عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 11-07-2021, 02:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ثقافة الالتزام الأخلاقي في الشعر الجاهلي



1 – عفّة النّفس: رفض العربيّ الذّلّ والهوان والاستسلام للطّبيعة القاسية، حيث الجدب والفقر، وتجلت عفّة نفسه، وحسن سيرته عندما يكون معدماً، وفي ذلك يقول (ابن خذاق العبدي):

فأكرمُ ما تكونُ عليّ نفسي
إذا ما قلَّ في الأزمان مالي


فَتَحْسُنُ سيرتي، وأصون عرضي
وَيجْمُلُ عند أهلِ الرّأي حالي[48]


وافتخر بعفّة نفسه، كما فعل (عبيد بن الأبرص):

لَعَمْرُكَ إنّني لأُعِفُ نَفْسِي
وأسْتُرُ بالتَّكرّمِ من خَصَاصِ[49]


2 – العفّة والحشمة والحياء عند النّساء: حافظت المرأة العربيّة الحرّة على عفّتها وطهارتها في مجتمع قدّس العفّة، واعتزّ بها، فالعفيفة كانت المثل الأعلى في نظر الرّجال، اّلذين بذلوا النّفس والنّفيس من أجل بقاء العرض طاهراً، وكان الموت أهون عليهم من سبي النّساء، وهذا يعني أنّ ظاهرة الزّنى الّتي كانت متفشية في المجتمع الجّاهليّ لم تكن عامّة بين جميع النّساء، فهو خاص بالإماء، أو بالحرّة الفاجرة والدّليل أنّ البغيّ في الّلغة للأمة أو الحرّة الفاجرة، وذكر (أبو عليّ القالي) أنّ هذا الأمر خاص بالإماء[50].

وعند بيعة النّساء تلا الرّسول صلى الله عليه وسلم عليهن ألا يشركن ولا يسرقن ولا يزنين، فقالت (هند): " وهل تزني الحرّة "، وفي رواية أخرى "ما زنت منهنّ امرأة قط"[51]، وكان (عبد الله بن جدعان) نخاساً، له ست جوار يزنين، ويبيع أولادهن، وكان (عبد الله بن سلول) يجبر جواريه على البغاء[52]، وكنّ يميّزن بيوتهن بأن ينصبن عليها رايات لتدلّ إليهن من يريدهن، وقيل إنّهن تسعاً أو أكثر معروفات وهُنّ من سواقط الإماء[53].

وهذا يعني أنّ الفاحشة كانت منتشرة بين بعض الإماء في أماكن معيّنة، وبعض الحرائر السّاقطات، وهذا بطبيعة الحال لا يؤثّر في عفّة المجتمع الجّاهليّ، فهذا المجتمع – كما يتصوّر البعض، بدافع ديني – لم يكن متفسّخاً، ولا أريد أن أبالغ – مع اعتقادي الجازم بأنّ الإسلام حرّم الفاحشة، وازداد العربيّ المسلم عفّة على عفّته – بأنّ المجتمع الجّاهليّ، لا يقلّ عفّة عن المجتمع الإسلامي خاصة في عصر بني أمية على نطاق خاص، حيث التّرف والمجون.

لقد كانت المرأة في المجتمع الجّاهليّ على قدر كبير من الحشمة والحياء وازدادت عفّة في الإسلام، وأريد أن أضع مثالاً بين يدي القارئ، يحكم من على ما ذكرناه وأكّدنا عليه.

يُذكر أنّ امرأة من صالحات قريش خرجت على بابها لتغلقه ورأسها مكشوف فرآها رجل أجنبيّ، فرجعت وحلقت شعرها، وكانت من أحسن النّساء شَعْرَاً فقيل لها في ذلك، فقالت: " ما كنت لأدع على رأسي شَعْرَاً رآه من ليس بمحرم"[54].

3 – الحياء و غص الطّرف عن الجارة: لم يقل العربيّ حياء وعفّة عن المرأة في هذا المجتمع؛ لأنّ الرّجل الكريم ينأى بنفسه عن التّعرض للنّساء، والنّيل من أعراضهنّ، وخدش كرامتهنّ، فهو الّذي يبذل ماله من أجل حماية عرضه، فكيف يسمح لنفسه أن يمسّ أعراض الآخرين، أمّا غير الكريم، فهو لا يجرؤ أن يركب مثل هذا الخطأ، لأنّه سيعرض نفسه وقومه إلى ويلات حرب لا تُحمد عقباها، وهو في الوقت نفسه يعلم أنّ هذا الأمر حرام يمجّه العقل البشري، وترفضه الفطرة السّليمة، لذا التزم العربيّ، وغضّ بصره عن جاراته، وعطّل سمعه عن سماع حديثهنّ، وفي ذلك يقول السّيد الكريم (حاتم الطّائي):

بعينيَّ عن جاراتِ قومي غَفْلَةٌ
وفي السّمع منّي عن حَدِيثهِن وَقْرُ[55]


وكان الفارس النّبيل (عنترة بن شدّاد) يغضّ طرفه عن جاراته:

وأَغَضُّ طرفي ما بَدَتْ جارَتي
حتّى يُواري جاراتي مأَواها


إنّي امرؤ سَمْحُ الخليقةِ ماجدٌ
لا أُتْبِعُ النَّفسَ الّلجُوجَ هَوَاهَا[56]


أمّا (عروة بن الورد) فكان يتغافل حتّى تلج جارته بيتها:

وإن جارتي ألوتْ رياحٌ بيتها
تغافَلْتُ حتّى يسترَ البيتُ جانبه[57]


والتزم الشّعراء بعدم زيارة الجارة وبعلها غائب، ولهم أشعار كثيرة، نذكر منها ما قاله (عنترة بن شدّاد):

أغشى فتاةَ الحيّ عند حليلِهَا
وإذا غزا في الجيشِ لا أغشَاها[58]


ولعلّ أروع ما قيل في ذلك، ما ذكره (حاتم الطائي):

إذا ما بتُّ اخْتلُ عِرْسَ جاري
ليخفيني الظّلام، فلا خُفْيتُ


أأفضح جارتي، وأخون جاري
معاذ الله أفْعَلُ ما حييت[59]


لأنّها تعبّر عن حرص شديد، ورغبة أكيدة نابعة من أعماق قلب طاهر، ونفس صادقة تعاف ارتكاب هذا الإثم المبين، ولِمَ لا، فهو السّيد الكريم.

4 – الصّبر على الجوع والقناعة: القناعة والصّبر على الجوع ضرب من ضروب العفّة، فالعفيف يستفّ التّراب، ولا يمدّ يده للآخرين، كما ذكر شاعر الصّحراء الأبي (الشّنفري):

وأستفُّ تُرب الأرض كي لا يرى
عليّ من الفضلِ امرؤ مُتَفضِّل[60]


وأكّد على ذلك (حاتم الطّائيّ) بالقسم بعالم الغيب، الّذي يحيي العظام وهي رميم على أنّه كان يطوي بطنه من شدّة السّغب، والزّاد حاضر؛ حتّى لا يوصم باللؤم في مثل قوله:

أما والّذي لا يعلمُ الغيبَ غَيْرُهُ
وَيحْيي العِظَامَ وهي رميمُ



يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]