عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-06-2021, 02:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,955
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القواعد والضوابط الفقهية المؤثرة في أحكام العمل الخيري

رابعاً: القواعد والضوابط المتعلقة بتنظيم الجمعيات وعلاقتها بغيرها وأخلاقيات العمل الخيري:

1 - التنـزه عن مواطن الريبة أولى[51]:
التنـزه: هو البعد والتطهُّر. الريبة: هي التهمة.
والمعنى: أن الجدير بالمسلم أن يبتعد عن مواضع التهم التي تسبب الشك فيه أو اتهامه.
ويمكن أن يُسـتشـهَد على القـاعدة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»[52].
2 - الخروج من الخلاف مستحب[53]:
فعند وجود خلاف بين العلماء في مسألة اجتهادية فيستحب أن يخرج المكلَّف من الخلاف بفعل ما هو أحوط لدينه.
3 - الخطأ لا يستدام ولكن يُرجَع عنه[54]:
فالخطأ إذا اكتُشف يجب الرجوع عنه ولا يجوز الاستمرار عليه؛ لأن المخطئ مرفوع عنه الإثم، ولكنه إذا عَرَف خطأه وأصر عليه واستمر ولم يرجع عنه، فلا يكون خطأً، بل يكون عمداً يؤاخذ عليه. وبناءً عليه فإذا تصرَّف القائم على الجمعية الخيرية باجتهاد ثم تبيَّن خطؤه فعليه الرجوع.
4 - خير الأمور أوساطها[55]:
ومعنى القاعدة أن الخير في الاعتدال في كل شيء؛ فالفضيلـة وسط بين رذيلتين. وهـذا مرجع تقـدير القيمة، وما يبذل لكل محتاج، وغيرها.
5 - طالب الولاية لا يولى:
فمن طلب أن يكون والياً: إما برئاسة أو إدارة أو غيرها من المناصب؛ فإنه لا يولى؛ لأنه بطلبه للمنصب دالٌّ على أن له غرضاً دنيوياً وليس مقصده إقامةَ شرع الله وأداءَ حقوق العباد.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّا لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه»[56].
6 - الفتوى في حق غير المجتهد بمنـزلة الاجتهاد[57]:
فمن لم يكن من أهل الاجتهاد فعليه أن يستفتي عالماً ليعرف حكم الله ويجـب عليه العمل بالفتوى، وإذا كانت الفتوى خاطئة فإنه لا تثريب عليه، كما لا تثريب على المجتهد إذا أخطأ.
قـال - تعالى -: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل: 34]. وهذا يدلنا على أهمية أن يكون للجمعيات الخيرية هيئـة شرعية تحيل إليها ما يُشكِل مما يحتاج لفتوى.
7 - كل طاعة لا تصل إليها إلا بمعصية لا يجوز الإقدام عليها:
فلا يجوز غصب ماءٍ للوضوء به، ولا سرقة مال للحج به، وكذلك ليس لجمعية خيرية سلوك طريق محرَّم لتحقيق مقصد نبيل فلا يجوز لها استثمار أموالها أو التبرعات التي لديها بالطرق المحرمة، كالربا مثلاً.
8 - كل ما كان منهياً عنه للذريعة فإنه يُفعل لأجل المصلحة الراجحة[58]:
فالتصرف إذا كان منهياً عنه لكونه وسيلة للوقوع في معصيته، فإنه - إذا وجـدت مصلحـة أعظـم من الضرر - يجـب التمكـين مـن الفعـل وعـدم سـدِّه تحقيقـاً للمصلحـة الراجحة؛ فدفع المال للأعداء محرَّم؛ لأنه وسيلة لتقويتهم على المسلمين، لكن إذا كان دَفْعُ هذا المال يدفع شراً أكبر فإنه يكون جائزاً.
9 - لا طاعة للمخلوق في معصية الله:
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الطاعة في المعروف»[59]. فلا يجوز لأحد أن يطيع أحداً في معصية الله، - سبحانه وتعالى -.
10 - المسلم ملتزم بأحكام الإسلام حيثما يكون[60]:
فلا يجوز للمسلم أن يُقدِم على فعلٍ مخالفٍ لأحكام الإسلام إذا كان في غير بلاد المسلمين، بل يمتثل أحكام الشرع في كل بلد.
