
08-06-2021, 04:20 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة :
|
|
رد: وما بعد الاستعمار إلا الدمار
وسنذكر أمثلة على ذلك:
فلقد حافظت البلاد العربية في ظل الحكم العثماني على درجة من الوحدة، ولذلك تعتبر السيطرة الاستعمارية العامل المباشر في التمزق الذي أصاب البلاد العربية وإيجاد ظاهرة التعدد، ومن ثم فإن ظاهرة التعدد تعود بشكل رئيسي إلى الاحتلال الأوروبي للوطن العربي الذي جزأته القوى الأوروبية، وبذلك اختفت مظاهر الوحدة التي ظلت قائمة طوال فترة الحكم العثماني، حسب ما جاء في الموسوعة العربية.
ويظهر أثر السيطرة الأجنبية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى عملية الغزو الثقافي وما ارتبط بها من تشويه للتراث العربي.
وقد حصلت الأقطار العربية على استقلالها نتيجة لضغط الحركة الوطنية والنضال المتواصل من أجل الاستقلال. وأدى التعدد والتنوع في حركات التحرر إلى تعدد وتنوع في القيم والاتجاهات السياسية؛ فقد ظهرت قيم سياسية محلية خاصة بكل قُطر عربي، وساد تيار الوطنية الإقليمية.
ولا شك أن القوى الاستعمارية كانت هي المستفيدة من استمرار هذه التجزئة؛ ولذلك فقد حرصت منذ أيام محمد علي باشا على منع قيام دولة قوية في هذا الجزء من العالم، كما حرصت دوماً على استمرار تبعية الأقطار العربية اقتصاديًا وثقافيًا، بما يقلل من أهمية الاستقلال السياسي.
فقد عمل الاستعمار الأوروبي على طمس معالم الهوية الإسلامية العربية التي تميز العرب عن غيرهم، وسارت جهوده في خطين متوازيين؛ محاربة الثقافة الإسلامية العربية من جانب، ونشر الثقافة الغربية من جانب آخر.
ولم تدخل مسائل الحدود العربية والخلافات الناشبة حولها الوعيَ العربي إلا في الأعوام التي أعقبت انتهاء الخلافة العثمانية وبدء الاستعمار والانتداب الغربيين فبعد أن كان التنقل متاحاً للجميع في ما يعرف بـ"ديار الإسلام" ظهرت المنافذ الحدودية وتأشيرات الدخول المسبقة والهويات المحلية، حسب تقرير موقع (سي إن إن).
ويوضح التقرير أنه بسبب الأساليب التي اتبعت في رسم الحدود العربية فإننا اليوم نكاد لا نجد دولة عربية لم تشهد خلافات حدودية مع أشقائها المجاورين.. سواء في منطقة الخليج العربي أو شبه الجزيرة العربية أو بلاد الشام أو المغرب العربي.
ففي عام 1991م، وصل الخلاف السعودي القطري إلى حد الاشتباك المسلح في منطقة (الخفوس)، ما أدى لسقوط قتلى من الجانبين، أما مع الكويت فقد استمر الخلاف لفترة طويلة حول ما يعرف بـ"المنطقة المحايدة" التي اتضح أنها غنية بالنفط قبل اتفاق عام 1965م التي لم تحل الخلافات في المياه الإقليمية حول جزر تقع في المنطقة.
وفي عام 1975م، توصلت السعودية والعراق إلى اتفاق ينص على تقسيم المنطقة المحايدة بين البلدين، أما مع البحرين، فلم يبرز الخلاف إلا مطلع العقد الرابع من القرن الماضي، مع منح المنامة حقوق تنقيب في منطقة "فيشت أبو سعفة،" ولم يحل الخلاف إلا بعد عقدين عبر تقسيم المنطقة جغرافياً والاشتراك في منابع النفط فيها.
وفي الجنوب الشرقي، فإن الخلاف حول واحات البريمي كان معقداً، مع دخول الإمارات وسلطنة عُمان فيه، وقد حلته السعودية مع إمارة أبو ظبي عام 1979م.
