، والهدف يكون مستقىً من المستَهدَف من هذا الكتاب أي المستعمِل، فعندما نحدِّد بدقةٍ مستعملي الكتاب، فهذا يعني وضوحَ الهدف وتسهيلَ الوصول إليه وفي المؤلَّف الذي ننشده، فإنَّ مستعمل الكتاب هو طالب كلية العلوم الشرعية فهو مستعمِلٌ مختص بمجالٍ له منظومته المصطلحية الخاصة، وهذ المنظومة المصطلحية ذاتُ جذورٍ ضاربةٍ في التاريخ لا يتوقف زمن تطورها لارتباطها بالماضي والحاضر والمستقبل؛ ولهذا فإنَّ إعدادَ مثل هذا الكتاب يحتاج إلى فريق عمل دقيقٍ في اختياراته ذي صلةٍ بهذا المجال، فالفريق لابدَّ أن يكون مكوَّنًا من أفرادٍ ذوي اختصاصٍ شرعيٍّ وأفراد من ذوي الاختصاص اللساني التطبيقي، فتكون مهمة ذوي الاختصاص الشرعي حصر المفردات الأكثر شيوعًا وَفق قواعدَ يضعها خبيرٌ أو خبيران في مجال الألسنية، كما أنه يقع على عاتقهم تحديدُ الحقول العلمية الكبرى، التي سيتعرّفها الطالب في كليته ويُشترط في هذه الحقول العلمية أن تكون من أكثر الحقول اتصالاً بالحياة العامة؛ حتّى يسهُلَ على الطالب فهمُها وإدراكُها، ثمَّ بعد هذا تُجمَعُ الكلمات المرتبطة بهذه الحقول وَفق سلاسلَ مصطلحيةٍ تُتَّبع فيها أسسُ التنظير الألسني في صياغة الحقول الدلالية، بحيث تكون المصطلحات مرتبطةً دلاليًّا لتُيَسِّر على مؤلف النص اختيارَ النصوص التي تحتوي هذه المفردات، كما أنَّ الحقول الدلالية تؤمِّن لنا من خلال علاقاتِ التَّرادف والتضاد موادَّ جاهزةً للتدريبات التي سيزوَّد بها الكتاب، فتكون معينةً للطالبِ على الفهم والإدراك وزيادة المخزون اللغوي لديه، وهذا الكلام يمثِّل من مراحل التصنيف.



المرحلة الثالثة: المدوَّنة اللغوية:

المدوّنة اللغوية هي: عبارةٌ عن نصوصٍ مجموعةٍ في مصنفٍ ورقيٍّ أو إلكتروني وتُتّبع في طريقةِ جمعها عدةُ طرقٍ أهمُّها: "الاستبانة، وحصر العيّنات، والإحصاء الدقيق، وتوزَّع تاريخيًّا وجغرافيًّا وموضوعيًّا، وليس المقصودُ بتجميع النصوص الشكل المعجمي، وإنما المقصود نصوصٌ مجمَّعةٌ من ألوان المعرفة والنشاطات الإنسانية العديد"[11]. ونبني مدونة هذا الكتاب بالاعتماد على الحقول الدلالية التي وردت آنفًا. ولصناعة مدونة لغوية للكتاب يقترح الباحث اتباع الآليات الآتية:

آليات صناعة مدونة الكتاب:

1- جمع المصطلحات الأكثر شيوعًا في مجال العلوم الشرعية.

2- اختيار عينة من هذه المصطلحات.

3- تأليف نصوص حاوية لهذه المصطلحات.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]