عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 30-07-2021, 03:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شذرات في فقد الولد

شذرات في فقد الولد (4)
د. عبدالحكيم الأنيس




إلى غائبٍ أخذَ السرورَ معه:
القلبُ لا يحتملُ غائبين...


يقتضي نظامُ الإقامة أنْ تُلغى إقامةُ مَنْ غادرَ أو تُوفي من المكفولين، وقد تراخى في إلغاء إقامةِ ابنهِ الـمُتوفى فرارًا مِنْ مشاعرِ الحزنِ المصاحبةِ لتلك المعاملة، حتى حاصرَهُ الوقتُ المحددُ، فأقدمَ على ذلك مُضطرًا، وحين تسلَّم إشعارَ إتمام الإلغاء كان يردِّدُ:
إذا ذهبَتْ برؤيتك الليالي
وأُلغيتْ الإقامةُ في دبيِّ

فأنتَ بكلِّ جارحةٍ مقيمٌ
ولستَ تغيبُ يومًا عن حُشَيِّ




في مدينة الكسوة في الغوطة الغربية من دمشق زُفَّ شابٌّ في الثلاثين مِنْ عمره، وفرح به أهله أيما فرح، وبعد يومٍ واحدٍ مِنْ زواجه تُوفي هو وعروسُهُ اختناقًا في الحمّامِ الذي يعمل بالتدفئة على الغاز...
صُدِمَ والدُه مِنْ هولِ المفاجأة، ووقعِ الفراقِ في أيام الفرح، ولم يحتمل قلبُهُ هذه الصدمة فسَقط مغشيًا عليه، ونُقِلَ وهو في غيبوبةٍ إلى العناية المركزة، ليلحقَ بابنه بعد يومين[1]...رحمهم الله تعالى، وعوَّضهم واسعَ رحمتهِ في دارِ كرامتهِ.


خبر غريب!
قال ابنُ الجوزي في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" في حوادث سنة (474هـ)[2]:
"وفي يوم الخميس حادي عشر ذي الحجة تُوفي "داود ولد السلطان جلال الدولة" بأصفهان، فلحقَهُ عليه ما زادَ على الـمَعهود، ولم يُسْمعْ بأمثاله، ورام قتلَ نفسهِ دفعات، فمنعَهُ خواصُّه، ومنعَ مِنْ أخذه وغسله، لقلةِ صبرهِ على فراقهِ، إلى أنْ تغيَّرَ، فمكَّنَ مِنْ ذلك، وامتنعَ عن المطعم والمشرب، ونزَعَ أثوابَ الصبر، وأغلقَ أبوابَ السُّلو، وجزَّ الأتراكُ والتركمانُ شعورَهم، وكذلك نساءُ الحشم، والحواشي، والخيول، وأقام أهلُ البلد المأتمَ في المنازل والأسواق، وبقيت الحالُ على هذا سبعةَ أيام، وخرَج السلطانُ بعد شهرٍ إلى الصيد، وكتبَ بخطه رقعةً يقولُ فيها:
"أمّا أنا يا ولدي داود فقد خرجتُ إلى الصيد وأنت غائبٌ عني، وعندي من الاستيحاشِ لفراقك، والانزعاجِ لبُعدك عني، والبكاءِ على أخذك مني، ما أسهرَ ليلي، ونغَّصَ عيشي، وقطَع كبِدي، وضاعفَ كمَدي.
فأخبرْ أنتَ بعدي مالك وحالك[3]، وما غيَّرَ البلى منك، وما فعلَ الدودُ بجسمك، والترابُ بوجهِك وعينِك، وهل عندَك عليَّ مثلُ ما عندي، وهل بلغَ الحزنُ بك ما بلغ بي؟
فواشوقاهُ إليك، وواحسرتاه عليك، وواأسفًا على ما فاتَ منك".


وحُمِلت الرُّقعةُ إلى "نظامِ الـمُلك" فقرأها وبكى بكاء شديدًا، وجمَعَ الوجوهَ والمحتشمين وقصَدَ بهم القبرَ، وقرأ الرُّقعة عليه، وارتجَّ المكانُ بالبُكاء والعويل، وتجدَّدَ الحزنُ في البلد واللطم، وعادت المصيبةُ كأول يوم، وجلس الوزيرُ عميدُ الدولة للعزاء في صحن السلام ثلاثة أيام، أولها يوم السبت لثلاثٍ بقين من ذي الحجة".

وفي هذا مخالفة للسُّنة، عصَمَنا اللهُ بالتمسُّك بها.


[1] وتعازينا الحارة لشقيقه الأستاذ عبدالسّتار الشيخ في هذا المصاب الجلل.

[2] (16 /216 - 217).

[3] كذا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.53%)]