
19-08-2021, 12:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,745
الدولة :
|
|
رد: مسيرة الفتح العثماني في أوروبا
مسيرة الفتح العثماني في أوروبا

توحيد الجبهة الداخلية
تولى السلطان مراد الثاني أمر الدولة بعد وفاة أبيه عام (824هـ/1421م)، وكان عمره لا يزيد على ثماني عشرة سنة وكان محباً للجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الإسلام في ربوع أوروبا.
استطاع السلطان مراد أن يقضي على حركات التمرد الداخلية التي قام بها عمه مصطفى والتي كانت تدعم من قبل أعداء الدولة العثمانية. وكان الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني خلْف الدسائس والمؤامرات والمتاعب التي تعرض لها السلطان مراد، فهو الذي دعم عمّ السلطان مراد - الذي اسمه مصطفى - بالمساعدات حتى استطاع أن يحاصر مدينة غاليبولي ابتغاء انتزاعها من السلطان واتخاذها قاعدة له إلا أن السلطان مراد قبض على عمه وقدمه للمشنقة. ومع ذلك، فقد مضى الإمبراطور مانويل الثاني يكيد للسلطان واحتضن شقيقاً لمراد الثاني، ووضعه على رأس قوة استولت على مدينة نيقيافي الأناضول، وسار إليه مراد واستطاع أن يقضي على قواته واضطر خصمه للاستسلام ثم قتل.
ومن ثم صمم السلطان مراد أن يلقن الإمبراطور درساً عملياً، فأسرع باحتلال سلولنيك، فهاجمها ودخلها عنوة في مارس 1431م (833هـ)، وأصبحت جزءً لا يتجزأ من الدولة العثمانية.
وكان السلطان مراد يوجه الضربات الموجعة لحركات التمرد في بلاد البلقان، وحرص على تدعيم الحكم العثماني في تلك الديار، واتجه الجيش العثماني نحو الشمال لإخضاع إقليم ولاشيا وفرض عليه جزية سنوية، واضطر ملك الصرب الجديد (ستيف لازار ميتش) إلى الخضوع للعثمانيين والدخول تحت حكمهم وجدد ولاءه للسلطان، واتجه جيش عثماني نحو الجنوب، حيث قام بتوطيد دعائم الحكم العثماني في بلاد اليونان.
نحو ألبانياوالمجر
ولم يلبث السلطان أن واصل جهاده الدعوي وقام بالقضاء على العوائق في كل من ألبانيا والمجر.
واستطاع العثمانيون أن يفتحوا ألبانيا عام (834هـ/1431م) وركزوا هجومهم على الجزء الجنوبي من البلاد. أما شمالي ألبانيا، فقد خاض العثمانيون فيه جهاداً مريراً، وتمكن الألبانيون الشماليون من القضاء على جيشين عثمانيين في جبال البانيا، كما ألحقوا الهزيمة بحملتين عثمانيتين متعاقبتين كان يقودهما السلطان مراد بنفسه، وتكبد العثمانيون خسائر فادحة أثناء عملية الانسحاب، ووقفت الدول النصرانية خلف الألبان لدعمهم ضد العثمانيين وخصوصاً من حكومة البندقية التي كانت تدرك خطورة الفتح العثماني لهذا الإقليم المهم بشاطئيه وموانئه البحرية التي تربط البندقية بحوض البحر المتوسط والعالم الخارجي، وأنهم في استطاعتهم حجز سفن البنادقة داخل بحر مغلق هو بحر الأدرياتيك.
وهكذا لم يشهد السلطان مراد الثاني استقراراً للحكم العثماني في ألبانيا.
وأما ما يتعلق بجبهة المجر، فقد استطاع العثمانيون في عام (842هـ/1438م) أن يهزموا المجريين ويأسروا منهم سبعين ألف جندي وأن يستولوا على بعض المواقع، ثم تقدم لفتح بلغراد عاصمة الصرب، ولكنه أخفق في محاولته وسرعان ما تكون حلف صليبي كبير باركه البابا واستهدف هذا الحلف طرد العثمانيين من أوروبا كلية.
