عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-06-2021, 05:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي خطوات في طريق الدعوة الفردية

خطوات في طريق الدعوة الفردية
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري



مقدمة بين يدي هذا الموضوع:









إن المرحلية في الدعوة والتدرج في عرضها، والحرص على هداية الناس وتعبيدهم لرب العالمين من الأمور التي راعتها النصوص الشرعية في تأديبنا بأدب الدعوة، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة النحل: 125]، وقد تمثل هذا التدرج واختيار الأسلوب الأنسب للمدعو في هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح مسألة ظاهرة المعالم واضحة الأبعاد، قد أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا - رضي الله عنه - لليمن وجهه أن يراعي هذه المرحلية في طرح موضوعات الدعوة؛ قال له عليه الصلاة والسلام: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم؛ فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوقَ كرائم أموال الناس"، متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهكذا لما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًا - رضي الله عنه - ليهود خيبر سأله علي - رضي الله عنه -: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال له:" انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"، متفق عليه من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -.








ومن هنا تأكد علينا أن نراعي مرحلية دعوة الآخرين إلى الله؛ وخصوصًا في حق من أعرض عن طاعة الله زمانـًا، وانغمس في معاصي الله حقبًا، ومن ذلك أن نراعي ما يلي:



‌أ- موضوعات الدعوة التي تطرح على المدعو؛ فيبدأ بالأهم فالأهم.



ب- طريقة عرض الدعوة؛ فيأخذ الأسلوب الأقرب فالأقرب.



ج- عتاب المقصر ومحاسبته على أخطائه؛ فتعالج خطأً خطأً؛ الأكبر فما دونه.







وكل هذا يدعونا إلى وقفات تأمل في خطاب القرآن والسنة في الدعوة المرحلية، وهي هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع التائبين، وموقف علمائنا رحمهم الله من بعض القضايا التي قد يحتاج إليها في هذا الباب، لذا كانت هذه الكتابة على عجل في فصلين:



الفصل الأول: في خطوات في طريق هداية الآخرين.



الفصل الثاني: في هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع التائبين.







والله اسأل أن يتقبل منا صالح الأعمال، وأن يهدينا سبل السلام، ويأخذ بأيدينا إلى أحسن الأخلاق والأعمال، ويصرف عنا سيء الأخلاق والأعمال، ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾، [سورة الفرقان: 74]، والله تعالى أعلى وأعلم.







خطوات في طريق الدعوة الفردية:



الدعوة إلى الله تعالى منهج متأصل من نصوص الكتاب والسنة وقواعد السلف رحمهم الله تعالى، وهي في نفس الوقت عبادة يجد الداعية حلاوتها في قلبه وأثرها فيمن حوله، يقول الحسن البصري رحمه الله: هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته؛ فهذا حبيب الله، هذا ولي الله، قال ابن القيم تعليقًا كما في مفتاح دار السعادة 1 / 153: فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد.







وفي عرضنا هذا سنبدأ من أول مراحل عرض الدعوة على المدعو، وهي مرحلة التعرف عليه، ثم تألفه والتحبب إليه، ثم ترغيبه في الخير، ثم السعي في تغيير معاصيه وعاداته السيئة، ثم السعي في تثبيته على الخير والاستقامة، ثم متابعته المستمرة، وإن كان الداعية قد لا يحتاج دائمًا لهذه المراحل؛ فقد تكون له المعرفة الجيدة بالمدعو وقد تكون بينهما علاقة حسنة؛ فيتجاوز مرحلة أو مرحلتين.







المرحلة الأولى: مرحلة التعرف على المدعو:



أول ما يحتاجه الداعية أن يتعرف على المدعو؛ فيعرف اسمه ونسبه، ويعرف حالته الاقتصادية والاجتماعية، ويعرف شيئًا من ماضيه، ويتعرف على نفسيته وعلى أصحابه، كما يتعرف على أسباب وقوعه في المعصية.







وهذا ما يعرف في علوم المهارات بمهارة البدء بالاتصال مع الناس، ومن الوسائل المعينة على ذلك:



أن يتعرف عليه من طريق صاحب له؛ فيُعرف به ويعرفه بأحواله.



أن يتعرف عليه من خلال عقد بعض المسابقات أو اللقاءات الشبابية، ثم يتواصل معه في مثلها، ويتعرف عليه من خلالها.



