عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15-06-2021, 03:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,225
الدولة : Egypt
افتراضي الهدوء والتعصب في نظر الفتيات

الهدوء والتعصب في نظر الفتيات


أ. عائشة الحكمي






السؤال

السلام عليكم،
تحياتي لكم، وجزاكم الله خيرًا.
سُؤالي عن عَلاقتي بخطيبتي، علاقتنا جيدة وملتزمة والحمدُ لله، من دون مشاكل، لكن مؤخَّرًا بدأت خطيبتي تذكر أنِّي لا أفقد أعصابي أبدًا، وأحيانًا تذكر أنَّها تتمنى لو رأتني أتعصب مرَّة.

فهل هذه رسائل خفيَّة تقصد بها معنًى ما؟ (وأنا فعلاً لا أفقدُ أعصابي بسُهُولة، وأتعامل بحكمة دائمًا، وإن كنت أعتبر نفسي ذا شخصية قويَّة وصاحب وجهة نظر وفلسفة في أغلب الأمور)، فهل هذا معناه أن هدوئي معها لا يُعجبها؟ أنا فعلاً لا أفهم ما وراء تعليقاتِها، فما تفسيره؟ وبِمَ تنصحونَني؟



الجواب

أخي الفاضل، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
من أجمل السِّمات الشخصيَّة: اتِّصاف المرء بالهدوء المتزن، والتعامُل مع الأمور بحلم وحِكْمة وأناة؛ فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للأشج (أشج عبدالقيس): ((إنَّ فيك خصلتين يُحبهما الله: الحلم والأناة))؛ رواه مسلم.

وهاتان الصِّفتان قد غَلَبتا أيضًا على شخص النبي شعيب خطيب الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم جميعًا - حتى لم يُنكرها فيه قومه رَغْمَ كفرهم برسالته؛ {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87 ].

فبالرَّغم من الاستهزاء الواضح في خطابِهم معه وأسلوبهم المستفز له، إلاَّ أن ردودَه - عليه السَّلام - اتَّسمت دومًا بالهدوء والْحِكمة وضبط النفس؛ {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} [هود: 91 - 93].

وفي سياق آخر: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 88 - 89].

من المهم التأكيد على أنَّ للهدوء درجات إذا بلغت تحت الصِّفر تصبح الشخصية عندئذٍ مثلجة انفعاليًّا، ومُتجمدة فكريًّا، وسلبية اجتماعيًّا، ومزعجة جدًّا لأصحاب الشخصيَّات الاجتماعية الفعَّالة، فكم بلغت درجة حرارة هدوئك يا سيدي؟

يبدو أنَّ في هدوئك من الدفء ما يكفي لجعله واقعًا في المنحنى المعتدل المرغوب فيه؛ إذ يكفي أن تعليقَها على هدوئك قد استفز أعصابَك كثيرًا وأَقضَّ مضجعَك، ولو جربت زوجتك المستقبليَّة بعض انفعالاتِك، فستندم على تلك الأمنية العمر كله؛ إذ مَن فينا يُحب أن يُعامَل بعصبية أو أنْ يتعامَل مع شخصيات سريعة الاحتراق؟!

على أية حال، لا تقلق كثيرًا، فأغلب الظن أنَّها مداعبة من العيار الثَّقيل، "وأنَّها من باب قول المرأة لمن تُحبه: ابتعد عنِّي، لا تصدقني وتبتعد"، كما يقول الرافعي.

لك أن تنسى كلَّ كلمة كتبتها لك هنا، إلاَّ كلمة الرافعي، إياك أن تنساها؛ أنصحك أنْ تسأل خطيبتك بنفسك عن مغزى عبارتِها وكل عباراتها مستقبلاً، على أن يُطرَح هذا السؤال بمودَّة ورحمة، فأفضل الطُّرق للوصول إلى فهم الآخرين وتفسير تصرُّفاتِهم معنا، ومعنى أقوالهم لنا: هو سؤالهم مُباشرة عما يقصدون، فنحن هنا نفسر السلوك الإنساني، ولا نخوض في نية أحد، فالخوض في نيات الآخرين من عمل الشيطان ومن اختصاصه عياذًا بالله.

حين أَمَرَ الله - تعالى - آدم وحوَّاء بعدمِ الاقتراب من الشَّجرة، فسَّر لهما الشيطان هذا المنع بطريقته الخاصَّة: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 19 - 21].

ولئن كان الله - عزَّ وجلَّ - وهو الخالق العالم بما تُخفي الصدور لا يعاقب النَّاس يوم الحساب إلا بعد سؤالهم عن أعمالهم؛ {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23 [ ، فمن واجبنا نَحن أن نحسن الظَّن بالآخرين، ونستفسر منهم عمَّا يقصدون وما لا يقصدون.

{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 116 - 117].

وفي قصة يوسف مثال رائع: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 50 - 51].
ختامًا:
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم: 24 - 26].

دعواتي القلبيَّة لكما بحياة سعيدةٍ مُستقرة عامرة بالمودة والرحمة، لا تشوبُها الظُّنون ولا تهزها الكلمات العابرة، دمت بألف خير ولا تنسنا من صالح دعائك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.20%)]