11 - يقدَّم في كل ولاية - كلَّ موطن - من هو أقوم بمصالحها[61]:
وهذه القاعدة توضح الشرط الذي لابد من توفُّره في كل من يراد توليته أو إسناد عمل إليه، وهذا يختلف باختلاف المهام والأعمال؛ إذ كل عمل يحتاج لمهارة معينة؛ فيقدَّم في كل عمل من كان أدرى وأقوم بمصالحها.
12 - لا إنكار في المسائل الاجتهادية[62]:
وهي المسائل التي أصلُ استمدادِها الاجتهاد؛ فمن عمل عملاً في مسألة منها، وكان لعمله حظ من الاجتهاد السائغ في الشرع؛ فلا يحق لأحد أن ينكر عليه.
13 - ازدحام المصالح والمفاسد يوجب الترجيح:
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وهي ترجِّح خير الخيرين، وتحصِّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفَع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما[63].
وهذا الأمر تضمنته عدة قواعد فقهية، منها: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما.
ويُتَحمَّل الضرر الخاص لدفع ضرر عام؛ فإذا تعارضت المصالح حَصَّل الإنسان أعلاها؛ ولو فات أدناها. وإذا تعارضت المفاسد ارتكب الإنسان أخفها؛ ليدفع أعظمها.
وإذا تعارضت المصالح والمفاسد فينظَر إلى الراجح والغالب؛ فإن كان الغالب المصلحة لم ينظَر للمفسدة اللاحقة، وإن كان الغالب المفسدة لم ينظَر إلى المصلحة[64].
والله - تعالى - حرم الخمر والميسر مع أن فيهما منفعة؛ لأن مفسدتهما أكبر.
قال - تعالى -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْـخَمْرِ وَالْـمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة: 912].
وهذا التعارض مع وجوده إلا أن الترجيح والموازنة فيه أمر صعب، عسير. قال ابن تيمية: (وهذا باب واسع جداً لاسيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت في ها آثار النبوة وخلافة النبوة؛ فإن هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة؛ فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات، وقع الاشتباه والتلازم؛ فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجِّحون هذا الجانب وإن تضمَّن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجِّحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون ينظرون للأمرين؛ وقد لا يتبيَّن لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرَّة، أو يتبيَّنُ لهم ولا يجدون من يعينهم على العمل بالحسنات وتَرْك السيئات؛ لكون الأهواء قارنت الآراء؛ فينبغي للعالِم أن يتدبَّر أنواع هذه المسائل)[65].
ولذا فالواجب الاجتهاد في الترجيح واستعمال ما يمكن من الطرق المؤدية إليه؛ فإن أصاب بعد ذلك، وإلا فقد قام بما عليه.
يقول العز بن عبد السلام: (قد يخفى ترجيح بعض المصالح على بعض، وترجيح بعض المفاسد على بعض، وقد يخفى مساواة بعض المصالح لبعض، ومساواة بعض المفاسد لبعض، فيجب البحث عن ذلك بطُرُقِه الموصلة إليه، والدالة عليه، ومن أصاب ذلك فقد فاز بقصده وعُفِي عن خطئه رحمة من الله - سبحانه - ورفقاً بعباده)[66].
ومن تطبيقات هذه القاعدة:

أنه يجوز إيداع أموال التبرعات في البنوك الربوية؛ إذا خُشِي عليها من الضياع، فيرخَّص في إيداعها لديها بلا فائدة ارتكاباً لأخف الضررين[67].
ومن تطبيقاتها جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر بلا كراهة؛ إذا كان نقلها لمصلحة راجحة؛ كأن يكون فقراء البلد التي نُقِلت إليهم الزكاة أشدَّ حاجة إليها من فقراء البلد التي بها الأموال الواجبة عليها الزكاة، وإن نُقلَت بلا مصلحة شرعية جاز ذلك مع الكراهة؛ لعموم الأدلة الدالة على جواز النقل، ولأن المزكي دفع الحق إلى مستحقِّه[68].
_____________________
[1] صحيح البخاري: 1، صحيح مسلم: 1907، عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -.
[2] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، صفر عام 1408هـ.
[3] قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة، محرم 1425هـ، رقم 140.
[4] القرار السابق.
[5] جامع العلوم والحكم لابن رجب: ص 267.
[6] سنن الدار قطني: (85)، السنن الكبرى للبيهقي: (6/69)، المستدرك للحاكم: (2345)، وصححه ووافقه الذهبي، عن أبي سعيد الخدري. ورواه مالك في الموطأ: (2/571) مرسلاً. وابن ماجه في سننه: (2362) عن عبادة بن الصامت وعن ابن عباس. قال النووي له طرق يقوي بعضها بعضاً، وقال ابن الصلاح: مجموعها يقوي الحديث، ويحسنه وقد احتج به جماهير أهل العلم.
