عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-08-2021, 12:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,126
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بحث في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى قوله: {وَبِالْآخ

ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّا {الّذين يؤمنون بالغيب} فهم المؤمنون من العرب {ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون} أمّا الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنّة والنّار، وما ذكر اللّه في القرآن. لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصل كتابٍ أو علمٍ كان عندهم. {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب ».
وقال بعضهم: بل نزلت هذه الآيات الأربع في مؤمني أهل الكتاب خاصّةً، لإيمانهم بالقرآن عند إخبار اللّه جلّ ثناؤه إيّاهم فيه عن الغيوب الّتي كانوا يخفونها بينهم ويسرّونها، فعلموا عند إظهار اللّه جلّ ثناؤه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك منهم في تنزيله أنّه من عند اللّه جلّ وعزّ، فآمنوا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقوا بالقرآن وما فيه من الإخبار عن الغيوب الّتي لا علم لهم بها لمّا استقرّ عندهم بالحجّة الّتي احتجّ اللّه تبارك وتعالى بها عليهم في كتابه، من الإخبار فيه عمّا كانوا يكتمونه من ضمائرهم؛ أنّ جميع ذلك من عند اللّه.
وقال بعضهم: بل الآيات الأربع من أوّل هذه السّورة أنزلت على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بوصف جميع المؤمنين الّذين ذلك صفتهم من العرب والعجم وأهل الكتابين وسواهم، وإنّما هذه صفة صنفٍ من النّاس، والمؤمن بما أنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما أنزل من قبله هو المؤمن بالغيب.
قالوا: وإنّما وصفهم اللّه بالإيمان بما أنزل إلى محمّدٍ وبما أنزل إلى من قبله بعد تقضّي وصفه إيّاهم بالإيمان بالغيب؛ لأنّ وصفه إيّاهم بما وصفهم به من الإيمان بالغيب كان معنيًّا به أنّهم يؤمنون بالجنّة والنّار والبعث، وسائر الأمور الّتي كلّفهم اللّه جلّ ثناؤه الايمان بها ممّا لم يروه ولم يأت بعد ممّا هو آتٍ، دون الإخبار عنهم أنّهم يؤمنون بما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن قبله من الرّسل ومن الكتب.
قالوا: فلمّا كان معنى قوله {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} غير موجودٍ في قوله: {الّذين يؤمنون بالغيب} كانت الحاجة من العباد إلى معرفة صفتهم بذلك ليعرّفهم نظير حاجتهم إلى معرفتهم بالصّفة الّتي وصفوا بها من إيمانهم بالغيب ليعلموا ما يرضي اللّه من أفعال عباده، ويحبّه من صفاتهم، فيكونوا به إن وفّقهم له ربّهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرو بن العبّاس الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ الضّحّاك بن مخلدٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ المكّيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «أربع آياتٍ من سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في المنافقين ».
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ بمثله.
- وحدّثني المثنّى بن إبراهيم قال: حدّثنا موسى بن مسعودٍ، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال:« أربع آياتٍ من فاتحة هذه السّورة، يعني سورة البقرة، في الّذين آمنوا، وآيتان في قادة الأحزاب ».
وأولى القولين عندي بالصّواب وأشبههما بتأويل الكتاب، القول الأوّل، وهو: أنّ الّذين وصفهم اللّه تعالى ذكره بالإيمان بالغيب، وما وصفهم به جلّ ثناؤه في الآيتين الأولتين غير الّذين وصفهم بالإيمان بالّذي أنزل على محمّدٍ والّذي أنزل على من قبله من الرّسل؛ لما ذكرت من العلل قبل لمن قال ذلك.
وممّا يدلّ أيضًا مع ذلك على صحّة هذا القول أنّه جنس، بعد وصف المؤمنين بالصّفتين اللّتين وصف، وبعد تصنيفه إلى كلّ صنفٍ منهما على ما صنّف الكفّار، جنسين، فجعل أحدهما مطبوعًا على قلبه مختومًا عليه مأيوسًا من إيمانه، والآخر منافقًا يرائي بإظهار الإيمان في الظّاهر، ويستسرّ النّفاق في الباطن، فصيّر الكفّار جنسين كما صيّر المؤمنين في أوّل السّورة جنسين. ثمّ عرّف عباده نعت كلّ صنفٍ منهم وصفتهم وما أعدّ لكلّ فريقٍ منهم من ثوابٍ أو عقابٍ، وذمّ أهل الذّمّ منهم وشكر سعي أهل الطّاعة منهم). [جامع البيان: 1/247-241]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: { الّذين يؤمنون }
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله:« الّذين يؤمنون بالغيب فهم المؤمنون من العرب ».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 36- 37]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (اختلف المتأولون فيمن المراد بهذه الآية وبالتي قبلها.

