عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17-08-2021, 01:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بحث في تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم ال


بحث في تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}
ليلى باقيس


8: معنى قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({الرّحمن الرّحيم} [الفاتحة: 1] : اسمان من الرّحمة، الرّحيم والرّاحم بمعنًى واحدٍ، كالعليم والعالم). [صحيح البخاري: 6 /17]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الرّحمان الرّحيم اسمان من الرّحمة: الرّحيم والرّاحم بمعنى واحدٍ كالعليم والعالم.
قوله: (من الرّحمة) أي: مشتقان من الرّحمة، وهي في اللّغة: الحنو والعطف ...
وعن ابن عبّاس: «الرّحمن الرّحيم إسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر»، فالرحمن الرّقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق،
وقيل: الرّحمن لجميع الخلق، والرحيم للمؤمنين،
وقيل: رحمن الدّنيا ورحيم الآخرة،
وعن ابن المبارك: «الرّحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب»،
وعن المبرد: الرّحمن عبراني والرحيم عربيّ. قلت: في العبراني بالخاء المعجمة.
قوله: (الرّحيم والراحم بمعنى واحد) ، فيه نظر، لأن الرّحيم إن كان صيغة مبالغة فيزيد معناه على معنى الراحم، وإن كان صفة مشبهة فيدل على الثّبوت، بخلاف الراحم فإنّه يدل على الحدوث، وأجيب بأن ما قاله بالنّظر إلى أصل المعنى دون الزّيادة). [عمدة القاري: 18 /79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( أمّا الرّحمن، فهو فعلان، من رحم، والرّحيم فعيلٌ منه.). جامع البيان: 1/ 111-134]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الرّحمن الرّحيم}
هذه الصفات للّه عزّ وجلّ، معناه فيما ذكر أبو عبيدة: ذو الرحمة، ولا يجوز أن يقال " الرحمن " إلّا للّه، وإنما كان ذلك لأن بناء (فعلان) من أبنية ما يبالغ في وصفه، ألا ترى أنك إذا قلت (غضبان)، فمعناه: الممتلئ غضباً، فـ"رحمن" الّذي وسعت رحمته كل شىء، فلا يجوز أن يقال لغير الله: "رحمن".). [معاني القرآن: 1/ 39-44]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (-حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء- يعني أبا كريبٍ- الهمدانيّ، ثنا عثمان بن سعيدٍ- يعني الزّيّات- الكوفيّ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نزل جبريل على محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل يا محمّد: بسم اللّه. يقول: اقرأ بذكر ربّك وقم واقعد بذكره بسم اللّه الرّحمن»، قال: «يقول: الرّحمن: الفعلان من الرّحمة، وهو من كلام العرب».
...
- حدّثنا ابن طاهرٍ ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ الهمداني-، ثنا عثمان بن سعيدٍ -يعني الزّيّات-، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نزل جبريل على النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، يقول: الرّحيم: الرّقيق الرّفيق لمن أحبّ أن يرحمه، البعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه العذاب».
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب حدّثني، أبو الأشهب عن الحسن، قال:«الرّحمن اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 25-26]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن الحباب، عن عنبسة قاضي الرّيّ، عن مطرّفٍ، عن سعد بن إسحاق، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يقول اللّه: [قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال: {الحمد للّه ربّ العالمين}، قال: [مدحني عبدي]، وإذا قال: {الرّحمن الرّحيم} قال: [أثنى عليّ عبدي]».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ، ثنا أبي، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {الرّحمن الرّحيم} قال: «الرّحمن بجميع خلقه، والرّحيم بالمؤمنين خاصّةً».
الوجه الثّالث:
- حدّثت عن كثير بن شهابٍ، عن الحكم بن هشامٍ، حدّثني خالد بن صفوان التّميميّ في قوله: {الرّحمن الرّحيم} قال: «هما رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر».
الوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب، حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: «الرّحمن اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 28]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والرحمن صفة مبالغة من الرحمة، ومعناها أنه انتهى إلى غاية الرحمة كما يدل على الانتهاء سكران وغضبان، وهي صفة تختص بالله ولا تطلق على البشر، وهي أبلغ من فعيل، وفعيل أبلغ من فاعل، لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة، ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك، والرحمن النهاية في الرحمة.
وقال بعض الناس: «الرحمن الرحيم» بمعنى واحد، كالندمان والنديم، وزعم أنهما من فعل واحد، ولكن أحدهما أبلغ من الآخر.
وأما المفسرون فعبروا عن «الرحمن الرحيم» بعبارات، فمنها أن العرزمي قال: «معناه: الرحمن بجميع خلقه في الأمطار، ونعم الحواس، والنعم العامة، الرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم، واللطف بهم».
ومنها أن أبا سعيد الخدري وابن مسعود رويا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة».
وقال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين، كما قال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيماً}[الأحزاب: 43] وهذه كلها أقوال تتعاضد.
وقال عطاء الخراساني: «كان الرحمن فلما اختزل وسمي به مسيلمة الكذاب قال الله -سبحانه- لنفسه: «الرحمن الرحيم» فهذا الاقتران بين الصفتين ليس لأحد إلا لله تعالى» وهذا قول ضعيف، لأن {بسم الله الرحمن الرحيم} كان قبل أن ينجم أمر مسيلمة. وأيضا فتسمي مسيلمة بهذا لم يكن مما تأصل وثبت.
وقال قوم: إن العرب كانت لا تعرف لفظة الرحمن، ولا كانت في لغتها، واستدلوا على ذلك بقول العرب: {وما الرحمن؟ أنسجد لما تأمرنا} وهذا القول ضعيف، وإنما وقفت العرب على تعيين الإله الذي أمروا بالسجود له، لا على نفس اللفظة.). [المحرر الوجيز: 1 /59-68]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الرّحمن الرّحيم} اسمان مشتقّان من الرّحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشدّ مبالغةً من رحيمٍ، وفي كلام ابن جريرٍ ما يفهم حكاية الاتّفاق على هذا، وفي تفسير بعض السّلف ما يدلّ على ذلك، كما تقدّم في الأثر، عن عيسى عليه السّلام، أنّه قال: «والرّحمن رحمن الدّنيا والآخرة، والرّحيم رحيم الآخرة».
وقد زعم بعضهم أنّه غير مشتقٍّ إذ لو كان كذلك لاتّصل بذكر المرحوم وقد قال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43]
وحكى ابن الأنباريّ في الزّاهر عن المبرّد: أنّ الرّحمن اسمٌ عبرانيٌّ ليس بعربيٍّ، وقال أبو إسحاق الزّجّاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرّحيم عربيٌّ، والرّحمن عبرانيٌّ، فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوبٌ عنه. وقال القرطبيّ: والدّليل على أنّه مشتقٌّ ما خرّجه التّرمذيّ وصحّحه عن عبد الرّحمن بن عوفٍ، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «قال اللّه تعالى: [أنا الرّحمن خلقت الرّحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته]». قال: وهذا نصٌّ في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشّقاق.
قال: وإنكار العرب لاسم الرّحمن لجهلهم باللّه وبما وجب له، قال القرطبيّ: هما بمعنًى واحدٍ كندمان ونديمٍ قاله أبو عبيدٍ، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيلٍ، فإنّ فعلان لا يقع إلّا على مبالغة الفعل نحو قولك: رجلٌ غضبان، وفعيلٌ قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو عليٍّ الفارسيّ: الرّحمن: اسمٌ عامٌّ في جميع أنواع الرّحمة يختصّ به اللّه تعالى، والرّحيم إنّما هو من جهة المؤمنين، قال اللّه تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43]، وقال ابن عبّاسٍ: «هما اسمان رقيقان، أحدهما أرقّ من الآخر»، أي أكثر رحمةً، ثمّ حكي عن الخطّابيّ وغيره: أنّهم استشكلوا هذه الصّفة، وقالوا: لعلّه أرفق كما جاء في الحديث: «إنّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرّفق في الأمر كلّه وإنّه يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف». وقال ابن المبارك: «الرّحمن إذا سئل أعطى، والرّحيم إذا لمّ يسأل يغضب»، وهذا كما جاء في الحديث الّذي رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث أبي صالحٍ الفارسيّ الخوزيّ عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من لم يسأل اللّه يغضب عليه»، وقال بعض الشّعراء:


