عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23-06-2021, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الشاعر محمد التهامي في ديوان شعره (أشواق عربية)

هذا هو حال (بغداد) مع الطُّغاة؛ لا مُهادنة ولا استسلام، مهما كان لدى هؤلاء الطُّغاة من مشانق وأحبال وأعواد، إنَّها كانت معهم بركانًا ثائرًا فائرًا، لا يقرُّ لأحد فوقه ومعه قرارٌ، ولا تثبت له أوصالٌ وأقدام، ومن ثَمَّ فإنَّ مآلَ كلِّ طاغية إلى الزَّوال وإن طال الأمَد، وكيف يبقى فوق نارٍ مُوقَدة؟ أو كيف يستقر هادئًا مع رجفة الزِّلزال؟ إنه لا بقاء ولا استقرار؛ لأنَّه إذْ (زلزل الحُكْم لَم تنفَعْه أسناد).

ألاَ ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه اليومَ بالأمس البعيد! ما أشبه ما نراه اليومَ في بغداد بِما حدث في التاريخ البعيد! وقد أريدَ لها أن يعيش فيها غير أهلها، وأن يدير شأنَها الغُرباء الأجانب عنها! إنَّ الشاعر في أمسه البعيدِ يتناول هذا الأمرَ، ويَذكر أنَّه أمر مرفوضٌ ومستحيل، وكأنه في أمْسِه يتحدَّثُ عن (بغداد) في يومها الحاضر، ويذكر أنَّ مآلَ مثل هذا الأمر إلى إحداث فِتَن وإفسادٍ في البلاد، وسوف يظَلُّ الأمر سِجالاً بين الشَّعب وغُزَاته الغرباء.. وعن هذا الماضي الذي هو عين الحاضر يقول الشاعر:
إِنْ قَامَ حُكْمٌ لِغَيْرِ الشَّعْبِ مُسْتَنِدٌ
هَيْهَاتَ تُفْنِيهِأَحْلاَفٌ وَأَجْنَادُ

وَكُلُّ حُكْمٍ لِغَيْرِ الشَّعْبِ مَرْجِعُهُ
فَمُنْتَهَى أَمْرِهِ ظُلْمٌ وَإِفْسَادُ

وَعَاشَ مَنْ حُكِمُوا فِيهِ وَمَنْ حَكَمُوا
مَا عَاشَ تَحْتَ الدُّجَى صَيْدٌ وَصَيَّادُ



إنَّ الحُكم من خلال الأجنبِيِّ حُكم قصيرُ الأجل، ضعيف البنيان، فمهما كان حولَه من حماية الأحلاف فإنَّه (هيهات تفيه أحلافٌ وأجناد)، ومهما كان من ادِّعاء الإصلاح والحكم بين الناس بالعَدل، فإنَّ النقيض من ذلك هو الواقع المنتظَر الذي تُثْبِته الأحداث؛ لأنَّ (منتهى أمره ظلمٌ وإفساد)، لماذا؟ لأنَّ العلاقة بين الشعب - حينئذٍ - وهؤلاء الحكام الذين يُفرَضون على الشعب فرضًا، هي علاقة الصَّيد بالصَّائد في الظَّلام، فالصائد يتربَّص بالصيد، وسوف يناله بالشرِّ إن وجَدَ إلى ذلك سبيلاً، والصيد من جانبِه سوف يكون على حذَر؛ بحيث لا يتمكَّن منه الصائد، فأنَّى تكون علاقة الرِّضا والوئام؟ إنَّ هذا هو المستحيلُ بعينه، كما قال الشاعر:
وَعَاشَ مَنْ حُكِمُوا فِيهِ وَمَنْ حَكَمُوا
مَا عَاشَ تَحْتَ الدُّجَى صَيْدٌ وَصَيَّادُ



وفي ختام القصيدة يُشِيد الشَّاعر بأولئك الذين عَمِلوا على أن تعود لبغداد أَمْجادُها السالفة، وهي إشادةٌ يُمكن أن تكون أيضًا لأولئك الذين يعشون الآنَ أَجِنَّة في بطون الحاضر والمستقبل، تلك الأجِنَّة التي سوف تُولَد كاملة قبل ميلادها، والتي سوف يرسلها الله - عزَّ وجلَّ - لتردَّ كيدَ العائثين في الأرض فسادًا، والذين يريدون أن يغيِّروا ويبدِّلوا في الحياة على الوجه الذي يريدون، وليس على النَّحو الذي عليه أهل البلاد معتقِدون ويدينون، إنَّ هذه الإشادةَ الماضية هي التي نرجو أن تَزِنَ إشادةً حاضرة بمن هو جديرٌ بِها في مستقبل الأيام:
وَجَاءَ قَصْرَكِ لَمَّا ثَارَ فِي شَمَمٍ
مِنْ شَعْبِكِ الْحُرِّ أَجْنَادٌ وَقُوَّادُ

فَكُّوا القُيُودَ فَهَبَّ الشَّعْبُ مُنْتَفِضًا
لَهُ مِنَ البَحْرِ إِرْغَاءٌ وَإِزْبَادُ

فَفِي البِلاَدِ جَمِيعًا ثَوْرَةٌ وَثَبَتْ
وَلِلْمَلاَيِينَ إِبْرَاقٌ وَإِرْعَادُ

وَلِلذِّئَابِ الأُلَى خَانُوا جَزَاؤُهُمُ
مِنْ بَعْضِ مَا أَثِمُوا ظُلْمًا وَمَا كَادُوا



فإنْ كان هذا عن الماضي الذي كان، فإنَّ غدًا لناظرِه قريب، وفي هذا الغد القريبِ موعِدٌ مع الأحرار من الأجناد والقواعد، وموعدٌ مع الشَّعب الثائر المنتفِض، وموعد مع كلِّ شبر من الأرض، وقد نبَت بثورة الثَّائرين، التي سوف تكون نارًا ذات (إبراقٍ وإرعاد)، وحينئذٍ ﴿ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الروم: 4 - 6].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]