سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]
رامي حنفي محمود
تفسير الربع السادس من سورة الأعراف بأسلوب بسيط
الآية 117:﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى ﴾ في ذلك الموقف العظيم - الذيفرَّقَ اللهُ فيه بين الحق والباطل - ﴿ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾ فألقاها ﴿ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾: يعني فإذا هي تبتلع الحبال والعِصِيّ التي ألقاها السَحَرة مِن أجل أن يُوهِموا الناس أنها حق وهي باطل.
الآية 118، والآية 119: ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ ﴾: أي فظهر الحق واتضح لمن حضر هذه المُناظَرة، وعُلِمَ حينها أنَّ موسى رسولٌ من اللهيدعو إلى الحق، ﴿ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾: يعني وبَطُلَ الكذب الذي كان يعمله السَحَرة، ﴿ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ ﴾: أي فغُلِبَ فرعون وقومه في أرض المُناظَرة، ﴿ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴾: يعني ورجعوا إلى ديارهم أذِلاَّء مغلوبين.
الآية 120، والآية 121، والآية 122: ﴿ وَأُلْقِيَ ﴾: يعني وَخَرَّ ﴿ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾ للهِ جَلَّ وعَلا، لِمَا رأوْهُ مِن عظيمِقدرته سبحانه، و﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ - (واعلم أنهم قالوا هذه الجُملة حالَ سجودهم، إعلاماً منهم أنهم ما سجدوا لفرعون كما كانَ يفعل المصريون وَقْتَها، وإنّما سجدوا للهِ رب العالمين الذي لا يستحق العبادة غيره).
الآية 123، والآية 124: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ للسحرة: ﴿ آَمَنْتُمْ بِهِ ﴾ أي صَدَّقتم موسى فيما دَعَا إليه ﴿ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ ﴾ بالإيمان به؟ ﴿ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ ﴾: يعني إنَّ هذا الذي قمتم بهِ مِن ادَّعاء الغَلَبة لموسى بعدما أظهرتم الحماس في بداية المُناظرة، ما هو إلا حِيلةٌ وتدبيرٌ خَفِيّ تَمَّ بينكم وبين موسى في المدينة - قبل الخروج إلى ساحة المُناظرة -، وذلك ﴿ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ﴾: أي لِتُخرجوا المصريين من مصر بإبطال مُلكِهم، وتسكنوها أنتم وبنو إسرائيل لتستولوا على خيراتها (وقد قال هذا تمويهًا على الناس، لِئَلاَّ يَتَّبعوا السَحَرة في الإيمان بموسى).
ويُحتَمَل أن يكون المراد بإخراج أهلها: هو إخراج بعض الناس المقيمين فيها - وهم بنو إسرائيل - لأنّ موسى كانَ يُطالِب فرعونَ أن يُطلِق سراحهم ليَخرجوا معه إلى بيت المقدس، وبالتالي سوف يخرج معهم مَن آمن بموسى مِن أهل مصر، ليعبدوا اللهَ معه، والله أعلم.
ثم توَعَّدَ فرعونُ السَحَرة قائلاً: ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ أيها السَحَرة ماسَيَحِلُّ بكم من العذاب والهَوان، ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ﴾: أي بِقَطْع اليد اليُمنَى والرجلاليُسرى، أو اليد اليُسرى والرجل اليُمنى، ﴿ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ على جذوع النخلتعذيباً لكم وتخويفاً للناس.
الآية 125، والآية 126: ﴿ قَالُوا ﴾: أي قال السَحَرة لفرعون: ﴿ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴾: أي قد تيَقَّنَّا بأننا إلى اللهِ راجعون، وأنّ عذابه أشدّ منعذابك، فلنصبرنَّ اليوم على عذابك لِننجو من عذاب اللهِ يوم القيامة، ﴿ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا ﴾: يعني ولستَ تكرهنا وتُنكِرعلينا إلا بسبب إيماننا ﴿ بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ﴾ على يد موسى، والتي لا تقدر أنت على مِثلها ولا أحدٌ آخر سِوَى الله رب العالمين، ثم قالوا - مُتضرعين إلى ربهم لِيُصَبِّرهم - حتى يتحملوا عذاب فرعون: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾: أي أنزِل على قلوبنا صبرًا وثباتاً عظيمًا، حتى نتحمل ما توَعَّدَنا به فرعون من العذاب، ولا نَرتدّ بعد إيماننا، ﴿ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾: يعني وتوفَّنامُنقادينَ لأمرك، مُتَّبعينَ لرسولك موسى.
الآية 127: ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ﴾ لفرعون: ﴿ أَتَذَرُ ﴾: يعني أتترك ﴿ مُوسَى وَقَوْمَهُ ﴾ من بنيإسرائيل ﴿ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ ﴾: أي لِيُفسدوا الناسَ في أرض "مصر" بتغيير دينهم بعبادة الله وحده، وترْك عبادتك وعبادة آلهتك؟، (وقد قيل إنّ آلهة فرعون هي أصنام صِغار وضعها لِيَعبدها الناس، لِتقرّبهم إليه، وقال لهم: (أنا ربكم ورب هذه الآلهة)).
﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ الذكور ﴿ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ﴾: يعني ونستبقي نساءهم وبناتهم أحياء للخدمة والإهانة، ﴿ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾: يعني وإنَّا عالونَ عليهم بقهر المُلْك والسلطان.
الآية 128، والآية 129: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ ﴾ على فرعون وقومه، ﴿ وَاصْبِرُوا ﴾ على ما أصابكم من المَكَاره في أنفسكم وأبنائكم، فـ ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ ﴾ كلها ﴿ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾: يعني والعاقبة المحمودة لِمَن اتقى اللهَ تعالى، ففعل أوامرهواجتنب نواهيه، ﴿ قَالُوا ﴾: أي قال بنو إسرائيل لموسى: ﴿ أُوذِينَا ﴾: أي ابتُلِينا بالإيذاء - في أنفسنا وأبنائناونسائنا - على يد فرعون وقومه، وذلك ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم موسى: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ﴾ ﴿ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ بعدهلاكهم، ﴿ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ هل تشكرون أو تكفرون؟
الآية 130، والآية 131: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ ﴾: أي ولقد ابتَلَينا فرعون وقومه بالقحط والجفاف ﴿ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ وذلك ﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ أي رجاء أن يتذكروا،فيَكُفّوا عن ضَلالاتهم، ويَرجعوا إلى ربهم بالتوبة والتضرُّع، فلم يفعلوا، ﴿ فَإِذَا ﴾ حَوَّلَ اللهُ تعالى حالهم، و﴿ جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ ﴾: يعني وجاءهم الرزق الكثير والعافية من الأمراض: ﴿ قَالُوا لَنَا هَذِهِ ﴾ أي نحن مُستحقون لهذه النعم، فلا يشكرونَ اللّهَ عليها، ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ﴾: يعني وإنيُصِبْهم قحطٌ ومرض: يتشاءموا، ويقولوا: هذا بسبب موسى ومَن معه، ﴿ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ﴾: يعني ألاَ إنَّ مايُصيبهم من القحط والجفاف إنما هو بقضاء الله وقدره، وبسبب ذنوبهم وكُفرهم، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ذلك، لانغماسهم في الجهل والضلال.
الآية 133: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ ﴾ وهو سَيْلٌ جارف أغرق الزروع والثمار، ﴿ وَالْجَرَادَ ﴾: أي وأرسلنا عليهم الجَراد فأكَلَ زروعهموأبوابهم وسقوفهم وثيابهم، ﴿ وَالْقُمَّلَ ﴾ - وقد قيل: إنّ القمل هو صِغار الجَراد، والظاهر أنه القمل المعروف الذي يُصِيبُ شَعر الرأس -،﴿ وَالضَّفَادِعَ ﴾ فملأتْ آنِيتهم وأطْعِمَتهم ومَضاجعهم،﴿ وَالدَّمَ ﴾: أي وأرسلنا عليهم الدم فصارت أنهارهم وآبارهم دمًا، ولم يجدوا ماءً صالحًا للشرب، فكانوا لا يشربون إلا دَماً، ولا يطبخون إلا بِدَم.
وقد كانت هذه الآيات الخمس ﴿ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ ﴾: يعني آيات واضحات - لا يقدر عليها إلا الله -، تدل على أنهم كانوا كاذبينَ ظالمين، وعلى أنّ ما جاء به موسى هو الحق، ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا ﴾ عن الإيمان والطاعة، ﴿ وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ مُفسدين لا خيرَ فيهم ولا عهدَ لهم.
الآية 134: ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ ﴾: يعني: ولمَّا نزل العذابُ على فرعون وقومه - ويُحتمَل أن يكون هذا العذاب هو الطاعون، ويُحتمَل أن يُراد به ما تقدم من الآيات: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، فإنها عذاب -، فكانوا كلما أصابتهم آية من هذه الآيات: ذهبوا إلى موسى، فـ ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ﴾ أي بما عَلَّمَك من وسائل إجابة الدعاء، وادْعُهُ بما أوحى به إليك مِن رَفْع العذاب بالتوبة، وقالوا له: ﴿ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ﴾: يعني لئن رفعتَ عنا العذاب الذي نحنفيه، لَنُصدِّقنَّ بما جئتَ به، ﴿ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: أي ولَنُطلقنَّ معك بني إسرائيل،فلا نمنعهم مِن أن يذهبوا حيث شاؤوا، (وهم في ذلك كَذَبَة، لا قصدَ لهم إلا زوال ما حَلَّ بهم من العذاب، وظنوا أن العذاب إذا رُفِعَ عنهم، فلن يُصيبهم غيره).
الآية 135، والآية 136: ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ ﴾: أي فلما رَفعنا عنهم العذاب الذى نزل بهم، وظلَّ مرفوعاً عنهم ﴿ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ ﴾: أي إلى وقتٍ مُحدد سيَبلغونه لِيَهلكوا فيه بسبب إصرارهم على نقض عهودهم - ولن يُمهَلوا مرة أخرى إذا جاء ذلك الأجل، ولن ينفعهم إمهالهم السابق -، وبالفعل، فعندما طالبهم موسى بالوفاء بما عاهدوه عليه - مِن الإيمان به وإطلاق سراح بني إسرائيل -: ﴿ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾: أي إذا هم يَنقضون عهودهم، ويُقيمون على كُفرهموضلالهم ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ حين جاء الأجل المحدد لإهلاكهم، ﴿ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾: أي فأغرقناهم في البحر بسبب تكذيبهم بالمعجزات التي ظهرتْ على يد موسى، ﴿ وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾: أي وكانوا عنهذه المعجزات غافلين، وتلك الغفلة هي سبب التكذيب.
واعلم أن هذه الآيات السابقة تُظهِر ضعف الإنسان عند نزول البلاء به، حيثُ يَفزَع إلى اللهِ تعالى فيَدعوه ويتضرع إليه، وعِندَ رَفْع البلاء يَنسى ما نَزَلَ به، ويعودُ إلى ما كان عليه من المعاصي، إلا مَن آمن وعمل صالحاً، فإنه يَصبر عند البلاء، ويَشكر عند النَعماء.
الآية 137: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ ﴾: أي وأورثنا بني إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلُّون للخدمة: ﴿ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ﴾ - (وقد اختلف العلماء في معنى مشارق الأرض ومغاربها، فبعضهم قال إنها أرض الشام، إذ لها مشارق ومغارب، وبعضهم قالَ إنها أرض مصر، لأنها هي التي كانت تحت تصرف فرعون في ذلك الوقت، وبعضهم قال: (هي مصر والشام معاً)، واللهُ أعلم).
وهذه الأرض التي أورثناها لهم هي ﴿ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ بإخراج الزروع والثمار والأنهار، ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: أي وصَدَقَ وَعْدُ اللهِ لبني إسرائيل بإهلاك عدوهم والتمكين في الأرض، وهذا الوعد هو المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾، وهو نفس الوعد الذي أخبرهم به موسى حين قال لهم: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾، (وقد سَمَّى اللهُ هذا الوعد بـ ﴿ الحُسنى ﴾ لأنه وَعْدٌ بما يُحبون).
وقد كان هذا التمكين لبني إسرائيل ﴿ بِمَا صَبَرُوا ﴾: أي بسببصبرهم على أذى فرعون وقومه، ﴿ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ﴾ من السلاح والحدائق والمزارع، وغير ذلك، ﴿ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾: أي وكذلك دَمّرنا ما كانوا يبنون من الأبنية والقصور العالية، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم قوماً آخرينَ غيرهم.
الآية 138: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ﴾ أي وقطعنا بهم البحر فاجتازوه إلى شاطئه سالِمين، ﴿ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ ﴾: أي فمَرُّوا على قومٍ يُقِيمون ﴿ عَلَى ﴾ عبادة ﴿ أَصْنَامٍ لَهُمْ ﴾، فـ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ ﴾: أي اجعل لنا صنمًا نعبده كمالهؤلاء القوم أصنام يعبدونها، ﴿ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ عَظمةَاللهِ تعالى، ولا تعلمون أن العبادة لا تكونُ إلا للهِ الواحد القهار، وأما غيره من الآلهة الباطلة، فإنهم لا يَملكون لأنفسهم - ولا لِمَن يَعبدهم - نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً (والنشور هو البعث بعد الموت).
الآية 139: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ ﴾ المُقيمين على هذه الأصنام ﴿ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ ﴾: أي هالِكٌ ما هم فيه من الشِرك وخاسر، ﴿ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ من عبادتهم لتلك الأصنام، التي لا تدفع عنهم عذابَ اللهِإذا نزل بهم.
الآية 140:﴿ قَالَ ﴾ موسى لقومه: ﴿ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا ﴾: يعني أغيرَ اللهِ أطلبُ لكم معبودًا تعبدونه، وهو سبحانه الذيخلقكم، ﴿ وَهُوَ ﴾ الذي ﴿ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾: أي فضَّلكُم على عالَمِي زمانكم بكثرة الأنبياء فيكم، وبإهلاك عدوكم، وبماخَصَّكم به من المعجزات؟!
الآية 141: ﴿ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ ﴾: يعني واذكروا - يا بني إسرائيل - نِعَمنا عليكم حينَ أنقذناكم ﴿ مِنْ ﴾ بطش وأسْر وذل ﴿ آَلِ فِرْعَوْنَ ﴾ لكم، إذ كانوا ﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾: أي يُذيقونكم أشد العذاب، فـ ﴿ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ ﴾ ﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ﴾: أي ويتركون بناتكم أحياءً للخِدمة والإهانة، ﴿ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾: يعني: وفي ذلك اختبارٌ لكم من ربكم، وفي إنجائكم منه نعمة عظيمة، تستوجبُ شُكرَ اللهِ تعالى في كل عصوركم وأجيالكم.
[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.