عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-08-2021, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقدمة في الأدب الإسلامي

وقبل أن نتوغل في الحديث عن هذه الخصوصية: معناها وأساسها وتاريخها في الأدب العربي والآداب العالمية بعامة، وفي الأدب الإسلامي بخاصة، قبل أن نتطرق إلى شيء من ذلك يحسن أن نحدد مفهوم كلمة الالتزام في اللغة والأدب لتتضح الرؤية، ويتبين الغرض من وصف الأدب الإسلامي بها.


الالتزام في اللغة: مصدر التزام، ومادة لزم مصدرها لازم ملازمة والمعنى لازم الشيء وداوم عليه واعتنقه محبا لا مكرها فاللفظة هنا غير الإلزام تلك اللقطة التي تدل على القسر والإكراه.


أما مفهوم الالتزام عند الأدباء، أو معنى الالتزام في الأدب، فذلك يعنى أن يأخذ الأديب بمنهج معين في أعماله الأدبية كأن يبدع في فن القصة فيلزمها، أو أن يبدع في فن الشعر فيلتزمه أو في المقالة أو في الخطابة أو في أي جنس من أجناس الأدب، ولا يعني ذلك أن لا يفارق الأديب هذا الفن الذي يجيده إلى غيره،وإنما ينطلق في عطائه وفق طريقة سليمة محافظة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ولا تجد فيها مدخلا لناقد ذلك أن الأديب وطَّن نفسه على أن لا يقول إلا الحق وعلى أن لا تنزع عواطفه إلا إلى ما هو حق وصدق وخير.


وإذا تقصينا البحث عن مدلول كلمة "الالتزام" في الآداب العالمية، وجدنا أن هذه الكلمة قد كانت ذات قضية موغلة في القدم حيث شغلت أذهان النقاد من عرب ومن غير عرب كما شغلت أذهان النقاد المعاصرين، أي أن فكرة الالتزام التي سادت في بيئات النقد الأدبي في هذا الزمان فكرة قد عرفتها الإنسانية بفطرتها. بما هداها الله تعالى إلى تمييز الحق من الباطل والخير من الشر، والصواب من الخطأ.


وإذا كان معنى الالتزام عاما يفيد التقيد بمبادئ الحق والخير، وتحقيق عناصر الجمال في الأعمال الأدبية فإن ذلك شيء قد عرفه النقد القديم عند اليونان، وإن لم ينزع الأديب في عطائه الأدبي من خلال الفكر اليوناني إلى خير باق مستديم ذلك أن الفكر اليوناني كغيره من كثير من الفلسفات التي راجت ثم بادت لأنه ولأنها لم تبن على قاعدة راسخة ثابتة مكينة.


وكذلك الشأن عن فكرة الالتزام في الأدب الفرنسي والشيوعي حيث الالتزام بالمعنى الصحيح في هذه الآداب إن جاز أن نسميها أدبا – وإنما هو إلزام.


أما فكرة الالتزام في الأدب الإسلامي فهي اللبنة الأولى التي ينبني عليها العمل الأدبي النابع من نفس مؤمنة أمينة صادقة فيما تقول ومصداق ذلك الشيء، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم من قول فإنه مبني على مذهب الالتزام في الأدب حيث اتباع السلوك الحسن في كل أمر من أمور الدنيا والدين، فالمسلم منذ اللحظة الأولى ملتزم في القول والعمل، إذا تكلم فلا ينطق إلا بما هو حق وخير، يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ[2] وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"[3].


فالمسلم ملتزم بأن يحاسب نفسه قبل أن يتكلم، فلا تخرج كلمة من فيه إلا بميزان خوفا من وعيد قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل، وفي رواية أن العبد ليتكلم الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا"[4].


بل إن من الالتزام الخلقي اعتزال من يخوض في الباطل وتجنبه والإنكار عليه، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾[5].

وإذا كان هذا الشأن عن الالتزام في جانب القول، فكيف به في جانب الأفعال والصفات التي يتصف بها الإنسان ويتطبع بها؟


إن المسلم في ذلك ملتزم بأن يبتعد، وينأى بنفسه عن الاستهزاء بالآخرين ولا بد أن يكون له من عقيدته ما يردعه عن الافتراء على الناس، وأن يحاسب نفسه كلما مالت مع الأهواء، وواجب عليه أن يكبح جماحها، ويجاهدها، ويحملها على فعل الخير:
صن النفس واحملها على ما يزينها
تعش سالما والقول فيك جميل




والفيصل في ذلك كله قول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ[6].


ويكاد مفهوم الالتزام عند النقاد المعاصرين يختلف باختلاف أفكار الأدباء فيما ينشئون من أعمال أدبية فقد نادى كثير من هؤلاء النقاد والمتطرفين في جميع فنون الأدب: من كلمة معبرة، وصور ورسوم جميلة نادى هؤلاء بإطلاق حرية الأديب، تلك الحرية المزعومة التي تخالف في فحواها مفهوم الحرية السليمة التي خولها الإسلام أدباءه ومفكريه. فلقد رأى هؤلاء المتطرفون أن من رفعة الفن الأدبي إظهار المرأة مفاتنها للناس لأنها أكثر موضوعات الأدب المعاصر، وهذا يخضع في تفكيرهم لنظرية الفن للفن وما درى هؤلاء أن هذه الحرية المزعومة انحدار بالمجتمعات إلى هوة سحيقة لا منجاة منها للأديب والمتلقي بل لا منجاة منها للمجتمع بوجه عام.


ولا شك أن التبعة إنما تقع على الأدب الإسلامي وأدبائه فهم رجال الأمة وقادتها في الأخلاق والسلوك وفي كل أمر يناقض فكرة الالتزام.


[1] من قضايا الأدب الإسلامي د/ صالح آدم بيلو ص117، 118.

[2] سورة النساء الآية 114.

[3] صحيح الإمام مسلم بشرح النووي.

[4] صحيح الإمام البخاري/ باب حفظ اللسان.

[5] سورة الأنعام الآية 68.

[6]سورة الحجرات الآية 11، 12.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]