إننا لا نبرر لهم الخطأ، ولا نشجعهم على ارتكابه، ولكن ماذا نفعل إن حدث؟ مثلًا رأيته يدخن، أو علِمت أنه يشاهد صورًا أو أفلامًا، أو رأيت ابنتك تتهاون في ملبسها، ماذا نفعل إن حدث أي من هذه الأمور؟ إننا لن نعفي أنفسنا من المسؤولية، ونلقي بكل اللوم على الأولاد، ومن المسؤولية في هذه الحالة أن نمد لهم يد العون والمساعدة، ونأخذ بيد من سقط أو وقع؛ حتى يقوم ويعتدل، ويبدأ في تصحيح الخطأ الذي ارتكبه وهكذا، وإلا شرد وضاع وتمادى في فعل أخطاء أخرى، إذًا لا بد من أن نترفَّق به، ونأخذ بيده لننقذه ونَنجو به!
وهذا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يأتيه الشاب وهو جالس في جمع من أصحابه وقد بلغت الشهوة منتهاها بالشاب، حتى جاء يأخذ الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنا! انظر كيف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذه الحالة؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "إن فتى شابًّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبَل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مَهْ مَهْ، فقال: ((ادْنُه))، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: ((أتحبه لأُمك؟))، قال: لا واللَّه جعلني الله فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأُمهاتهم))، قال: ((أفتحبه لابنتك؟))، قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم))، قال: ((أفتحبه لأختك؟))، قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم))، قال: ((أفتحبه لعمَّتك؟))، قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لعمَّاتهم))، قال: ((أفتحبه لخالتك؟))، قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم))، قال: فوضع يده عليه وقال: ((اللَّهم اغفر ذنبه وطهِّر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء))؛ رواه الإمام أحمد.
وفي رواية أخرى: وقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم طهِّر قلبه، واغفر ذنبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا)).
جميلة تلك اللفتة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو الشاب: (ادنُه)؛ أي: تعالَ واقترب مني، واقترَب الشاب، وجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن رسول الله لم يجعل الشاب واقفًا - كما يقال - أدبًا واحترامًا، ولم يكلمه وهو على مسافة بعيدة، ولم يتأفف منه وهو على تلك الحالة، بل قرَّبه وأدناه منه، ثم ترفَّق به، وأرشده برحمة ولينٍ.
ما أجمل أن تقترب جدًّا ممن تريد أن ترشده وتنصحه؛ فهذا القرب لن تحتاج معه إلى رفع صوتك أكثر من اللازم! وما أجمل أن تقترب من أولادك، وتُجلسهم بجوارك وأنت تُحدثهم! وما أجمل أن تَلتصق بهم وتضع يدك على أكتافهم، وتَلمِس رأسهم، وتنظر في أعينهم، وتبتسم في وجوههم! فبهذا تكون قد فتحت كل الأبواب والنوافذ المغلقة، وعندها قل ما شئت، وانصح بما تريد؛ فالقَبول نتيجة حتمية لما تنصح به وترشد.
ومن معاني الرفق أيضًا ما قاله الإمام سفيان الثوري لأصحابه: "أتدرون ما الرفق؟ هو أن تضع الأمور مواضعها؛ الشدة في موضعها، واللين في موضعه".
إذًافقد يحتاج المربي إلى الشدة في بعض الأحيان، فلا بأس إذا ما استُخدمت الشدة في موضعها وبقدرها، فهذا يعد من الرفق أيضًا، وتقدير ذلك متروك لفِطنة المربِّي وحصافته.
وقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن حال الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، وهم يقومون بواجب التربية والنصح والإرشاد، فأخبرنا عن إسماعيل عليه السلام بقوله: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ ﴾ [مريم: 55].
فهذا نبي الله نوح عليه السلام ما زال يترفق بابنه مع إصراره على كفره، ولَما جاء الطوفان أشفَق عليه بعاطفة الأبوة، وناداه بأسلوب رقيق: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42].
يا بُني دعك من كفرك وعنادك، يا بني اركب معنا والْحَقْ بالفئة المؤمنة؛ حتى تكون من الناجين، لكنه مع كل ذلك لم يفعل ولم يستجب، وكان من المغرقين الهالكين!
وقد أخبرنا الله عز وجل عن لقمان عليه السلام وهو يعظ ابنه برفقٍ ولينٍ موعظةً تقوم على غرس العقيدة والتوحيد، وغرس القيم والفضائل والخلق الحسن - فقال: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 13 - 17].
ومع ذلك فارتكاب الخطأ من الأولاد واردٌ، وعلينا عند ذلك أن نكون قدوة صالحة لهم، وننصحهم ونصلحهم برفقٍ ولين، ونبيِّن لهم خطأ ما فعلوه، ونحن نظهر لهم خوفنا وحرصنا عليهم، ونبيِّن لهم أن حبَّنا الشديد لهم هو الذي يدفعنا إلى نصحهم وإرشادهم.
اللهم أقِرَّ أعيننا بصلاح أبنائنا وبناتنا، واهدهم سواء السبيل، والحمد لله أولًا وأخيرًا.