عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 06-07-2021, 02:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام والعروبة في الشعر السعودي... عبدالسلام هاشم حافظ نموذجًا

فَقُلْتُ: يَا لَيْلَتِي أَلْحُبُّ فِطْرَتُنَا
وَالنُّبْلُ غَايَتُنَا.. وَالطُّهْرُ نَجْوَانَا

فِي القَلْبِ نَبْعٌ يُغَذِّيهِ الْجَلالُ هُدًى
فَيَسْكُبُ الْحُسْنَ فِي الأَحْشَاءِ سُلْوَانَا

رَمْزُ الفَضِيلَةِ أَنَّ الْحُبَّ مَنْبَعُهُ
قُدْسِيَّةٌ تَغْمُرُ الأَشْوَاقَ تَحْنَانَا


يَرى الشاعر ربَّه أمام عينيه في كلِّ موقفٍ من مواقف حياته؛ فهُو يحفظ الله في السرِّ والعلَن، ويخشاه في حبِّه، ويتَّقيه في بُغضه، ولا يغيب عن قلبه حتَّى في لحظات الوصل والحبِّ، فحُبُّه طاهر، مُبَرَّأ من الآثام والعيوب، فالله رقيبه وعِصمته من كلِّ زلل[68]:
وَاهًا لِحُبِّي أَيْنَ مِنِّي ذَلِكَ العَهْدُ الوَضِيءْ؟
أَيَّامَ كُنَّا نَلْتَقِي، وَاللهُ فِيمَا بَيْنَنَا
كَانَ الرَّقِيبَ وَعِصْمَتِي
فَنَخَافُهُ فِي الوَصْلِ نَأْخُذُ بِالْحَذَرْ
وَنُقَدِّسُ الإِسْمَ الَّذِي يَرْعَى الوَفَاءْ

مفهوم الوطن والجهاد عند الشاعر:
إنَّ الشاعر المدنيَّ "عبدالسلام هاشم حافظ" قد عُنِيَ في شِعره بـ (الوطن)؛ شريطةَ أن نَفهم (الوطن) بالمعنى الواسع، لا المعنى الجغرافيِّ ذي الدَّلالة المحدَّدة، وكان مبعَثُه في ذلك ينبجِسُ من المنبع الإيماني الأصيل، يُرشِدُنا إلى ذلك البِنْيةُ الدَّلالية في شِعره التي حدَّدَت هوية الوطن لدَيه، فالوطن الخاصُّ - المدينة أو مصر أو غيرها - قد اسْتُبْدِلَ به الوطنُ العامُّ، أو قُل: (القوميَّة) بالمعنى الأوسع لدلالة الكلمة؛ "فـ (القوميَّة) العربية المُبَرَّأة من عصَبِيَّة الجِنس، ولوثة العِرق، تَمْتاح من قِيَم الإسلام التي تحثُّ على التواصل والتَّضامن، والَّتي تنبذ التَّقوقع والانكفاء على الذَّات"[69].

وكما تحدَّد مفهوم الشاعر للوطن، يحدِّد مفهومه للجهاد، وكلاهما ينبَجِسان من الجانب الإسلاميِّ في شِعره؛ فالجهاد كان أمرًا طبيعيًّا يَفرِضُه الدِّين عندما تتعرَّض الأُمَّة الإسلاميَّة لِظُلمٍ يحيق بها، ويهدِّد أمْنَها واستقرارَها؛ فقد كانت الأُمَّة العربية تُعاني صراعًا ضدَّ المستعمِرين الذين نهَبوا ثروات البلاد؛ في الجزائر، وفي تونس، وفي فلسطين، وفي غيرها، ومِن ثَمَّ فرَض الجهاد نفسه، وكان الشاعر يرى أنَّ على الشعب أن يثور ثورةً حمراء؛ ولذا وجَّه صواريخَه إلى الاستعمار متسلِّحًا بجهاد الشُّرفاء من الشُّعوب المُناضِلة، فقال[70]:
يَا شَعْبُ يَا لَهَبَ الْحَيَاةِ وَعُنْفَهَا
وَمَثَارَ بُرْكَانِ التَّحَرُّرِ وَالقَسَمْ

