2- مقوم الكون: ويتجلى لنا هذا المقوم من خلال:
• اليقين الجازم بخلق الكون، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29].
• تصريف أمور الكون: ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 40].
• الإشارة إلى وجود كونين: الأول المحسوس (الفيزيقي)، والثاني الغيبي غير المحسوس (الميتافيزيقي)، وهنالك مواطن كثيرة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة تبين هذين الكونين.
3- مقوم الإنسان: وفي هذا المقوم يتبين للإنسان أنه مخلوق كسائر المخلوقات، ويتساوى معها في بعض الأمور؛ كونه مخلوقًا، وكون أصله ترابًا، ويتميز عنها بأمور، مثل: العقل، والوجدان، والإرادة،...، ومن الأدلة النقلية على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
4- مقوم الحياة الدنيا: وفي المنظور الإسلامي أن الحياة الدنيا هي دار فَناءٍ واختبار، وهي ممر للآخرة؛ فهذا فرق جوهري بين النظرة الإسلامية للحياة الدنيا وباقي النظرات الفلسفية التي تصور الحياة الدنيا على أنها شغلها الشاغل، وقمة طموحها، ولا ينظرون لها على أنها زائلة.
وفي العرض السريع السابق للمقومات نلحظ أن الإطار الإسلامي نظم الحياة على الصعيدين الشخصي والمجتمعي، ونحن نعلم بأن نقطة تنظيم المجتمع أن يكون هنالك أفراد منظمون؛ فالنتيجة الحتمية لأفراد منظمين مجتمع منظم.
أهداف الإطار الإسلامي في المناهج:
إن أي عمل يخلو من الهدفية يخلو قطعًا من النتاجات الإيجابية، إلا على سبيل المصادفة التي لا يحتذى بها في المنهج العلمي، ولكن العمل المخطط يكون هادفًا، وهذا شأن العمل الإنساني، أما عن عمل يمتد بجذوره إلى الدين الإسلامي، فهو بعلاقته البديهية يكون من مصدر رباني، وقد أسهب مدكور (1997) بشرح هذه الأهداف، ومن مجمل ما ورد عنده:
1- إدراك مفهوم الدين ومفهوم العبادة.
2- ترسيخ عقيدة الإيمان بالله، والأخوة بالله.
3- تحقيق الإيمان والفهم لحقيقة الألوهية.
4- إدراك حقيقة الدين غيبه وشهوده.
5- فهم حقيقة الحياة الدنيا والآخرة.
6- فهم حقيقة الإنسان.
7- تحقيق وسطية الأمة وشهادتها على الناس.
8- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
9- استعادة تميز الأمة الإسلامية.
10- العمل على تحقيق وحدة الأمة.
11- إعانة الطالب على تحقيق ذاته.
12- إدراك مصادر المعرفة والعلاقات بينها.
13- إدراك أهمية التفكير المنهجي، وفهم مناهجه، والتدرب على أساليبه.
14- إدراك الطلاب لأهمية نظام الأسرة في الإسلام.
15- تنمية شعور الطلاب وإدراكهم للمسؤولية الاجتماعية.
وقد أورد مدكور نقاطًا كثيرة، وقام بشرحها في فصل كامل، ولكن اكتفينا بجملة من هذه الأهداف، والملاحظ أن هذه الأهداف أغصان من جذع أعم وأشمل، وكل هذه الأهداف تستفيء بظلاله، وهذا الهدف هو "تنشئة الطلبة على التقيد بالأوامر الإسلامية، والاجتناب عن نواهيه"؛ فالمنهج هو قناة ناقلة مهمة لتحقيق هذا الهدف، يجب علينا الاهتمام بها وترميمها في أيامنا؛ لأنها وصلت لأسوأ حالتها.
ومن الذين حددوا أهداف التربية الإسلامية أيضًا (عطا، 2000:صـ122)، وهي:
1- الأصالة: بأن تدخل في نفس المتعلم وفي نسيج حياته.
2- التميز: إذا أعلنت المضامين التي تعلمها في نفسه، وأصبحت جزءًا من شخصية المتعلم.
3- الوقائية: وذلك بأن تحمي المتعلم من أن يذوب في الكيانات الأخرى والثقافات الأخرى.
ويضيف قائلًا: إن هذا كله ثمرة الرسوخ الإيماني وقوة اليقين؛ لأنها التطبيق العملي للرسالة السماوية الخالدة.