وشمل الحلف البابوية والمجر وبولندا والصرب وبلاد الأفلاق وجنوة والبندقية والإمبراطورية البيزنطية ودوقية برجنديا، وانضمت إلى الحلف أيضاً كتائب من الألمان والتشيك.
وأعطيت قيادة قوات الحلف الصليبي إلى قائد مجري قدير هو يوحنا هنيادي. وقد قاد هنيادي القوات الصليبية البرية وزحف جنوباً واجتاز الدانوب وأوقع بالعثمانيين هزيمتين فادحتين عام ( 846هـ/ 442م ). واضطر العثمانيون إلى طلب الصلح وأبرمت معاهدة صلح لمدة عشر سنوات في "سيزجادن" وذلك في شهر يوليو عام 1444م تنازل فيها عن الصرب واعترف "بجورج برانكوفيتش" أميراً عليها. كما تنازل السلطان مراد عن الأفلاق للمجر، وافتدى زوج ابنته محمود شلبي الذي كان قائداً عاماً للجيوش العثمانية، بمبلغ 60 ألف دوقية.. وقد حررت هذه المعاهدة باللغتين العثمانية، والمجرية وأقسم لاديسلاسي ملك المجر على الإنجيل كما اقسم السلطان مراد بالقرآن على أن تراعي شروط المعاهدة بذمة وشرف.
وما لبث النصارى أن نقضوا عهودهم، وحشدوا الجيوش لمحاربة المسلمين، وحاصروا مدينة " فارنا " البلغارية الواقعة على ساحل البحر الأسود، والتي كانت قد تحررت على أيدي المسلمين.
وعندما تحرك النصارى وزحفوا نحو الدولة العثمانية وسمع المسلمون في أدرنه بحركة الصليبيين وزحفهم انتابهم الفزع والرعب وبعث رجال الدولة إلى السلطان مراد يستعجلون قدومه لمواجهة هذا الخطر وخرج السلطان المجاهد ليقود جيوش العثمانيين ضد الخطر الصليبي. واستطاع مراد أن يتفق مع الأسطول الجنوي لينقل أربعين ألفاً من الجيش العثماني من آسيا إلى أوروبا تحت سمع الأسطول الصليبي وبصره في مقابل دينار لكل جندي.
وأسرع السلطان مراد في السير فوصل وارنه في نفس اليوم الذي وصل فيه الصليبيون. وفي اليوم التالي نشبت المعركة بين الجيشين النصراني والإسلامي وكانت عنيفة حامية وقد وضع السلطان مراد المعاهدة التي نقضها أعداؤه على رأس رمح ليشهدهم ويشهد السماء والأرض على الغدر والعدوان وليزيد حماس جنده. واقتتل الفريقان، ودارت بينهما معركة رهيبة كاد يكون فيها النصر للنصارى نتيجة حميتهم الدينية وحماسهم الزائد إلا أن تلك الحماية والحماس الزائد اصطدم بالروح الجهادية لدى العثمانيين، والتقى الملك لاديسلاس - ناقض العهود - مع السلطان مراد الوفي بالعهود وجهاً لوجه واقتتلا، ودارت بينهما معركة رهيبة، تمكن السلطان المسلم من قتل الملك المجري النصراني، فقد عاجله بضربة قوية من رمحه أسقطته من على ظهر جواده فأسرع بعض المجاهدين وجزوا رأسه ورفعوه على رمح مهللين مكبرين وفرحين.. وكان لذلك المنظر أثر شديد على جموع النصارى، فاستحوذ عليهم الفزع والهلع، فحمل عليهم المسلمون حملة قوية، بددت شملهم وهزموهم شر هزيمة، وولى النصارى مدبرين يدفع بعضهم ولم يطارد السلطان مراد عدوه واكتفى بهذا الحد من النصر.
كانت هذه المعركة في سهول قوصوه في 17 أكتوبر 1448م (852هـ) واستمرت المعركة ثلاثة أيام وانتهت بفوز ساحق للعثمانيين.
وقد أخرجت هذه المعركة بلاد المجر لعشر سنوات على الأقل من عداد الدول التي تستطيع النهوض بعمليات حربية هجومية ضد العثمانيين.
