عرض مشاركة واحدة
  #124  
قديم 15-08-2021, 11:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,472
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (120)

صـــــ(1) إلى صــ(18)

[استحباب بعض العلماء لبعض صفات الإمام]
قال رحمه الله تعالى:
[وحر وحاضر ومقيم وبصير ومختون ومن له ثياب أولى من ضدهم].
قوله: [وحر].هذه من باب الأفضلية، فالحر يقدم على العبد والرقيق؛ لأن الرق يكون بسبب الكفر، كما هو معلوم أنهم يؤخذون في الجهاد ويضرب عليهم الرق، فلمكان النقص الموجود في الرقيق يقدم عليه الحر، فهو أولى، ولكن ليس هناك نص، بل لو كان العبد حافظا لكتاب الله عز وجل، أو عالما بالسنة فإنه يقدم ولو كان مولى أو عبدا،
خلافا لمن قال:
إنه لا يؤم العبد، وهذا قول ضعيف،
والصحيح أن القرآن يقدمه وعلمه يقدمه ولذلك لما سئل بعض السلف رحمة الله عليهم عن إمامة العبد قال: سبحان الله! ومن لا يصل وراء عكرمة؟ ثم ذكر غيره ممن كان من الموالي كـ نافع وغيره، فمن الذي لا يستطيع أن يصلي وراء هؤلاء الأئمة الأجلاء، فالإسلام وإن كان قد ضرب الرق عليهم فإن هذا لا يعني عدم إعطائهم حقوقهم إذا كانوا أهلا لهذه الإمامة بحفظهم لكتاب الله عز وجل وعلمهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وفقههم في الدين، فإنهم يقدمون ولو كان فيهم شائبة الرق.
وقوله: [وحاضر].
قالوا:
يقدم الحاضر على البادي.والسبب في ذلك غلبة العلم في الحاضر أكثر من البادي، ولكن لو كان من بالبادية أعلم وأفقه فإنه يقدم، والصحيح أنه لا تمنع إمامة البادي إذا كان عالما أو فقيها أو عارفا بالسنة؛ لأن العبرة في الإمامة بالأوصاف التي ذكرناها، وأما ما ذكره العلماء رحمة الله عليهم من هذه الأوصاف فهذه كلها أمور اجتهادية،
والنص الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلما، فإن كانوا في السلم سواء فأكبرهم سنا) يدل على التفضيل بهذه الأمور، وأما ما عداها فإنه لم يرد به نص مما اجتهد به العلماء رحمهم الله، كالعبد والحاضر ونحو ذلك، فكل هذا مما لا نص فيه، بل قد تجد غير الحاضر أكثر ديانة واستقامة، وأبعد عن المعاصي والفواحش من غيره، وأكثر تمسكا بالدين، وقد يكون على فطرته التي فيها استقامة في الأخلاق، وكمال في العقل، فالعبرة بالديانة والاستقامة، بغض النظر عن كون هذا حاضرا أو غير حاضر، فهذا كله لا تأثير له مع وجود الدين والاستقامة والعلم بأحكام الصلاة.
وقوله: [ومقيم].
قالوا: يقدم المقيم على المسافر، والسبب في ذلك أن المسافر سيقصر الصلاة،
وبناء على ذلك قالوا: ربما اختلجت على الناس صلاتهم؛ لأنه سيصلي ركعتين في الرباعية، فإذا تقدم بالناس وصلى بهم فإنهم يظنون أنه وهم فربما سبحوا له، وربما سلم بعضهم معه؛ لأن الناس بعضهم فيه غفلة فيدخل في الصلاة ولا يعي عدد ما صلى،
فإذا قال الإمام:
(السلام عليكم) ظن أنه على الكمال فسلم معه،
ولذلك قالوا:
يقدم المقيم على المسافر.وكل ذلك من باب الاجتهاد، ولكن المسافر إذا كان على علم، وكان حافظا لكتاب الله عز وجل، وأحب القوم أن يقدموه فإنه يقدم.
وقوله: [وبصير].
قالوا:
البصير يقدم على الأعمى.وهذا لا نص فيه، وإنما هو اجتهاد من العلماء رحمة الله عليهم،
ولكن قالوا:
إن وجد من هو أعمى ومن هو بصير، فإن البصير ربما يكون أرفق بالناس.ولكن الحقيقة أن العبرة بالديانة والاستقامة، وأما البصير والأعمى فهما على حد سواء؛ فإنه لا يفضل بينهما إلا بنص من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم من أعمى قد كف بصره ولكن استنارت بصيرته، والعمى عمى القلب، ولذلك إذا جمع الله للإنسان الفقه في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو مقدم ولو كان كفيف البصر.
