عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-07-2021, 02:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي الرفق واللين في تربية البنات والبنين

الرفق واللين في تربية البنات والبنين
محمد السيد السقيلي















الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب الرفقَ في الأمر كله))؛ رواه البخاري، رقم (6395).



ولا شك أن من أعظم الأمور التي تحتاج إلى اللين والرفق تربيةَ الأبناء، وإذا كان الرفق خلقًا جميلًا، يجعل صاحبه يتَّصف بلين الجانب في القول والفعل، ويلجأ صاحبه إلى الأخذ بالأيسر والأسهل، والدفع بالتي هي أحسن؛ إذ هو ضد العنف - فقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمَ على ملازمة الرقة والرفق في تعامله مع كل المسلمين، ولا شك أن أَولى الناس بهذا هم ذوو القربى والأرحام، وليس أقرب للإنسان من أولاده إذ هم بَضْعةٌ منه، وفي هذا المعنى رُوِي أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقسط متصدِّق مُوفَّق، ورجل رحيم رقيقُ القلب لكل ذي قربى ومسلمٍ، وعفيفٌ متعفِّفٌ ذو عِيالٍ))؛ أخرجه مسلم عن عياض بن خمار.







والرجل الرحيم الرقيق القلب الذي يرحم أولاده وقرابته، ويرحم الضعفاء والفقراء والعجَزة، والأيتام والأرامل، ويُشفق عليهم جميعًا - يستحق بهذه الصفات والمؤهلات أن يكون من أهل الجنة.







والأولاد حينما تُوجههم وترشدهم برحمة ورِفق ولِين، يكونون بهذا الأسلوب أسرع للاستجابة والمبادرة منهم إذا استخدمتَ معهم الترهيبَ والتخويف والعنف، فقد يستجيب الطفل ويفعل ما أمرته به تحت وطأة الخوف والترهيب، وبذلك سيتعود ألا يفعل شيئًا إلا والعصا على ظهره، ومتى ارتفعت أو غابت، انقلب على وجهه، ونحن لا نريد مثل هذه النماذج، نحن نريد من يتربى على القيم والأخلاق، ويتمثل بها؛ سواء كان في حضرتنا، أو في غيبتنا، وهذا لا يتأتَّى إلا بالرفق واللين والحب.







الرفق واللين لا يعني التفريط:



لا تتساهل أخي المربي معهم فيما إذا فعلوا شيئًا مما حرَّمه الله تعالى بدعوى أنهم صغار لا يَعون ولا يدركون، أو بزعم أنهم لا يُفرقون بين الحلال والحرام، ولا بين ما هو صحيح أو خطأ من الأقوال والأفعال.







- فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فِيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كَخْ كَخْ، ارْمِ بها، أما علمتَ أنَّا لا نأكل الصدقة))؛ متفق عليه.







هكذا يستثمر النبي صلى الله عليه وسلم الموقف؛ ليصل إلى هدف تربوي يريد غرسه في نفس الطفل، ولو ترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف ليمر دون استغلاله، لَما كان لتوجيهه أثر، وهذا ما يسمى (بالتربية بالموقف)، ولقد رأينا كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع الحسن ذلك الطفل الذي كان عمره آنذاك ثلاث سنوات، فأرسى لديه قيمة عظيمة في أقل من دقيقة، ولم يقل: إنه طفل صغير لا يعي، ولم يقل: إنها تمرة صغيرة لا تساوي شيئًا، فلنتركها له حتى لا تنكسِر نفسه، ولم يقل: إنه ابن بنتي وحبيبتي وقرة عيني فاطمة الزهراء، وربما تَحزَن لحزن ابنها، لم يقل شيئًا من ذلك، بل مضى يربِّي ويعلِّم ويرشد صلى الله عليه وسلم.







ومن توجيهه وإرشاده وحسن تربيته صلى الله عليه وسلم ما رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يَحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي، رقم (2516)، وقال: حديث حسَن صحيح.







كلمات عميقة ومعانٍ دقيقة تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل لتفسيرها، فقد يتطلب الأمر مجلدات؛ لتستوعب تفسيرها وشرحها، لكن هذه الكلمات تُعد بذورًا طيبة يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بغرسها في قلب الغلام وعقله، هذا الغلام الذي ما زال يخطو نحو العاشرة من عمره، يَغرِس النبي صلى الله عليه وسلم هذه البذور وهو يعلم أنها ستَكبر معه، وستَنبُت يومًا ما، وعما قريب سوف تُثمر علمًا وفقهًا ونورًا وحكمةً في قلب هذا الغلام، وقد كان!







