عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-07-2021, 02:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,243
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام والعروبة في الشعر السعودي... عبدالسلام هاشم حافظ نموذجًا

ومِن البوَاعث على الشِّعر الدينيِّ عند شاعرنا: الأماكِنُ المقدَّسة في الحجاز، كمكَّة، والمدينة، وجبَل عرفات، وكذلك القدس الشَّريف، أُولَى القِبلتين وثالث الحرمين، ولِرَوعة المكان، وأثَرِه في النُّفوس المؤمنة؛ تغنَّى بهذه الأماكنِ كثيرٌ من الشُّعراء، في مختَلِف الأقطار العربية، وغير العربيَّة، و"للمَكان أهمِّيةٌ كبيرة في الإبداع الأدبيِّ والفنِّي؛ إذْ إنه يُثير دون سواه إحساسًا بالمُواطَنة، وإحساسًا آخَر بالزَّمن، حتَّى ليغدو الكيان الذي لا يحدث شيءٌ بدونه"[18].

وبطبيعة الحال؛ تأتي المدينة المنوَّرة في الصَّدارة؛ لأنَّها المَنشَأ، ومسقط الرَّأس، وبِها حبيبُ الله وصَفِيُّه، وبِها أهله وأصحابه، وله فيها ذكريات الصِّبا، ومَرْتَع شبابِه، ومغنى صحابه، وبِها خفق قلبه، وتفتَّح للحب.

وعن المكان وأثَرِه في شعره الدِّيني: فإنَّ الشاعر يعتمد على الأثر الرُّوحي المشِعِّ للمكان، مستمدًّا من عظمته وجلاله منطلقًا لإشاعة جوٍّ ديني على حواشي الرُّقعة الشِّعرية، "وللمكان أثَرُه الكبير في الانزياح والتحوُّل والنَّفي عن أمكنة الواقع، حيث يُصبِح للمكان خلقةٌ أخرى في النَّص"[19].

وتحتلُّ المدينة المنورة - مسقَطُ رأسه - مكانةً خاصَّة عند الشاعر، وإنْ كان ثَمَّ أماكنُ دينيَّة أخرى، ولكنَّها تأتي في المرتبة الثانية في شِعره، ولا غَرْو؛ فالمدينة المنورة شهِدَت ميلادَه، ومسقط رأسه، ومرتع صِباه، ومغنى شبابه، وموطن الذِّكريات، وسِرّ الهوى، ومجلس الأصدقاء والأُنس، وموطن الأهل والخِلاَّن، ومسجد الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - ودار الصحابة والتَّابعين، ومهبط الوحي، وهكذا يمتزِجُ الخاصُّ بالعام في المكان، وهذا ما جعله يقول في قصيدة "الشوق ياوطني"[20]:
دَارِي وَسِرَّ الْهَوَى البَاقِي وَأَوْطَانِي
يَا طَيْبَةَ النُّورِ.. يَا رُوحِي وَوِجْدَانِي

.......................
وَفِي الْمَدِينَةِ أَحْلاَمِي وَعَاطِفَتِي
وَذِكْرَيَاتُ الصِّبَا وَالْمَأْمَلُ الدَّانِي

بِمَشْهَدِ الْمُصْطَفَى خَيْرُ الْجِوَارِ بِهِ
يَا عِزَّهُ مِنْ جِوَارٍ فِيهِ تَلْقَانِي

فَفِي الْمَدِينَةِ غَايَاتِي وَمُنْقَلَبِي
قَلْبِي بِهَا مُسْتَهَامٌ جِدُّ جَذْلاَنِ



وللشاعر كلُّ الحق في الازدِهاء والانتشاء بِمَوطنه؛ ففي قصيدة "رُبَى الإيمان" ينادي المدينة المنورة بـ "رُبَى الإيمان" ويُشخِّصها، ويَستنطِقُها أن تجيب الفؤادَ الظامئ؛ فأرض القُدْس قد دُنِّست بالصَّهاينة، واستباحوا طهارتَها، ويأخذ على قومه كيف تسمحون للأعداء بالتجوُّل داخل أرض القبلة الأولى؟![21]:
رُبَا الإِيمَانِ فِي حَيِّ الرَّسُولِ الأَعْظَمِ السَّامِي أَجِيبِينَا
يُنَادِيكِ الفُؤَادُ الظَّامِئُ الشَّاكِي عَلَى شَوْقِ الْمُحِبِّينَا
يُنَادِي فِيكِ آمَالَ الغَدِ الْمَرْقُوبِ هَلاَّ عَنْهُ تَرْوِينَا
وَنَلْقَى فِيكَ.. فِي أَجْوَائِكَ الشَّمَّا.. قَدَاسَاتٍ تُغَذِّينَا

وللشِّعر الدينيّ لدى "عبدالسلام هاشم حافظ" بواعِثُ، منها: الذِّكرى، وصدى الماضي، متمثِّلاً ذلك في مدح الرَّسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستحضار شخصيته الكريمة وصحابته الأبرار، الذين فتحَ الله على أيديهم بلادَ الفرس والرُّوم، ولعلَّ شاعرنا نظر إلى "شوقي" و"البوصيري" في مدائحهما النبويَّة، فقال في قصيدة "الجزيرة العربية"[22]:
مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الكَوْنَيْنِ جَاءَ بِهَا
شَرِيعَةَ اللهِ بِالإِسْلامِ وَالرُّحُمِ

مُحَمَّدٌ كَامِلُ الأَخْلاَقِ أَبْلَغَهَا
جَهْرًا لِأُمَّتِهِ بِالْحَرْبِ لِلسُّدمِ

وَرَاحَ جَيْشُ أُبَاةُ الضَّيْمِ مُنْتَقِلاً
عَبْرَ الصَّحَارَى يُدَاوِي النَّفْسَ مِنْ وَصَمِ

لاَ الرُّومُ وَالفُرْسُ وَالأَوْثَانُ بَاقِيَةً
قَدْ زُلْزِلُوا.. وَانْتَهَى الطَّاغُوتُ لِلعَدَمِ



ثم انتقل يمدح الخُلَفاء والقادة في عصر صدر الإسلام، وقد اتَّخذ الشاعر ذكرى المولد مُنطلَقًا للتمدُّح بمزايا الإسلام وقادته، وأثَرِهم في إقامة العدل ونشر السَّلام والإسلام بين العالَم[23]:
مِنْ هَا هُنَا أَمْرَعَ الوِجْدَانُ وَانْبَعَثَتْ
لِلدِّينِ آيَاتُهُ العُظْمَى لِكُلِّ ظَمِي

أَبْطَالُنَا مِنْ (عَلِيِّ) القَدْرِ أَوْ (عُمَرٍ)
حَتَّى (بِعُثْمَانَ) وَ(الصِّدِّيقِ) فِي القِدَمِ

وَ(ابْنِ الوَلِيدِ) وَ(حَسَّانٍ) وَرُفْقَتِهِ
مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ فَازُوا بِدِينِهِمِ

قَامُوا حُمَاةً لَهُ بِالصِّدْقِ - يَحْفِزُهُمْ -
لِبَذْلِ رُوحٍ وَأَمْوَالٍ وَبَذْلِ دَمِ






يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.00%)]