أن يتعرف عليه من خلال زيارته في بيته أو في عمله أو في سجنه، ويخبره أنه جاء للتعرف عليه.



أن يتعرف عليه من خلال دعوته لحضور مجلس دعوي أو حلقة علمية، ثم يبدأ في سؤال من حوله عنه.



أن يبدأ العلاقة معه من خلال طلب مساعدته في أمر يجيده من أمور المسجد أو الدعوة أو الأمور الشخصية، ثم يتواصل معه من خلاله.



أن تكون المعرفة بينهما مسبقة؛ فيسعى لتجديدها وتذكيره بها وبتقلبات الزمان بأصحابهم القدامى، ثم الدخول إلى أحواله.



ومن خلال تعرفه بالمدعوين يختار الأنسب من بينهم لكي يقوم بتركيز الدعوة عليه.







ويراعي في ذلك أمور:



الأول: صفات المدعو وأثره في الخير بعد ذلك؛ كأن يكون ممن يتوقع أن ينصر الدين بنفسه أو ماله أو رأيه أو وجاهته عند أهله وأصحابه، وفي المتفق عليه عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة"، بل يروي لنا أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"تجدون الناس معادن؛ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهة قبل أن يقع فيه، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه"، رواه البخاري ومسلم.







الثاني: صلة المدعو بالداعية؛ كأن يكون قريبًا له أو جارًا، وبه ينبغي أن يبدأ لقوله تعالى:﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [سورة الشعراء: 214].







الثالث: حاجة المدعو وقربه من الخير، وقد عاتب الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - لما أعرض عن دعوة الأعمى وأقبل على دعوة عظماء قريش؛ كما في أول سورة عبس.







المرحلة الثانية: تألف المدعو وإيجاد علاقة المحبة بينه وبين الطيبين:



وفي هذه المرحلة يسعى الداعية لتقوية العلاقة بينه وبين المدعو؛ ليكون أقرب إلى قلبه، وأحب إلى نفسه من سائر رفقائه السيئين؛ حتى يسهل بعد ذلك أن يصارحه بهمومه وأحواله، وأن يقتنع بتوجيهاته ونصائحه، وأن يصدق في اجتهاده لتغيير حاله، فالمحب الصادق مطيع لمن أحبه ووده، وهذه المرحلة تعرف عند ذوي المهارات بمهارة كسب الناس والتأثير فيهم، وعليه أن يحرص عليها ولا يستعجل في تخطيها؛ حتى تتمكن العلاقة مع المدعو بالشكل اللازم للتصحيح، ومن وسائل ذلك:



مخالطة المدعو بزيارته، ودعوته إلى بيت الداعية وفي مناسباته، والسفر والرحلة معه، ويحرص على تنويع مجالسه وأحاديثه حتى لا يمله ويضجره، وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يخالط الصحابة رضي الله عنهم ويسعى في إدخال البشر والسرور إليهم، قال أنس بن مالك: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير ما فعل النغير"، متفق عليه.







أن يتعامل معه بكريم الأخلاق وجميل الآداب؛ فيحرص في التعامل معه أن يتحلى بأدب الإسلام في كل موضع؛ فيخالقه بآداب المجالس، وآداب الحديث، وآداب الزيارة، ويتعامل معه بأخلاق الأخوة الإسلامية، ويحرص على إظهار الاحتفاء به وخصوصية إكرامه بدون أن يحرجه، يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ثلاث تثبت لك الود في قلب أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه، ومنها أيضًا التصريح له بأنه ما يتخلق معه بهذه الأخلاق ولا يحبه إلا لله، فعن أنس - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمر به رجل، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أعلمته"، قال: لا، قال: "أعلمه"، قال: فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له، رواه أبو داود وحسنه الألباني، ومن جميل ذلك أن يكثر له من التبسم، قال حبيب بن أبي ثابت رحمه الله: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يتبسم، ويقول صاحب كتاب كيف تكسب الأصدقاء/ 73 عن أثر الابتسامة: (إنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر، ولكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر.. وهي التوقيع على ميثاق المحبة بين الأصدقاء)، وهكذا ليحرص الداعية على أجمل أخلاق الإسلام في تعامله مع المدعو والذي لا يجد إلا القناعة السريعة بأن هذا أجمل وأكرم ممن يعرف، قال أبو حاتم رحمه الله: حسن الخلق بذر اكتساب المحبة.