ونرى أن كلًّا من عطا ومدكور نظر لأهداف التربية الإسلامية من جهة؛ فعطا نظر للأهداف التي يجب أن تتحقق بعد المرور بخبرة تعليمية وبلغة أخرى (النتاجات التعليمية)، أما مدكور فنظر لها أهدافًا بمعناها التربوي، وهو التخمين الذكي، أو النتاج المتوقع حدوثه في سلوك المتعلم بعد مروره بخبرة تعليمية معينة.
وعلى أي حال، فمجموع النقاط التي وردت يعتد بها كأهداف ونتاجات للتربية الإسلامية في المناهج، فلكل منها بُعده الخاص، ولا يتعارض التصنيفان مع بعضهما البعض.
الإطار الإسلامي في المناهج التعليمية:
إن واقع المناهج العربية المريرة التي تحتضر على أعتاب إسلامها يشكل ناقوس خطر على مخرجاتنا التعليمية، وأوَّل هذه المخرجات وأشدها تأثرًا بهذا الخطر: النشء، وأرض الواقع تلمس هذا الخطر بوضوح؛ فلا بد من تضافر المناهج ككل؛ لتحقيق النظرة الإسلامية وروحها في الجيل الصاعد.
ويجب علينا - لتحقيق هذه النظرة أو روحها - أن نتكئ على التكاملية بشقيها: التكامل الرأسي، ويتحقق هذا الشق بأن يأتي الصف اللاحق متممًا لأفكار الصف السابق، والأفقية: التي تتحقق من إتمام أفكار المناهج في المرحلة التعليمية لبعضها البعض، وهذه التكاملية على عاتق المخطط والمنفذ لأي منهج كان.
ويضيف المختار (1986): ولا نكتفي بوحدة أهداف المناهج في الدولة الواحدة، بل نتعدى ذلك إلى إطار العروبة والدين الإسلامي، وذلك بأن توحد الأهداف العربية والإسلامية للمناهج العامة، وذلك لتكون خطوة جديدة وتطويرًا ملموسًا في المناهج، وفي العملية التعليمية برمتها.
هذا ما نادى به المختار قبل قرابة ثلاثة عقود، ولكن ما زلنا نتخبط تخبط العشواء بالظلماء؛ فكل دولة تسير في خطاها لتحقيق أهداف معينة من خلال مناهجها، أخذت بناصية سيرها الأنظمة السياسية لتحقيق مآربها.
ومن الجدير بالذكر أن المناهج ليست مسؤولية فحسب، إنما هي أمانة، كما قال اليافعي (1995:صـ132): "إنها أمانة وأكبر الأمانات؛ لأنها تعد جيلًا، ومسؤولة عن بناء أمة"، فمن سيسأل أمام الله تعالى عن ضياع الجيل؟ ومن سيسأل أيضًا عن تراجع الأمة؟
ومن الأسئلة التي تدور في الأذهان: " كيف لنا أن نوظف المناهج في تحقيق التصور الإسلامي في أذهان طلبتنا؟"، فإجابة هذا السؤال بسيطة؛ بأن نسخر كل شيء له علاقة بالمنهج لتلبية جزئية من جزئيات هذا التصور، للخلوص إلى صورة متكاملة لهذا التصور من ألفه إلى يائه، وبعبارة أخرى: أن يرافق هذا التصور المنهاج من مرحلة تخطيطه إلى مرحلة تقويمه.
ولتوضيح هذه المرافقة نبدأ بالتخطيط العام للمنهج؛ بأن نضع أهدافًا على المستويات الثلاثة؛ العقلية، والوجدانية، المهارية، تلبي جزئية من جزئيات التصور الإسلامي لأي منهج كان من المناهج، سواء أكان في العلوم البحتة أم في العلوم الإنسانية، وترجع لحنكة المخطط، وآلية نظرته، وكيفية تناوله الأهداف.
تلي مرحلة التخطيط، مرحلة التصميم والقائمون عليها: وذلك بأن تكون لديهم فراسة في انتقاء المواد العلمية التي تخدم الأهداف وتلتصق بها التصاقًا مباشرًا، ويجب أن تصبغ هذه النصوص بصبغة إسلامية؛ فالتاريخ الإسلامي مليء بشواهد كثيرة تتناسب مع العلوم الإنسانية، أما بالنسبة للعلوم البحتة فتجب الإشارة إلى علمائنا الأوائل الذين تعرضوا للقضية أو الدرس المطروح بوضع نبذة عن حياتهم.
