وكقول الصولي في موطن رد تهمة مماثلة وُجِّهت إلى بعض شعر أبي تمام: "وما ظننت أن كفراً يُنقص من شعر، ولا أن إيماناً يزيد فيه.."[13]
وكقول العميدي عن أبي الطيب كذلك: "كيف يسوغ أن أثلبه لإلحادهِ، أو أعيبه لسقوط آبائه وأجداده، وأنا أتحقق أن أكثر من يُستشهد بأشعارهم المشركون والكفار والمنافقون والفجار.."[14]
وما شاكل ذلك من نصوص، وهي نصوصٌ – على قلتها، وعلى كونها قيلت في مناسبات معينة، ولها توجيهات لا يحتمل المقام الآن إيرادها – لا تمثل حقيقة النقد العربي، بل إن المستقرئ لنصوص هذا النقد ليرى بوضوح أن النظرية الخلقية- التي استُنبِطت من نصوص الأدب العربي- هي الأصل الكبير الذي يرسم وجهَ هذا النقد وملامحه الأساسية.
وقد جمعت في كتابي" النقد العربي القديم: نصوص في الاتجاه الإسلامي والخلُقي"[15] حوالي ألف نص تثبت هيمنة النظرية الخلقية الإسلامية، وسيطرتها على هذا النقد.
ويمكن- بشيءٍ من التبسيط- تلخيص أبرز ملامح النظرية الخلقية عند العرب في القضايا التالية:
1- وظيفة الشعر.
2- نقد المعاني: استحساناً واستقباحاً.
3- الضبط العقدي لأغراض الشعر.
4- التحرج من رواية ما صادم العقيدة.
5- إسقاط منزلة الشاعر بسبب استهتاره وسوء عقيدته.
6- إيثار الصدق، وذم الكذب والغلو.
ولعله تتاح لنا في مقالات قادمة فرصة أن نتكلّم على بعض هذه القضايا، لكي نبرز حقيقة النقد العربيّ، ونضعه في موقعه الصحيح، ونبيّن أن هذا النقد كان يستحضر باستمرار قضايا الدين والأخلاق، ويقوّم النصوص والقائلين من خلالها، ولم يكن نقدا جماليا يعنى بالشكل وحده، كما ذهبت إلى ذلك طائفة من النقاد العرب المعاصرين الذين ذكرنا نماذج من أقوالهم.
[1] الأدب المسؤول: رئيف الخوري: ص 167.
[2] - في نقد الشعر: محمود الربيعي: ص 65
[3] - الأسس الجمالية في النقد العربي: عز الدين إسماعيل: ص 181.
[4] - السابق: 183.
[5] - السابق: 398.
[6] - السابق: 185.
[7] - السابق نفسه، وانظر كثيراً من مثل هذه الآراء في ثنايا هذا الكتاب، فهو يروج لهذا الاتجاه.
[8] - السابق : 335
[9] - في نقد الشعر:ص72
[10] - أسس النقد الأدبيّ عند العرب : أحمد أحمد بدوي :ص400
[11] - الموشح : المرزباني : ص85،90
[12] - الوساطة بين المتنبي وخصومه: الجرجاني: ص 64
[13] - أخبار أبي تمام: الصولي: ص 172 .
[14] - الإبانة عن سرقات المتنبي: العميدي: ص 24 "
[15] - دار الفكر، دمشق: 1426هـ - 2005م.