أن يسعى في الإحسان له ما استطاع بماله أو جاهه أو خدمته أو نصيحته وبحسب حاجة المدعو، فبالإحسان إلى الناس نكسب محبتهم وتسهل دعوتهم، فليس الداعية إلا جوادًا كريمًا بوقته وماله ونصيحته، وهذا هو ابن المبارك رحمه الله يعرف لنا حسن الخلق بقوله: بسط الوجه وبذل المعروف، ويدخل في ذلك الصدقة والهدية التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -:" تهادوا تحابوا "، وهو حديث حسن.







الاجتهاد في القرب منه والاستماع إليه؛ فيطمئن المدعو للداعية ويسعى في تنفيس همه إليه، وعرض شكواه عليه، ويروي أنس - رضي الله عنه - لنا من أخبار نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة كانت في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إني لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها، رواه مسلم.







استخدام المزاح معه بالقدر المناسب؛ ففي المزاح تآلف الصدور والبعد عن الكلفة وتغيير النظرة القاتمة، وأينا في جده وهمه للدعوة كرسولنا - صلى الله عليه وسلم - ؟، وقد كان كما قال له أصحابه: يا رسول الله إنك تداعبنا، فقال: غير أني لا أقول إلا حقًا، رواه الترمذي.







والمظهر الجيد من أبواب فتح القلوب، قال المفسرون رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ﴾ [سورة طـه: 39]، قال القرطبي 11/ 177: قال ابن عباس: أحبه الله وحببه إلى خلقه، وقال ابن عطية: جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه، وقال قتادة: كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه، وقال عكرمة: المعنى جعلت فيك حسنًا وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبك؛ فينبغي للداعية أن يعتني بلباسه وهندامه وطيبه وهيئته وحسن سمته.







أن يدعو الله تعالى أن يجمع قلبه وقلب المدعو بالمحبة فيه؛ فإنه أمرٌ ليس إلا لله تعالى، قال سبحانه مانـًا بهذه النعمة على المؤمنين، ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾، [سورة الأنفال: 63]، وعليه بالصدق مع الله وإخلاص العلم له وتجنب معاصيه، فيصدق فيه قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾، [سورة مريم: 96]، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أكمل المؤمنين أيمانًا أحاسنهم أخلاقًا، الموطؤون أكنافـًا، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف"، انظره في السلسلة الصحيحة 2/ 378.







المرحلة الثالثة: إيقاظ واعظ الإيمان في نفس المدعو:



وهنا يستخدم أسلوب الترغيب في الطاعات والترهيب في المحرمات، وهذه الخطوة ينبغي أن تسبق مرحلة النصح المباشر والأمر والنهي؛ كما هو هدي القرآن، تقول عائشة رضي الله عنها: لقد نزل أول ما نزل من القرآن سورة فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذ ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ومن الوسائل التي يحرص عليها الداعية في هذه المرحلة:



دعوته للمحاضرات والمجالس الإيمانية، ولسماع الأشرطة المؤثرة في وصف الجنة والنار، وأهوال القيامة وأحوال الناس في القبر، والتي تطرق قصص القرآن والسنة في نجاة وانتصار المؤمنين، وهلاك وعذاب الظالمين، ونحوه من القصص التي تحيي في قلبه خوف سوء الخاتمة والسعي في التوبة والاستقامة، ويراعي هنا استخدام الأمرين: دعوته للمحاضرات والمجالس الإيمانية ليحصل الوعظ غير المباشر، وإهدائه الأشرطة والكتيبات المؤثرة ليحصل التأثير المباشر، وقد يكون هذا أنفع، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾، [سورة سبأ: 46].







استغلال المواقف المناسبة للتذكير؛ كحادثة وفاة قريب أو جار أو صاحب للمدعو، أو منظر أثّر في نفسية المدعو؛ فيستغل الداعية هذا التأثير ليصنع منه أثرًا يُغرس في نفس المدعو، كما في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله؛ كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه، فقال:"استعيذوا بالله من عذاب القبر"، مرتين أو ثلاثـًا، ثم قال:" إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه.. الحديث"، رواه أحمد.







مرافقة المدعو إلى الطاعات الجماعية؛ كصلاة الجماعة أو التراويح أو رحلة للعمرة أو الحج، أو خطبة جمعة أو عيد، واستغلال فترة الإياب في التعليق على ما سُمع وأثر في نفس المدعو.