وبالنسبة للنزاع حول مناطق الربع الخالي بين سلطنة عُمان والسعودية فقد وضعت اتفاقية لتنظيمه عام 1990، تحفظ عليها اليمن التي كانت منقسمة آنذاك بدورها. كما برز الخلاف بين الإمارات وسلطنة عُمان، علماً أن الإمارات تطالب بجزر تسيطر عليها إيران في الخليج.
وبالنسبة لقطر والبحرين، فيعود الخلاف بينهما حول جزر حوار إلى العقد الثالث من القرن الماضي، ولم يحل حتى عام 2001م بقرار من محكمة العدل الدولية..
أما الشكل الأبرز والأكثر دموية للنزاعات الحدودية في الخليج فكان الغزو العراقي للكويت، بعد أن وصفت بغداد الكويت بأنها المحافظة رقم 19.
وفي الجنوب تبرز قضايا الحدود بين سلطنة عُمان واليمن، وفي الشرق بين قطر والبحرين، ولم تنجح الوساطات في حل النزاع حول جزر حوار حتى تدخلت فيها محكمة العدل الدولية، التي حلت أيضاً الخلاف بين اليمن واريتريا حول جزر حنيش في البحر الأحمر.. إلى جانب الحروب التي اشتعلت بين شطري اليمن قبل الوحدة بسبب قضايا الحدود والفكر السياسي.
وفي المشرق، ما تزال قضية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا عالقة حتى اليوم، بينما وقعت سوريا مع الأردن أكثر من اتفاقية حدودية، كما كانت سوريا قد أثارت لسنوات قضية "لواء اسكندرون" الخاضع للسيطرة التركية، قبل أن يتراجع الاهتمام بالموضوع..
وبالنسبة للمشرق، فقد كان الانتداب الفرنسي قد قسّم منطقة سوريا الطبيعية إلى خمس دول بعد الحرب العالمية الأولى، هي دول لبنان وحلب ودمشق وجبل العلويين وجبل الدروز، وفي وقت لاحق عادت الدول الأربع الأخيرة للتوحد لتشكل سوريا، بينما ظل لبنان منفصلاً لتبرز مطالبات بضمة إلى دمشق من جديد.
ورغم التبادل الدبلوماسي الأخير بين سوريا ولبنان، الذي يعد الأول بينهما منذ استقلالهما، إلا أن مطالب ترسيم الحدود ما تزال مطروحة، خاصة في منطقة مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل حالياً، وتقول تل أبيب إنها لن تنسحب منها لأنها جزء من سوريا، بينما يشير لبنان إلى تبعيتها له.
أما الأردن فقد مرت قضاياه الحدودية بعدة تعقيدات نظراً لتأثيرات الملف الفلسطيني على الجانب الغربي، أما في الشرق فإن الحدود مع العراق فقد دخلت هي الأخرى في الاتفاقيات التوضيحية.
وبالوصول إلى شمال أفريقيا، يبرز الخلاف الذي لا يكاد يتراجع حتى يعاود الظهور حول مثلث منطقة "حلايب" بين مصر والسودان، إذ إن الحدود بينهما قائمة على خط العرض الوهمي رقم 22، ، وبالنسبة للسودان فإن خلافاته الحدودية تتصل بجميع جيرانه..
وفي بلاد المغرب برزت بعض الخلافات حول واحات صحراوية مع ليبيا، لكن الأمر ظل في إطار نظري.
وفي تونس، توصلت الحكومة إلى حل نزاع يتعلق بالحدود البحرية مع الجارة الكبرى الجزائر، بعد اتفاق مماثل على الحدود البرية، بانتظار حل مشكلات مماثلة عند الحدود مع ليبيا، علماً أن طرابلس كانت بدورها قد خاضت حرباً دامية في العقد الثامن من القرن الماضي مع جارتها تشاد على خلفية قضية شريط أوزو الحدودي.