تلي مرحلة التصميم مرحلة التنفيذ: وهذه المرحلة من أخطر المراحل وأهمها؛ لأنها الختامية، والتي تتعامل مع الطالب بشكل مباشر، فيجب عليها تدارك الأخطاء والفجوات الموجودة في المنهج برمته، كما يجب عليها أن تثري الموجود في المنهج لإتمام النقص الموجود، وأن تكون مثقفة بالدين الإسلامي ككل، وأساليب إدراجه في سلوك الطلبة، ولا تكتفي بهذا فحسب، فيجب عليها مراعاة تطبيق ما أخذ وما درس للطلبة في الحياة اليومية، وخاصة أثناء وجود الطالب داخل أسوار المؤسسة التعليمية.
ولا نقف عند هذه النقاط فحسب، وإنما هي المحاور الرئيسة الثلاثة التي لها نصيب الأسد في العملية التعليمية، وهنالك أشياء داعمة للمنهج، المتأتية من المنهج الخفي مثلًا، مثل الإذاعة المدرسية: فيجب أن تغذى هذه الإذاعة الصباحية بالروحانيات الإسلامية، التي مفادها إبقاء الطلبة ككل على اتصال مباشر مع دينهم في أي زمان وأي مكان، ولا نغفل دور الأسرة ولا الأقران ولا وسائل الإعلام و....؛ أي البيئة التعليمية بمفهومها الواسع.
وما يمكننا تغييره هو المحور الثالث: أي التنفيذي؛ فالسابق لها ليس من اختصاصنا حاليًّا، فيمكن لنا - كمنفذين للمنهاج - أن نغذي الجانب الديني بشتى الوسائل والطرق، المنفذ للمنهج بارع بهذا المجال، ولكن من باب تنظيره والتذكير به، لا من باب فرضه.
وفي النهاية نخلص إلى وجود فجوة بين ما هو مفروض ومأمول، وما هو موجود فعلًا على أرض الواقع، وهذه المفارقات لها أسباب ودواعٍ تنصب في دواعي الفجوة بين النظرية والتطبيق، ومن أهمها:
1- السياسة تخدم بالمنهج، وليس العكس.
2- عدم إشراك المنفذين بتخطيط المنهج.
3- السير على معنى المنهج الحديث قولًا لا فعلًا.
4- تتبع النظريات التعليمية تتبعًا أهوج دون التمحص من مثالب هذه النظريات.
5- الأخذ بمعايير فاسدة للحكم على العملية التعليمية، مثل الامتحانات.
وهذه النقاط في نظري هي من النقاط المهمة لتخفيف الهوة بين النظرية والتطبيق.
الخاتمة:
في وقفتنا السابقة سلطنا الضوء على أضلاع مهمة في الإطار الإسلامي في المناهج العربية ككل، فتعرفنا على المفهوم والخصائص والمقومات والأهداف لهذا المفهوم، وفي النهاية تعرضنا لها بمناظرة بين المأمول الموجود، آملًا من الله ألا يجعلها صيحة في واد، ولا نفخة في رماد، وآملًا أن تكون هذه الأوراق بمثابة رؤوس أقلام لفتح آفاق جديدة لبحث كل منهج على حدة وعلاقته بالإطار الإسلامي، مركزين على أهمية البحث في هذا الجانب الذي له قداسته، والله ولي التوفيق.
تم بحمد الله..
المراجع:
القرآن الكريم.
1- مرعي، توفيق أحمد والحيلة، محمد محمود (2008)، المناهج التربوية الحديثة مفاهيمها وعناصرها وأسسها وعملياتها، طــ6، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
2- الزبيدي، سليمان عاشور مجلي (2002)، أسس المناهج المدرسية، د ط، ليبيا: دار النسر.
3- عطا، إبراهيم محمد (2000)، ثوابت المنهج المدرسي، ط1، مصر: دار الكتاب للنشر.
4- مدكور، علي أحمد (1997)، نظريات المناهج التربوية، ط1، مصر: دار الفكر العربي.
5- اليافعي، علي (1995)، رؤى مستقبلية في مناهجنا التربوية، قطر: دار الكتب القطرية.
6- عبدالله، عبدالرحمن صالح (1986)، المنهاج الدراسي، أسسه وصلته بالنظرية التربوية الإسلامية، ط1، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
7- مختار، حسن علي (1986)، قضايا ومشكلات في المناهج والتدريس، ط1، مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي.