عرض مشاركة واحدة
  #123  
قديم 15-08-2021, 11:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (119)

صـــــ(1) إلى صــ(18)

شرح زاد المستقنع - فصل: الأولى بالإمامة [1]
مما يتعلق بصلاة الجماعة: أحكام الإمامة، ويقدم فيها الأقرأ للقرآن العالم فقه الصلاة، ثم الأكبر سنا، ثم الأقدم هجرة، ثم يقرع فمن خرجت قرعته تقدم، وهناك أئمة أحق من غيرهم؛ كصاحب البيت، وإمام المسجد الراتب.ويقدم الحر والحاضر والمقيم والبصير على غيره، ولا تصح الصلاة خلف الكافر، ولا خلف امرأة أو خنثى.
أحكام الإمامة
[تقديم أقرأ الناس للإمامة في الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف عليه رحمة الله: [فصل: الأولى بالإمامة الأقرأ العالم فقه صلاته] الإمامة منصب شريف ومقام عزيز منيف لا ينبغي لكل أحد أن يتصدر له، ولا ينبغي لكل أحد أن يكون فيه إلا إذا كان أهلا لهذا المقام، فحينئذ يجوز له أن يتقدم على الناس، وأن يتشرف بهذا المكان الذي يكون فيه مؤتمنا على صلاتهم، وإقامة هذه الشعيرة لهم، والناس تقتدي بالأئمة، فكلما كان الإمام على صلاح وتقوى لله عز وجل وعلم بالشريعة وفقه في الدين ومعرفة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم كلما كان ذلك أدعى لحبه وحب الصلاة وراءه، والتأثر بقراءته ومواعظه وخطبه، الأمر الذي يكون له أحمد العواقب، وأحسن الثمرات، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة أن تهيئ لهذا المقام من توفرت فيه شروط الأهلية، فقال صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أبي مسعود في الصحيح-: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).فأمرنا عليه الصلاة والسلام أن نقدم الأقرأ لكتاب الله عز وجل، والسبب في ذلك أن الغالب في الإنسان إذا شرفه الله وكمله وفضله بحفظ كتابه فالأصل فيه أن يكون من أهل كتاب الله العالمين به، العاملين بما فيه، ومثل هؤلاء أئمة يقتدى بهم إذا كان القرآن إماما لهم في القول والعمل والاعتقاد،
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).فلما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يحفظ كتاب الله عز وجل إلا من علمه وعمل به كان ذلك أدعى لتقديم هؤلاء الخيرة البررة الذين هم صفوة الله عز وجل من الخلق، أعني العلماء بكتاب الله العاملين به.فالمصنف رحمه الله بعد أن بين لنا حكم صلاة الجماعة، والمسائل المتعلقة بمباحث صلاة الجماعة شرع في بيان من الذي يقدم للإمامة لكي يصلي بالناس جماعة،
فقال رحمه الله:
[الأولى بالإمامة الأقرأ] وفي هذه النسخة [العالم فقه صلاته]،
وفي غيرها الإطلاق:
[الأقرأ]، وهذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله فيها،
ولذلك لا بد من بيان المراد بقولهم:
(الأقرأ) ثم بعد ذلك نبين أقوالهم وأدلتهم، والراجح من الأقوال والأدلة.فلفظ (الأقرأ) اختلف العلماء رحمهم الله فيه على قولين: قال بعض العلماء: الأقرأ: هو الأكثر أخذا للقرآن، والمراد بذلك أن يكون حفظه أكثر من غيره، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال ذلك فهم منه الصحابة هذا الفهم، كما في الحديث في الصحيح أن سالما مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما كان يؤم المهاجرين والأنصار،
وذلك في المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم قال الراوي:
وكان أكثرهم قرآنا.
