عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-07-2021, 01:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,216
الدولة : Egypt
افتراضي فساد يستغيث بلهجة

فساد يستغيث بلهجة


حسن فاضلي أبوالفضل





أطلَّت علينا فئة متبلدة تابعة ومستتبعة، تبغي الصلاح بالإفساد، وتروم الفساد بالإصلاح، مؤسسة ومدافعة عن شؤم قطع الوصل بلغة التنزيل، ومنافحة عن خرق صوان لسان الحكمة، تدعي - بهتانًا - عكس الفساد والدفع بالنشء إلى حيث مقام الشاهدية، وكل ذلك منها بهتان وزور.

فئة وظفت الجاهل وشبهه تشهيرًا لها، ودعوة إلى فكرها، كلمةً وصورةً وصوتًا؛ علها تحقق شيئًا مما تقصده، ونحن في هذا المقام وغيره سنكشف هذا الفساد، ونعري مدخله؛ تأصيلاً للقضية في الشرع، ثم ربطًا لها ببقايا المحتل ضد لغة القرآن، والعود إلى أصل الفساد وبدئه، ثم إلى بيان أن قاطع الصلاح في عكس ذلك.

1- تأصيل القضية في الشرع:
من أشد ما عابه الوحيُ على أعداء النور أنهم لما نُهُوا عن الفساد في الأرض، ازدادوا تشبثًا بفسادهم، ودفاعًا عنه، بل وادِّعاء أنه هو الصلاح، وكل الصلاح، في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12]؛ فالآية أبانت أن دفعَ النصح إليهم كان بصيغته العامة في مقابل عموم فسادهم في كل شيء، وعموم إفسادهم لكل شيء، فكان جوابهم في قوة العبارة والدلالة مماثلاً لعبارة النصح، بل أقوى؛ إذ قالوا: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11] بما تضمَّنه التعبير من توكيدٍ وحصر وثبات على قصد ومراد الصلاح - زعموا - بل تجاوزوه إلى الإصلاح، وكأنهم ما قصدوا بكلامهم إلا مجابهة ومقاومة الناصحين، ومِن نُكَتِ القرآن في هذا "تقييد الفعل بالظرف، فإن الذي يتبادر إلى الذهن أن محل المذمة هو أنهم يقولون: إنما نحن مصلحون، مع كونهم مفسدين، ولكن عند التأمل يظهر أن هذا القول يكون قائله أجدرَ بالمذمة حين يقولونه في جواب مَن يقول لهم: لا تفسدوا في الأرض، فإن هذا الجوابَ الصادر من المفسدين لا ينشأ إلا عن مرض القلب وأفَن الرأي؛ لأن شأن الفساد ألا يخفى، ولئن خفي، فالتصميم عليه، واعتقاد أنه صلاح بعد الإيقاظ إليه والموعظة - إفراط في الغباوة أو المكابرة، وجهل فوق جهل"[1] أو أعظم؛ إذ مقتضى الطبيعة أن الفساد يُعرَف، بل قد يشم من بعيد، وعلى فرض خفائه، فإنه بعد التنبيه إليه يستشعر وجوده؛ فيطلب التصحيح والتقويم. وأما مع كل هذا، بقاء على فساد، ودعوة إليه، ففيه إنباء العقل والروح والشعور بفنائه؛ ولذلك سيكذبهم اللهُ - عز وجل - بعد ذلك، وينفي شعورهم في قوله: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 12]، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((السفيه يتكلَّمُ في أمر العامة))[2]، والرويبضة: "تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعَد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة"[3]، والحديث هذا داخل في عموم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن غيبيات الأمور الواقعة - بلا شك - في الناس وللناس ومع الناس؛ من تناقض وتبدل واختلال في الخُلق والأدب، بل وفي العبادة والعقيدة، فهذا الرويبضة - المفسَّر وحيًا بالسفيه - يتكلم في الأمور العظام، وفي مصاير الناس ومآلاتهم، مما لا يفقه فيه شيئًا، ولا يدرك عنه شيئًا، ولم يتبين منه شيئًا، إلا ما أملاه عليه شيطانه الإنسي قبل الجني، وعشقه للشهرة والبروز، ثم إنَّ ذكره عليه الصلاة والسلام لأداة التناقض والتبدل والاختلال: (ينطق)، إشارة إلى أن غاية ما يستطيعه الرويبضة هو الكلامُ والهذر، ثم الكلام والهذر، ثم الكلام والهذر.