وقوله: [ومختون].
قالوا: يقدم على الأقلف وهو غير المختون؛ لأن غير المختون تنحبس النجاسة في الموضع المعروف، ولذلك يكون المختون أكمل طهارة من غير المختون، وهذا ذكره العلماء رحمة الله عليهم من باب الاحتياط للصلاة، وعندهم كلام في إمامة الأقلف، ولكن ليس هناك نص على بطلانها وعدم صحتها، والصحيح أنه يجوز أن يصلي بالناس،
ومثاله:
أن يسلم رجلان، ثم أحدهما اختتن، وكلاهما حفظ القرآن، أو حفظا مع بعضهما من كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فكان علمهم على حد سواء، ولكن أحدهم اختتن والثاني لم يختتن،
فقالوا:
نقدم المختون.وفي مثل هذا يستقيم، فيقدم المختون على غير المختون؛ لأن هذا تقديم من جهة الدين، والسبب في ذلك أنه التزم بشرع الله أكثر من غير المختون؛ فإنه بادر واختتن، ولذلك يكون هنا التقديم من جهة الدين، ويعتبر زيادة في تقوى الله عز وجل، والتزاما بحدود الله سبحانه وتعالى.
وقوله: [ومن له ثياب].لأن شرط صحة الصلاة ستر العورة، فإذا وجد العاري وغير العاري فإن الذي يؤم هو الذي قد ستر عورته، ولا يتقدم العاري؛ لأنه إذا تقدم انكشف، وتكون إمامته سببا في انكشافه ولذلك يتقدم غير العاري على العاري.
وقوله:
[أولى من ضدهم].ولا يشترط أن يكون العري كاملا، فلو كان أحدهم عنده ثوب كامل، وآخر عنده ثوب يستر العورة، والثاني عنده ثوب إلى نصف العورة فإننا نقدم من كمل ستر عورته على من هو دونه.
[حكم الصلاة خلف الكافر والفاسق]
قال رحمه الله تعالى:
[ولا تصح خلف فاسق ككافر].بعد أن بين لنا رحمه الله من الذي يقدم للإمامة ومراتب الأئمة والمفاضلة بينهم شرع رحمه الله في حكم إمامة من لا تصح الصلاة وراءه،
فقال رحمه الله
: [ولا تصح خلف فاسق ككافر].
والفاسق:
مأخوذ من قولهم: فسقت الرطبة، أو الثمرة عن قشرها إذا خرجت،
فأصل الفسق في لغة العرب:
الخروج، وسمي الفاسق فاسقا لأنه خارج عن طاعة الله -والعياذ بالله-، وذلك بعصيانه والتمرد عليه سبحانه وتعالى،
والفسق يكون على حالتين:
الأولى: أن يصل بالإنسان إلى الكفر والعياذ بالله، فإن الكافر يوصف بكونه فاسقا لأنه على أعلى درجات الفسق والخروج عن طاعة الله عز وجل.
الثانية: أن يكون دون حد الكفر، بمعنى أن فسقه لا يخرجه من الإسلام، ولذلك تجد في القرآن وصف الكفار بالفسق؛ لأنهم خرجوا عن طاعة الله عز وجل على أكمل ما يكون عليه الخروج.فأما إذا كان الإمام كافرا فالصلاة لا تصح وراءه بإجماع العلماء؛ لأن إمامة الكافر لا تجوز، ولا يجوز تقديمه، ومذهب طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم أنهم يلزمون بإعادة الصلاة فلو أن كافرا قدم للصلاة بالناس ولم يعلموا إلا بعد خمس سنوات فإنهم يلزموا بإعادتها خمس سنوات، ووقع هذا في بعض الأماكن، حيث قدموا بعض الكفار فصلوا وراءه أكثر من خمس سنوات، ثم تبين أنه كافر فأعادوا صلاتهم خمس سنوات، وهذا يكون بالترتيب في الفروض على الصفة التي ذكرناها في قضاء الفوائت.فلا تجوز إمامة الكافر، ولا يجوز تقديمه، ولا تجوز الصلاة وراءه.
وبناء على ذلك قال رحمه الله: [ولا تصح خلف فاسق ككافر].والفاسق الذي يرتكب الكبائر أو يصر على الصغائر ضد العدل،
فالعدل:
الذي لا يرتكب الكبيرة ولا يصر على الصغيرة.
كما قيل: العدل من يجتنب الكبائر ويتقي في الأغلب الصغائر فالذي يرتكب الكبائر ولو كبيرة واحدة، أو يصر على الصغائر ويداوم عليها يوصف بكونه فاسقا، فلا تصح الصلاة وراءه، واختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة، فلو أن إنسانا فاسقا تقدم وصلى بالناس، فهل صلاتهم وراءه صحيحة أو ليست بصحيحة؟
فللعلماء قولان فيها:
القول الأول: الصلاة وراء الفاسق صحيحة، ما دام أن فسقه لم يخرجه عن الإسلام، وبه قال جمهور العلماء، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وبعض أصحاب الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.
القول الثاني:
الصلاة وراء الفاسق باطلة لا تصح إمامته، ولا تصح الصلاة وراءه، وهو مذهب الإمام أحمد رحمة الله عليه.واستدل الذين قالوا بصحة الصلاة وراء الفاسق بأدلة، أولها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)،
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(وإن أخطأوا فلكم -
أي: لكم صلاتكم كاملة- وعليهم)
: أي عليهم خطؤهم.فبين أنه لا علاقة للإنسان بفسق الإمام أو صلاحه، فالعبرة بصلاتك،
فقال:
(يصلون لكم، فإن أصابوا -أي: إن كانوا صالحين- فلكم ولهم -
أي: الصلاة على ما هي عليه- وإن أخطئوا -أي: كانوا على خطأ- فلكم -أي: صلاتكم لكم وعليهم خطؤهم-.
وهذا الحديث نص واضح في صحة إمامة الفاسق.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا ذر رضي الله عنه أن يصلي مع الجماعة،
وقال: (صلها معهم فإنها لك نافلة)، كما في الصحيح، ووجه الدلالة أنه صحح صلاته وراء الفساق، وأثبت كونها نافلة؛ إذ لو كانت باطلة لم تكن نافلة ولا فريضة.
الدليل الثالث: هدي السلف وإجماع السلف الصالح رحمة الله عليهم، فإن ابن عمر وأنس بن مالك رضي الله عن الجميع صليا وراء الحجاج، ومع ذلك لم يحكم أحدهما ببطلان الصلاة وراءه، ولم ينكر عليهما أحد، فدل على أن الصلاة وراء الفاسق صحيحة.
الدليل الرابع من العقل: قالوا: الفاسق صلاته في نفسه صحيحة،
أي:
مجزئة لنفسه، فمن باب أولى أن تجزئ إمامته لغيره.
وتوضيح ذلك أنهم قالوا للحنابلة: الفاسق لو صلى الظهر وصلى العصر فهل تطالبونه بإعادة الظهر والعصر؟ قالوا: لا.قالوا: ما دام أن صلاته صحيحة في حق نفسه فمن باب أولى أن تصح في حق غيره.أما بالنسبة لمن قال بعدم صحة الصلاة وراء الفاسق ففي الحقيقة ليس لهم دليل واضح صحيح صريح يدل على بطلان الصلاة وراء الفاسق.ولكن لهم أصول،
منها: أنه إذا تقدم الفاسق وأم بالناس فإنه لا يؤمن أن يحملهم على المحرمات، أو يدعوهم إلى المنكرات، ثم إن هذا فيه انتقاص من مكانة الإمامة، وامتهان لهذه الإمامة التي تقوم عليها أعظم شعائر الدين بعد الشهادتين وهي الصلاة، ولهم في ذلك اجتهادات، لكن الصحيح ما ذهب إليه الجمهور وهو أن الصلاة وراء الفاسق صحيحة، وأن الفاسق له صلاته، فكما أن صلاته صحيحة في حق نفسه فمن باب أولى أن تصح في حق غيره.
فقوله رحمه الله:
[ولا خلف فاسق ككافر] جمع به رحمه الله بين هذه المسائل: أولا: عدم صحة الصلاة وراء الفاسق، وهذا مذهب مرجوح.
ثانيا: عدم صحة الصلاة وراء الكافر، وهذا يكاد يكون إجماعا.ثالثا: الدليل في قوله: [خلف فاسق ككافر] قياس.