لا تطلبنّ بنيّ آدم حاجةً ....... وسل الّذي أبوابه لا تغلق
اللّه يغضب إن تركت سؤاله ....... وبنيّ آدم حين يسأل يغضب


قال ابن جريرٍ: حدّثنا السّريّ بن يحيى التّميميّ، حدّثنا عثمان بن زفر، سمعت العرزميّ يقول: الرّحمن الرّحيم، قال: «الرّحمن لجميع الخلق»، الرّحيم، قال: «بالمؤمنين».
قالوا: ولهذا قال: {ثمّ استوى على العرش الرّحمن}[الفرقان: 59] وقال: {الرّحمن على العرش استوى}[طه: 5] فذكر الاستواء باسمه الرّحمن ليعمّ جميع خلقه برحمته، وقال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43] فخصّهم باسمه الرّحيم، قالوا: فدلّ على أنّ الرّحمن أشدّ مبالغةً في الرّحمة لعمومها في الدّارين لجميع خلقه، والرّحيم خاصّةٌ بالمؤمنين، لكن جاء في الدّعاء المأثور: «رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما».
واسمه تعالى الرّحمن خاصٌّ به لم يسم به غيره، كما قال تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون}.
ولمّا تجهرم مسيلمة الكذّاب وتسمّى برحمن اليمامة كساه اللّه جلباب الكذب وشهر به؛ فلا يقال إلّا مسيلمة الكذّاب، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب.
وقد زعم بعضهم أنّ الرّحيم أشدّ مبالغةً من الرّحمن؛ لأنّه أكّد به، والتّأكيد لا يكون إلّا أقوى من المؤكّد، والجواب أنّ هذا ليس من باب التّوكيد، وإنّما هو من باب النّعت [بعد النّعت] ولا يلزم فيه ما ذكروه، ...
وأمّا الرّحيم فإنّه تعالى وصف به غيره حيث قال: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ}[التّوبة: 128]، كما وصف غيره بذلك من أسمائه في قوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا}[الإنسان: 2].
والحاصل: أنّ من أسمائه تعالى ما يسمّى به غيره، ومنها ما لا يسمّى به غيره، كاسم اللّه والرّحمن والخالق والرّزّاق ونحو ذلك؛ فلهذا بدأ باسم اللّه، ووصفه بالرّحمن؛ لأنّه أخصّ وأعرف من الرّحيم؛ لأنّ التّسمية أوّلًا إنّما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخصّ فالأخصّ.
...
وقد زعم بعضهم أنّ العرب لا تعرف الرّحمن، حتّى ردّ اللّه عليهم ذلك بقوله: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}
...
والظّاهر أنّ إنكارهم هذا إنّما هو جحود وعنادٌ وتعنّتٌ في كفرهم؛ فإنّه قد وجد في أشعارهم في الجاهليّة تسمية اللّه تعالى بالرّحمن، قال ابن جريرٍ -وقد أنشد لبعض الجاهليّة الجهّال-:


ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ...... ألا قضب الرحمن ربى يمينها

وقال سلامة بن جندب الطّهويّ:


