عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-08-2021, 01:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدولة السلجوقية.. درع في صدر الأمة ( تقرير )

الدولة السلجوقية.. درع في صدر الأمة ( تقرير )

أحمد الشجاع


موقعة ملاذكرد سنة 463هـ:

قام ألب أرسلان بحملة كبيرة ضد الأقاليم النصرانية المجاورة لحدود دولته، وقاد جيشه نحو جنوب أذربيجان، وأتجه غرباً لفتح بلاد الكُرج والمناطق المطلةَّ على بلاد البيزنطيين، وكان سكان الكرج يكثرون من الغارة على أذربيجان فأصبحوا مصدر قلق لسكان المنطقة، وانضم إليه وهو في مدينة مرند في أذربيجان أحد أمراء التركمان ويدعى طغتكين، وكان دائم الغارة على تلك المنطقة، عارفاً بمسالكها واجتاز الجيش السلجوقي نهر الرس في طريقه إلى بلاد الكُرج.
وفصل ألب أرسلان أثناء زحفه، قوة عسكرية بقيادة ابنه ملكشاه ووزيره نظام الملك هاجمت حصوناً ومدناً بيزنطية منها حصن سُرماري، ومدينة مريم نشين الحصينة وفتحها.
واستمرت فتوحاته الكبيرة في الأراضي الأرمينية، ويبدو أن ملك الكُرج هاله التوغل السلجوقي في عمق المناطق الأرمينية فهادن ألب أرسلان وصالحه على دفع الجزية؛ ونتيجة لهذا التوغل السلجوقي أضحى الطريق مفتوحاً أمام السلاجقة للعبور إلى الأناضول بعد أن سيطروا على قلب أرمينية.
جرى كل ذلك ولم يبذل الإمبراطور البيزنطي جهداً كبيراً لمقاومة هذه الغارات، مما شجعّهم على التوغل في عمق الأناضول فوصلوا إلى نيكسار، وعمورية في عام 461هـ، وإلى قونية في العام التالي، وإلى خونية القريبة من ساحل بحر إيجه في عام 463هـ.
شكل فتح السلاجقة لبلاد الكرج والقسم الأكبر من أرمينية، تحدياً لبيزنطة وبخاصة بعد أن أدرك الإمبراطور البيزنطي، أن ألب أرسلان يصبغ غزوه للبلاد بصبغة الجهاد الديني، وهو يطبع المناطق المفتوحة بالطابع الإسلامي؛ مما جعل نشوب الحرب بين المسلمين والبيزنطيين أمراً لا مفر منه.
تآمر ملك الروم على الإسلام:
خرج ملك الروم (رومانوس) في جمع كبير من الروم والروس والكرج والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قدر ذلك الجمع بثلاثمائة ألف جندي، أعدهم الإمبراطور لملاقاة السلطان السلجوقي، الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى استعد للأمر واحتسب نفسه ومن معه، وكان في قلة من أصحابه لا تقارن بعدد الروم وأتباعه، قيل إنهم قرابة خمسة عشرة ألفاً، ولم يكن لديه وقت لاستدعاء مدد من المناطق التابعة له، وقال: قولته المشهورة: أنا أحتسب عند الله نفسي، وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر من حواصل النسور الغبر رمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أمسي، ويومي خير من أمسي.
وهجم بمن معه على مقدمة الأعداء، وكان فيها عشرون ألفاً معظمهم من الروس، فأحرز المسلمون عليهم انتصاراً عظيماً وتمكنوا من أسر معظم قوادهم.
ثم أرسل السلطان ألب أرسلان من قبله وفداً إلى إمبراطور الروم، وعرض عليه المصالحة، ولكنه تكبر وطغى ولم يقبل العرض، وقال: هيهات، لا هدنة ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم.
فحمي السلطان وشاط، فقال إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين.
المعركة وانتصار المسلمين:
أعد المسلمون العدة للمعركة الفاصلة واجتمع الجيشان يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 463هـ، فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر، ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع، وقال لهم: نحن مع القوم تحت الناقص، وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعى فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيداً إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحباً، فما هاهنا سلطان يأمر ولا عسكر يؤمر، فإنما أنا اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة أو الغنيمة، ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة.