فقوله: كان أكثرهم قرآنا، أي: كان حفظه أكثر.وكذلك استدلوا بحديث عمرو بن سلمة،
ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فارقه قوم أبي سلمة قال لهم:
(وليؤمكم أكثركم قرآنا) قال: فرجعوا فنظروا فإذا أنا أكثرهم أخذا للقرآن، فقدموني.ووجه الدلالة أنه علق التقديم على كثرة الحفظ، فدل على أن المراد بالأقرأ الأكثر حفظا للقرآن، وعلى هذا يقدم حافظ القرآن كله على من حفظ ثلاثة أرباعه، ويقدم من حفظ ثلاثة أرباع القرآن على من حفظ النصف ولو كان أكثر ضبطا لأحكام التجويد والترتيل، فهذا هو الوجه الأول، فالعبرة عندهم بكثرة الحفظ، ولكن يلاحظ أنهم يرون مع كثرة الحفظ أن يكون ضابطا لما ينبغي أو يشترط لصحة التلاوة واعتبارها.
القول الثاني يقول: إن المراد بالأقرأ الأتقن في مخارج الحروف وضوابط القراءة، وهو المجود لكتاب الله عز وجل الذي يحسن ترتيله ويحسن تحبيره وتتأثر الناس بقراءته أكثر،
وهذا القول يعتمد على ظاهر اللفظ في قوله:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)؛ فإن اللغة العربية تدل على أن (الأقرأ) أفعل تفضيل، والمراد به أنه فضل على غيره بحسن التلاوة وحسن الأداء للقراءة،
فقالوا:
المهم عندنا أن يكون محبرا لكتاب الله عز وجل، وعلى هذا الوجه.فلو اجتمع حافظ للقرآن كله وحافظ لنصف القرآن، والذي يحفظ نصف القرآن أكثر ضبطا لأحكام القراءة، والناس تتأثر بقراءته أكثر،
ويحسن تحبيره وتجويده قالوا:
يقدم على من هو أكثر حفظا منه.والذي يظهر -والعلم عند الله- أن العبرة بكثرة الحفظ، وليس المراد التحبير وحسن النغمات والمبالغة في التجويد، وعلى هذا فلو اجتمع من هو أكثر حفظا للقرآن مع من هو أحسن أداء وأحسن ترتيلا وتجويدا فإنه يقدم الأحفظ؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه هو المعول وعليه العمل.وإذا عرفنا ما هو المراد بالأقرأ فq لو اجتمع عندنا رجلان أحدهما أقرأ، سواء أكان أكثر أخذا للقرآن أم أكثر ضبطا للقرآن، والآخر أفقه، بمعنى أنه يعلم أحكام الصلاة وما يكون فيها من أحكام السهو ونحوه، وما يطرأ فيها من الطوارئ التي يحتاج الأئمة فيها إلى جبر النواقص والزوائد، أو كان عالما بالأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات، فهل نقدم الأقرأ أو نقدم الأفقه؟
في ذلك قولان للعلماء:
القول الأول: ذهب الإمام أحمد رحمة الله عليه، ووافقه جمع من المحدثين، وبه قال بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي رحمة الله على الجميع إلى أن الأقرأ لكتاب الله يقدم على الأفقه.القول الثاني -وهو قول الجمهور-: أن الأفقه يقدم على الأقرأ، فلو اجتمع حافظ للقرآن ومن هو أكثر منه علما وفقها في الدين فإنه يقدم الأفقه والأعلم بالحلال والحرام على الحافظ لكتاب الله عز وجل.واستدل الذين قالوا بتقديم الأقرأ بظاهر حديث أبي مسعود رضي الله عنه وأرضاه في الصحيح،
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، ووجه الدلالة من هذا الحديث واضح، حيث قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)،
قالوا: فقدم الأقرأ على الأعلم بالسنة فدل على أن القارئ مقدم على الفقيه.وأصحاب القول الثاني احتجوا بحديث أبي بكر رضي الله عنه في إمامته،
كما في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مروا أبا بكر فليصل بالناس)، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر، وكان أبو بكر رضي الله عنه من أعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
ولذلك قالوا:
قدم لفقهه لا لقراءته؛ لأن أبيا رضي الله عنه أعلم منه بالقراءة، ومع هذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فدل هذا على أن الأفقه مقدم على الأقرأ، وهناك أدلة أخرى، ولكن المعول على هذين الدليلين، فالأول حديث أبي مسعود رضي الله عنه، والثاني حديث أبي بكر في إمامته.