عجلتم علينا عجلتينا عليكم ...... وما يشأ الرّحمن يعقد ويطلق

وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثنا بشر بن عمارة، حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «الرّحمن: الفعلان من الرّحمة، وهو من كلام العرب»، وقال: «{الرّحمن الرّحيم}[الفاتحة: 3]الرّقيق الرّفيق بمن أحبّ أن يرحمه، والبعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه، وكذلك أسماؤه كلّها».
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ [بن] يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن، قال: «الرّحمن: اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى».).[تفسير ابن كثير: 1/ 116-127]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (
- وأخرج ابن جرير، وابن عدي في الكامل، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق والثعلبي بسند ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن عيسى بن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم: اكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} قال له عيسى: وما باسم الله؟ قال المعلم: لا أدري، فقال له عيسى: الباء بهاء الله والسين سناؤه والميم مملكته والله إله الآلهة والرحمن رحمان الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة».
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك، مثل قوله.
- وأخرج ابن جريج، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «أول ما نزل جبريل على محمد قال له جبريل: {بسم الله} يا محمد، يقول: اقرأ بذكر الله، والله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين، والرحمن الفعلان من الرحمة، والرحيم الرفيق الرقيق بمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يضعف عليه العذاب».
.....
- وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: «{الرحمن} اسم ممنوع».
- وأخرج ابن أبي حاتم قال: «{الرحيم}اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: «{الرحمن}لجميع الخلق و{الرحيم}بالمؤمنين خاصة».
- وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: «{الرحمن} وهو الرفيق {الرحيم} وهو العاطف على خلقه بالرزق وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر».
- وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني قال: «كان الرحمن فلما اختزل الرحمن من اسمه كان{الرحمن الرحيم}».
- وأخرج البزار والحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة قالت: «قال لي أبي: ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال: وكان عيسى يعلمه للحواريين، لو كان عليك مثل أحد ذهبا لقضاه الله عنك، قلت: بلى، قال: قولي:«اللهم فارج الهم كاشف الغم -ولفظ البزار:وكاشف الكرب- مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني رحمة تغنني بها عمن سواك».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن:«اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني فارحمني رحمة تغنني بها عمن سواك».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن:«اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها ارحمني اليوم رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك».[الدر المنثور: 1/ 28-54]

