
03-07-2021, 02:59 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,994
الدولة :
|
|
رد: باكثير رائد الرواية التاريخية الإسلامية واإسلاماه نموذجا
ومن أجمل ما اقتبَسَه من القُرآن الكريم قوله: "والتجأ الملك الخاسر إلى تلِّ المنية - منية عبدالله - قال: سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الموت، قال المسلمون: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا مَن رحم، وتَمَّ بينه وبينهم الأمان فكان من المعتقلين، وقيل: يا أرض القتال ابلعي أشلاءك، ويا سماء الموت أقلعي، وغِيضَ الدم، وقُضِي الأمر، واستوت سفينةُ الإسلام على جُودِيِّ النصر، وقيل: بعدًا للقوم الظالمين"[30].
وفيما يلي أذكُر بعضَ ما اقتبسه من الحديث الشريف[31]:
• "لقد فرَّجت كربي، فرَّج الله كربك يوم القيامة".
• "فرقد اثنان، الحب ثالثهما"، مقتبس من قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأبي بكرٍ الصدِّيق - رضِي الله عنه - يوم غار ثور: ((ما ظنُّك باثنين، الله ثالثهما؟)).
• "ما رأيك في الأمير بيبرس؟ قال أقطاي: ما المسؤول عنه بأعلم من السائل".
وممَّا اقتبسه من الشعر العربي القديم[32]:
"ولكن الواشي درى بأمر الحبيبين فما قرَّت بلابله"، وقوله: "ولبث دهرًا يكتفي من حبيبته بالنظرة العجلى، وبالأسبوع تنقضي أوائله وأواخره لا يراها إلا مرَّة أو مرَّتين".
والفقرتان مأخوذتان ممَّا قاله جميل بن معمر الملقب بجميل بثينة:
وَإِنِّي لأَرْضَى مِنْ بُثَيْنَةَ بِالَّذِي 
لَوَ ابْصَرَهُ الوَاشِي لَقَرَّتْ بَلاَبِلُهْ 
بِلاَ وَبِأَلاَّ أَسْتَطِيعَ وَبِالْمُنَى 
وَبِالْوَعْدِ حَتَّى يَسْأَمَ الوَعْدَ آمِلُهْ 
وَبِالنَّظْرَةِ العَجْلَى وَبِالْحَوْلِ تَنْقَضِي 
أَوَاخِرُهُ لاَ نَلتَقِي وَأَوَائِلُهْ 
وهذه الاقتباسات الكثيرة - كثرةً لافتة للنظَر - وخاصَّة من القرآن الكريم لَتُعَدُّ دليلاً واضحًا على تأثُّر المؤلف العميق به، واستِقائه المستمر من هذا النبع الصافي، وأنَّه من الذين يَتْلُون كتابَ الله آناء الليل وأطرافَ النهار، كما نستشفُّ تأثُّره بأصول الدين الحنيف من تعليقاته المتناثرة في سُطور هذه الرواية العظيمة، ونراه يبثُّ الحِكَمَ والمواعظ والنصائح عبرَها.
وممَّا يَدُلُّ على تشرُّب باكثير من القُرآن الكريم ربطه بين قصَّة قطز وقصَّة يوسف - عليه السلام - ربطًا لطيفًا بديعًا، فكلاهما من أسرةٍ كريمة؛ الأوَّل ابن السلاطين والآخَر ابن الأنبياء، وكلاهما استُرِقَّ ظُلمًا وعُدوانًا، وبِيع عبدًا في مصر، وكلاهما دخَل القصر من أوسع أبوابه بما وهَبَه الله من ذَكاءٍ وفِطنة، وبما قدَّر له من الشأن العظيم، وكلاهما أعزَّه الله بعد ذل، والأهم من ذلك كله كلاهما بُشِّرَ برؤيا صالحة بمصيره الذي ينتظره.
مَآخِذ على الرواية:
الخطأ والنُّقصان من خَصائص البشر، وكلُّ ابن آدم خطَّاء، وإذا التمَسْنا إنسانًا لا يخطئ فلن نجد، فكلُّ الناس يُخطِئون عدا المعصومين من الأنبياء والرسل؛ لأنهم قدوةٌ وأسوةٌ حسنة للناس إلى أبد الآبِدين.