كذلك لم يغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم تربية الأولاد وتعليمهم الآداب الإسلامية الرفيعة الراقية؛ فقد قال موجهًا ومعلمًا غلامًا آدابَ تناول الطعام: ((يا غلام، سمِّ الله وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))؛ رواه البخاري.








وقد حرَص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يربي الطفل على سلامة الصدر ونقاء القلب، وهو بذلك يبني ضميره، ويضع له قواعدَ وأسس الخُلق القويم المبنيِّ على الحب وسلامة الصدر، وها هو صلى الله عليه وسلم يقول لأنس ذلك الصبي الصغير: ((يا بُني، إذا قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد، فافعَل))؛ ثم قال: ((يا بُني، وذلك من سُنتي، ومن أحيا سنتي، فقد أحبني، ومَن أحبني كان معي في الجنة))؛ رواه الترمذي.




من هذه النماذج وغيرها نُدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغفل خطورة المراحل الأولى في عمر الطفل، وبالتحديد السنوات الخمس الأولى من عمره، وأنه يجب علينا غرس القيم والفضائل في هذه الفترة التي تعد فترة وضع الأسس والقواعد التي سنقيم عليها باقي البناء التربوي المتراكم في سنوات عمره المقبلة .. ويعد إهمال هذه الفترة من عمر الطفل وضياعها كارثةً تربوية يجب علينا أن نَجبرها ونتداركها بسرعة.








مرة أخرى ارفُق بأولادك فالله يحب الرفق:



يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))؛ رواه مسلم، رقم (2593).







ما أجملَ هذا التوجيه النبويَّ الشريف الذي يحثُّنا فيه النبي صلى الله عليه وسلمعلى التخلق بخلق الرفق والاتصاف به، ولِم لا والله تعالى مع قدرته وعزته وجبروته وانتقامه، رفيق يحب الرفق، بل يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف أو غيره؟! فمن باب حب ما يحبه الله تعالى، ومن باب الطمع فيما يمنحه الله تعالى للمتخلقين بالرفق، ما أجمل أن نمارس هذا الخلق عمليًّا، وفي ميدان الأسرة وتربية الأولاد، ولا سيما عندما يخطئون أو يفعلون ما ننكره عليهم!







ارفُق بأولادك عندما يخطئون، ارفْق بهم وأنت تنصحهم وترشدهم، ارفُق بهم إن كانوا يجهلون بعض أحكام دينهم، ارفُق بهم حتى وإن زلَّت أقدامهم نحو المعصية يومًا ما، فالله تعالى بعزته وجبروته وعظمته يغفر ويعفو ويصفح، وهو القادر على الإهلاك والعذاب، فما بالنا نحن في تعاملنا مع أبنائنا عند ارتكابهم خطأً أو معصية؟! لماذا لا نغفر ولا نسامح ولا نعفو؟!







وقد نبَّهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملازمة الرفق؛ إذ هو زينة أي أمر، وما مِن أمرٍ يخلو من الرفق إلا صار سيئًا بغيضًا؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الرفقَ لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه))؛ رواه مسلم، (2594).







وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا محفزًا وحاضًّا على التزام أهل البيت جميعًا، والتعامل بينهم بهذا الخلق الجميل، وبيَّن أنه دليل محبة الله تعالى لعبده، وبه ينال الأجر والثواب؛ قال: ((إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق - العنف - وإذا أحب الله عبدًا أعطاه الرفق، ما من أهل بيت يُحرَمون الرفق إلا حُرِموا الخير))؛ صحيح الترغيب للمنذري، والألباني، (2666).







إن معاملة الطفل بالرفق واللين أدعى وأوجب في هذه الأيام التي أصبحت فيها الفتن مستيقظة، لا تكاد تغفل أو تنام، فهي في حالة عرض مستمر على القلوب، وبصورة مغرية وبوسائل شتى، وفي جميع الأوقات من ليل أو نهار! ماذا عساه أن يفعل ذلك الطفل أو ذلك الفتى المراهق الضعيف أمام كل هذه المغريات والفتن؟! وخصوصًا إذا كنا نحن الآباء والمربين مقصرين معهم، فلم نجالسهم أو ننصت إليهم، ولم نُحصنهم أو نُعلمهم أمور دينهم، ولم نُربِّهم على الخوف من الله تعالى، وَهَبْ أننا قُمنا بواجبنا نحوهم من التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد، أليس من الوارد أن يخطئ أحدهم؟!


يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]