
18-06-2021, 07:00 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة :
|
|
رد: مجالات وعظ العلماء
وتبرز أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى في عدة أمور، منها:
أولاً: إن الإبتلاء للدعاة إلى الله تعالى لابد منه، فلو سلم أحد من الأذى لسلم رسل الله - عليهم الصلاة والسلام - فقد أُوذوا فصبروا، وجاهدوا حتى نصرهم الله تعالى على أعداء الدعوة إلى الله تعالى، ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34] [41].
ثانياً: الصبر في الدعوة إلى الله تعالى بمثابة الرأس من الجسد، فلا دعوة لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له.
ولهذا قال علي بن أبي طالب - رضى الله عنه -: (ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسم، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له)[42]. فإذا كان ذلك في الإيمان فالصبر في الدعوة إلى الله تعالى من باب أولى.
ثالثاً: الدعوة إلى الله تعالى سبيلها طويل تحف به المتاعب والآلام؛ لأن الدعاة إلى الله تعالى يطلبون من الناس أن يتركوا أهواءهم وشهواتهم التي لا يرضاها الله تعالى، وينقادوا لأوامر الله تعالى، ويقفوا عند حدوده، ويعملوا بشرائعه التي شرع، فيتخذ أعداء الدعوة من هذه الدعوة عدواً يحاربونه بكل سلاح، وأمام هذه القوة لا يجد الدعاة مفرّاً من الاعتصام باليقين والصبر؛ لأن الصبر سيف لا ينبو، ومطية لا تكبو، ونور لا يخبو) [43].
عن أحمد بن مروان رحمه الله تعالى قاضي تكريت قال: (كتب رجل من إخوان أبي عبد الله أحمد بن حنبل إليه أيام المحنة:
هذي الخُطُوبُ ستنتهي يا أحمدُ
فإذا جَزِعْتَ من الخُطُوبِ فَمَنْ لها 
الصَّبْرُ يَقطعُ ما ترى فاصبِرْ لها
فعسى بها أن تَنْجَلِي ولعلها 
فأجابه أحمد رحمه الله تعالى:
صَبَّرْتَنِي وَوَعَظَتْنِي فَأَنَا لها
فَسَتَنْجَلِي بل لا أَقُولُ لَعَلَّها 
ويَحُلُّها مَنْ كان يَمْلِكُ عَقْدَهَا
ثِقَةً بِهِ إذ كان يَمْلِكُ حَلَّهَا)[44]. 
4. التحذير من عدم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خوفاً من العقوبات الإلهية:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام، بسببه نالت هذه الأمة خيريَّتها، وبه تميزت عن سائر الأمم.
قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] [45].
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى : (إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق) [46].
وقد حذرنا الله تعالى من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه يترتب عليه كثير من المفاسد على البلاد والعباد، وقد جاء هذا التحذير في آيات كثيرة، منها: قال الله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [المائدة: 78 - 80] [47].
في الآيات السابقة: تحذير لعلماء الإسلام، من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن ترك ذلك، فقد ترك واجباً مهماً من واجبات الدين، وعرض نفسه للعذاب الأليم، والخطر العظيم، واستحق اللعنة.
وأنتم يا علماؤنا قد وقعتم في مثل ما وقعوا فيه أو أشد؛ فكيف لا تخافون أن يصيبكم مثل ما أصابهم[48].
بيَّن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خطبة له أن سبب هلاك من قبلهم هو فعلهم للمعاصي، وترك العلماء والعباد الإنكار عليهم، محذراً إياهم من أن يحل بهم، ما حل بمن قبلهم من العقوبة الإلهية، قائلاً لهم: واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً، ولا يقرب أجلاً[49].
وما زال العلماء يحث بعضهم بعضاً على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محذرين من عدم القيام به.
يقول وهيب بن الورد مولى بني مخزوم رحمه الله تعالى : (لقي عالم عالماً هو فوقه في العلم، فقال: يرحمك الله، ما الذي أخفي من عملي؟ قال: ما يظن بك أنك لم تعمل حسنة قط إلا أداء الفرائض، قال: يرحمك الله، فما الذي أعلن من عملي؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه دين الله الذي بعث الله به أنبياءه إلى عباده.
وقد اجتمع الفقهاء على قول نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ [مريم: 31] [50]، ما بركته تلك؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان)[51]..
كتب مالك بن أنس إلى العمري الزاهد - رحمهما الله تعالى -: إنك بدوت، فلو كنت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكتب إليه: إني أكره مجاورة مثلك، إن الله لم يرك متغير الوجه فيه ساعة قط.
قال الذهبي رحمه الله تعالى معلقاً على ذلك: ( هذا على سبيل المبالغة في الوعظ، وإلا فمالك من أّقْوَلِ العلماء بالحق، ومن أشدهم تغيراً في رؤية المنكر) [52].