وبِناءً على ذلك وجدت بعض المثالب في هذه الرواية، وهذه المثالب لا تُقلِّل من شأنها، كما لا تنزلها من مَصافِّ روايات الأدب الإسلامي العالمي، ولا تحطُّ من شأن مُؤلِّفها، فهو رائد الرواية التاريخيَّة الإسلاميَّة في الأدب العربي بلا مُنازِع، ومثل هذه المثالب والمآخذ لا تخلو منها رواية.
أولى هذه المآخذ أنَّ المؤلف جعل الرواية كلها تدورُ حول شخصيَّةٍ واحدةٍ، وقد كان ذلك في مجال الحديث عن تاريخ أمَّةٍ في أحلك ظروف مرَّت بها، وذلك إبَّان مواجهة أكبر خطرين هدَّدا الأمَّة الإسلاميَّة في فترةٍ زمنيَّة حَرِجَةٍ، ولا مانع من ذلك؛ فقد عرفنا دور بعض الشخصيَّات في تغيير دفَّة حياة جماعات ودول، وخاصَّة من الذين كانوا يملكون زمامَ السلطة ومقاليد الأمور وقيادة الشعوب، ولكنَّ الكاتب هنا غضَّ من شأن شخصيَّات أخرى من أجل رفْع شأن هذه الشخصيَّة، كما فعل مع الظاهر بيبرس؛ فقد اعترف المؤلف بدوره العظيم في دحر خطر النصارى في معركة فارسكور، وكذلك بدوره العظيم في القضاء على التتار، وبدوره العظيم في إدارة أمور دولة المماليك في مصر بعد الملك المظفر قطز، وبدوره الذي لا يجهله أحدٌ في المحافظة على مصر، والدِّفاع عنها في مواجهة الأخطار التي كانت تحدق بها طوال فترة حكمه المديدة، وبدوره في استتباب الأمور في مصر وتطوُّرها، وخاصَّة في الناحية العلميَّة.
وأيضًا نسي المؤلِّف وهو في غمرة الحديث عن بُطولات وانتِصارات البطل قطز على جميع المستويات دور الشعب المصري الذي استَطاع أنْ يُواجِه التتار بعد أنْ عجزت البلاد الإسلاميَّة الأخرى والجيوش الإسلاميَّة فيها عن مُواجَهتهم.
لا ننكر هنا دور القيادة، ولكنَّ دورَ الشعب هو الأساس، "وإذا كان الحسُّ التاريخي عند نجيب الكيلاني قد أكَّد على دور الكفاح الشعبي في الحركة الاجتماعيَّة المتدافعة في الداخل، وفي صدِّ الموجات الصليبيَّة القادمة من الخارج، فإنَّ علي أحمد باكثير قد انطلق من تصوُّر نظري يؤمن بدور الفرد في التاريخ، الإيمان بدور الفرد بوصفه المحرك الفعَّال في دفع الأحداث وترجيح كفة النصر"[33].
وربما لم يكن من المناسب أنْ يتحدث سلطان المسلمين جلال الدين مع صهره ممدود عن قضايا الأمَّة الكبرى، وعن الخطر المحدق بها، وعن الجهاد - وهو ذروة سنام الإسلام - وهما يلعبان الشطرنج، فمثل هذه الأمور لا تتناسب مع شخصيَّة مَن سيبدأ الجهاد من غده، شخصيَّة من يعيشُ في جوِّ المعارك، والمسؤول الأوَّل عن حياة فئةٍ كبيرة من المسلمين، وهذه المسؤوليَّة الكبيرة لا يتناسَب معها لعب الشطرنج، والبذخ والترف اللذان يظهران جليًّا حين يطوي ممدود الشطرنج، ويضعه في صندوقٍ ذهبي مرصع بالجواهر، ثم يضعه في صندوقٍ آخر من الأبنوس المطعَّم بالعاج، والحديث عن السُّلَّم المرمري الذي انحدَر منه السلطان جلال الدين!