أدلة تقديم الفقيه للإمامة
[حكم صلاة الرجال خلف امرأة أو خنثى]
قال رحمه الله تعالى: [ولا امرأة وخنثى للرجال] أي: ولا تصح الصلاة وراء امرأة،
أي:
الرجال أن تكون إمامتهم امرأة، فلا تجوز إمامة المرأة للرجال، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله، لكن شذ بعض العلماء -وينسب الشذوذ إلى الطبري وداود -
فقالوا:
يجوز أن تؤم المرأة الرجال.وهذا قول شاذ، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)،
وقال في الحديث:
(استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، فخير الأمور الصلاة، فإذا لم تصح إمامتها فيما هو دونها، وورد الوعيد فيما دونها فمن باب أولى في الصلاة نفسها، فلا تقدم المرأة للإمامة بالرجال، ولأنها إذا تقدمت بالرجال فتنت أو فتنت، أو اجتمعت الفتنتين، فكانت الإمامة فتنة لها في نفسها وفتنة لغيرها، فلا تتقدم المرأة على الرجال.
قوله: [وخنثى] كذلك الخنثى؛ لأن الخنثى محكوم بكونه أنثى، ولا يؤم الرجال، وإنما يؤم من هو مثله، أو يؤم من هو دونه وهي المرأة.
الأسئلة
[الفرق بين الإمامة والأذان من حيث الفضل]
q أيهما أفضل: الإمامة أم الأذان؟
a اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك: فمذهب الجمهور أن الإمامة أفضل، وذلك لأن الإمامة هي المقصد، والأذان وسيلة للإمامة والصلاة جماعة، ولأن الإمامة يشترط فيها من الفضائل ما لا يشترط في الأذان، ويشترط لصحة الصلاة نفسها ما لا يشترط لصحة الأذان، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أم، وأم من بعده الخلفاء الراشدون، وكذلك أيضا لم يحفظ عنه عليه الصلاة والسلام نص صحيح بتقديم الأذان على الإمامة، ولهذا قالوا بتقديم الإمامة على الأذان.القول الثاني: الأذان أفضل.وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه اختارها جمع من أصحابه، وقيل: إنها هي المذهب، فالأذان أفضل من الإمامة.واحتجوا بما أثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لولا الخلافة لأذنت، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)، وهو حديث أبي داود وأحمد في مسنده عن أبي هريرة.قالوا: هذا يدل على أن الأذان أفضل من الإمامة، وقال صلى الله عليه وسلم: (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا حجر ولا شجر إلا شهد له يوم القيامة)، وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أطول الناس أعناقا يوم القيامة المؤذنون) قالوا: هذا يدل على فضل الأذان، وأنه أفضل من الإمامة.والصحيح أن الإمامة أفضل من الأذان؛ لأن الله اختارها لنبيه عليه الصلاة والسلام، ولم يحفظ في حديث واحد أنه تولى عليه الصلاة والسلام الأذان.وأما كونه يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الدلالة على فضل الأذان فإن هذا لا يدل على أنه أفضل من الإمامة، ألا ترى الصلوات النوافل وردت فيها أحاديث بفضلها، ولم يرد بخصوص صلاة الفرائض كصلاة الفجر والعشاء والمغرب مثل الأحاديث التي وردت في النوافل، ولذلك الإمامة مقدمة من وجوه عديدة، فإن الإنسان إذا نظر إلى ما للإمامة من مسئولية ومن تحمل أعباء أدرك ذلك، ولما فيها من الفضل، كما قال بعض السلف: من صلى بالناس كتب له أجره.يعني أن الإمام له أجر من يصلي وراءه قلوا أو كثروا، وهذا فضل عظيم، مع ما في مواعظهم وتذكيرهم؛ فإن الإمام يذكر الناس في الخطب، وفي المواعظ العابرة، وفي المناسبات المقتضية لذلك، وهذا التذكير فيه حياة للقلوب، ودلالة على الخير، وانشراح للصدور، وهداية إلى سبيل الله عز وجل، والله تعالى يقول: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} [فصلت:33]، فإن (من): بمعنى (لا)، أي: ولا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله.وقد يقول قائل: إن هذه وردت في المؤذن! فنقولك هذا قول مرجوح، وإنما هي عامة.وعلى هذا نقول: المؤذن داع إلى شيء معين وهو الصلاة، والإمام الخطيب داع إلى أشياء، بل داع إلى شعائر الإسلام كلها، فإن قلت بتفضيل المؤذن لكونه يدعو إلى الصلاة فإن الإمام يقوم بها، وإن قلت إنه يدعو فإن الإمام يدعو إلى الصلاة، ويدعو إلى ما هو أعظم وأجل، كدعوته إلى توحيد الله عز وجل، وخطبته في الناس وتذكيره، فالذي يظهر -والعلم عند الله- أن القول بترجيح الإمامة أولى وأحرى، وأن الإمامة لها فضل عظيم.وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) دليل لنا لا علينا؛ فإن قوله: (اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) يدل على فضل الإمام؛ لأنه لعظم مسئوليتها صرف الدعوة إلى أن يعينهم على أدائها حتى يكون أجرهم أكثر، وقال عليه الصلاة والسلام: (واغفر للمؤذنين) فلخفة أعباء الأذان كان الدعاء لهم بما يناسبهم، وقال بعض العلماء: إنما هو دعاء بما يناسب الحال لا علاقة له بالتفضيل، والذي يظهر -والله أعلم- أن تفضيل الإمامة أولى وأحرى، وذلك لما ذكرناه من الوجوه التي بنيت على النقل والعقل والقول بتفضيلها، وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس.والله تعالى أعلم.