أما الوضع الأصعب فكان بين الجزائر والمغرب، بسبب النزاع حول منطقة تندوف وحاسي بيضة، وتطورت الأمور إلى حرب عام 1963م استمرت أربعة أشهر، وما زالت ذيولها حتى اليوم على العلاقات بين البلدين بسبب مساندة الجزائر لمنطقة الصحراء الغربية في مطالبها الانفصالية على المغرب، والحدود البرية المغلقة بين الطرفين.
وفي الصومال الذي يعيش منذ عقود في دائرة الحرب الأهلية فإن لديه صراع حدودي مع كينيا وأثيوبيا..
ويرى عادل الموساوي - أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط - أن مشكلة الخلافات الحدودية بالعالم العربي "إرث ثقيل يرتبط بعوامل تاريخية كثيرة في صلبها تأثير الحملات الاستعمارية التي قسمت المنطقة إلى كيانات وخلقت بالتالي بؤرا دائمة للتوتر كان من نتائجها هذا الانكشاف المريع للأمن القومي العربي".
واعتبر الموساوي - في تصريح لموقع CNN بالعربية - أن الحدود العربية قنابل موقوتة مرشحة للانفجار في أي لحظة، وعندئذ تصبح الكلفة صعبة التحمل بالنسبة لمستقبل الأنظمة والشعوب معاً، مستشهداً بحرب الخليج الثانية التي أفضت إلى تدخل القوى الكبرى وانهيار مجلس التعاون العربي وتقويض الأمن القومي.
وعلى غرار الإشكاليات الحدودية في المشرق، لاحظ الباحث المغربي أن استمرار الخلاف على الحدود في منطقة المغرب العربي يشكل أكبر معطل لمسيرة الاتحاد المغاربي وللمشاريع التعاونية التي يتوقف عليها مصير شعوب المنطقة..
وقد بلغت تعقيدات الحدود داخل العالم الإسلامي حداً يدفع المرء إلى اليأس من وجود حلول لها في ظل الأوضاع القائمة.. ولم تعد فكرة إزالة الحدود وتوحيد الدول مطروحة في أذهان الناس، بل أصبحت مثار استهزاء وسخرية.. وأصبحت الاتفاقيات بترسيم الحدود هي أفضل الحلول في عالم الضعفاء، رغم أن ذلك لا يحل المشكلة نهائياً وللأبد بل قد يزيد الشقة بين الإخوة، ويثبت الحواجز بين الأشقاء.
اتفاقية (سايكس ـ بيكو)
رأت الدول الأوروبية أن الفرصة مناسبة للسيطرة على بلاد العرب بعد الضعف الذي أصاب الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وتصاعدت نزعة الاستعمار عند تلك الدول مع اندلاع الحرب العالمية الأولى التي كانت إيذاناً بزوال حكم بني عثمان، الذي خلّف مناطق واسعة، ودولاً عديدة سال لها لعاب فرنسا وبريطانيا التي سارعت إلى عقد اتفاقية (سايكس ـ بيكو) لتقسيم هذا "الإرث".
وكانت تلك الاتفاقية تفاهماً سرياً أبرم في 9 مايو 1916م، أثناء الحرب العالمية الأولى بين هاتين الدولتين وبموافقة روسيا.
أدّى الاتفاق إلى تقسيم المناطق التي كانت خاضعة للحكم التركي، وهي سورية والعراق ولبنان وفلسطين، إلى مناطق تخضع للسيطرة الفرنسية وأخرى تخضع للسيطرة البريطانية. وقد سميت تلك الاتفاقية باسم المفاوضيْن اللذيْن أبرماها وهما (مارك سايكس) البريطاني و(جورج بيكو) الفرنسي.
وهكذا تمّ تقسيم المنطقة العربية بين الدول الاستعمارية الكبرى، بمقتضى هذه الاتفاقية التي وصفها بعض المؤرخين الأوروبيين بأنها "ليست صورة للجشع فحسب، بل صورة مرعبة للمخادعة"، إذ عملت على تفتيت المشرق العربي وتقسيمه، وحوت تناقضات مع المعاهدات والوعود الأخرى العلنية التي قدمتها تلك الدول للعرب، ولعلّ أهمها انتـزاع فلسطين من محيطها العربي المسلم ووضعها تحت إدارة دولية، وإمعاناً في التناقض وعدت بريطانيا اليهود بإقامة وطن قومي لهم فيها.