وفي عهد السلطان محمد الثاني توجهت الجيوش الإسلامية لفتح بلاد جديدة في أوروبا فقصدت بلاد موره التي لم ينتظر أميراها دمتريوس وتوماس قدوم الجيش الإسلامي، بل أرسلا إلى السلطان يخبرانه بقبولهما دفع جزية سنوية قدرها اثنا عشر ألف دوكا فقبل ذلك السلطان. وغير وجهته قاصداً بلاد الصرب فأتى هونياد الشجاع المجري ورد عنهم مقدمة الجيوش العثمانية لكن لم يرغب الصرب في مساعدة المجر لهم لاختلاف مذهبهم حيث كان المجر كاثوليكيين تابعين لبابا روما والصرب أرثوذكسيين لا يذعنون لسلطة البابا بل كانوا يفضلون تسلط المسلمين عليهم لما رأوه من عدم تعرضهم للدين مطلقاً؛ ولذلك أبرم أمير الصرب الصلح مع السلطان محمد الثاني على أن يدفع له سنوياً ثمانين ألف دوكا وذلك في سنة 1454م.
وفي السنة التالية أعاد السلطان عليها الكرة بجيش مؤلف من خمسين ألف مقاتل وثلاثمائة مدفع ومر بجيوشه من جنوب بلاد الصرب إلى شمالها بدون أن يلقى أقل معارضة حتى وصل مدينة بلغراد الواقعة على نهر الدانوب وحاصرها من جهة البر والنهر وكان هونياد المجري دخل المدينة قبل إتمام الحصار عليها ودافع عنها دفاع حتى يئس السلطان من فتحها ورفع عنها الحصار سنة 1455م.
لكن وإن لم يتمكن العثمانيون من فتح عاصمة الصرب إلا أنهم ربحوا أمراً عظيماً وهو إصابة هونياد بجراح بليغة مات بسببها بعد رفع الحصار عن المدينة بنحو عشرين يوماً وأراح المسلمين منه. ولما علم السلطان بموته أرسل الصدر الأعظم محمود باشا لإتمام فتح بلاد الصرب فأتم فتحها من سنة 1458م إلى سنة 1460م وبذلك بعد أن أعيت العثمانيين أكثر من مرة.
وفي سنة 1462م حارب السلطان بلاد بوسنة لامتناع أميرها عن دفع الخراج وأسره بعد محاربة عنيفة هو وولده وأمر بقتلهما فدانت له جميع بلاد البشناق وأهالي بوسنة. وفي سنة 1464م أراد متياس كرفن ملك المجر استخلاص بوسنة من العثمانيين فهزم بعد أن قتل معظم جيشه وكانت عاقبة تدخله أن جعلت بوسنة ولاية كباقي ولايات الدولة وسلبت ما كان منح لها من الامتيازات ودخل في جيش الانكشارية ثلاثون ألفاً من شبانها وأسلم أغلب أشراف أهاليها.
وفي سنة 1477م أغار السلطان على بلاد البنادقة ووصل إلى إقليم الفريول بعد أن مر باقليمي كرواسيا ودلماسيا اللذين كانا تابعين لمملكة النمسا والمجر فخاف البنادقة على مدينتهم الأصلية وأبرموا الصلح معه.
الشرق أم الغرب؟
وعندما ارتقى السلطان سليم الأول (918- 926هـ / 1512 - 1520م) العرش العثماني كانت الدولة العثمانية قد وصلت إلى مفترق الطرق، هل تظل على هذا الوضع وهذا القدر من الاتساع دولة بلقانية أناضولية؟ أو تستمر في التوسع الإقليمي في أوروبا؟ أو تتجه نحو المشرق الإسلامي؟.
والواقع أن السلطان سليم الأول قد أحدث تغييراً جذرياً في سياسة الدولة العثمانية الجهادية فقد توقف في عهده الزحف العثماني نحو الغرب الأوروبي أو كاد أن يتوقف واتجهت الدولة العثمانية اتجاهاً شرقياً نحو المشرق الإسلامي وقد ذكر بعض المؤرخين الأسباب التي أدت إلى تغير السياسة العثمانية منها:
1- التشبع العسكري العثماني في أوروبا، إذ يرى أصحاب هذا الرأي أن الدولة العثمانية كانت قد بلغت مرحلة التشبع في فتوحاتها الغربية بنهاية القرن الخامس عشر، وأنه كان عليها في أوائل القرن السادس عشر أن تبحث عن ميادين جديدة للنشاط والتوسع. وهذا القول – في رأي الصلابي - يخالفه الصواب؛ لأن الفتوحات العثمانية لم تنقطع تماماً من الجبهة الغربية، ولكن لا ريب في أن مركز الثقل في التوسع العثماني قد انتقل نهائياً من الغرب إلى الشرق ليس بسبب التشبع كما تقول بعض المصادر غير المدركة للواقع.