إن هذين النصين الشرعيين - منطلق القول - يكشفان في الحقيقة عمق المطابقة ودقتها، بين الفئة التي كشفها الوحي، وبين ما صدر ويصدر عن هذه الفئة البالغة غاية في الجهل والمكر؛ إذ كما أن أولئك استحقوا تلك المذمة وأقساها؛ لِما بلغوه من الجهل، وفقد الشعور المميز بين الصلاح والفساد؛ ولذلك لَمَّا نُهوا عن منكر الإفساد في الأرض، وقَفوا في مجابهة النصح رفضًا له، وإثبات الصلاح لأنفسهم، في إشارة إلى اعتقادهم أن نصح الناصحين ونهي الناهين إنما هو عين الفساد، وفي ذلك من التبديل والتحريف ما يبلغ النهاية، فإن هؤلاء لما نُهوا عن قصد إفسادهم للغة العربية / لغة الوحي، وقفوا في جواب واحد: إن الصلاح في تعميم اللسان الدارج (العامية المغربية) على كل مستويات الدراسة، وإن الفساد - في زعمهم - في البقاء على التدريس باللغة العربية، وإنها - في ربط بئيس جهول - السبب كل السبب في الانقطاع عن المدرسة.


قلت: وهذا عنوان الجهل وحقيقته؛ إذ الانقطاع عن المدرسة (الهدر المدرسي بالمفهوم التربوي) له أسباب أخرى، لها تعلق بالاجتماع والاقتصاد والسياسة والنفس...[4] إلخ، وأما أن يربط بين هذا وذاك هذا الربط المقيت، فإنه لا يقول بذلك إلا كذاب أشِر، أو جهول حاقد على لغة الوحي والحياة، إن هذه الفئة الداعية إلى (لهجنة) التعليم، لا تربطها رابطة بالعلم ولا بالتعليم، بالدراسة ولا بالتدريس، فكيف يسمح لهؤلاء باقتحام مجال عميق من غير استئذان؟ وقبل مدة رأينا داعية الفساد ورأس معلمة الجهل[5] في إحدى قنواتهم في شبه مناظرة لا ترقى إلى مستوى الصفر، يدعو بكل وقاحة وانعدام حياء إلى (لهجنة) التعليم، ومن ثم إلى قتله عن آخره، إلى أن صدق فيه قولُ الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سبق معنا، فهذا سفيه ويتكلم في أمر العامة، وما دخل السفاهة في شأن العامة؟ اللهم إلا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يصدَّق فيها الكاذب، وهذه صفة مطابقة وملابسة لمعلم الناس الجهل، ويا ليت الأمر توقف عند حد تصديق الكاذب، ولكن تجاوزه إلى تكذيب الصادق[6]؛ بحيث يحتاج الإصلاح ها هنا إلى مضاعفة الجهد بكشف كذب الكاذب أولاً، وبدفع تهمة كذب الصادق ثانيًا.


2- بقايا المحتل المحاربة للغة القرآن الكريم:
إن هذه الفئة الرابضة معلمة الناس الجهل لها امتداد فكرًا وثقافة وسلوكًا وأخلاقًا وجهلاً وعقيدة إلى المحتل القريب البعيد؛ إذ من عقيدة المحتل عبر التاريخ مدافعة الإسلام (كتابًا وسنَّة) ودفعه، وله في ذلك مداخل، منها هذا الذي نحن بصدده؛ إذ تأكد من طول تجارِبِه أن المسلم المعتقد للكتاب والسنَّة لا يمكن تطويعه على الإطلاق، ومن ها هنا استبان له الطريق المظلم إلى أن ذلك لا يكونُ إلا بإبعاده عن الإسلام عقيدة وعبادة وأخلاقًا، ولن يتأتى ذلك إلا بإبعاده عن الكتاب والسنَّة، ولن يتحقق ذلك إلا بإبعاده عن لغةِ ولسانِ فَهْمِهما والعمل بهما، واللسان لسان العرب، واللغة لغة العرب، ونهجهم هذا لا يحتاج في إثباته إلى كثير استدلال؛ إذ يكفي النظر في التاريخ القريب والبعيد والجغرافيا القريبة والبعيدة، لينطق ذلك شاهدًا على نفسه، ولأن هذه الفئة - معلمة الناس الجهل - أدرَكتْ من مردتها أن العربية قد وصلها القرآن بالعقل والشعور النفسي والوجداني والعاطفي، ولأنها كذلك تقصد عقل المسلم وشعوره ووجدانه، فإنها صوبت سهمها المسموم إلى أصل كلِّ ذلك ومادته، وهي لغة الوحي قرآنًا وسنَّة.