[7] سنن أبي داود: (2/108)، سنن الترمذي: (1/238)، الدارمي: (2/264) عن أبي هريرة بسند حسن.
[8] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، صفر عام 1408هـ.
[9] فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، محرم عام 1421هـ.
[10] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة وصفر عام 1408هـ.
[11] صحيح البخاري: (2/37)، صحيح مسلم: (4/129).
[12] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، صفر عام 1408هـ.
[13] الوجيز في إيضاح القواعد الكلية: ص 157.
[14] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، صفر عام 1408هـ.
[15] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، ربيع الآخر عام 1405هـ.
[16] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، رجب عام 1406هـ.
[17] صحيح مسلم: (362) عن أبي هريرة، - رضي الله عنه -.
[18] الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 251، وابن نجيم: ص 75.
[19] الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 339.
[20] المبسوط للسرخسي: (3/113).
[21] تأسيس النظر: ص 74.
[22] المغني: (1/580)، وانظر القواعد الفقهية في المغني: ص 651.
[23] موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (7/27).
[24] الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 275. وانظر: المدخل الفقهي: ص 701.
[25] الفروق للقرافي: (1/111)، قواعد الأحكام: (1/104).
[26] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، شهر صفر عام 1408هـ.
[27] القرار السابق.
[28] مجموع فتاوى ابن تيمية: (28/592)، المعيار المعرب: (6/144)؛ حاشية ابن عابدين: (3/61).
[29] توصيات الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة في البحرين شوال عام 1414هـ عن الهيئة الشرعية العالمية للزكاة.
[30] موسوعة القواعد الفقهية: (10/606). والحديث أخرجه أبو داود: (3/80)، وابن ماجه: (2/895).
[31] الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 132، وابن نجيم: ص 140.
[32] القواعد لابن رجب (القاعدة السابعة عشرة)، المنثور للزركشي: (2/413)، الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 143.
[33] القواعد والضوابط المستخلَصة من التحرير: ص 479.
[34] قواعد الأحكام: (2/9)، شرح القواعد الفقهية للزرقا: ص 131.
[35] قواعد الأحكام: (2/4)، الفروق: (2/139).
[36] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، شهر صفر عام 1408هـ.
[37] الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 84، المدخل الفقهي العام: (2/996).
[38] المنثور للزركشي: (2/60).
[39] المبسوط: (5/223).
[40] المرجع السابق: (1/106).
[41] موسوعة القواعد الفقهية: (3/150).
[42] المرجع السابق: (4/456).
[43] إعلام الموقعين: (3/279).
[44] الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 147، قواعد الحصني: (3/374).
[45] الأشباه والنظائر لابن السبكي: (1/310)، وللسيوطي: ص 121، وابن نجيم: ص 124، المنثور: (1/309).
[46] سنن أبي داود: (4832)، سنن الترمذي: (2395)، مسند أحمد: (3/38) عن أبي سعيد الخدري، - رضي الله عنه -.
[47] مجموع الفتاوى: (25/87).
[48] الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 159، ولابن السبكي: (1/155).
[49] قواعد الأحكام: (2/6).
[50] صحيح مسلم: (1337).
[51] المبسوط: (10/171).
[52] سنن النسائي: (2/234)، سنن الترمذي: (2/48)، وقال حديث حسن صحيح، من حديث الحسن بن علي - رضي الله عنهما -.
[53] المنثور: (2/127)، الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 136.
[54] موسوعة القواعد الفقهية: (5/287).
[55] المرجع السابق: (5/302).
[56] صحيح البخاري: (9/80)، صحيح مسلم: (6/6).
[57] الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 287.
[58] مجموع فتاوى ابن تيمية: (22/298).
[59] صحيح البخاري: (9/109)، صحيح مسلم: (49).
[60] موسوعة القواعد الفقهية: (10/604).
[61] الفروق: (3/102).
[62] الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 158.
[63] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية: (20/48).
[64] الموافقات للشاطبي: (2/26).
[65] مجموع الفتاوى: (20/57).
[66] قواعد الأحكام: (1/49).
[67] فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، رقم (5161).

[68] المرجع السابق، الفتوى رقم (4356)، وكذلك الفتوى رقم (1605).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]