عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 18-07-2021, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,161
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرثاء في الشعر العربي

بيْتًا إِذا ما زاره أحدٌ
عصفت به أيدي البِلَى عَصْفا

يا قَبْرُ أبق على محاسنها
فلقد حَوْيتَ النورَ والظرْفا


ولا ننسى في هذه العجالة الشاعر الشامي ديك الجن الذي عاش مأساة عميقة حين قتل بدافع الغيرة زوجته ثم ندم عليها أشد الندم وبكاها مرَّ البكاء.


فإِذا وصلنا العصر الحديث، وجدنا عشرات من النماذج الرائعة لكل من البارودي الذي بلغه نعي زوجته وهو في منفاه في سرنديب، وعزيز أباظة وعبدالرحمن صدقي اللذين تحولت دموعهما إِلى قصائد، فكان للأول: ديوان بعنوان ((أنات حائرة)) وللثاني: ديوان بعنوان ((من وحي المرأة)). ونكتفي هنا بنموذج يمثل مراثي هذه المرحلة الحديثة، وهو لعبدالرحمن صدقي، وقد قصد قبر زوجته حاملاً إِليها باقة من الزهر:
أيا زهرتي في الترب بين المقابرِ
إِليك حمَلْتُ الزهر، شاهت[41] أزاهيري

حملتُ إِليك الزهر ترويه أدمعي
وتذويه أنفاسي وحر زوافري

قدمت عليك اليوم أسوأ مقدم
سواد بأثوابي، سواد بخاطري

وخاتم عرسي لا يزين إِصبعي
ولمحة وجهي غيرها في التزاور

على قبرك المرموق أبكي وأرتمي
وأجأر بالشكوى تشق مرائري[42]




ويطول بنا الحديث إِذا مضينا في هذا العرض، وما قدمناه مما بكى به الشعراء والشواعر أفراد أسرهم وأقرباءهم لا يمثل إِلا نماذج لبضعة آلاف من القصائد التي تغص بها دواوين الشعر والموسوعات الأدبية على امتداد التاريخ الشعري لهذه الأمة.

ندب الرسول عليه الصلاة والسلام وأهل بيته الكرام:
كان لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم هزة عنيفة في المجتمع الإِسلامي آنذاك، وتحولت بيوت الصحابة ومجتمعاتهم إِلى مآتم تضج بالندب والبكاء، فالتاعت القلوب وتقرحت المآقي، وانطلقت القرائح تندب فقيد الإِنسانية ومعلمها الأكبر ورسولها الأشرف ودليلها الهادي. ومن أجود ما قيل في ذلك عقب وفاته عليه الصلاة والسلام قصيدة حسان بن ثابت التي جاء فيها:
.. وبكى رسول الله يا عين عبرة
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد

وجودي عليه بالدموع وأعولي
لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد

وما فقد الماضون مثل محمد
ولا مثله حتى القيامة يفقد




ودارت بالأمة المسلمة دورات من الزمن، وغمرتهم أمواج رهيبة مؤسفة من الفتن والصراع السياسي والعسكري، فصاروا طوائف وشيعا، لكل منها شعراؤها الذين ينافحون عنها ويرثون قتلاها ويحمسونها للثأر. وأصبح التشيع لأهل بيت الرسول وهم أبناء علي بن أبي طالب وأحفاده وخلفهم، عقيدة ثابتة في نفوس الذين والوهم وتحزبوا لهم.

وقد أكثر الشعراء من نظم المراثي فيهم. ومن أبرز من نصب نفسه لهذه الغاية في العصر الأموي الكميت شاعر زيد بن علي بن الحسين، وله ديوان يسمى الهاشميات. كما اشتهر بذلك غيره مثل دِعبل الخزاعي، والسيد الحِمْيَري، وكُثَيِّر، وأبي عدي العبْلي، وابن الرومي، والمفلَّج البصري، والشريف الرضي، ومهيار الديلمي وابن هانئ الأندلسي. ونقتطف شيئًا من قصيدة دعبل التي مطلعها:
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات[43]



ومنها:
فآل رسول الله نُحْفٌ جسومهم
وآل زياد حُفَّل القصرات[44]


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.26%)]