عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 11-07-2021, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (39)
الحلقة (349)
تفسير سورة المائدة (44)

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، ذات الأحكام الشرعية والقوانين الربانية، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، فهيا نتغنى بها، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما فيها، وهذا هو المطلوب منا إزاء كتاب الله، وليس المطلوب منا أن نقرأه على الموتى في بيوت الهلكى أو على قبورهم، والله ما شرع هذا الله ولا رسوله، وإنما شرع الله هذا الكتاب ليتلى في بيوت الله وبيوت المؤمنين، ويتدبر ويفهم مراد الله منه، هذا الكتاب القرآن الكريم يجب أن يجتمع عليه المؤمنون، وأن يتدارسوه، وأن يفهموا مراد الله منه، وبذلك يمكنهم أن يعبدوا الله عبادة تزكي أنفسهم وتؤهلهم لولاية الله عز وجل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:78-89].

عجب هذا القرآن، عجب والله، وصدق إخوان لنا من الجن لما سمعوه والرسول يصلي الصبح في بطن نخلة عادوا وقالوا: ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا )[الجن:1-2]، فهيا ندارس هذه الآيات الثلاث:

قول ربنا جل ذكره: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، هذا النداء نداء من؟ نداء الله. إذاً: الله موجود، وكيف يوجد كلامه وهو غير موجود؟ لو تجتمع البشرية كلها فهل ستوجد كلاماً بدون متكلم؟

هذا الكلام يحوي العلوم والمعارف والحكم والقوانين والشرائع، إذاً: منزله أعلم العالمين وأحكم الحاكمين، وكيف لا وهو خالق كل شيء ومليكه؟ فالحمد لله أن أصبحنا أهلاً لأن ينادينا رب العالمين، هذه نعمة لا يعرف قدرها أحد من المؤمنين الحاضرين أو الغائبين، ملك الملوك جل جلاله وعظم سلطانه، من بيده الحياة والموت، والإعزاز والإذلال والغنى والفقر، والإيجاد والإعدام يتفضل علينا وينادينا، ومن نحن؟ ونادانا بعنوان الإيمان، ما قال: يا بني آدم، ولا يا بني هاشم، ولا يا بني تميم، نادانا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، فلبيك اللهم لبيك.

سر نداء الله تعالى المؤمنين بعنوان الإيمان
والسر في ندائه تعالى لنا بعنوان الإيمان يا نبهاء ويا شرفاء، السر في ذلك: أن المؤمن بحق حي يسمع النداء ويجيب المنادي، ويفعل ما يأمره به وينتهي عما نهاه عنه، وذلك لكمال حياته، فمن هنا علمنا بعلم الله أن المؤمن الحق حي، وليس بميت، والبرهنة أن الله يناديه إما ليأمره بما ينجيه ويسعده، أو ينهاه عما يشقيه ويخسره، أو يناديه ليبشره فتزداد صالحاته، أو لينذره فيتحفظ من الوقوع في السيئات والمهلكات، أو يناديه ليعلمه، وهذا بالاستقراء والتتبع لنداءات الرحمن في كتابه العظيم القرآن الكريم، وقد جمعناها، وهي تسعون نداءً ألا نداء احتوت على الشريعة الإسلامية بكاملها، تسعون نداء، وهي تحوي شريعة الإسلام من العقيدة إلى العبادة إلى الآداب، إلى الأخلاق، إلى الأحكام، في السياسية، في السلم والحرب، في كل الحياة، وأكثر المؤمنين لا يعرفون عنها شيئاً، تسعون نداء، ودرسناها في ثلاثة أشهر، ورغبنا المؤمنين والمؤمنات في الحصول عليها والاجتماع عليها في البيوت والمساجد وأماكن الاستراحة، يجتمعون على نداء يسمعون بآذانهم نداء الله لهم، فيفهمون ما يريد منهم مولاهم ويطيعونه فيكملون ويسعدون.وذكرنا أن هذه النداءات يجب أن تترجم إلى اللغات، وأن يوضع كل كتاب على سرير في فنادق العالم الإسلامي، إذا جاء النزيل قبل أن ينام يفتح ذلك الكتاب فيسمع نداء ربه إليه، فيبيت قرير العين جذلان فرحاً، وما فعلنا، ومن ثم عرفنا أن المؤمن حي، ولذلك يناديه الله عز وجل إما ليأمره بما يكمله ويسعده، أو لينهاه عما يشقيه ويرديه، أو يبشره بما يزيد في أعماله الخيرية الصالحة، أو ينذره ويحذره ليحذر ويتجنب، أو ليعلمه ما هو في حاجة إليه، أما الكافر فهو ميت.
والدليل على موت الكافر: أنه أيام كنا في علياء السماء وتحتنا أهل الكتاب من يهود ومجوس ونصارى يعيشون تحت رايتنا وفي ذمتنا آمنين فهل كنا نأمرهم إذا أهل هلال رمضان بأن يصبحوا صائمين؟ لا والله، هل نعلمهم بأن الزكاة قد وجبت فأخرجوا زكاة أموالكم؟ والله ما نأمرهم، هل نقول لهم: إن الحج آن أوانه والمسلمون يتهيئون فحجوا؟ والله ما نأمرهم، لماذا؟ إنهم أموات غير أحياء وما يشعرون، حين ننفخ فيهم روح الإيمان ويصرخ صاحبها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، هنا قل له: اذهب فاغتسل فيفرح ويسر ويذهب ويغتسل، وتقول: هيا لتركع وتسجد فيصلي راكعاً ساجداً، وأصبح متهيئاً لكل أمر الله ورسوله، وهو قادر على فعله؛ وذلك لكمال حياته، وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى لرسوله: ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ )[النمل:80]، وقال تعالى: ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ )[النحل:21].