يَا شَعْبُ أَنْتَ ضِرَامُ يَقْظَتِنَا هُنَا
وَجِهَادُ مَمْلَكَةِ السَّمَاءِ مَعَ الْهِمَمْ



وعندما تكون دعوتُه للجهاد دفاعًا عن المقدَّسات والحقوقِ التي سُلِبَت، يكون صَداه أكثر عمقًا؛ لأنَّه يقرن الجهاد دائمًا بالدِّين، "ومِن هنا ارتبَط شِعر المقاومة ضدَّ الاستعمار بمفهوم الجهاد الإسلاميِّ لإعلاء كلمة الله؛ على الرَّغم من كون بلادِنا قد نجَتْ من أرزاء الاستِعمار؛ ولكن الشَّاعر السعودي يمتزج حِسُّه بحسِّ أخيه المسلم، وتَلتقي مشاعِرُه بمشاعره، فيتجاوز حدود الإقليميَّة"[71]، فيقول في قصيدة "صوت الحريَّة"[72]:
أَخِي فِي الدِّيَانَةِ فِي الْمَشْرِقَيْنِ
أَخِي هَاتِ لِي يَدَكَ الوَاعِيَهْ

نَثُورُ وَنَحْمِي حِمَى القِبْلَتَيْنِ
وَنُشْعِلُهَا ثَوْرَةً عَاتِيَهْ



ولكي يحفِّز المُجاهدين على الثَّورة ضد الظُّلم، كان ضروريًّا استعراضُ وتصوير مآسي المعذَّبين تحت نير الظُّلم والهوان، مُظهِرًا الشَّفقة على المُصابين، حانيًا على الضُّعفاء، ومقاسمًا المتألِّمين آلامَهم، فقال عن هؤلاء المعذَّبين في قصيدة "أرض العبيد"[73]:
شُرِّدُوا فِي الصِّبَا عَنْ حُقُوقٍ لَهُمْ
مِنْ حُظُوظِ الوَرَى وَابْتِسَامِ الغُيُومْ

وَالْمَعِيشَاتُ غَامَتْ عَلَى فَجْرِهِمْ
ثُمَّ طَافَتْ بِأَيَّامِهِمْ لِلغُمُومْ

أُشْرِبُوا الذُّلَّ مِنْ نَبْعِهِ وَاسْتَكَا
نُوا لِظُلْمٍ وَضَيْمٍ كَنَبْتِ الوُجُومْ



وقد تجلَّت مظاهر شِعر العروبة عند شاعرِنا في عدَّة دعائم رئيسةٍ، منها: آلامٌ مِن فظائع الاستعمار، والوجدان المشترَك، والتاريخ المشترك، باعتبار "أن للوِجدانات آثارًا عظيمة في حياة الإنسان، وسيطرةً قويَّة على سلوك الأفراد والجماعات"[74]، وعلى ذلك نرى الشاعر يئِنُّ لجراح المعذَّبين المُشرَّدين؛ فـ "الدَّاء غشَّى أفقه، ومحَا الأمل"، وبات الحزنُ قرينَ أبطالِنا الصَّامدين في خيام اللاَّجئين على مَشارف بيت المَقْدِس، فيُهديهم هذه الأنَّة؛ فقال راثيًا حالَهم وما آل إليه في قصيدة "الجبار الصغير"[75]:
وَعُيُونُهُمْ تَشْكُو الذُّبَابَ إِلَى الضَّبَابْ
وَتَرَى أَمَانِيَهُمْ سَرَابْ
وَأَظَافِرُ الأَيَّامِ تَنْهَشُ فِي الْجُسُومِ الوَانِيَهْ
مِزَقٌ تُغَطِّيهَا مُلَوَّثةُ الْخُيُوطْ
بِالقَارِ وَالعَرَقِ الْمُجَيَّفِ فِيهِ وَالطِّينِ الْحَقِيرْ
وَالرِّيحُ تَصْفَعُهَا.. وَيَلْثِمُهَا الظَّلامْ
مَأْسَاةُ مُجْتَمَعٍ يَعِيشُ بِبُؤْسِهِ وَهَوَانِهِ
وَيُعانِقُ الأَوْحَالَ فِي ذُلِّ الْجِبَاهْ
لِيَعِيشَ قَادَتُهُ بِنَعْمَاءِ الْحَيَاهْ
القَادِمُونَ مِنَ الفِجَاجِ مِنَ البِحَارْ
يَا لِلحَقَارةِ.. وَالسِّيَادَةُ لِلبُغَاهْ
لِأُولَئِكَ الْمُتَآمِرِينَ عَلَى الشُّعُوبْ
وَعَلَى العُرُوبَةِ وَالدِّيَانَةِ وَالسَّلامْ