وأهم نقدٍ يمكن أنْ يُوجَّه إلى الكاتب في هذه الرواية أنَّه مرَّ على موقفٍ كبير يمكن أنْ يُزَلزل النُّفوس، ويترُك آثارًا عميقة فيها دون أنْ يقف عنده بما يُناسِب عظمته، وهو موقفه من إغراق نسائه أحياء بعد هزيمته أمامَ التتار، حتى لا يتعرَّضن لما تعرَّضَتْ له نساء أبيه خوارزم شاه من ذلِّ الأسر، إنَّ موقفًا كهذا الموقف الجلل الذي تهتزُّ له الجبال كان يحتاجُ إلى وقفةٍ أطول، وتفصيل أكثر، وتبرير أقوى، وتأثُّر من جانب جلال الدين أعمق.
ومن المواقف التي لم يُوفَّق فيها الكاتب موقفُ جنود جلال الدين واستِسلامهم للأمواج عند انقِطاع صوت جلال الدين، وقد كانوا من قبلُ يغالبونها، فهذا الموقف لا يتناسب مع الطبيعة البشريَّة وواقعها، فحبُّ البقاء والحياة كامنٌ في نفس كلِّ إنسان، فلا يعقل أنْ يستسلم الجنود للأمواج العاتية تسلب منهم أعزَّ ما يملكون وهو حياتهم لعِلمهم بموت قائدهم جلال الدين، مهما بلغ من حُبِّهم وإخلاصهم له.
لا شكَّ أنَّ رواية "واإسلاماه" من الروايات التاريخيَّة الإسلاميَّة العظيمة، فهي مَلحَمة إسلاميَّة بحقٍّ، سجَّلت وقائع تاريخيَّة حدثت بأسلوبٍ قصصي محبَّب إلى النُّفوس، وكاتبها الأستاذ علي أحمد باكثير بحقٍّ من كُتَّاب الأدب الإسلامي المتلزِم، ورائد الرواية التاريخيَّة الإسلاميَّة.
ولا أدلَّ على إسلاميَّة هذه الرواية والاتِّجاه الإسلامي لكاتبها أنَّه اختار "واإسلاماه" اسمًا لها، وكانت "واإسلاماه" صرخةً أطلقَتْها البطلة في المرحلة الحاسمة من الرواية، ثم أسلمَتْ روحها إلى بارئها شهيدةً في سبيل الله والإسلام.
[1] "اتجاهات الرواية التاريخية العربية في مصر، منذ الحرب العالمية الثانية إلى سنة 1967م، دراسة نقدية"؛ د. شفيع السيد، دار الفكر، ط2، 1993م، القاهرة، ص27.
[2] "هل انتهت مرحلة الرواية التاريخية العربية" كتاب أصوات بلا صدى - د. محمد أبو بكر حميد، الدار السعودية للنشر، جدة 1998م، ص98.
[3] "اتجاهات الرواية التاريخية العربية في مصر"؛ د. شفيع السيد، ص27.
[4] "على هامش الحوار حول الأدب الإسلامي"؛ محمد حسن بريغش، مقال منشور ضمن كتاب "نحو أدب إسلامي معاصر"؛ للأستاذ أسامة يوسف شهاب، دار البشير، ط1، 1985م، عمَّان، ص30.
[5] "The Historical Novel by George Lukacs (Translated from German by Hannah and Stanly Mitchell), Fredic Jameson Books, 1962, pp340
[6] "اتجاهات الرواية التاريخية العربية في مصر"؛ د. شفيع السيد، ص22.
[7] "بانوراما الرواية العربية الحديثة"؛ د. سيد حامد النساج، دار المعارف، ط1، 1980م، ص45.
[8] "نظرية الأدب في ضوء الإسلام" القسم الأول، د. عبدالحميد بوزوينة، ط1، 1990م، عمَّان، ص119.
[9] "من ملامح الرواية التاريخية عند باكثير الثائر الأحمر... وفشل المشروع القرمطي"؛ د. حلمي القاعود، مقال منشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 7، ربيع الآخر 1413هـ/أكتوبر 1992م، ص336، وص337.