فقالوا: مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه، فبادر ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت، وقال: إن قتلت فهذا كفني، ثم وقع الزحف بين الطرفين ونزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه ومرغ وجهه بالتراب، وأظهر الخضوع والبكاء لله تعالى، وأكثر من الدعاء، ثم ركب وحمل على الأعداء.
وصدق المسلمون القتال وصبروا وصابروا حتى زلزل الله الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر الله المسلمين عليهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا منهم جموعاً كبيرة، كان على رأسهم ملك الروم نفسه الذي أسره أحد غلمان المسلمين فأحضر ذليلاً إلى السلطان، فقنعّه بالمِقرعة، وقال: ويلك ألم أبعث أطلب منك الهدنة؟، قال: دعني من التوبيخ. قال: ما كان عزمك لو ظفرت بي؟، قال: كل قبيح: قال: فما تؤمَّلُ وتُظُن بي؟، قال: القتل أو تُشهّرني في بلادك، والثالثة بعيدة: العفو وقبول الفداء وتعيدني. قال: ما عزمت على غير العفو، فاشترى نفسه بألف ألف دينار وخمس مائة ألف دينار، وإطلاق كل أسير في بلاده، فخلع عليه، وبعث معه عدة وأعطاه نفقة توصله.
فقام بين يدي الملك وقبل الأرض بين يديه، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالاً وإكراماً.
وأما الروم فبادروا وملَّكوا آخر، فلما قرب أرمانوس شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف، وترهب.
لقد غزا ألب أرسلان بلاد الروم مرتين، وافتتح قلاعاً، وأرعب الملوك، ثم سار إلى أصبهان ومنها إلى كرمان وذهب إلى شيراز ثم عاد على خراسان، وكاد أن يتملك مصر.
نتائج ملاذكرد:
تعتبر معركة ملاذكرد من المعارك الفاصلة في التاريخ، ويسميها بعض المؤرخين باسم الملحمة الكبرى، وتعد أكبر نكسة في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، وأصبحت الأراضي البيزنطية تحت رحمة السلاجقة؛ وبذلك يكون السلاجقة قد تابعوا الجهاد الذي قام به المسلمون ضد الروم.
لم يكن هذا الانتصار انتصاراً عسكرياً فقط، بل كان انتصاراً دعوياً للإسلام؛ إذ انتشر السلاجقة في آسيا الصغرى عقب معركة ملاذكرد، وضّموا إلى ديار الإسلام مساحة تزيد على 400 ألف كم، عّم الإسلام تلك الجهات منُذ ذلك الوقت، ولم يكن دخلها أبداً من قبل.
وكما يقول الصلابي فإن هذه المرحلة من تاريخ الإسلام كانت مرحلة امتداد وتوسع أيضاً، ولم تكن مرحلة جمود وتوقف كما يتصور كثير من الناس ممن يقرؤون التاريخ الإسلامي على عجالة ويتوقفون عند نهاية العصر العباسي الأول، ويجملون العصر الثاني بكلمات تدل على الضعف والتفكك والتوقف، وخصوصاً إذا ذهبنا إلى المغرب والأندلس حيث دولة المرابطين السنية التابعة للخلافة العباسية، فبعد ست سنوات من معركة ملاذكرد أي في عام 469هـ استطاع المرابطون في المغرب أن يفتحوا عاصمة إمبراطورية غانا "كومبي صالح"، وأن يفرضوا الإسلام على جميع البلاد، وقد وافق ملك غانا "تنكامنين" على الدخول في الإسلام والخضوع لسلطان المرابطين، وقد دخل كثير من الشعب في الإسلام أيضاً.
وبذا تكون ديار الإسلام قد امتدت في إفريقيا على مساحة جديدة تقرب من نصف مليون كيلو متر مربع وفي الوقت نفسه فقد اتسعت ديار الإسلام في الجنوب الشرقي في الهند، وفتحت مساحات واسعة من شمال في تلك البلاد.
تعتبر هزيمة البيزنطيين في ملاذكرد نقطة تحول في التاريخ الإسلامي البيزنطي فلأول مرة يقع الإمبراطور نفسه أسيراً في أيدي المسلمين، فهي لا تقل أهمية عن اليرموك ونتائجها، فإذا كانت هذه الأخيرة قررت مصير بلاد الشام، فإن الأولى قد قررت مصير آسيا الصغرى، التي نجح الأتراك السلاجقة في فتحها والتوغل فيها، وكانت بذلك لبنة اجتثت من بناء الدولة البيزنطية فمهدت لسقوطها، فعندما فقدت الإمبراطورية ولاياتها الغنية في آسيا الصغرى، أصبحت القسطنطينية رأساً حُرِم من الجسد الذي يسنده؛ وبذلك غدت آسيا الصغرى برمتها مكشوفة أمام السلاجقة. وهكذا بضربة واحدة دفعت الحدود التقليدية التي طالما فصلت بين الإسلام والمسيحية 400 ميل إلى الغرب.
