قيم المعلم (4)
د. علي بن عبده بن شاكر أبو حميدي
قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يقوم المعلم بغرس القِيَم العقدية في الطلاب، وهو القدوة في ذلك؛ ليتحقق عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف لديهم من خلال هذه القيمة التالية، وهي:
قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يأمر الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه أساس في حياة الأفراد، ولولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما كانت الخيرية في هذه الأمة، والخيريةُ في هذه الأمة وأمانُها بالتزامها هذا الحبل المتين، وهو صمام الأمان في الأمة الإسلامية.
قال الله - عز وجل -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]؛ أي: "لا بد من جماعة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، ولا بد من سُلطة في الأرض تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر"؛ في ظلال القرآن: (ج1، ص: 444).
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، "وهذا ما ينبغي أن تدركَه الأمة المسلمة؛ لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها أُخرجت لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة، بما أنها هي خير أمة، والله يريد أن تكون القيادةُ للخير لا للشر في هذه الأرض، ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من أمم الجاهلية؛ إنما ينبغي دائمًا أن تعطي هذه الأممَ مما لديها، وأن يكون لديها دائمًا ما تعطيه؛ ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والعلم الصحيح"؛ المرجع السابق: (ج1، ص: 447).
كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقتضيات صيانة الحياة من الشر والفساد، ومن مقتضيات المكانة لهذه الأمة.
"وفي أول مقتضيات هذا المكان أن تقومَ على صيانة الحياة من الشر والفساد، وأن تكونَ لها القوة التي تمكِّنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهي خيرُ أمة أخرجت للناس، لا عن مجاملة أو محاباة، ولا عن مصادفة أو جزاف - تعالى الله عن ذلك كله علوًّا كبيرًا"؛ المرجع السابق: (ج1، ص: 444).
وعن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقُول: ((من رأى منكم مُنكرًا، فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ (مسلم، كتاب الإيمان، باب النهي عن المنكر من الإيمان، د.ت: ج 1، ص 50).
ومن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما لا يحصى، وكلها تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من رآه، لا يسقط عنه إلا أن يقومَ به غيره، كلٌّ بحسَبه، وكلما كان العبدُ على ذلك أقدرَ وبه أعلم، كان عليه أوجبَ وله ألزم، ولم ينجُ عند نزول العذاب بأهل المعاصي إلا الناهون عنها.
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - قال: ((إياكم والجلوس بالطرقات))، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ؛ نتحدث فيها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أبيتم إلا المجلس، فأعطُوا الطريقَ حقَّه))، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ((غضُّ البصر، وكف الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))؛ (البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب أفنية الدور والجلوس على الصعدات: ج2، ص: 173).
فالأمر بالمعروف صمام الأمان لهذه الأمة، فإذا لم تأمر الأمة بالمعروف، وتَنْهَ عن المنكر، يوشك أن يبعث الله عقابًا، فلا يستجاب للأمة الدعاء.
فعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكَنَّ اللهُ أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيبُ لكم))؛ (الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 1987م، ج3، ص 46).
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاملٌ من عوامل عدم التطرف، فنصبح في أمن في الدنيا والآخرة، ويتحقق عدم التطرف عند الطلاب.
إن أهم الآثار التي يحققها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو هداية الإنسان؛ فردًا كان أو مجتمعًا، هداية تجعله يحكم مفاهيم الإسلام وقِيمه في عقله وقلبه وإرادته؛ لتكون الأفكار والعواطف والممارسات العملية مطابقةً للمنهج الإلهي في الحياة؛ عن طريق إقامة فرائض الدِّين القويم، وشريعته السمحة.
ومن خلال الالتزام بأداء المسؤولية يتعمق الإيمانُ بالله - تعالى - في العقول والقلوب، وتتوثَّق الصلة مع الله تعالى، والتي تضفي السكينة والطمأنينة على جميع جوارح الإنسان، ومقومات شخصيته، في الفكر والعاطفة والسلوك، فيتحرر من الإلحاد واللا انتماء، ومن الضياع والتخبط، ومن الضلال والعمى والحيرة، ويتخلص من الأوهام والخرافات، ويتوجه إلى الله - تعالى - مستمدًّا منه العون، فيستشعر الأمان والصفاء، وهو عميق الصلة بخالق الوجود، وبالركن الركين الذي تتهاوى جميعُ مظاهر الإسناد أمامه، وتستقيم نفسه ومشاعره.
ويكون الحفاظ على نظام الحياة على أحسن حال عن طريق جلب المصالح ودرء المفاسد، فتصبح الأسرة في قمة السعادة، وهي تسعى إلى الإعمار والبناء الحضاري، ويعم الخير والصلاح في جميع مرافق الحياة، لسموِّ المقاصد، ونبل الأهداف المراد تقريرُها وتحقيقها في الواقع.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن قام به المعلم، فإنه يحقق الأمن والسلام والطمأنينة، فيقضي بواسطة أدائه على جميع ألوان العدوان والاضطهاد والاستغلال، ويتحقق العدل، وتحفظ كرامة الإنسان وحريته، ويتم الحفاظ على سلامة الأرواح والأعراض والأموال، ويُقضَى من خلال أدائه على جميع ألوان الاعتداء، فيعيش الناس آمنين مطمئنين.
فمن آثار أداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعميقُ الأواصر الإسلامية، وتوحيد الصف الإسلامي في وحدة العقيدة، ووحدة السلوك، ووحدة المصالح، ووحدة المصير، ويعيش المجتمع حياةَ الإخاء والتعاون والتآزر والتكاتف والتناصر.
ومن آثار أداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القضاءُ على جميع ألوان الانحراف والفساد، وإشاعة الأخلاق الحسنة في العلاقات؛ لتقوم على قواعد وأسس الشريعة؛ حيث الصدق والوفاء، والتراحم والتناصح، وأداء الأمانة، والرِّفق والإحسان، والانطلاق لإسعاد المجتمع.
ومن آثاره الاقتصادية إقامة التوازن الاقتصادي، الذي يتحقق عن طريق التكافل والحث على الإنفاق الطوعي في وجوه الخير، والدعوة إلى القناعة والكفاف، وعدم التبذير، والنهي عن الغش وأكل الأموال بالباطل، وأداء الواجبات المالية؛ كالزكاة والخُمُس، إضافة إلى قيام الدولة بواجباتها في إقامة التوازن، فتتحقق الرفاهية للمجتمع بإشباع الفقراء والمستضعفين.
وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزداد الوعيُ في صفوف المجتمع، وتتفتح آفاق العقول لتنطلق نحو الإبداع الخلاق، وتتقدم العلوم؛ لتكون خادمة للمفاهيم والقيم الإسلامية.
لذا؛ على المعلم غرس هذه الأسس العقدية في الطلاب؛ حتى ينشؤوا عليها، ويتحقق لهم عدم التطرف.