حرص الداعية أن يكون قدوة للمدعو في محافظته على العبادات؛ كالمحافظة على الأذكار، وصلاة النوافل والوتر، والمداومة على ورده من القرآن، والصدقة، فيكون داعية بأفعاله وأخلاقه قبل أقواله.







المرحلة الرابعة: تغـيير حال المدعو إلى الحال التي ترضي الله تعالى:



وتشمل هذه المرحلة الحرص على تغيير: قناعات المدعو ومعاصيه وأخلاقه والبيئة التي من حوله إلى ما يقربه للخير ويصرفه عن الشر، ومن الوسائل الدعوية لهذه المرحلة:



النصح المباشر: فبعد أن قويت العلاقة بين الداعية والمدعو وثبت الود والمحبة، لا بد من استغلال هذه العلاقة في توجيهه إلى الخير، وليستعمل الداعية الأسلوب الحكيم في النصح مراعيًا آداب النصيحة، ومن أجمل الأساليب أن يبتدئ نصيحته بمدح المدعو والثناء عليه؛ كأن يقول فيك من الصفات الحميدة كذا وكذا، لكن ينقصك أمر أو يعيبك فعل لو تركته لكنت كأجمل ما يكون خيرًا وهدى، ثم يصارحه به، والمدح له أسلوب عظيم في التأثير والقبول؛ واسمع لهذه القصة الجميلة: كان بعض الدعاة في فرنسا، وذهبوا إلى حديقة مليئة بالناس والمنكرات، فوجدوا شاباً عربياً معه آلات موسيقية ويغني، فذهبوا إليه وبدؤوا نصيحتهم بالخطوات التالية: مَنِ الأخ ؟ فقال: محمد، فقال الداعية: ما شاء الله ما شاء الله! هذا اسم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال المدعو: ولكني لا أصلي، فقال الداعية: ما شاء الله، الله أكبر، دائماً المؤمن لا يكذب ومنهجه الصراحة، وأنت كذلك؛ فما كان من ذلك الرجل إلا أن ذهب مع الداعية إلى سكنه، ثم هداه الله تعالى على يديه.



الرسالة ذات العاطفة الصادقة والأسلوب المؤثر، ففي قراءة المدعو للكلمات وتقليبه للصفحات، وترداده لبعض العبارات أبلغ الأثر عليه، فاكتب رسالة خاصة وتدرج في نصيحتك.



مساعدته في تصحيح الخطأ، فيقف الداعية عونـًا للمدعو في معالجة أخطائه، بنصحه ومتابعته؛ كترك الرفقة السيئة، أو تركه للتدخين أو القات أو الفواحش، وإعانته على صلاة الفجر أو بر الوالدين أو نحو ذلك، وينبغي في هذه المرحلة أن يلم الداعية بالوسائل والسبل المناسبة لمساعدة المدعو وخطوات العلاج، وما قد يقف عقبة في مواجهة المدعو وكيفية التغلب عليه؛ فيحرص قبل بدء هذه المرحلة في القراءة والاستماع واستشارة ناصح أو مجرب؛ حتى يكون أكثر قدرة على مساعدة المدعو ونصحه.







وهذه المرحلة تحتاج من الداعية إلى أمور مهمة:



• أولها: التدرج مع المدعو، والرفق به، وهي صفة مهمة في دعوة الداعية، يقول الله تعالى واصفًا رسوله: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾، [سورة آل عمران: 159]، وفي ترفق النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأعرابي الذي بال في المسجد ما يؤكد الاهتمام بهذا الجانب، فعن أبي هريرة أن أعرابيًا قام فبال في المسجد؛ فتناوله الناس، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -:"دعوه، وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوبًا من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"، رواه البخاري، ومن ذلك أن يراعي الداعية هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يتخولهم في الموعظة كراهة السآمة عليهم، ومن ذلك أن يتلطف في عباراته ومخاطباته؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وربنا تعالى يرسل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون الذي ادعى الربوبية وقال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى ﴾، [سورة النازعات: 24]، ويقول لهما: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾، [سورة طـه: 44]، وليتق الله من تنفيره من الخير، وهو ما حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فيما يتعلق بصلاة الجماعة؛ حتى لا تكون سببًا لنفرة الناس من الطاعة، فعن أبي مسعود - رضي الله عنه - كما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" يا أيها الناس: إن منكم منفرين؛ فمن أمّ الناس فليتجوز؛ فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة". ‌







يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]