9: وجه التكرير في قوله:{الرحمن الرحيم} وهما اسمان مشتقان من الرحمة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فإن قال قائلٌ: فإذا كان الرّحمن والرّحيم اسمين مشتقّين من الرّحمة، فما وجه تكرير ذلك وأحدهما مؤدٍّ عن معنى الآخر؟
قيل له: ليس الأمر في ذلك كما ظننت، بل لكلّ كلمةٍ منهما معنًى لا تؤدّي الأخرى منهما عنها.
فإن قال: وما المعنى الّذي انفردت به كلّ واحدةٍ منهما، فصارت إحداهما غير مؤدّيةٍ المعنى عن الأخرى؟
قيل: أمّا من جهة العربيّة، فلا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب أنّ قول القائل الرّحمن عن أبنية الأسماء من فعل يفعل أشدّ عدولاً من قوله الرّحيم. ولا خلاف مع ذلك بينهم أنّ كلّ اسمٍ كان له أصلٌ في فعل ويفعل، ثمّ كان عن أصله من فعل يفعل أشدّ عدولاً، أنّ الموصوف به مفضّلٌ على الموصوف بالاسم المبنيّ على أصله من فعل يفعل إذا كانت التّسمية به مدحًا أو ذمًّا. فهذا ما في قول القائل: (الرّحمن) من زيادة المعنى على قوله: (الرّحيم) في اللّغة.
وأمّا من جهة الأثر والخبر، ففيه بين أهل التّأويل اختلافٌ؛
- فحدّثني السّريّ بن يحيى التّميميّ، قال: حدّثنا عثمان بن زفرٍ، قال: سمعت العرزميّ، يقول: «{الرّحمن الرّحيم}»، قال: «الرّحمن بجميع الخلق». {الرّحيم} قال: «بالمؤمنين».
- وحدّثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدّثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مليكة، عمّن حدّثه عن ابن مسعودٍ، ومسعر بن كدامٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ -يعني الخدريّ- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ عيسى ابن مريم قال: الرّحمن: رحمن الآخرة والدّنيا، والرّحيم: رحيم الآخرة».
فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية اللّه جلّ ثناؤه باسمه الّذي هو رحمنٌ، وتسميته باسمه الّذي هو رحيمٌ. واختلاف معنيى الكلمتين، وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق، فدلّ أحدهما على أنّ ذلك في الدّنيا، ودلّ الآخر على أنّه في الآخرة.
فإن قال: فأيّ هذين التّأويلين أولى عندك بالصّحّة؟
قيل: لجميعهما عندنا في الصّحّة مخرجٌ، فلا وجه لقول قائلٍ: أيّهما أولى بالصّحّة.
وذلك أنّ المعنى الّذي في تسمية اللّه بالرّحمن، دون الّذي في تسميته بالرّحيم؛ هو أنّه بالتّسمية بالرّحمن موصوفٌ بعموم الرّحمة جميع خلقه، وأنّه بالتّسمية بالرّحيم موصوفٌ بخصوص الرّحمة بعض خلقه، إمّا في كلّ الأحوال، وإمّا في بعض الأحوال. فلا شكّ إذا كان ذلك كذلك، أنّ ذلك الخصوص الّذي في وصفه بالرّحيم لا يستحيل عن معناه في الدّنيا كان ذلك أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا.
....
- وأمّا القول الآخر في تأويله، فهو ما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «الرّحمن الفعلان من الرّحمة»، وهو من كلام العرب قال: «{الرّحمن الرّحيم}: الرّقيق الرّفيق بمن أحبّ أن يرحمه، والبعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه». وكذلك أسماؤه كلّها.
وهذا التّأويل من ابن عبّاسٍ، يدلّ على أنّ الّذي به ربّنا رحمن هو الّذي به رحيمٌ، وإن كان لقوله: الرّحمن من المعنى ما ليس لقوله: الرّحيم؛ لأنّه جعل معنى الرّحمن بمعنى الرّقيق على من رقّ عليه، ومعنى الرّحيم بمعنى الرّقيق بمن رفق به.
والقول الّذي روّيناه في تأويل ذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وذكرناه عن العرزميّ، أشبه بتأويله من هذا القول الّذي روينا عن ابن عبّاس؛ وإن كان هذا القول موافقًا معناه معنى ذلك، في أنّ للرّحمن من المعنى ما ليس للرّحيم، وأنّ للرّحيم تأويلاً غير تأويل الرّحمن.
- والقول الثّالث في تأويل ذلك، ما حدّثني به، عمران بن بكّارٍ الكلاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن صالحٍ، قال: حدّثنا أبو الأزهر نصر بن عمرٍو اللّخميّ من أهل فلسطين، قال: سمعت عطاءً الخراسانيّ، يقول: «كان الرّحمن، فلمّا اختزل الرّحمن من اسمه كان الرّحمن الرّحيم».
والّذي أراد إن شاء اللّه عطاءٌ بقوله هذا: أنّ الرّحمن كان من أسماء اللّه الّتي لا يتسمّى بها أحدٌ من خلقه، فلمّا تسمّى به الكذّاب مسيلمة وهو اختزاله إيّاه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ اسمه الرّحيم الرّحيم، ليفصل بذلك لعباده اسمه من اسم من قد تسمّى بأسمائه، إذ كان لا يسمّى أحدٌ الرّحمن الرّحيم فيجمع له هذان الاسمان غيره جلّ ذكره؛ وإنّما يتسمّى بعض خلقه إمّا رحيمًا، أو يتسمّى رحمنٌ، فأمّا رحمنٌ رحيمٌ، فلم يجتمعا قطّ لأحدٍ سواه، ولا يجمعان لأحدٍ غيره. فكأنّ معنى قول عطاءٍ هذا: أنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما فصل بتكرير الرّحيم على الرّحمن بين اسمه واسم غيره من خلقه، اختلف معناهما أو اتّفقا.
والّذي قال عطاءٌ من ذلك غير فاسد المعنى، بل جائزٌ أن يكون جلّ ثناؤه خصّ نفسه بالتّسمية بهما معًا مجتمعين إبانةً لها من خلقه، ليعرف عباده بذكرهما مجموعين أنّه المقصود بذكرهما دون من سواه من خلقه، مع ما في تأويل كلّ واحدٍ منهما من المعنى الّذي ليس في الآخر منهما.
....
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ».). [جامع البيان: 1/ 111-134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ويسأل عن التكرير في قوله عز وجل: {الرحمن الرحيم}
فروي عن ابن عباس أنه قال:«{الرحمن الرحيم} اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمن: الرقيق، والرحيم: العاطف على خلقه بالرزق».
قال محمد بن كعب القرظي: «الرحمن بخلقه، الرحيم بعباده فيما ابتدأهم به من كرامته وحجته».
وقال عطاء الخراساني: «كان الرحمن، فلما اختزل الرحمن من أسمائه صار: الرحمن الرحيم».
وقال العرزمي: «الرحمن بجميع الخلق، الرحيم بالمؤمنين».
وقال أبو عبيدة: «هما من الرحمة، كقولهم: ندمان ونديم».
وقال قطرب: «يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد».
وهذا قول حسن، وفي التوكيد أعظم الفائدة، وهو كثير في كلام العرب يستغني عن الاستشهاد والفائدة، في ذلك ما قاله محمد بن يزيد: «أنه تفضل بعد تفضل، وإنعام بعد إنعام، وتقوية لمطامع الداعين، ووعد لا يخيب آمله».
وقول العرزمي أيضا حسن؛ لأن (فعلان) فيه معنى المبالغة، فكأنه -والله أعلم- الرحمن بجميع خلقه، ولهذا لم يقع إلا لله تعالى؛ لأن معناه: الذي وسعت رحمته كل شيء، ولهذا قدم قبل الرحيم .
وصار الرحيم أولى من الراحم؛ لأن الرحيم إلزام في المدح؛ لأنه يدل على أن الرحمة لازمة له غير مفارقة، والراحم يقع لمن رحم مرة واحدة.
وقال أحمد بن يحيى: «الرحيم عربي، والرحمن عبراني، فلهذا جمع بينهما». وهذا القول مرغوب عنه.). [معاني القرآن: 1/ 50-56]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ({فإن قيل: فإذا كان الرّحمن أشدّ مبالغةً؛ فهلّا اكتفي به عن الرّحيم؟


فقد روي عن عطاءٍ الخراسانيّ ما معناه: أنّه لمّا تسمّى غيره تعالى بالرّحمن، جيء بلفظ الرّحيم ليقطع التّوهّم بذلك، فإنّه لا يوصف بالرّحمن الرّحيم إلّا اللّه تعالى. كذا رواه ابن جريرٍ عن عطاءٍ. ووجّهه بذلك، واللّه أعلم.). [تفسير ابن كثير: 1/ 116-127]


10: تكرر {الرحمن الرحيم} في الفاتحة حجة لمن ذهب إلى أن البسملة ليست بآية منها
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ذلك لنا حجّةٌ على خطأ دعوى من ادّعى أنّ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من فاتحة الكتاب آيةٌ، إذ لو كان ذلك كذلك لكان ذلك إعادة آيةٍ بمعنًى واحدٍ ولفظٍ واحدٍ مرّتين من غير فصلٍ يفصل بينهما. ...
فإن قال: فإنّ {الحمد للّه ربّ العالمين} فاصلٌ بين ذلك.
قيل: قد أنكر ذلك جماعةٌ من أهل التّأويل، وقالوا: إنّ ذلك من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، وإنّما هو: الحمد للّه الرّحمن الرّحيم ربّ العالمين ملك يوم الدّين.). [جامع البيان: 1 /147-149]


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]