ومما علل به الجمهور لمذهبهم أن قالوا:
إن الأقرأ نحتاج إليه للقراءة، والقراءة تتعلق بركن واحد وهو القيام.وأما بالنسبة للأفقه فنحتاج إليه في أركان الصلاة؛ فإن الصلاة قد يطرأ فيها السهو، فتطرأ فيها الزيادة ويطرأ فيها النقص، وتختلج الصلاة على الناس، فإذا كان الأفقه موجودا أو هو الإمام فإن ذلك أدعى لتعليم الناس، وهو أعرف وأعلم بما ينبغي فعله على الإمام في مثل هذه الأحوال الطارئة.فكأن الفقه يحتاج إليه لأركان، والقراءة يحتاج إليها لركن، فقدم ما يحتاج إليه لأركان على ما يحتاج إليه لركن واحد.والذي يترجح -والعلم عند الله- هو القول بتقديم الأقرأ لكتاب الله، وذلك لظاهر السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.ثانيا: أن سالما مولى أبي حذيفة -كما في الصحيح- كان يؤم المهاجرين والأنصار، وفيهم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وأما إمامة أبي بكر رضي الله عنه فإنها لم تتمحض بإمامة الصلاة، وإنما قصد منها الإشارة إلى استخلافه رضي الله عنه وأرضاه، فخرج الدليل عن موضع النزاع، ولذلك يعتبر تقديم الأقرأ لكتاب الله هو المعول عليه، لكن ينبغي أن ينبه على أن الأقرأ يقدم إذا كان عنده إلمام بضوابط الصلاة، وليس المراد أن يقدم مطلقا حتى ولو كان جاهلا ببعض الضوابط، كالأمور التي تطرأ في السهو ونحوه.
فقول المصنف رحمه الله: [الأولى بالإمامة الأقرأ]،
أي:
أقرأ الناس لكتاب الله عز وجل.والسبب في هذا ظاهر؛ فإن القرآن يشرف أهله، ويرفع من مكانتهم في الدنيا والآخرة،
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(خيركم من تعلم القرآن وعمله)، وما أوتي أحد عطاء أشرف ولا أكمل -بعد الإيمان بالله عز وجل- من حفظ كتاب الله عز وجل والعمل بهذا الكتاب؛ فإنه نور في قلبه، ونور له في حشره، ونور له بين يدي ربه ولذلك إذا أنعم الله على العبد بهذا الكتاب فإنه يشرفه ويكرمه، ولم يبق إلا أن يكرم قارئ القرآن ما في قلبه، فيصونه -أو يصون نفسه- عن الأمور التي لا تليق بمثله.وقوله: [العالم فقه صلاته] هذا إضافة في بعض النسخ، فنقدم الأقرأ إذا كان عنده إلمام بفقه الصلاة، لكن لو كان عندنا إنسان يحفظ القرآن ولكنه يجهل أحكام الصلاة، ولربما يقع الناس في لبس في صلاتهم فحينئذ لا يقدم؛ لأنه قد يعرض صلاة الناس للفساد.
قال رحمه الله تعالى:
[ثم الأفقه].(ثم) تقتضي الترتيب، فيقدم بعد الأقرأ الأفقه، والأفقه: أفعل،
من فقه الشيء:
إذا فهمه.
ويقال: إن الفقه يختص بالمعضلات، ولا يكون إلا في المسائل الدقيقة، والفقه شرف ونعمة عظيمة ينعم الله عز وجل بها على من شاء من عباده،
كما قال صلى الله عليه وسلم:
(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
[الأدلة على تقديم الفقيه للإمامة]
أما الدليل على تقديم العالم بالحلال والحرام فحديث أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة).