2- كان تحرك الدولة العثمانية نحو المشرق من أجل إنقاذ العالم الإسلامي بصورة عامة والمقدسات الإسلامية بصورة خاصة من التحرك الصليبي الجديد من جانب الأسبان في البحر المتوسط والبرتغاليون في المحيط الهندي وبحر العرب والبحر الأحمر، الذين أخذوا يطوقون العالم الإسلامي، ويفرضون حصاراً اقتصادياً حتى يسهل عليهم ابتلاعه.
3- سياسة الدولة الصفوية في إيران والمتعلقة بمحاولة بسط المذهب الشيعي في العراق وآسيا الصغرى، هي التي دفعت الدولة العثمانية إلى الخروج إلى المشرق العربي لحماية آسيا الصغرى بصفة خاصة والعالم السني بصفة عامة.
العودة إلىالغرب
وفي عهد السلطان سليمان القانوني عاد التخطيط لسياسة الجهاد في أوروبا.. وكان فتح جزيرة رودس.
كانت رودس جزيرة مشاكسة إذ كانت حصن حصين لفرسان القديس يوحنا الذين كانوا يقطعون طريق الحجاج المسلمين الأتراك إلى الحجاز، فضلاً عن أعمالهم العدوانية الموجهة لخطوط المواصلات البحرية العثمانية، فاهتم السلطان سليمان بفتحها وأعد حملة عظيمة ساعد على تحقيقها عدة أمور:
1- انشغال أوروبا بالحرب الكبرى بين شارل الخامس (كنت) - إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة - وفرانسوا ملك فرنسا.
2- عقد الصلح بين الدولة العثمانية والبندقية.
3- نمو البحرية العثمانية على عهد سليم الأول.
وشن سليمان القانوني حرباً كبيرة ضد رودس ابتداء من منتصف عام 1522م، وفتحها وأعطى لفرسان القديس يوحنا حق الانتقال منها، فذهبوا إلى (مالطة) وهناك أعطاهم (شارك كنت) حق حكم هذه الجزيرة، حيث عرفوا بعد ذلك باسم (فرسان مالطا).
الصراع على مالطة
كان السلطان العثماني سليمان القانوني قد عزم على فتح جزيرة مالطة التي كانت أكبر معقل للمسيحيين في وسط البحر المتوسط، والتي سبق وأن استقر فيها فرسان القديس يوحنا، فأرسل السلطان العثماني أسطوله بقيادة بيالي باشا نفسه، كما طلب من درغوث رايس حاكم طرابلس وجربة، وحسن خير الدين أن يتوجها على رأس أسطوليهما الإسلاميين للمشاركة في عملية مالطة وإخضاعها استعداداً لمنازلة بقية المعاقل الإسلامية بعد ذلك فسار حسن بن خير الدين على رأس عمارة تشمل 25 سفينة وثلاثة آلاف رجل. ووصل الأسطول الإسلامي أمام مالطة، وفرض الحصار عليها، واستمر الحصار ضيقاً شديداً إلى أن جهزت المسيحية رجالها وأساطيلها ووصل المدد تحت قيادة نائب الملك في صقلية، برفقة أسطول تعداده 28 سفينة حربية تحمل عدد كبيراً من المقاتلين ونشبت المعركة بين الطرفين، وتمكن الأسطول الإسلامي من الانسحاب في 18 ربيع الأول 973هـ /8 ديسمبر 1565م.
