عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-07-2021, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,142
الدولة : Egypt
افتراضي فلو عكس لأصاب (في بلاغة إذا وإن الشرطيتين)

فلو عكس لأصاب (في بلاغة إذا وإن الشرطيتين)
سعيد عبيد





"إنْ" حرف شرطٍ جازم، و"إذا" اسمُ شرط غير جازم، وغالبًا ما نستعملهما بالمعنى نفسه، بينا الأبلَغ أن توظَّف "إذا" لِما كان مقطوعًا به، مؤكَّدًا وجوده، نحو: "إذا طلعتِ الشمسُ أُسافرُ"، فطلوع الشمس لا ريب فيه، أو لِما رجحَ وجوده، نحو: "إذا أثمرتِ الشجرةُ أرسل إليك من خوخِها"؛ فإثمارها راجح.

وفي المقابل، فإنَّ "إنْ" تدخلُ على ما كان مشكوكًا في وجوده، كقولك: "إنْ تُعِرْني كتابك أُؤَدِّ عنكَ واجبَ كذا"، فإعارته إيَّاك الكتاب غير مؤكَّد وقوعها؛ ولذا وردَت أخبار يوم القيامة في القرآن الكريم بـ"إذا" لا بـ"إنْ"؛ لأنها متحققة الوقوع لا ريب، كالآيات الكريمات: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾ [الانفطار: 1]، و﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ [التكوير: 1]، و﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ [الواقعة: 1]، و﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾ [المؤمنون: 101]...، ويمكنك - بناءً على هذا الفرق البلاغي الدَّقيق - أن تفهم لماذا اجتمعتْ كِلتا الأداتين في مثل قوله تعالى في سورة الروم: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36].

لكن ما ذكرناه إنما هو على وجه الأغلب الأعمِّ، وليس على وجه الاستِغراق؛ ولذلك وردتْ شواهدُ على خِلافه، كما أنَّ ذلك لا يمنع أن تجيء "إنْ" في موضع "إذا"، أو العكس؛ لغَرَض بلاغي أعمق وأقومَ بالمراد؛ وهو كثير.

وما أجمل أن نختم الكلامَ بالذي من وحيه كان العنوان! قال الزمخشري: "وللجهل بموقع "إنْ" و"إذا" يَزيغ كثير من الخاصَّة عن الصواب فيغلطون، ألا ترى إلى عبدالرحمن بن حسانَ كيف أخطأ بهما الموقعَ في قوله يخاطِب بعضَ الولاة، وقد سأله حاجةً فلم يقضِها، ثمَّ شُفع له فيها فقضاها:
ذُممتَ ولم تُحمد وأدركتُ حاجتي
تولَّى سِواكُم أجرَها واصطناعَها

أبَى لك كسبَ الحمْدِ رأيٌ مقصِّرٌ
ونفسٌ أضاقَ اللهُ بالخيرِ باعَها

إذا هي حثَّتْهُ على الخير مرَّة

عَصاها وإن همَّتْ بِشرٍّ أطاعها


فلوْ عكسَ لأصابَ"[1]؛ أي: لو قال: "إنْ هي حثَّته" و"إذا همَّتْ"، لكان أنسَبَ؛ لِما يقصده من الهِجاء؛ لأنَّ في توظيف "إنْ" في الشطر الأول تشكيكًا وتقليلًا لحثِّ نفس الوالي له على الخير، وأنَّه مع ذلك يعصيها، وهو أبلَغُ في الذمِّ، كما أنَّ في استعمال "إذَا" في الشطر الثاني قصدًا إلى أنَّ بِدَاره إلى الشرِّ مُستيْقَنٌ منه، وهو أبلغُ في الذمِّ أيضًا.


[1] "بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح"؛ عبدالمتعال الصعيدي، مكتبة الآداب، القاهرة، 1420هـ / 1999م، ج 1، ص 189.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.63%)]