[10] "اتجاهات الرواية التاريخية العربية في مصر"؛ د. شفيع السيد، ص28-29.
[11] المرجع السابق، ص29-30.
[12] "علي أحمد باكثير، النشأة الأدبية في حضرموت"؛ د. محمد أبو بكر حميد، مقال منشور في مجلة الأدب الإسلامي، العدد 29، المجلد الثامن، 1422هـ الموافق 2001م، ص14.
[13] "علي أحمد باكثير... الأديب المسلم"؛ الأستاذة سهاد، مقال منشور على الشبكة الدولية.
[14] "علي أحمد باكثير: شهيد الفكر الإسلامي... ورائد المسرح الإسلامي"؛ المستشار عبدالله العقيل، مقال منشور في مجلة المجتمع، العدد 1732، الصادر بتاريخ 23/12/2006م.
[15] "الإسلامية والمذاهب الأدبية"؛ د. نجيب الكيلاني، مؤسسة الرسالة، ط4، 1985م، بيروت، ص106.
[16] "رواية واإسلاماه للكاتب الكبير علي أحمد باكثير، دراسة نقدية"؛ مقال لكاتب هذا البحث نشر في مجلة الدراسات الإسلامية، العدد الأول، المجلد 34، سنة 1999م، ص134.
[17] "مدخل إلى الأدب الإسلامي"؛ د. نجيب الكيلاني، ص55.
[18] "أشهر المذاهب المسرحية، ونماذج من أشهر المسرحيات"؛ الأستاذ دريني خشبة، مكتبة الآداب ومطبعتها بالجماميز مصر، ص137.
[19] "مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي"؛ د. مصطفى عليان، دار المنار، ط1، 1985م، جدة، ص18.
[20] قال المنجم للسلطان جلال الدين: "إنَّك يا مولاي ستهزم التتار ويهزمونك، وسيولد في أهل بيتك غلامٌ يكون ملكًا عظيمًا، ويهزم التتار هزيمة ساحقة"، رواية "واإسلاماه"؛ للأستاذ علي أحمد باكثير، دار مصر للطباعة، القاهرة، ص10.
[21] "الرواية التاريخية في الأدب العربي الحديث"؛ د. قاسم عبده قاسم ود. أحمد إبراهيم الهواري، دار المعارف، 1979م، القاهرة، ص92.
[22] المرجع السابق، ص92.
[23] رواية "واإسلاماه"؛ علي أحمد باكثير، ص3.
[24] "الرواية التاريخية في الأدب العربي الحديث"؛ د. قاسم عبده قاسم ود. أحمد إبراهيم الهواري، ص100.
[25] وقد ترجمت هذه الرواية إلى الإنجليزية عام 2006م، ترجمتها ديانا بيومي، وقد صدرت عن دار اللولو في الولايات المتحدة، وتحوَّلت إلى فيلم سينمائي باللغتين العربية والإنجليزية، انظر: "علي أحمد باكثير... الأديب المسلم"؛ الأستاذة سهاد، مقال منشور على الشبكة الدولية.
[26] "مدخل إلى الأدب الإسلامي"؛ د. نجيب الكيلاني، ص100.
[27] "مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي"؛ د. مصطفى عليان، ص12.
[28] "صورة المرأة في القصة الإسلامية"؛ د. زينت محمد صبري، مقال ضمن كتاب "أدب المرأة، دراسة نقدية" من بحوث الملتقى الدولي الأول للأدبيات الإسلاميات، المنعقد في القاهرة عام 1999م، مكتبة العبيكان، ط1، 2007م، الرياض، ص119.
[29] رواية "واإسلاماه للكاتب الكبير علي أحمد باكثير، دراسة نقدية"، مقال لكاتب هذا البحث منشور في مجلة الدراسات الإسلامية، ص136، 137.
[30] رواية "واإسلاماه"؛ الأستاذ علي أحمد باكثير، ص135.
[31] المرجع السابق، ص137، 138.
[32] المرجع السابق، ص138.
[33] "الرواية التاريخية في الأدب العربي الحديث"؛ د. قاسم عبده قاسم ود. أحمد إبراهيم الهواري، ص92.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|