وقد بلغت الفتوحات العثمانية أوجها مع عهد السلطان سليمان القانوني ودخل الناس في دين الله أفواجاً ليس عن طريق القوة والإكراه ولكن عن عقيدة وإقناع. وقد قال السر توماس آرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام): إن المعاملة التي أظهرها الأباطرة العثمانيون للرعايا المسلمين على الأقل بعد أن غزو بلاد اليونان بقرنين لتدل على تسامح لم يكن مثله حتى ذلك الوقت معروفاً في أوروبا. وإن أصحاب (كالفن) في المجر وترانسلفانيا وأصحاب مذهب التوحيد من المسيحيين الذين كانوا في ترانسلفانيا طالما آثروا الخضوع للأتراك على الوقوع في أيدي أسرة هابسبورغ المتعصبة. ونظر البروتستانت إلى تركيا بعين الرغبة.. كذلك نرى الفوارق الذين ينتمون إلى فرقة المؤمنين القدماء الذين اضطهدتهم كنيسة الدولة الروسية قد وجدوا من التسامح في ممالك السلطان ما أنكره عليهم إخوانهم في المسيحية. وحينما كان العثمانيون يتجهون لفتح تلك البلاد كان أناس يتطلعون إليهم (ولعلهم من طائفة البوجوميل) بشوق عظيم وهم يأملون الحصول على الحرية والتسامح في ظلهم.
وقد انتشر الإسلام في شرقي أوروبا لدرجة كبيرة، فمثلاً قد رويت حوادث في ألبانيا كان يتحول فيها النصارى بأعداد كبيرة إلى الإسلام. وقد أسلم في حوالي ثلاثين سنة (1026هـ - 1057هـ) حوالي 300 ألف ألباني ولم يكن عليهم أي أثر للضغط أو الإكراه، وروي ذلك من قبل المؤرخين الغربيين أنفسهم.
فتح قبرص
تولى السلطان سليم الثاني الحكم في 9 ربيع الأول سنة 974هـ، ولم يكن مؤهلاً لحفظ فتوحات والده السلطان سليمان لولا أن قيض الله وزيراً فذاً ومجاهداً كبيراً وسياسياً قدير هو محمد باشا الصقللي لانهارت الدولة؛ إذ قام بإعادة هيبتها وزرع الرهبة في قلوب أعدائها وعقد صلحاً مع النمسا وأتم توقيع معاهدة في عام 975هـ الموافق 1967م احتفظت بموجبها النمسا بأملاكها في بلاد المجر ودفعت الجزية السنوية المقررة سابقاً للدولة كما اعترف أمراء تراسلفانيا والأفلاق والبغدان.
كانت إيطاليا وأسبانيا تقدر أهمية جزيرة قبرص وشاع في أوروبا عن تكوّن حلف ضد السلطان، ولكن لم يعمل شيئاً في حينه لإنقاذ قبرص من العثمانيين الذين نزلوها بقوة كاسحة، نفذت إلى الجزيرة بدون صعوبة ووقفت مدينة فامرجستا الحصينة أمام العثمانيين بقيادة باحليون وبراجادنيو الذين واجهوا القوة العثمانية التي وصلت مائة ألف مقاتل استعمل خلالها العثمانيون جميع وسائل الحصار المعروفة، من فر وكر، وزرع للألغام ولم ينتج أي تأثير على الحامية، ولو وصلت قوة مسيحية للنجدة لصار العثمانيون في خطر، إلا أن المجاعة قامت بعملها، واستسلمت المدينة في ربيع الثاني 979هـ.
نقلت الدولة العثمانية بعد فتحها لقبرص عدداً كبيراً من سكان الأناضول الذين لا يزال أحفادهم مقيمين في الجزيرة، ورغم ترحيب القبارصة الأرثوذكس بالحكم العثماني، الذي أنقذهم من الاضطهاد الكاثوليكي الذي مارسته البندقية لعدة قرون، إلا أن احتلال العثمانيين أثار الدولة الكاثوليكية.
رسى الأسطول العثماني بعد انتهاء مهمته في ابنانجني وانصرف معظم جنوده بمناسبة حلول موسم الشتاء، حيث تتوقف المعارك في مثل هذا الوقت من السنة، والاستعداد للسنة المقبلة.
