التأويلات الباطنية من فضائح الشيعة الكبرى
أ.د. ناصر بن عبد الله القفاري
وقولـه سبحانه: {إن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إلَّا إنَاثًا وَإن يَدْعُونَ إلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا} [النساء: 117] يفسرونها بالرواية التالية: عن محمد بن إسماعيل عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل رجل على أبي عبد الله فقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين، فقام على قدميه فقال: مه هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين عليه السلام سماه به، ولم يُسمّ - بالبناء المفعول - به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحًا وإن لم يكن به ابتلي به وهو قول الله في كتابه: {إن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إلَّا إنَاثًا وَإن يَدْعُونَ إلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا} قال قلت: فماذا يدعى به قائمكم؟ قال: يقال له: السلام عليك يا بقية الله، السلام عليكم يا ابن رسول الله[64].
فهذا قذف شنيع لكل حكام المسلمين وعلى رأسهم الخلفاء الثلاثة الراشدون. ويفترون على أبي عبد الله أنه قال في قول الله: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء: 137] قال: نزلت في فلان وفلان - أبو بكر وعمر - آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وآله في أول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية، حيث قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه، ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفرًا بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق منهم من الإيمان شيء[65].
وفي قوله سبحانه عن المنافقين: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [التوبة: 74] يروي القمي في تفسيره عن الصادق عليه السلام لما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة، قال عمر: ألا ترون عينيه كأنها عينا مجنون - يعني النبي - الساعة يقوم ويقول: قال لي ربي، فلما قام قال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله قال: اللهم فاشهد ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه وسلموا عليه بإمرة المؤمنين فنزل جبرائيل وأعلم رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا}»[66].
ويفسرون الفحشاء والمنكر في قوله تعالى: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] بولاية أبي بكر وعمر وعثمان، فيروون عن أبي جعفر عليه السلام بالإسناد الكاذب أنه قال: وينهى عن الفحشاء: الأول، والمنكر: الثاني، والبغي: الثالث[67].
تأويل بعض آيات القرآن بمهديهم المزعوم:
وعلى ضوء عقيدتهم في المهدي يتعسفون في تأويل الآيات فيروي شيخهم الصدوق - عندهم - بسنده عن أبي عبد الله في قوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ 2 الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: ظ¢، ظ£]، قال: «من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق»، وفي رواية: «{يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} يعني بالقائم عليه السلام وغيبته»[68].
وعن جابر عن أبي جعفر في قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الْـحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: ظ£] قال: خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه[69].
وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ} [التوبة: ظ£ظ£] قال: إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ولا كافر إلا كره خروجه[70].
وعن صالح بن سعد عن أبي عبد الله في قول الله: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] قال: قوة القائم والركن الشديد الثلاثمائة وثلاثة عشر أصحابه[71] (مع أن الآية في لوط عليه السلام مع قومه فجعلوها في قائمهم المنتظر). والأمثلة على تعسفهم في تفسير آيات من كتاب الله بمهديهم المنتظر كثيرة، حتى ألفوا في هذا كتبًا مستقلة مثل: «ما نزل من القرآن في صاحب الزمان» لعبد العزيز الجلودي[72]، و«المحجة فيما نزل في القائم الحجة» للسيد هاشم البحراني[73].
تأويل بعض آيات القرآن بالتقية:
ويمضي القوم في تأويلهم لآيات الله على ضوء عقائدهم وأصول دينهم ويتعسفون في ذلك أيما تعسف، فيحاولون البحث عن آيات يفسرون على ضوئها معتقدهم في التقية ففي تفسير العياشي عن الصادق في قوله سبحانه: {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95] قال: التقية[74]، {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] قال: هو التقية[75].
وعن المفضل عن الصادق: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} قال: ما استطاعوا له نقبًا إذا عمل بالتقية لم يقدروا في ذلك على حيلة وهو الحصن، وصار بينك وبين أعداء الله سدًّا لا يستطيعون له نقبًا، قال: وسألته عن قوله: {فَإذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: 98] قال: رفع التقية عند الكشف فينتقم من أعداء الله[76].
وعن الحسين عن زيد بن علي بن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول: لا إيمان لمن لا تقية له، ويقول: قال الله: {إلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]»[77].
وعن أبي إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وتلا هذه الآية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112] قال: والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم، ولكن سمعوا أحاديثهم وأسرارهم فأذاعوها، فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلًا واعتداء ومعصية[78].
وعن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] اصبروا يعني بذلك عن المعاصي، وصابروا يعني التقية، ورابطوا يعني الأئمة[79].
تأويل بعض آيات القرآن بالرجعة:
ولتأييد اعتقادهم في «الرجعة» يؤولون الآيات ويصرفونها عن معانيها؛ فقوله سبحانه: {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الإسراء: 72] قالوا: الرجعة[80]، فالآخرة يفسرونها في هذه الآية بالرجعة، وهذا التفسير وأمثاله هو عين منطق الباطنيين في القول بإبطال المعاد، ويفسرون قوله سبحانه: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ} [النحل: 38] بأن هذه الآية ليست في كفار قريش المنكرين للبعث، إنما هي في أعداء الشيعة المنكرين للرجعة! وإليك النص: «عن أبي عبد الله في قوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ} قال: ما يقولون فيها؟ [أي ما يقول أئمة السنة في تفسيرها] قلت: يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله أن الله لا يبعث الموتى قال: تبًّا لمن قال هذا، ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى؟ قلت: جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قومًا من شيعتنا قبابع[81] سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوم من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم فيبلغ ذلك قومًا من أعدائنا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم وأنتم تكذبون فيها فحكى الله قولهم[82] فقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}». هذه أمثلة لتأويلاتهم للقرآن، وتعسفهم في فهم آياته، وهو كما يرى القارئ تفسير باطني لا تربطه بالآية أدنى صلة، وكأن القرآن لم ينزل بلسان عربي مبين، ولم يجعله الله سبحانه هداية ودستورًا لخلقه أجمعين! وبعد عرض أمثلة لتأويلاتهم الباطنية لا بد من الإشارة إلى أن هذه التأويلات الكاشفة والفاضحة لحقيقة هذه النحلة لم يقف عليها أئمة الإسلام المتقدمون؛ إما لعدم اهتمامهم بمثل هذه الأباطيل الصادرة من أناس مطيتهم الكذب حاولوا نسبة ضلالاتهم وأكاذيبهم إلى بعض أئمة أهل البيت علها تجد قبولاً لدى الأغرار والجهلة، أو لأنها كانت موضع التداول السري، ومن وقف على بعضها لم ينسبها للإثنى عشرية، وإنما ظن أنها من تأويلات الباطنية القرامطة، ويكفي أن تعرف أن شيخ الإسلام ابن تيمية مع سعة معرفته وإحاطته بهذه المذاهب نسبها إلى الباطنية، حيث قال: «من ادعى علمًا باطنًا، أو علمًا بباطن وذلك يخالف العلم الظاهر كان مخطئًا، إما ملحدًا زنديقًا، وإما جاهلًا ضالًا... وأما الباطن المخالف للظاهر المعلوم، فمثل ما يدعيه الباطنية القرامطة من الإسماعيلية والنصيرية وأمثالهم»، ثم ذكر أمثلة لذلك، فقال: «وهؤلاء الباطنية قد يفسرون: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:21] أنه علي، وقوله: {فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة:21] أنهم طلحة والزبير، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} [الإسراء:60] بأنها بنو أمية»[83].
يتبع