ولقد برع "عبدالسلام هاشم حافظ" في تصوير مشاعره، جامعًا بين الصِّدق الواقعي والصدق الفنِّي في شعره المنتمي إلى هذا الغرَض، ولْنُنحِّ النَّبْرة الخطابيَّة، واللُّغة التقريريَّة التي قد تكون هدفًا منشودًا في ذلك الشِّعر؛ لأنَّ الشاعر يُعالِج قضية تَمسُّ وجدان جميع طوائف الأمَّة، على غرار ما كتب "علي محمود طه"، و"محمود حسن إسماعيل"، وغيرُهما ممن عبَّروا عن قضايا أمَّتِهم بلغةٍ واضحة، ونَبْرة خِطابية؛ فالشَّاعر يمتلك أدواتٍ فنِّيةً معبِّرة، تتآزر معًا من أجل إنتاج الدَّلالة؛ ففي الأبيات السَّابقة نرى صورةً كُليَّة معبِّرة بوضوحٍ عن أبناء فلسطين الصَّامدين، وهم في خيام اللاَّجئين على مَشارف بيت المَقدس، الذين عانَوا ويلات الاستعمار، فعيونهم تشكو الذُّباب، وأمانيهم قد غدَت سرابًا ومتاهةً، ومن خلال الصُّور الجزئية البسيطة من تشخيص العُيون التي تشكو، والأيَّامِ التي غدَتْ وحوشًا ضارية، والرِّيح التي تلثم الظَّلام، صوَّرَ مأساة مجتمعٍ يَعيش في بؤسٍ وهوان، وتتَفتَّقُ قدرة الشاعرِ الفنيَّةُ في استخدام الأفعال المضارعة (تشكو - ترى - تنهش - تغطِّي - يمرح - تَصْفع - يلثم - يعيش - يُعانق - ..)، والابتعادِ عن استخدام الأفعال الماضية؛ لتدلَّ على استمرار الحدث، وشدَّة هول المأساة، وينتقل الشاعرُ من ضميرٍ إلى آخر (من الغائب إلى المخاطَب فيما يُسمَّى بالالتفات)؛ لِجَذب الانتباه، والتَّركيز على الحدث، ومن جهةٍ أخرى؛ فإنَّ امتِطاء بحر الكامل، واستخدامَ القوافي المقيَّدة يجعلك تشعر بالانتِهاء، والإحساس الصادق بالتَّلاشي والفناء (ضبابْ - سرابْ - ظلامْ - حياهْ)، وتتفق مع ذلك أيضًا موسيقى الهمس النَّابعة من فعل الشِّكاية والوجيب والأنين.

وأحيانًا يترسَّل الشاعر في تصوير آصرة الأخوَّة في الله التي تنتَظِم في نسيج هذه الأمة في (وطن) واحد، لا فرق بين بلدٍ وآخر، فالكلُّ سواء؛ حتَّى بلاد الأندلس؛ فإنَّ آصرة الدين تجمعه به على اعتبار الزَّمن الماضي الذي كانت الأندلسُ فيه أخْتَ الحجاز، وتُضاهيها السَّناءَ والبَهاء؛ فيقول في قصيدة "دفقاتُ حبٍّ إلى الأندلس"[76]:
وَلَنَا زَمَانٌ شَامِخٌ وَمَعَابِدٌ
تَرْجُو الْمَعَادَ لِتَحْضِنَ الغَدَ وَالسَّنَاءْ

وَلَئِنْ تَغَايَرَ مَا مَضَى.. وَمَعَابِدٌ
فَلَسَوْفَ يَجْمَعُنَا التَّآخِي وَالضِّيَاءْ


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]