[حالات المأمومين أثناء سهو الإمام]
q إذا قام الإمام لركعة خامسة فهل المسبوق بركعة يصلى معه الخامسة وهي له رابعة، أم ماذا يفعل؟

a إذا قام الإمام لخامسة فحينئذ الناس على ثلاثة أقسام: القسم الأول: من منهم تامة صلاته ويعلم بخطأ الإمام، فحينئذ يجب عليه أن يبقى في التشهد، ويترك الإمام يتم الخامسة ويتشهد معه ويسلم، أي: يتشهد ويطيل في الدعاء حتى ينتهي الإمام من الركعة الخامسة الزائدة، فأنت معذور لأن الواجب عليك أربع، والإمام معذور لأنه مأمور إذا شك أن يتم الخامسة، وأما المأموم فيبقى على ما هو عليه وصلاته صحيحة.القسم الثاني: من يكون غير عالم بزيادة الإمام، فتلزمه متابعة الإمام ولا يجوز له أن يبقى؛ لأنه ملزم بالمتابعة حتى يتيقن أنها الخامسة فيجلس كالطائفة الأولى، وبناء على ذلك إذا لم تعلم هذه الزيادة، ولم تدر هل زاد أم لم يزد.فالأصل أنك تتابع، فتصلي معه، فإن تبين أنها خامسة فصلاتك صحيحة؛ لأنك كالإمام لمكان العذر بالسهو.القسم الثالث: هم الذين سبقوا بأجزاء من الصلاة، أو بكل الصلاة، فهؤلاء يتابعون الإمام ويصلون معه الركعة الخامسة؛ لأنهم مأمورون بالاقتداء بالإمام، والإمام معذور فيما زاد، وبناء على ذلك: ركعة الإمام صالحة له وصالحة لمن وراءه، فلو أنك علمت أنها زائدة وقد فاتتك ركعة دخلت وراءه وأتممت وسلمت معهم، فتسلم معه لأنه قد تمت لك أربع ركعات، فأنت مأمور بالصلاة أربعا، ومأمور بمتابعة الإمام، فتابعت الإمام فيما يشرع لا فيما يمنع، والطائفة الأولى إنما تعذرت عليها المتابعة لأنها في الممنوع لا في المشروع، والله تعالى أعلم.