وإن قلتم: ها هم يأكلون ويشربون وينكحون؟ قلت: حياة البهائم.

النهي عن تحريم الحلال والعدوان على الحرام
يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، لبيك اللهم لبيك، قال لنا ناهياً: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87]، ينهانا ربنا عن تحريم ما أحل لنا، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحرم طعاماً أو شراباً أو لباساً أو نكاحاً أباحه الله وأذن فيه، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحرم على نفسه أو على غيره ما أحله الله وأذن فيه وأباحه لعباده من طعام أو شراب أو لباس أو نكاح، لم؟ لأن الخالق المولى المالك قال لعبيده: يا عبيدي! لا تحرموا طيبات ما أحللت لكم، أنا أعلم بما ينفعكم ويضركم، فإذا أذنت لكم في شيء فإنه في صالحكم، والله إنه لنافعكم، وإذا نهيتكم عن شيء فما نهيتكم عنه إلا لأنه ضار بكم مفسد عليكم قلوبكم وحياتكم.(لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87] أولاً، ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87] ثانياً، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، يا من يطلب حب الله ويبذل جهده وطاقته في الحصول عليه! انتبه: إياك أن تعتدي وتتجاوز ما حد لك، فإن هذا الاعتداء لا يحب الله أصحابه وأهله، فلهذا المؤمن لا يعتدي؛ لأن مولاه لا يحب المعتدين، وهو يريد أن يكون من محبوبيه، هذه وحدها تجعل المؤمن العارف لا يعتدي، لا على أخ من إخوانه، بل ولا على يهودي في ذمته، ولا يعتدي على ربه بأن يخالفه، فالله يحل وهو يحرم، أو يحرم وهو يحل، فهو اعتداء، ولا يعتدي على أحد في ماله ولا في عرضه ولا في بدنه ودمه، الاعتداء: مجاوزة الحد، التجاوز للمأذون فيه المباح إلى ما هو ممنوع محرم، فسب المؤمن كشتمه، اعتداء عليه، واللفظ عام: ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، لأن الاعتداء ضار لكم، مفسد لحياتكم وقلوبكم.

وشيء آخر: ما دمتم تطلبون حب الله فاعملوا: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ )[المائدة:87] من عباده ( الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، فلا نتجاوز حداً حده الله ورسوله، لم يأذن لنا في كلمة سوء ننطق بها حتى الموت.

الآن لاحت أنوار الآية الأولى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87].

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]