فقال قوم: «الآيتان جميعا في جميع المؤمنين».
وقال آخرون: «هما في مؤمني أهل الكتاب».
وقال آخرون: «الآية الأولى في مؤمني العرب، والثانية في مؤمني أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وفيه نزلت».). [المحرر الوجيز: 1/107-109


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد اختلف المفسّرون في الموصوفين هاهنا: هل هم الموصوفون بما تقدّم من قوله تعالى: {الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3] ومن هم؟ على ثلاثة أقوالٍ حكاها ابن جريرٍ:


أحدهما: أنّ الموصوفين أوّلًا هم الموصوفون ثانيًا، وهم كلّ مؤمنٍ، مؤمنو العرب ومؤمنو أهل الكتاب وغيرهم، قاله مجاهدٌ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة.
والثّاني: هما واحدٌ، وهم مؤمنو أهل الكتاب، وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفاتٍ على صفاتٍ، كما قال تعالى: {سبّح اسم ربّك الأعلى * الّذي خلق فسوّى * والّذي قدّر فهدى * والّذي أخرج المرعى * فجعله غثاءً أحوى} [الأعلى: 1-5] وكما قال الشّاعر:





إلى الملك القرم وابن الهمام ....... وليث الكتيبة في المزدحم...




فعطف الصّفات بعضها على بعضٍ، والموصوف واحدٌ.
والثّالث: أنّ الموصوفين أوّلًا مؤمنو العرب، والموصوفون ثانيًا بقوله: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} الآية مؤمنو أهل الكتاب، نقله السّدّيّ في تفسيره، عن ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ وأناسٍ من الصّحابة، واختاره ابن جريرٍ، ويستشهد لما قال بقوله تعالى: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه} الآية [آل عمران: 199]، وبقوله تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنّا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا كنّا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السّيّئة وممّا رزقناهم ينفقون} [القصص: 52-54]، وثبت في الصّحيحين، من حديث الشّعبيّ عن أبي بردة عن أبي موسى: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ يؤتون أجرهم مرّتين: رجلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي، ورجلٌ مملوكٌ أدّى حقّ اللّه وحقّ مواليه، ورجلٌ أدّب جاريته فأحسن تأديبها ثمّ أعتقها وتزوّجها».
وأمّا ابن جريرٍ فما استشهد على صحّة ما قال إلّا بمناسبةٍ، وهي أنّ اللّه وصف في أوّل هذه السّورة المؤمنين والكافرين، فكما أنّه صنّف الكافرين إلى صنفين: منافقٌ وكافرٌ، فكذلك المؤمنون صنّفهم إلى عربيٍّ وكتابيٍّ.
قلت: والظّاهر قول مجاهدٍ فيما رواه الثّوريّ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، ورواه غير واحدٍ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ أنّه قال: « أربع آياتٍ من أوّل سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين، فهذه الآيات الأربع عامّةٌ في كلّ مؤمنٍ اتّصف بها من عربيٍّ وعجميٍّ، وكتابيٍّ من إنسيٍّ وجنّيٍّ، وليس تصحّ واحدةٌ من هذه الصّفات بدون الأخرى، بل كلّ واحدةٍ مستلزمةٌ للأخرى وشرطٌ معها، فلا يصحّ الإيمان بالغيب وإقام الصّلاة والزّكاة إلّا مع الإيمان بما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاء به من قبله من الرّسل والإيقان بالآخرة، كما أنّ هذا لا يصحّ إلّا بذاك، وقد أمر اللّه تعالى المؤمنين بذلك، كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل} الآية [النّساء: 136]. وقال: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالّتي هي أحسن إلا الّذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ} الآية [العنكبوت:46]. وقال تعالى: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدّقًا لما معكم} [النّساء: 47] وقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} [المائدة: 68] وأخبر تعالى عن المؤمنين كلّهم بذلك، فقال تعالى: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله} الآية [البقرة: 285] وقال: {والّذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرّقوا بين أحدٍ منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم} [النّساء: 152] وغير ذلك من الآيات الدّالّة على أمر جميع المؤمنين بالإيمان باللّه ورسله وكتبه. لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصيّةٌ، وذلك أنّهم مؤمنون بما بأيديهم مفصّلًا فإذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به مفصّلًا كان لهم على ذلك الأجر مرّتين، وأمّا غيرهم فإنّما يحصل له الإيمان، بما تقدّم مجملًا كما جاء في الصّحيح: «إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم، ولكن قولوا: آمنّا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم»، ولكن قد يكون إيمان كثيرٍ من العرب بالإسلام الّذي بعث به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم أتمّ وأكمل وأعمّ وأشمل من إيمان من دخل منهم في الإسلام، فهم وإن حصل لهم أجران من تلك الحيثيّة، فغيرهم [قد] يحصل له من التّصديق ما ينيف ثوابه على الأجرين اللّذين حصّلا لهم، واللّه أعلم».). [تفسير ابن كثير: 1/170-171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {الذين يؤمنون بالغيب} قال: «هم المؤمنون من العرب»). [الدر المنثور: 1/ 137- 147]




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]