[حكم الصلاة في مسجد فيه قبر]
q ما حكم الصلاة في المسجد الذي به قبر؟

a لا تجوز الصلاة في القبور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى، واتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: يحذر مما صنعوا.أي: يحذر أمته أن تصنع كما صنعت اليهود والنصارى.فإن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح يبين لنا أنه لا يجوز اتخاذ القبور مساجد، فلا تجوز الصلاة على قبر، ولا عند قبر، ولا بين القبور، وكذلك لا تجوز الصلاة إلى القبور، كأن تكون جدرانها متصلة بالمساجد.وهذا القول قال به جماهير السلف رحمة الله عليهم، وقال جمع منهم بعدم صحة الصلاة، وأنها باطلة ولو صلى في المقابر فإن صلاته غير صحيحة.ويستثنى من هذا الصلاة على الجنازة في القبر إذا دفن وقبر، فقال بعض السلف بجواز الصلاة على الميت بعد قبره، ثم اختلفوا في المدة فقال بعضهم: في حدود ثلاثة أشهر.وقال آخرون: في حدود ستة أشهر.وقال آخرون: ما لم يبل.فهي ثلاثة أقوال للعلماء الذين يقولون بجواز الصلاة على القبر بعد دفنه، وإن كان الأقوى والأولى من ناحية الدليل أن الصلاة على القبر مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما صلى على المرأة التي كانت تقيم المسجد قال: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم)، فهذا يقتضي التخصيص كما يقول الجمهور، حيث قال: (ينورها بصلاتي)، وهذه رواية مسلم، لكن لو أن إنسانا صلى على قبر يتأول قول من يقول بالجواز فلا حرج.فالشاهد أنه لا تجوز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر لعدم صحة الصلاة فيه، ولأنه ذريعة إلى الشرك والعياذ بالله؛ فإن الصلاة على القبور أو عند القبور تفضي إلى تعظيمها، وقد حدث الشرك أول ما حدث في قوم نوح بتعظيم الصالحين، وذلك حينما صوروا صورهم، ثم جاء من بعدهم جيل فعبدوهم والعياذ بالله، وكان السبب في عبادتهم تعظيم الأوائل لهم.فالصلاة عند القبر تعظيم له، فقد يعتقد أن هذه البقعة لها فضل ولها مزية، ولذلك إذا فتح هذا الباب للجهال فإنهم يسترسلون ويقعون في الشرك -والعياذ بالله-، كما هو واقع في بعض الأماكن -نسأل الله السلامة والعافية-؛ فإنه لما بنيت المساجد على القبور طافوا واستغاثوا بها، وذبحوا ونذروا لها -نسأل الله السلامة والعافية- حتى إنهم يعظمونها كتعظيمهم لبيت الله الحرام -نسأل الله السلامة والعافية-، بل إن بعضهم لو دعي إلى تعظيم شيء من هذه الأمور فإنه قد يعظمها أكثر من البيت، فلو دعي للحلف عند قبر فلان من الصالحين ودعي للحلف عند الكعبة لربما وجد أن الحلف عند قبر الصالح أشد وأعظم من الحلف عند البيت، وقيل لرجل: أتحلف بالله؟ فحلف بالله أيمانا مغلظة أنه ما فعل.فقيل له: احلف بفلان الصالح؟ قال: لا.فأصبح -والعياذ بالله- تعظيمه لهذا أكثر من تعظيمه لله، وهذا بسبب الجهل، وبسبب التساهل في الذرائع التي تفضي إلى الشرك، فلا تجوز الصلاة في القبور أو عندها أو الصلاة إليها.والله تعالى أعلم.

[حكم من صلى بالناس وهو محدث وعلم ذلك بعد الصلاة]

q لو صلى الإمام بجماعة وهو محدث، ولم يعلم إلا بعد انتهاء الصلاة، فهل يخبر المأمومين ويعتبر من واجبات الإمامة بيان هذا الأمر؟

a إذا صلى الإمام وهو محدث ثم تبين له بعد الصلاة وبعد تمام الصلاة أنه كان محدثا فصلاة من وراءه صحيحة، ولا يلزمه أن يخبرهم، بل يقتصر على الوضوء إذا كان محدثا حدثا أصغر، أو الغسل وإعادة الصلاة إن كان محدثا حدثا أكبر، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه وأرضاه -كما روى مالك في الموطأ- أنه صلى بالناس الصبح -أي: الفجر- ثم انطلق إلى مزرعة له بالجرف -وهي من ضواحي المدينة- فلما جلس على الساقية -أي: على القنطرة التي فيها الماء- رأى أثر المني على فخذه، فقال: ما أراني إلا أجنبت وصليت وما اغتسلت.وهذا بعد طلوع الشمس، ثم اغتسل رضي الله عنه، وفي رواية قال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق.اغتسل رضي الله عنه وصلى، ولم يأمر الناس بالإعادة.قالوا: وهذا القول هو قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم، وله أصل في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في صحيح البخاري: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) أي: لكم صلاتكم صحيحة وعليهم خطؤهم.ولكن لا يجوز للإمام أن يتقدم بالناس وهو محدث، ولا يجوز للمأموم أن يأتم به إذا علم حدثه، أو رأى عليه نجاسة، فإنك إذا رأيت حدثه وعلمت كونه محدثا، أو رأيت الإمام وقد دخل وقضى حاجته وانتقض وضوؤه، أو سمعت منه ما يوجب انتقاض وضوئه، ثم رأيت منه الذهول والنسيان، فتقدم بالناس وصلى فلا يجوز لك أن تأتم به، وإن ائتممت به فذهب طائفة من العلماء إلى أن الصلاة باطلة ولا تصح.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]