ولأول مرة استطاع الأتراك السلاجقة أن يحرزوا مكاناً ثابتاً في تلك البقاع، ومنُذ ذلك الحين فقد الرؤساء والجنود شجاعتهم، ولم تحرز الإمبراطورية نصراً على الإطلاق.
ومن نتائج ملاذكرد أن قضى السلاجقة على التحالف البيزنطي الفاطمي، واضطرت بيزنطة إلى مصالحتهم، أما أرمينية فقد زالت منها الإدارة البيزنطية بعد أن هجرها سكانها وخضعت المدن الأرمينية للسلاجقة، كما انهار نظام الدفاع البيزنطي الذي تولاه أمراء التخوم، وبذلك تعرض نظام الثغور لضربة قاسية.
تُعد معركة ملاذكرد أشد ما وقع في التاريخ البيزنطي من كوارث، بل إنها أكبر كارثة حلت بالإمبراطورية البيزنطية حتى نهاية القرن الخامس الهجري، وجاءت دليلاً على نهاية دور الدولة البيزنطية في حماية النصرانية من ضغط الإسلام وفي حراسة الباب الشرقي لأوروبا من غزو المسلمين، وتراءى للصليبين فيما بعد أن البيزنطيين فقدوا على أرض المعركة ما اتخذوه من لقب حماة العالم النصراني، وبَّررت هذه المعركة ما جرى من تدخل الغرب الأوروبي؛ لأن بيزنطية لم يعد بوسعها حماية العالم النصراني في الشرق وأصبحت عاجزة عن أن تُلقي بجيش في المعركة لأعوام عديدة.
كما أن هذه المعركة مهدت الطريق ويسرت السبل للقضاء على سيطرة البيزنطيين على أكثر أجزاء منطقة آسيا الصغرى، مما ساعد على القضاء على الدولة البيزنطية نفسها، بعد ذلك على أيدي الأتراك العثمانيين.
ولقد حقَّق ألب أرسلان هدفه، إذ كفل الحماية لجناح جيشه، وأزال خطر التقارب بين بيزنطة والفاطميين، وانصرف بعد ذلك لمواصلة القتال في إقليم ما وراء النهر إلى أن قتل في 11 ربيع الآخر سنة 456 وولى بعده ابنه ملكشاه.
دروس وعبر وفوائد:
تظهر مجموعة من الفوائد والدروس والعبر من معركة ملاذكرد، منها:
أهمية الإخلاص لله والاستعداد للموت في سبيله واللجوء إليه في تحقيق انتصارات المسلمين في معاركهم.
دور العلماء في تثبيت القادة والجنود وتذكيرهم بالله واليوم الآخر، وأثر الوعظ والتذكير في شجاعة الجنود واندفاعهم، وخصوصاً عندما يكون العلماء في ميادين النزال وساحات المعارك.
من أسباب النصر وجود القائد الخبير المحنك والجيش القوى المنظم.
أهمية الصبر عند مواجهة الأعداء في المعارك تلك الصفة الربانية التي أمر الله بها }يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون{. (آل عمران: 200). فالجيوش الإسلامية التي تتحلى بهذه الصفة يحالفها نصر الله تعالى.
دعم العلم والعلماء

كان يُوجد اهتمام كبير بالعلم والعلماء خلال فترة ازدهار الدولة السلجوقية في عهدي السلطان ألب أرسلان والسلطان ملكشاه، حيث كان الوزير نظام الملك يَعمل في الدولة خلال حكمهما، والذي قام بجهود كبيرة لدعم العلم والأدب.
أعطى نظام الملك رواتب منتظمة للعلماء في جميع أنحاء الدولة لتشجيعهم على عملهم، وقد بلغ عدد من يَصرف لهم المال 12,000 عالم وأديب، كما اهتم بمجالسة أهل العلم فكانت مجالسه تعج بهم. واهتم أيضاً بإنشاء المدارس النظامية، فأسس العديد منها خلال عهد ألب أرسلان في أنحاء العراق وفارس من بغداد والبصرة إلى نيسابور وهراة، وأسس المكتبات أيضاً وملأها بكتب من مختلف مجالات العلم. حتى أن ابن الجوزي قال عنه إنه "كانت سوق العلم في أيامه قائمة والعلماء في عهده مرفوعي الهامة".
المدارسالنظامية
تسمى بـ"المدارس النظامية" نسبة إلى أول من أسسها وهو الوزير السلجوقي نظام الملك. جاءت فكرة تأسيس هذه المدارس بسبب اتساع المد الباطني في المشرق خصوصاً خراسان والعراق وغيرها من أقاليم تلك البلاد، وقد كان نظام المُلك مهتماً بنشر المذهب السني والقضاء على الحركة الباطنية، واعتقد أن غزو بلادهم وانتزاع فارس من قبضة البويهيين لم يَكن كافياً لذلك. ولذا فقد قرر نظام الملك البدء بإنشاء سلسلة من المدارس التي تعلم الدين حسب تعاليم مذهب السنة، وبشكل أكثر خصوصاً المذهب الشافعي بسبب كون نظام نفسه شافعياً، فبدأ بتأسيس أولى هذه المدارس في مدينة بغداد عام 457هـ، وانتهى بناؤها في شهر ذي القعدة عام 459هـ، وحضرها جمع عظيم من سكان بغداد عند افتتاحها، وقد كلف بالتدريس بها أبو إسحاق الشيرازي.
وقد كانت مواقع إنشاء أولى المدارس النظامية هي: بغداد وبلخ ونيسابور وهراة وأصفهان والبصرة والموصل ومرو وطبرستان.
صرف نظام الملك مبالغ هائلة في المدارس، وحرص على أن توفر راحة كاملة للطلاب، فخصص سكناً للمدارس لكي يُقيم به طلابها، وأعطى كل واحد منهم أربعة أرطال من الخبز كل يوم لإعالته، وبنى في كل مدرسة مكتبة ضخمة تشبع اهتمامات الطلاب، وقيل إن تكاليف بعض هذه المدارس وصلت إلى 10 آلاف دينار، وعدد طلابها وصل إلى 300 طالب.
كان يُشترط لتعيين مدرس في مدرسة نظامية أن يَكون شافعياً، وكانت هناك عدة مناصب إدارية في هذه المدارس هي: المدارس (من يُلقي الدروس)، والنائب (من يَنوب عن المدرس في الإلقاء إذا لم يَستطع ذاك الحضور)، والمعيد (طالب يُعيد الدرس للطلاب الآخرين ويُساعدهم على فهمه إن تطلب الأمر).
وعندما كان يُنهي الطلاب تعلمهم في المدارس كانوا يُقدمون طلباً للحصول على "الإجازة"، وهي وثيقة تشبه الشهادة تثبت أنهم درسوا وتعلموا في هذه المدارس، والتي تتيح لهم لاحقاً الالتحاق بوظائف مثل القضاء ولإفتاء والتدريس وغيرها.
النظام العسكري
كانت توجد ثلاثة رتب رئيسية في الجيش السلجوقي، أعلاها هي رتبة "الأمير الحاجب الكبير" الذي يَقوم بإدارة الجيوش وتوجيهها وقيادتها، وهو أكثر رجال الدولة نفوذاً تقريباً بعد السلطان.
ويَجب أن يَكون الحاجب كبيراً في العمر بحيث لا يَقل عمره عن 35 أو 40 عاماً من أجل أن يَملك خبرة كافية في الإدارة والتنظيم وغيره.
ويتولى الحاجب العديد من المهام مثل تحديد الأماكن المناسبة لوقوف الجيش وتزويده بالمؤن وترتيب صفوفه للقتال.
يَلي الحاجب "القائد العام" أو "الأسفهسلار"، وهو الذي يُشكل أداة الاتصال بين الحاجب والمقدمين (قادة الفرق)، كما أنه القائد الأكبر والأهم للجيش، ويُمكنه إدارة الجيش وتولي تنظيمه في حيال غياب الحاجب، وقد كانت هذه الرتبة موجودة في الأنظمة العسكرية منذ عهد الغزنويين.
أما الرتبة القيادية الأقل في الجيش فهي "المقدم"، وهو الذي يَتوالى قيادة الفرق العسكرية، ويُمكن أن يَكون المقدم "أمير حرس" (من يَتولى تنفيذ العقوبات وضبط النظام في الجيش، ويُسمى في هذه الحالة "جندر")، أو قائد قلعة (ويُسمى في هذه الحالة "دزدار").
وكانت هناك أيضاً رتب أخرى تتعلق بضبط الجيش والحفاظ على نظامه، مثل "قاضي العسكر" (من يَحكم بين العساكر ويُعاقبهم على أخطائهم) و"أمير السلاح" (حارس مخازن الأسلحة) وغيرها.
تنظيم الجيش
كان يُنظم الجيش السلجوقي بشكل رئيسي بـ"ديوان عرض الجيش"، والذي يَتضمن أسماء الجند ورواتبهم وكافة أحوالهم، وكان يَتولى شخص إدارة هذا الديوان يُسمى عادة بالعارض، هو الذي يَقوم بتنظيمه وتدوين الأسماء وغيره، وكان ديوان الجيش أساسياً جداً للمحافظة على النظام العسكري وإدارة جيوش الدولة.
اهتم السلاجقة بإعطاء الجند أرزاقهم والتعجيل بها حرصاً على الحفاظ على رضاهم ومن ثم على استقرار الجيش.
وقد كان الجنود يُعطون المال نقداً في الأيام الأولى للدولة السلجوقية، لكن لاحقاً استغنى السلطان ملكشاه عن المال وأصبح يُقطع لهم الاقطاعات بدلاً من ذلك، وفي كلا الحالتين كان ديوان عرض الجيش هو المسؤول عن تنظيم توزيع الرواتب. كما أن توفير المؤن كان جزءاً مهماً من مهام الديوان، وقد كان يَقوم بعض القواد بشراء مؤن لجيوشهم بأنفسهم في بداية العهد السلجوقي، لكن لاحقاً ولكي لا يَظلم الجنود سكان الدولة ويَأخذوا منهم المؤن غصباً فقد قام نظام الملك بتوزيع مؤن مخصّصة للعسكر على مختلف مناطق ومدن الدولة السلجوقية لكي تتزود بها الجيوش متى احتاجت، وساعد هذا في حل مشكلات المؤن وأتاح للديوان إدارة توزيعها بسهولة.
أشرف الديوان على تسليح الجيش أيضاً، ويُقال إن الجيش كان يَتضمن - منذ عهد طغرل بك - نجارين وغيرهم لصنع ما يَحتاجه العساكر من أسلحة، وكان يَتم تزويدهم بالسلاح والعتاد حتى أثناء المعارك والقتال، وكانت توجد مخازن مخصصة لاحتواء أسلحة الجند يَحرسها "أمير السلاح" أو "سلاح دار".
قوات الجيش
تألف الجيش السلجوقي من أعراق متعددة، فقد كان يَتضمن أتراكاً وأكراداً وعرباً وفرساً وديالمة وأرمناً، كما أن قواته كانت تتألف من مشاة وفرسان ورماة، فيَتقدم المشاة الجيش وخلفهم الفرسان الذين كانوا يَتميزون بمهارتهم في إطلاق السهام أثناء عدو خيولهم.
كانت تنقسم قوات الجيش السلجوقي إلى عدة أقسام، منها: "الجيش النظامي"، وهو القوّات التي تعمل بشكل دائم في خدمة الدولة، وتتألف من العبيد الذين أسروا في المعارك أو أهداهم بعض الملوك للسلاجقة.
كانت قبائل الأتراك من العناصر المهمة أيضاً، وكثيراً ما كان سلاطين السلاجقة يُضطرون لدفع المال لهذه القبائل تجنباً للحروب معها، ومع هذا فقد كانت مهمة جداً في تأسيس الدولة السلجوقية واستمراريتها.
كما أنه كانت تلتحق بجيوش السلاجقة عند نشوب الحروب القوات الخاصة بالولايات، حيث إن لكل حاكم ولاية قوات خاصة له يَستخدمها للدفاع عن منطقته. يُمكن أيضاً أن تلتحق بالجيوش فرق من المدن المجاورة التي يَمر العسكر قربها، أو متطوعون يَودون المشاركة في الجهاد، وهؤلاء لم يُدونوا ضمن ديوان عرض الجيش السلجوقي.