ولأن الكيد من طبيعة هذه الفئة؛ فإنها عمِيَت عن رؤية فضل الله تعالى على هذه اللغة وأهلها بأن كتب لها الخلود والأبد، وبأن جعلها لغة كتابه العظيم ومادة لسان عابديه الأساس، وأنه لا سبيل إلى تعقل الحياة، وإدراك معناها، وتصور غايتها، والاختلاط بصورها غاية التعقل والتصور والاختلاط، إلا بهذا اللسان العربي، والعربي فقط، وكأنه يحسن بنا الفهم من إنزال القرآن بلسان عربي مبين أن عيش الإنسان نفسه وحقيقته في الكون، وإدراك كرامته في الكون، واقتفاء أثر الوحي - لا يكون إلا به، ويقرب أن تكون باقي اللغات والألسن لا تقدر على أداء نفس المعنى.


3 - أصل الفساد وبَدؤه:
لما سيطر الاحتلال على معظم الدول العربية والإسلامية، وأحكم التحكم في جل مؤسساتها، اتجهت طائفة منه إلى دراسة علوم المسلمين وبلغتهم، وخاصة ما له تعلُّق بدينهم قرآنًا وسنَّة، بحثًا عما كان سببًا في ازدهار هذه الأمة مما لا تستطيعه غيرها من الأمم، ومنه إلى حجب هذا السر عنهم الذي هو نور الوحي، فاتجه المستشرقون ممن درسوا علوم المسلمين تتبعًا لآثارهم ومؤلفاتهم، فتبيَّنوا أن قوتهم من الوحي الذي أنزل فيهم، والذي أخرجهم من قبائلَ تعيش على هامش الحضارة، لا تملِك غير الشِّعر وفن الخطاب - إلى أمة عظيمة، تعلِّم كل الناس معنى الحضارة ومعنى الوجود، ومن ثَم قصدوا - أي المحتلون مع أئمة الاستشراق - إلى تقطيع ما بقي من الأمة، واستلال ما به يدركون نور الوحي من لغة خطاب الشرع وما يتبعها؛ إذ هي "الجزء المشترك من كيان الأمة، وهي الوطن المعنويُّ الواحد لحركة اللسان المعبرة عن حركة الفكر والنفس والوجدان، وهي في هذا تشبه حدود الأرض التي تحوي داخل محيطها الوطنَ المادي لحركة جسم كل فرد من أفراد الأمة؛ إذ يعبر بذلك عن مطالبها النفسية والفكرية والوجدانية، وعن آماله وتطلعاته لنفسه وأهله وذرياته وأمته"[7]، فكيف إذًا نتخلى - بزعم سفاهة سافه - عن النور الذي يربطنا بالسماء، ويشعرنا بالوجود، ويبني فينا الإنسان الحي؟


فهذه الدعاوى الجاهلة البئيسة التي تروم إخراج لغة الوحي، إنما تقصد في الأساس وقطعًا قتل معاني الإنسانية في الإنسان التي بها يدرك أَنَاهُ، ويتنفس وينظر إلى السماء، وكأن بهذا القطيع من الرويبضة لَمَّا فقد نفسه وقطع الصلة بالسماء، وانخضع وانخدع للأرض، اشتغالاً بالفساد والإفساد، قال: لِم لا نسحب الجهل والموت على الكل؛ فنكون في الهلاك سواءً؟!


ولذلك انطلق لتقطيع جسم لغة الوحي ووسمها بما ليس فيها، وجعلها من أسباب ما هو فيه من الجهل والتخلف، ثم بعد ذلك يستأنس ليعتقد أن لغة المحتل هي الخلاص، وكم توسلت لغة المحتل بعلوم أهل الاسلام ولغتهم وما زالت تتوسَّلُ في خفاء! ولكن جهل القطيع وتحقُّق معنى الرويبضة بالتمام، حالَ دون إدراك ذلك أو تعقُّلِه.


قلت: وهذه الدعوى المستحدثة تارة القديمة أصلاً ومنهجًا، كانت بدايتها بما هي عليه الآن أو أشد أواخر القرن التاسع عشر الميلادي؛ إذ من خلال تاريخ حركة التحويل عن الفصحى، كان أول من حث على التحوُّل إلى الكتابة بالعاميات الإقليمية داخل البلاد العربية المستشرق الألماني الدكتور "ولهلم سبيتا"، وقد شغل مديرًا لدار الكتب المصرية في كنف الاحتلال البريطاني، ففي سنة (1880م) خط كتابًا سماه: "قواعد اللغة العربية العامية في مصر"، أشار فيه كذلك إلى فتح العرب لمصر سنة (19 هـ)، وانتشار لغتهم التي قضت على اللغة القبطية لغة البلد الأصلية - حسب زعم هذا الزاعم - وطبعًا هدفه من ذلك إثارة النعرات العِرقية ضد اللغة العربية.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]