عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18-06-2021, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حروف الهجاء من خلال الشعر

وهذه المعاني الإسلامية النبيلة، هي التي يؤكدها "شعراوي" في كتابته للأطفال عندما يقول:











مَا فَرَّقَتْ مِنَّا الأَلْوَانْ




وَإِنْ تَعَدَّدَتِ الأَوْطَانْ












فهو صادق مع نفسه، ويعبِّر عن مكنوناته بدون تحفُّظ، وما يقوله للكبار بالمستوى اللُّغوي المتين، يقوله أيضًا للأطفال بالأسلوب اللُّغوي الذي يُناسبهم ويتوافق مع مدارِكهم واهتماماتِهم.









وإن كان في قصيدة "يا نبي" يستمدُّ البلاغة النبويَّة، كما في قوله:




أَنَّ فِي الأَجْنَاسِ لاَ فَضْلَ عَلَيّ









فإنَّ نفس المعنى هو ما صاغه بأسلوب مبسَّط للأطفال عندما قال:











فَهَكَذَا شَأْنُ الأَدْيَانْ




تُحْيِي الإِخَاءَ بِكُلِّ زَمَانْ







وإذا كان تعدُّد الأمكنة لم يؤثِّر على العلاقات الطيِّبة بين أبناء الأُسْرة الواحدة في الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة، فإنَّ تعاقُبَ الزَّمان أيضًا لا يُفْسِد هذه العلاقاتِ الأخويَّة.









وفي قصيدة عن حرف (الياء) في الجزء الرَّابع من هذه السِّلسلة، نجد كلَّ معاني الوُدِّ الأسري المتبادَل؛ حيث إنَّ القصيدة عنوانها (أبي)، ومحورها ذلك الأب العطوف الذي يهتمُّ بتربية ولده صحيًّا ودينيًّا، فيغذِّي جسمه ويغذِّي فهمه، ويعلِّمه الصلاة والصيام، وحُبَّ الأدب والدِّين والاختراع، والناس جميعًا.









وقد أتيتُ بهذه القصيدة من موضعها في نهاية الحروف (الياء)، وقرَنْتُها مع قصيدة حرف (الألف)؛ للتوافق الموضوعيِّ بينهما، ومع نسيج الأسرة التي يسعى "شعراوي" إلى توطيد أواصر الصِّلَة بين أبنائها، وتقوية وشائج الارتباط بين أفرادها، و"شعراوي" في هذه القصيدة، وكأنه يطمئن الصِّغار أن الأب مصدرٌ رئيسي من مصادر الحنان والعطف، حتَّى وإن بدَتْ عليه أحيانًا بعض ملامح الغضب والثورة، فالأب هو القدوة وهو المعلِّم الأول لأبنائه:











وَهْوَ بِعِلْمِهِ يُغَذِّي فَهْمِي




وَلَيْسَ يَنْسَى أَنْ يُغَذِّي جِسْمِي




حَنَانُهُ غَيْرُ حَنَانِ أُمِّي




فِي رِقَّةٍ قَدْ غُلِّفَتْ بِالْحَزْمِ












وهذه الأبيات - رغم قِلَّتها - لها مدلولاتٌ كثيرة؛ فهي من ناحيةٍ تؤكِّد أنَّ الأسلوب التربويَّ الذي نشأ عليه جيل "إبراهيم شعراوي" في ريف مصر في بدايات القرن العشرين، كان هو الأسلوبَ الأمثل الذي ترك بصماتِه واضحةً في نفوس الأبناء، ومن ناحية أخرى، توضِّح أن التنازل عن الاهتمام الفطريِّ بالطُّفولة كان سببًا مباشرًا في التفكُّك الأسري الذي يعاني منه بعض المجتمعات المدنيَّة الحديثة، ولذلك فإنَّ "شعراوي" يُحاول بكلِّ طاقته أن يحفظَ تلك العلاقة الأسريَّة مِن عبث الأيام، فيشبِّه الأب بالبستان الذي فيه الزُّهور والعطور التي تعطي للحياةِ جمالَها وعبيرها:











كَأَنَّهُ حَدِيقَةٌ لِلزَّهْرِ




يَسِيلُ فِيهَا سَلْسَبِيلُ العِطْرِ












والطبيعة الخلاَّبة التي تُداعب خيالات الطِّفل، ما كان لها أن تغيب في إبداعات "شعراوي" الَّتي صاغها للأطفال، فنجد أغنية "البلبل" في قصيدة عن حرف "الباء"، كما نجد حديثًا عذبًا عن "الزهرة والفراشات" في قصيدة عن حرف "التاء"، وذلك في الجزء الأول، وفي هذه القصيدة إظهارٌ لقيمة الاجتهاد والعمل، بأسلوبٍ يناسب الطفل تمامًا؛ فهي تتحدَّث عن فراشاتٍ تبحث عن زهورٍ لتمتصَّ رحيقها، والفراشة التي ظلَّت تطير هنا وهناك هي التي وجدت زهورًا كثيرة، وحقَّقت أملَها في الخير الوفير:











مِنْ زَهْرِ التِّينِ، وَزَهْرِ التُّوتْ




مَنْ يَبْذُلْ جُهْدًا يَجِدِ القُوتْ




يَا صَحْبِي، وَالكَسْلاَنُ يَمُوتْ












ثم تُطالعنا في الجزء الثالث قصيدةٌ في حبِّ الوطن والانتماء إليه في قصيدةٍ على حرف "الضَّاد" وعن البطولة والفداء في قصيدة "الجنديِّ المجهول" على حرف "القاف"، وفي الجزء الرَّابع نجد قصيدةً عن الصَّداقة، ومميِّزات التَّعاوُن بين الأصدقاء في قصيدةٍ عن حرف "الواو"، حتَّى الفكاهة والتَّسامُر لها مساحةٌ معقولة، كما في قصيدةٍ عن حرف "الجيم" في الجزء الأول عن (المهرِّج) المشهور بكثرة دعاباته وحكاياته بعنوان "جحا والجحش المغنِّي"، هذا بالإضافة إلى كثيرٍ من القصص المشوِّقة في مختلِف الأمور التي تدعم مسيرة الارتقاء بمفاهيم الأطفال، وتنميتها، بما يتوافَق مع الهُوِيَّة العربية الإسلاميَّة، وأصالتها وأخلاقياتها.









وهكذا نجد أنَّ الأديب الشاعر "إبراهيم شعراوي"، قد سلك كلَّ السُّبل التي توصِّل إلى قلوب الأطفال، من خلال سِفْرِه الأدبي القيِّم "حكايات وأغانٍ على حروف الهجاء"، ملتزمًا الجانب الأخلاقي، ومتمسِّكًا بالمنهج الإسلامي القويم.








[1] من كتاب " أشتات مجتمعات في اللغة والأدب " عباس محمود العقاد ص 43.



[2] رواه الترمذي.



[3] من كتاب "النصِّ الأدبي للأطفال"؛ للدكتور سعد أبو الرضا، مطبوعات رابطة الأدب الإسلاميِّ العالمية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]