معركة ليبانتو
ارتعدت فرائص الأمم المسيحية من الخطر الإسلامي العظيم الذي هدد القارة الأوروبية، من جراء تدفق الجيوش العثمانية براً وبحراً فأخذ البابا بيوس الخامس يسعى من جديد لجمع شمل البلاد الأوروبية المختلفة وتوحيد قواها براً وبحراً تحت راية البابوية.
وقد كتب يقول: "... إن السلطنة التركية قد تبسطت تبسطاً هائلاً بسبب نذالتنا".
عقد البابا بيوس الخامس وفيليب الثاني ملك أسبانيا وجمهورية البندقية معاهدة في أوائل 979هـ تعهدوا فيها بالقيام بهجوم بحري ضد العثمانيين. شارك في الحلف كذلك بعض المدن الايطالية، وذلك بعد تحريك بيوس الخامس لروح التحالف، فارتبطت توسكاني وجنوة، وسافوي، وبعض الايطاليين في الحلف المقدس، وأرسل البابا إلى ملك فرنسا يريد العون: فاعتذر شارل التاسع بحجة ارتباطه بمعاهدات مع العثمانيين، فأجابه البابا طالباً منه التحلل من مواثيقه هذه ولم تمض سوى أيام قليلة حتى نقض الإمبراطور عهوده ومواثيقه التي أبرمها مع العثمانيين واتجه نحو ايفان ملك الروس يطلب إجابته نفير الحرب ووجد تباطؤاً عند ملك بولونيا واختير (دون جوان) النمساوي قائداً للحملة.
وجاء في أحد بنود المعاهدة النصرانية: "إنَّ البابا بيوس الخامس وفيليب ملك إسبانيا وجمهورية البندقية يعلنون الحرب الهجومية والدفاعية على الأتراك لأجل أن يستردوا جميع المواقع التي اغتصبوها من المسيحيين ومن جملتها تونس والجزائر وطرابلس".
سار دون جون إلى البحر الأدرياتيك، حتى وصل إلى الجزء الضيق من خليج كورنث بالقرب من باتراس وليس ببعيدة عن ليبانتو.
كان من رأي قادة الأسطول الإسلامي الإفادة من تحصين الخليج وعدم الاشتباك بالأسطول الصليبي، غير أن القائد العام علي باشا صمم على الخروج للمعركة معتمداً على تفوقه في عدد سفنه، ونظم علي باشا قواته فوضع سفنه على نسق واحد من الشمال إلى الجنوب، بحيث كانت ميمنتها تستند إلى مرفأ ليبانتو، ومسيرتها في عرض البحر، وقد قسمها علي باشا إلى جناحين وقلب فكان هو في القلب وسيروكو في الجناح الأيمن وبقي الجناح الأيسر بقيادة قلج علي.
ومقابل ذلك نظم دون جون قواته فوضع سفنه على نسق يقابل النسق الإسلامي.
احتدمت المعركة في 17 جمادي الأولى سنة 979هـ، وأحاط الأسطول الإسلامي بالأسطول المسيحي وأوغل العثمانيون بين سفن العدو، ودارت معركة قاسية أظهر فيها الفريقان بطولة كبيرة وشجاعة نادرة، وشاءت إرادة الله هزيمة المسلمين ففقدوا ثلاثين ألف مقاتل وقيل عشرون ألفاً، وخسروا 200 سفينة حربية منها 93 غرقت والباقي غنمه العدو وتقاسمته الأساطيل النصرانية المتحدة، وأسر لهم عشرة آلاف رجل.
واستطاع قلج علي إنقاذ سفنه واستطاع كذلك المحافظة على بعض السفن التي غنمها ومن بينها السفينة التي تحمل علم البابا، ورجع بها لاسطنبول التي استقبلته استقبال الفاتحين، رغم الشعور بمرارة الهزيمة.
احتفلت القارة الأوربية بنصر ليبانتو، فلأول مرة منذ أوائل القرن الخامس عشر تحل الهزيمة بالعثمانيين وأقيمت معالم الزينات في كل مكان وأفرطت في التسبيح بحمد دون جون أمير الأساطيل المتحدة الذي أحرز هذا الانتصار إلى حد أن البابا لم يتورع عن القول أثناء الاحتفال في كنيسة القديس بطرس، بمناسبة هذا النصر: "إن الإنجيل قد عنى دون جون نفسه، حيث بشر بمجيء رجل من الله يدعى حنا".
