عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 28-07-2021, 03:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"



وهكذا يهون كل فعل يصدر من الابن في عين الأب، ولو كان فيه إتلاف، ولو كان فيه تضييع، فالطفل له منزلة سامقة، وهو باني جيل المستقبل، فلندعُ له اللهَ بالحفظ والبقاء؛ لأَنَّه فلذة الكبد، بل إنَّه في نظر الأب مقلته التي يبصر بها:
"أَيَا ابْنَيَّ أَحْبِبْ بِمَا تُتْلِفَانِ
وَأَهْوِنْ بِمَا تَكْسِرَانِ عَلَيَّا

يَصُونُكُمَا اللَّهُ مِنْ حَادِثَاتِ الزْ
زَمَانِ وَيُبْقِيكُمَا لِي مَلِيَّا

وَيَكْفِيكُمَا اللَّهُ شَرَّ الْبُكَاءِ
وَيَحْفَظُ مِنْ وَقْعِهِ أُذُنَيَّا

أَمِنْ كَبِدِي أَنْتُمَا فَلْذَتَا
نِ أَمْ أَنْتُمَا حَبَّتَا مُقْلَتَيَّا"[89]




ونجد "غنيمًا" يقوم بترجمة شعرية لمقطوعة نظمها "جبران خليل جبران" بالإنجليزية، بعد أنْ ترجمها نثرًا "أنطونيوس بشير"، وهي وإن كانت تُمثِّل شريحةً إنسانية مُعينة، لوسط غير الذي عاش فيه الشاعر "غنيم"، إلاَّ أنَّ العمل على ترجمتها شعرًا، وإيرادها في هذا الديوان - دليلٌ واضح على تبني الفكرة، وإيمان منه أن هذه الشريحة الإنسانية نفسها قد عرفها المجتمع المصري، أو على الأقل تَمثلت في بعض جوانبه.

والقطعة فيها تخيل لهمس الأم مع ابنتها في الخفاء، فترجم الشاعر الإحساس الذي يُمكن أن يعتري كلاًّ منهما عند الحوار، وكيف تريد كلُّ واحدة أن تثبت حَقَّها في الوجود، فالأم كرهت ابنتها، وجعلتها سببًا في اكتهالها، وانتقاض قواها، ودفعتها غيرتُها إلى أن تحاول سلب ما اجتزأته من عافيتها وفِكْرِها وسهرها في تربيتها، مُعْتبرة ذلك كُلَّه سَعْيًا في نُمُو هذه البنت على حساب صِحَّتها وجهدها، ويبلغ بها الانفعال درجةً تَجعلها تتمنى لو وأدتها، فتخلصت من مزاحمتها:
"قَالَتِ الْأُمُّ: يَا بُنَيَّةُ تَبًّا
لَكِ تَبًّا مِنْ حَيَّةٍ رَقْطَاءِ

أَنَا لَوْلاَكِ مَا اكْتَهَلْتُ وَلَكِنْ
كُنْتُ فِي عُودِ كَاعِبٍ عَذْرَاءِ

لَكِ رُكْنٌ تَبْنِينَهُ بِانْهِدَامِي
وَحَيَاةٌ تَفْنِينَهَا بِفَنَائِي

لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ وَأْدَكِ حَتَّى
أَحْتَسِي مَا احْتَسَيْتِهُ مِنْ دِمَائِي"[90]



ثم ينتقل الحوار إلى البنت؛ لتعبر عن شعورها وإحساسها إزاءَ الألم، فتُعيرها بكبر سِنِّها، ودَمامَتِها، وترميها بالأنانية والاستئثار بالعيش، واعتبرتها قيودًا تُكبلها، وتَحجبها عن الانطلاق والالتذاذ بالحياة، ويصل بها الانفعال - هي الأخرى - درجةً تتمنى لو تتخَلَّص فيها من أُمِّها بوَأْدِها، فتستريح:
قَالَتِ الْبِنْتُ: يَا أُمَيْمَةُ تَبًّا
لَكِ شَمْطَاءَ ذَاتَ وَجْهٍ دَمِيمِ

كَمْ تُرِيدِينَ أَنْ أَعِيشَ كَمَا كُنْ
تِ تَعِيشِينَ فِي الزَّمَانِ الْقَدِيمِ

أَنْتِ غُلٌّ فِي أَخْمُصَيَّ ثَقِيلٌ
وَحِجَابٌ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّعِيمِ

لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ وَأْدَكِ يَا أُمْ
مَاهُ حَتَّى أَشُمَّ رِيحَ النَّسِيمِ[91]



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]