والعلم بالسنة يكون على ثلاثة أضرب:
الأول: أن يحفظ السنة ويكون من حفاظها، وهذا الذي يسميه العلماء الحافظ والمحدث، وهو الذي يسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظ الأحاديث، ويكون عالما بما قاله عليه الصلاة والسلام.
الثاني: أن يعرف، أو يفهم ويفقه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام التي تتضمنها هذه الأحاديث، ولكن حفظه للأحاديث قليل، وليس عنده حفظ للأحاديث، ولكن إذا جاء النص من الأحاديث يحسن فهمه، ويحسن تخريجه، ويعرف ما تعارض من الأحاديث وكيفية الجواب عنها، وكيف الخروج من إشكالها، فالأول حافظ للحديث، والثاني فقيه بالحديث.
الثالث:
من جمع الله له بين الحسنيين فحفظ الأحاديث مع الفهم، فيكون عنده إلمام بما قال عليه الصلاة والسلام، بحيث يحفظ الأحاديث والآثار، وعنده شغف وتلهف لمعرفة ما ورد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي والتقريري، ثم كذلك إذا جاءته السنة فإنه يعرف كيف يفهمها، وعلى أي محمل يحملها عليه، فهذه أشرف المراتب، وهي أعلى مراتب السنة، فيكون حافظا لها فقيها بما فيها من المعاني، وكل هذه المراتب مراتب شرف.وأما المرتبة الأولى -وهي مرتبة الحفظ-
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها -
وفي رواية:
فوعاها- فأداها كما سمعها)
،
فقوله:
(نضر الله) قال بعض العلماء: هو من النضارة، وهي الحسن.وقال بعض العلماء: يحشر أهل الحديث وهم بيض الوجوه لهذا الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم،
أي:
نضر الله له وجهه في الآخرة.
وقال بعض العلماء:
بل الحديث على إطلاقه،
أي: نضر الله وجهه في الدنيا والآخرة.فمن حفظ حديثا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وبلغه فإنه داخل تحت هذا الفضل، فمن شاء فليستكثر، ومن شاء فليستقل،
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(نضر الله) وأطلق،
وقال بعض العلماء:
لأهل الحديث نور في وجوههم بحفظهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.وأما فقه الأحاديث فهذا هو المقصود في النصوص،
كما قال الله تعالى:
{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [ص:29]، ولم يجعله للحفظ وحده، وإنما قال: {ليدبروا آياته} [ص:29].وقد عتب على بني إسرائيل حين حفظوا ولم يعملوا،
فقال تعالى:
{مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} [الجمعة:5]، فالمهم مرتبة الفقه والعمل، وإذا جمع الله للعبد الحسنيين فقد حاز تلك الفضيلتين، فلو اجتمع من يحفظ الأحاديث ومن يحفظ القرآن فإننا نقدم من يحفظ القرآن، ثم لو اجتمع من يحفظ السنة أكثر ومن هو أقل منه حفظا للسنة فإننا نقدم من هو أحفظ للسنة.
[تقديم الأكبر في السن للإمامة عند التساوي في الحفظ والعلم]
قال رحمه الله: [ثم الأسن] الأسن: مأخوذ من السن،
والمراد بذلك:
الأكبر سنا، فلو كان عندنا رجلان كلاهما حافظ للقرآن، وكلاهما فقيه أو عالم بالحلال والحرام من السنة، فحينئذ استوت مرتبتهما في الكتاب والسنة، فنرجع إلى التفضيل بالسن، والسبب في ذلك أن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعقد على تفضيل الكبير وإكرامه وإجلاله،
كما قال صلى الله عليه وسلم:
(ليس منا -
أي: ليس على هدينا الكامل- من لم يوقر كبيرنا)
، فتوقير الكبار وإجلالهم ومعرفة قدرهم شأن الفضلاء، فلا يجلهم إلا الكرام ولا يحتقرهم إلا اللئام، فالكبير له حق على الصغير، ومن هنا قدمت الشريعة الإسلامية الكبير في السن حتى في الإمامة، فلو كان أحدهم أسن فإنه يقدم.
قال العلماء:
الدليل على التقديم بالسن حديث مالك بن الحويرث، وذلك أن مالكا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه رجل من قومه،
فجلسا قرابة عشرين يوما فقال:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حليما رحيما رفيقا بأصحابه، فرأى أنا قد اشتقنا إلى أهلنا،
فقال:
(ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما)، ووجه الدلالة أن مالكا رضي الله عنه والذي معه اجتمعا في الحفظ والفهم، فعلما وسمعا القرآن، وسمعا السنة، فاستوت مرتبتهما في العلم،
فقال: (وليؤمكما أكبركما).
قال العلماء:
في هذا دليل على التقديم للإمامة بالسن، فلو اجتمعت مراتب المتقدمين علما بالقرآن والسنة فإننا نقدم بالسن.وهذا يدل على ما ينبغي من تقديم الكبار وإجلالهم،
وقال العلماء: تقديم الكبار له فضيلة، فإن الكبير -خاصة إذا كان كبير السن ضابطا لصلاته- يكون أخشع في الصلاة وفي القراءة؛ لأنه قريب من الآخرة، فيتأثر أكثر من تأثر الشاب الحدث.
ثانيا: أن كبير السن أكثر هيبة وأكثر إجلالا، فتهاب الناس المحراب، وتهاب المنبر، وتحس بهيبته ورهبته إذا تقدم كبار السن والأجلاء والعقلاء.
الأمر الثالث: أنهم أناس لهم بصيرة ولهم علم ومعرفة بالحوادث وبما يكون، فإذا وقع أمر ما على الناس واحتاجوا إلى من عنده تجربة ومعرفة وجدوا عند الإمام ما يعينهم على صلاح دينهم ودنياهم، فهذه كلها أمور تدل على حكمة الشريعة في تقديم الأكبر سنا، ولكن إذا استوت مرتبة العلم بكتاب الله والعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى:
[ثم الأشرف].
الأشرف:
مأخوذ من الشرف، والشرف يرجع إلى النسب؛ فإن الإنسان إذا شرف نسبه فكان من أهل البيوت الشريفة، وفضله الله عز وجل بنسبه فإنه يقدم، وهذا مذهب بعض العلماء، والصحيح أن النسب لا دخل له في التقديم بالإمامة، ولكن على سبيل الاستحباب، فلو وجد من ينتسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وله شرف النسب فإنه يقدم،
كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأئمة من قريش)، ففضل بالنسب،
وقالوا:
لأنه لما يكون نسيبا فإن الناس تهابه وتجله وتكرمه، وكل ذلك المراد منه أن تتهيأ الأمور التي تعين على إجلال الإمامة وتشريفها وتشريف من يقوم بها.فالصحيح أن الشرف لا يقدم به،
أي:
أنه لا يلزم بالتقديم به كما تقدم في القراءة وفي السنة وفي السن، فلو اجتمع عندنا من هو أتقى لله عز وجل، ومن هو أشرف فإننا نقدم الأتقى لله عز وجل،
قال علي رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى:
{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13] قال: ذهب النسب اليوم.ولكن قوله هذا معناه -كما قال العلماء-: ذهبت المفاخرة بالنسب، لكن لو وجد إنسان عنده دين وصلاح وأعطاه الله شرف النسب فإنه يقدم؛ لأن الله جمع له بين الحسنيين، وشرفه بهاتين الفضيلتين، فهو مقدم على من دونه.
[تقديم الأقدم هجرة والأتقى للإمامة]
قال رحمه الله تعالى: [ثم الأقدم هجرة].وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم،
في قوله:
(فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما) وهذه رواية صحيح مسلم، ومعنى (أقدمهم سلما): أي: إسلاما.ويمكن الآن أن ينظر إلى التزام الشخص واستقامته وهدايته، فلو كان كلا الشخصين حافظا للقرآن عالما بالسنة، ولكن أحدهما أقدم وأسبق في الالتزام وسنهم سواء؛ فإننا نقدم من نشأ في طاعة الله عز وجل على من هو دونه؛
ولذلك له شرف السبق والالتزام بدين الله عز وجل فحملوا عليه رواية الصحيح:
(فأقدمهم سلما)،
وقال صلى الله عليه وسلم:
(فإن كانوا في السلم سواء فأقدمهم هجرة) وفي رواية الأشج في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأقدمهم سنا) بدل (سلما)، وعليها حملت الرواية بتقديم الأسن، ثم بعد السن جاء التفضيل من جهة الهجرة، وكانت الهجرة -ولا زالت- سنة من السنن،
فقال صلى الله عليه وسلم:
(لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)، ولذلك الهجرة باقية، وإذا كان أحدهم أقدمهم هجرة فإنه يقدم لسبقه إلى الإسلام، وابتلائه في ذات الله عز وجل، وصبره على هذا الابتلاء أكثر من غيره، وهذا يدل على أن التقديم كله من جهة الدين، وهذا شرف للإنسان من جهة الدين لا من جهة الدنيا.
قال رحمه الله تعالى: [ثم الأتقى].
الأتقى:
أي: الأكثر تقوى لله عز وجل، وهذا بلا إشكال؛ لأن الله تعالى يقول: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13]، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم أشخاصا للإمامة ومفاضلته بين المتقدمين يدل على أن الأتقى لله عز وجل مقدم؛ فإن الأتقى لله عز وجل ينفع الله بقراءته، وينفع الله بمواعظه، وينفع الله بهديه واستقامته، بخلاف الفاسق الفاجر المتهالك المتهافت، فإنه قد يدعو الناس إلى الرذائل، وقد يستخف الناس بالحرام بسبب وجود هذا الفاجر والعياذ بالله، وقد ترى هذا الفاجر وهو إمام يصلي بالناس يفعل أمورا لا تليق بمثله، فيشين الإمامة ويجعل الناس في نفرة من دين الله عز وجل، ولكن الأتقى لله عز وجل على العكس من ذلك؛ فإنه لا يزال الإنسان يتمسك بشريعة الله عز وجل ويلتزم بدين الله حتى يتأثر به من يراه، ويحبه من يسمع قوله ويرى هديه،
كما قال سبحانه وتعالى:
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم:96] أي: سيجعل الله لهم في القلوب حبا.ولكن بالإيمان والعمل الصالح، فإذا كان الإمام تقيا نقيا يخاف الله عز وجل ورعا بعيدا عن الحرام فإن هذا أدعى لتأثر الناس به واقتدائهم به.
[العمل بالقرعة عند التنازع على الإمامة]
قال رحمه الله تعالى:
[ثم من قرع].
أي:
من أصابته القرعة، فلو كان عندنا جماعة تقدموا للإمامة حفظهم لكتاب الله على حد سواء، وكلهم عالم بالسنة بمرتبة واحد، وكلهم في سن واحد، والتزامهم واحد، وتقواهم وديانتهم وصلاحهم واحد فإننا حينئذ نرجع إلى التفضيل بالقرعة، والسبب في ذلك أن القرعة تخرج عند المشاحة، وقد عمل بها العلماء والأئمة والسلف رحمة الله عليهم، واعتبرها العلماء رحمهم الله حتى في مسائل عديدة مسائل القضاء، فإذا تشاح القوم فإن الناس سيفترقون بسبب أن كل طائفة تريد فلانا أن يتقدم، فتقع فتنة ويقع شر، ولذلك يقرع، أي: تكتب أسماؤهم، ثم بعد ذلك يؤخذ بالقرعة، فمن خرج اسمه فقد اختاره الله عز وجل، فيقدم على غيره.
[صاحب البيت أحق بالإمامة من غيره]
قال رحمه الله تعالى:
[وساكن البيت وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان].
قوله:
(وساكن البيت) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يؤمن الرجل في داره، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)، فدل على أن صاحب البيت أحق،
وهذا فيه حكم ذكر العلماء رحمهم الله منها:
أولا: أحقيته بالدار.
ثانيا: أنه ربما كان يحتاج في ضيافته للناس إلى أن يستعجل، وإذا تقدم الإنسان الذي ليس وراءه مثل هذه الأمور فقد يجحف برب البيت، فحينئذ يقدم للإمامة صاحب الدار، وشرط هذا ألا يكون فيه ما يمنع من إمامته، فإذا كان أهلا للإمامة قدم، وإلا تقدم من هو أهل على الصفة التي ذكرنا، إلا من ذي سلطان؛ فإن السلطان إمام للإنسان ولو في بيته، كالأمير ونحو ذلك، فإنه يلي أمره ويقدم؛ لأنه ولي أمر الإمامة العامة، فمن باب أولى أن يلي ما دون ذلك، وهذا هو الأصل، وبناء على ذلك يتقدم عليه، وفيه استثناء حديث السنن، فإذا حضر على بساطه، أو في بيته يتقدم عليه،
وقال العلماء:
ينبغي لصاحب البيت إذا رأى من هو أعلم وأفقه منه أن يقدمه ويشرفه بالإمامة، وهو مثاب على ذلك؛ لأنه من إنزال الناس منازلهم.
[إمام المسجد أحق بالإمامة من غيره]
قال رحمه الله تعالى:
[وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان].
إمام المسجد هو الذي يسميه العلماء: الإمام الراتب.والإمام الراتب سواء أكان من قبل ولي الأمر كما يحصل الآن، حيث يكون الإنسان مرتبطا بالإمامة ومعينا فيها، فهو أحق ويقدم على غيره، أم كان راتبا لأن أهل الحي أحبوه، ورضوا به أن يتقدمهم، فهو إمام راتب، فيقدم ولا يتقدم عليه أحد إلا بإذنه.أما الدليل على تقديمه فإن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الصحيح- لما تأخر في قباء ليصلح بين حيين من بني عوف جاء إلى المسجد وقد تقدم أبو بكر يصلي، فسبح القوم فلم يلتفت أبو بكر -وكان رضي الله عنه خشوعا في صلاته مقبلا-، فلما أكثروا عليه التشويش التفت فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، فتأخر رضي الله عنه وأرضاه.وهذا لمكان أحقية النبي صلى الله عليه وسلم مع النبوة ومع الولاية، وأحقيته كذلك بالإمامة الراتبة ولذلك استنبط العلماء رحمهم الله أنه إذا حضر الإمام الراتب في الركعة الأولى حق له أن يتقدم، وهذا نص عليه غير واحد من السلف، فلو حضر أثناء إمامة هذا المستخلف الذي وضع من قبل الناس، أو تقدم من نفسه وحضر الإمام الراتب فمن حقه أن يؤخره ويتقدم ويتم بالناس صلاتهم، وهذا مذهب طائفة من العلماء، وتدل عليه السنة.وذهب بعض العلماء إلى تخصيص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم،
وذلك لقول أبي بكر:
(ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا:
كان يتأول آية الحجرات.والصحيح أنه على ظاهره، وإمام الحي إذا حضر فإن إمامة من دونه إنما كانت لضرورة وحاجة، وما أبيح للضرورة والحاجة يبطل بزوالها، فيتأخر ويتقدم الإمام الراتب، وهذا إذا كان في الركعة الأولى، أما إذا كان في أثناء الركعة الثانية والثالثة فمن حقه أن يتقدم، ثم الناس يثبتون بعد تمام صلاتهم، ويتم كصلاة الخوف، ولكن نظرا لجهل كثير من الناس وعدم معرفتهم بالسنن وحدوث التشويش، إذ قد يحدث هذا إرباكا في المسجد، فحينئذ إذا اقتصر الإمام وبقي في آخر القوم فلا حرج، ولكن لو أراد الفضل فله أن يتقدم؛ لأن صلاته بالناس لها فضل، ولا إيثار في الفضل؛ لأنه إذا تأخر فقد آثر غيره بهذا الفضل، ولذلك قالوا: لو رضي أن يتنازل عن هذا فلا حرج.
وقوله: [إلا من ذي سلطان] هو لمكان الولاية كما قلنا.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.32%)]