وظل العالم المسيحي ومؤرخوه ينوهون بهذا النصر البحري، حتى أن القواميس المدرسية الحديثة لا تذكر ثغر ليبانتيو إلا وتذكر معه دون جون المشار إليه على اعتبار أنه أنقذ المسيحية من خطر كان يحيق بها.
لقد كانت نتيجة معركة ليبانتو كانت مخيبة لآمال العثمانيين، فقد زال خطر السيادة العثمانية في البحر المتوسط ومع زوال الخطر، زال الخوف الذي كان قوياً، للمحافظة على حلف مقدسي دائم و استعاد الحسد والغيرة نشاطه بين الدول المسيحية.
إن أهمية ليبانتو كانت عظيمة، وأسطورة عدم قهر العثمانيين قد اختفت ولم تعد للوجود ثانية على أقل تقدير في البحر، وأزيح ذلك الخوف عن قلوب حكام إيطاليا، واسبانيا، وتزعزع تأثير الدولة العثمانية على سياسة القوى الغربية لأوروبا، إذ كانت من الحقيقة القوات العثمانية هائلة في كل المجال البري، والمجال البحري، كما أن الانتصار المسيحي في ليبانتو كان إشارة لتحضير حاسم في ميزان القوة البحرية في البحر المتوسط، كما أنه أنهى عصراً من عصور العمليات البحرية الطموحة في البحر المتوسط، والتي تكاليفها باهظة.
لم يعد يفكر العثمانيون بعد تلك الهزيمة في إضافة حلقة أخرى إلى سلسلة أمجادهم البحرية، إذ كان هذا الانكسار نقطة البداية نحو توقف عصر الازدهار لقوة الدولة البحرية.
بعد هذه المرحلة لم تشهد الخلافة العثمانية فتوحات مهمة وكبيرة في أوروبا، بل كان الوضع يغلب عليه طابع الحفاظ على ما هو موجود؛ حيث بدأت مرحلة الضعف تدب في كيان الدولة الإسلامية، وزادت وتيرة الصراعات الداخلية، وخاضت كثيراً من الصراعات مع غيرها من القوى الحاكمة في العالم الإسلامي كالصفويين في إيران الذين استغلهم الأوروبيين في زعزعة استقرار الدولة العثمانية.
الخلاصة
لقد استطاعت الخلافة العثمانية أن توسع حدود الدولة الإسلامية ونشر الإسلام داخل القارة الأوروبية، ووصلت الفتوحات الإسلامية إلى أوسط أوروبا الجنوبية.
ولا شك أن هناك عوامل ساعدت على هذا النجاح العظيم، ومن أهم هذه العوامل قيام الدولة العثمانية على منهج الإسلام والدعوة إليه ورفع رايته في الأرض..
ثم الحرص على التربية الروحية الداخلية وتطبيق مبادئ الشرع في واقع حياة الناس حكاماً ومحكومين.
ثم الاجتهاد في إعداد العدة لنشر الإسلام وفتح البلدان لتحرير شعوب الأرض من قيود الظلم والجهل.
لكن عندما بدأت هذه العوامل تذبل ولم تعد أساس بناء المجتمع وحمايته؛ تحول النصر إلى انتكاسات متتابعة لحقت بالمجتمعات الإسلامية.. وبدأت الثغرات في بناء الدولة والمجتمع تتسع، فاستغلها الأعداء للدخول لهدم وإسقاط ما بناه المسلمون.
وكانت هذه المآسي تكراراً لما حل بالدولة الإسلامية في الأندلس قبل ذلك، وبذات الأسباب تقريباً؛ مما يدل على أن معاناة المسلمين هي نتائج لسلوكهم السلبي، وأن العبرة ليس في قوة أعدائنا بل في إصرارنا على البقاء في الضعف، وتجاهلنا لكل عوامل القوة..
المصادر
- (عوامل انهيار الدولة العثمانية)، تحقيق المكتب الإسلامي.
- (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط)، الدكتور علي محمد الصلابي.
- (تاريخ الدولة العلية العثمانية)، محمد فريد بك.
منقول
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|