[1] سورة الشعراء، الآيات: 217 - 220.
[2] سورة غافر، آية: 19.
[3] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير الدمشقي، 4/ 76.
[4] سورة يوسف، آية: 23.
[5] رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، 2/ 517، رقم الحديث (1357).
[6] الزهد، هناد بن السري الكوفي، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، 1/ 300، ط1، 1406ه، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت.
[7] سورة النساء، آية: 131.
[8] جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، أبي الفرج زين الدين عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي، تحقيق:شعيب الأرناؤوط و إبراهيم باجس، 1/ 162، ط7، 1417ه/ 1997م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
[9] سورة الأعراف، آية: 201.
[10] سورة البقرة، آية: 206.
[11] الرائد - دروس في التربية والدعوة -، مازن بن عبد الكريم الفريح، 1/ 277، ط2، 1420ه/ 1999م، دار المعارج للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية.
[12] سورة الأعراف، آية: 33
[13] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ابن القيم الزرعي، 1/ 372.
[14] سورة البقرة، الآيتان: 168، 169.
[15] سورة الدخان، آية: 10.
[16] سورة الدخان، آية:15.
[17] سورة الدخان، الآيتان: 10، 11.
[18] سورة الدخان، آية:16.
[19] رواه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب الدَخَانِ، 4/ 2156، رقم الحديث (2798).
[20] فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، 4/ 387، ط1، 1356ه، المكتبة التجارية الكبرى، مصر.
[21] فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، 1/ 159.
[22] معالم في طريق طلب العلم، عبد العزيز بن محمد السدحان، ص:174، ط5، 1431ه/ 2010م، دار القبس للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية.
[23] سورة الرعد، آية: 29.
[24] سورة النحل، آية: 97.
[25] المستدرك على الصحيحين، الحاكم، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، 4/ 341.
[26] قصر الأمل، أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، ص: 89، ط2، 1417ه-/ 1997م، دار ابن حزم، بيروت، لبنان.
[27] الآداب الشرعية والمنح المرعية، أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و عمر القيام، 2/ 237، ط2، 1417ه-/ 1996م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
[28] بداية الهداية، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد زينهم عزب، ص:41-42، ط1، 1413ه-/ 1993م، مكتبة مدبولي، القاهرة.
[29] سورة النساء، آية: 125.
[30] كتاب الصفدية، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، 2/ 262-263، ط 1421ه-/ 2000م، دار الفضيلة، الرياض.
[31] سنن النسائي الكبرى، كتاب الجهاد، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر، 3/ 18، رقم الحديث (4348). قال الألباني حسن صحيح، انظر صحيح النسائي رقم الحديث (3140).
[32] انظر ذم الكلام وأهله، أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي، تحقيق:عبد الرحمن عبد العزيز الشبل، 3/ 128، ط1، 1418ه-/ 1998م، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية.
[33] سورة العنكبوت، آية: 69.
[34] انظر لكلام سفيان الثوري رحمه الله تعالى حول ذلك في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، 1/ 317.
[35] الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، 6/ 125، ط1، 1409ه-، مكتبة الرشد، الرياض.
[36] سورة فصلت، آية: 33.
[37] الموقع الرسمي للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: لقاء لسماحته في جامعة أم القرى بمكة المكرمة تحت عنوان (الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع).
[38] سورة النحل، الآيات: 125، 126، 127، 128.
[39] مصنف ابن أبي شيبة، 7/ 213.
[40] سورة الأحقاف، آية: 35.
[41] سورة الأنعام، آية: 34.
[42] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، تحقيق: زكريا علي يوسف، 1/ 77، دار الكتب العلمية، بيروت.
[43] مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، سعيد بن علي بن وهف القحطاني، ص: 178-182، ط2، 1429ه-/ 2008م، مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض.
[44] الآداب الشرعية والمنح المرعية، ابن مفلح المقدسي، 2/ 59.
[45] سورة آل عمران، آية: 110.
[46] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال البغدادي، تحقيق: مشهور حسن محمود سليمان، وهشام بن إسماعيل السقا، ص: 78، ط 1410ه-، دار عمار - المكتب الإسلامي، عمان - بيروت.
[47] سورة المائدة، الآيات: 78، 79، 80.
[48] انظر السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات، محمد عبد السلام خضر الشقيري، تحقيق:محمد خليل هراس، ص: 399، دار الفكر.
[49] انظر تفسير القرآن، ابن أبي حاتم الرازي، 4/ 1166-1167.
[50] سورة مريم، آية:31.
[51] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا، تحقيق: صلاح بن عايض الشلاحي، ص:56، ط1، 1418ه-/ 1997م، مكتبة الغرباء الأثرية، الرياض.
[52] سير أعلام النبلاء، أبو عبد الله الذهبي، 8/ 377-378.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|