تضمن جيش الدولة قسم الطلائع، وهم فرق من الجند يَتقدمون الجيش لكي يَستطلعوا مناطق وُجود العدو وطبيعتها وكافة المعلومات الأخرى عن مناطق المعارك، ووظيفتهم لا تتضمن الدخول في القتال عادة.
وتوجد فرق أخرى تتقدم الجيش تسمى "تشكيلات المنزل"، وظيفتها اختيار المواقع المناسبة لإقامة الجيش وتجهيزها وتهيأتها بكل ما يَلزم لذلك من طعام وغيره.
الأسلحة والتحصينات الحربية
استخدم الجنود السلاجقة أسلحة القتال العادية مثل السيف والرمح والقوس والمقلاع، وكان القوس والسهم من أهم أسلحتهم، فقد اشتهروا بمهارتهم في رمي السهام خاصة من فوق ظهور الخيل، فقد كان الرماة الخيالة يُطلقون السهام أثناء عدو خيولهم دون التأثير على دقة إصابتهم، ويُقال إنه كان يَقذف الرماة السلجوقيون 10 آلاف سهم في المعركة دفعة واحدة.
وكانوا يَرتدون دروعاً واقية للحماية مع خوذ تسمى بـ"البيضة"، وتروس في أيديهم لصد ضربات العدو.
واستخدموا أيضاً كافة أدوات الحصار الثقيلة، بما في ذلك المنجنيقات والأبراج الخشبية (التي يَقتحمون بها أسوار العدو)، ورأس الكبش (الذي يُحطمون به بوابات الحصون)، والدبابات وسلالم الحصار، وحصنوا المدن والقلاع ببناء الأسوار المرتفعة وحفر الخنادق العميقة لإعاقة تقدم العدو.
الخلاصة
دولة السلاجقة حالها كحال غيرها من الدول القوية، تبدأ على يد قائد مخلص لقومه وأمته أو عقيدته، ويتميز بصفات القوة والنجاح والفطنة..
وقد فضل الإسلام المؤمن القوي على المؤمن الضعيف، وفي كلاهما خير، ولكن المؤمن القوي هو الذي تحتاج إليه الأمة في عمليات البناء والنهوض، ومدافعة الأخطار.
والقوة المطلوبة في المؤمن تشمل قوة الإيمان، وقوة البدن، وقوة العقل، وقوة الإرادة كالحزم والعزم.. وغير ذلك من صفات القوة المادية والمعنوية.
ولهذا قال رسول الله: [احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان]؛ فالعجز من صفات الضعف وليس القوة.. ومع هذا فالإنسان معرض للخطأ والضعف والعجز؛ لأن الكمال لله وحده.
وهنا يبين رسول الله أن الأمور متعلقة بقدر الله وحكمته؛ وهذا العلاج مضاد لمرض الإحباط واليأس الذي يزيد الإنسان ضعفاً.. كذلك يقطع الطريق أمام محاولات الشيطان المدمرة.
وقد وجدنا في سيرة مؤسس الدولة السلجوقية تلك الصفات الدينية والدنيوية التي أرادها الإسلام، فقد كان يتميز بشجاعته النادرة وقوة شخصيته مع تدين ملحوظ وذكاء حاد.. ولهذه الصفات اختاره قومه، وفضلوه على غيره.
ثم وجدنا نفس الصفات في شخصية المجاهد العظيم ألب أرسلان الذي جمع ربط بين الأسباب الدينية والأسباب الدنيوية في نفسه أولاً ثم في جيشه؛ مما مكنه من الانتصار على جيش الروم الأكثر عدداً والأقوى عدة.
وفي عهده عاد للأمة عزها المفقود، ورجعت لهم الانتصارات الكبيرة على النصارى.
ومن ركائز الدولة القوية عند السلاجقة الاهتمام الكبير بالعلم والعلماء والتعليم عموماً، وبناء الجيش القوي، وابتكار أفضل الوسائل في عمليات النهوض بالأمة؛ حتى أن بعض تلك الوسائل لا زالت تستخدم إلى اليوم في شتى أنحاء العالم، كما هو حاصل في نظام التعليم والجيش.
بأمثال هؤلاء تنهض الأمة ويشتد عودها، ويخشاها عدوها، ويسعد أبناؤها.. وتسود الأمم الأخرى وتعلوا عليها..
ـــــــــــــــ ــــــ
المصادر:
- (الكامل في التاريخ)، ابن الأثير.
- (السلاجقة)، د. علي محمد الصلابي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]