ظلّت اتفاقية (سايكس ـ بيكو) طي الكتمان حتى قيام الثورة البلشفية (الشيوعية) في روسيا عام 1917م، والتي تمكّنت من الإطاحة بالقيصرية وتسلّمت زمام الحكم هناك. وعثر الثوار على الوثائق التي كانت تبادلتها روسيا القيصرية مع فرنسا وبريطانيا، فبادروا إلى إعلانها وفضح أسرار ما يدور خفية عن عيون العرب الذين كانوا يعلّقون آمالهم على وعود تلك الدول.
وفيما يلي خلاصة لبعض بنود الاتفاقية:
جاء في المادة الأولى: يكون لفرنسا في منطقة [أ] (داخلية سوريا) ولإنكلترا في منطقة [ب] (داخلية العراق) حق الأولوية في المشروعات والقروض المحلية، وتنفرد فرنسا في منطقة (أ) وإنكلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية.
وفي المادة الثانية: يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء (سوريا الساحلية) ولإنكلترا في المنطقة الحمراء (منطقة البصرة) إنشاء ما ترغبان به من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة، بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية.
أما المادة الثالثة فقد نصت على إنشاء إدارة دولية في المنطقة السمراء (فلسطين)، يعين شكلها بعد استشارة روسيا..
وفي المادة الرابعة: تنال إنكلترا ما يلي:
1- ميناءي حيفا وعكا.
2- يضمن مقدار محدود من مياه دجلة والفرات في المنطقة (أ) للمنطقة (ب)..
وفي المادة الخامسة: تكون إسكندرونة ميناءً حراً لتجارة الإمبراطورية البريطانية..
وتكون حيفا ميناءً حراً لتجارة فرنسا ومستعمراتها والبلاد الواقعة تحت حمايتها..
مأساة أفريقيا
أفريقيا نموذج آخر لمآسي الاحتلال الأوروبي ونتائجه الكارثية التي عانت منها القارة ولا زالت.
فقد شهدت القارة الأفريقية مع إشراقة العصور الحديثة موجة من الصراع الاستعماري بعد خروج المسلمين من الأندلس وسقوط آخر معقل لهم في غرناطة عام ١٤٩٢م.
وكان الهدف من هذه الحركة الاستعمارية - كما يؤكد الدكتور عبد الله عبد الرازق إبراهيم - هو تعقب المسلمين القادمين من الأندلس والقضاء على آخر معاقلهم على الساحل الأفريقي ثم إجهاض أي محاولة للتفكير في العودة إلى هذه البلاد.
وترتب على هذه الهجمة الاستعمارية محاولة تطويق المسلمين وذلك بالاتصال بالمملكة المسيحية في بلاد الحبشة بزعامة برستر جون.
وأدّت هذه الحركة إلى قيام الكشوف الجغرافية التي انتهت بالدوران حول أفريقيا والوصول إلى شاطئها الشرقي. ودخلت في صراع دموي مع الإمارات والممالك الإسلامية سواء في شمال القارة أو في شرقها أو غربها.
ويقول الدكتور عبد الله عبد الرزاق: اتخذت هذه الهجمة صبغة صليبية؛ ذلك لأن البابوية باركت هذا العمل العدائي ضد المسلمين, واعتبرت كل من يقتل في سبيل تحقيق هذا الهدف من شهداء الكنيسة؛ وبالتالي أيّد الملوك والأمراء في كل من إسبانيا والبرتغال هذا العمل.
ويؤكد الدكتور عبد الله أنه لم يحدث في التاريخ أن استمرت موجة استعمارية مثل ما حدث في القارة الأفريقية، ولم يحدث أن استنزفت موارد قارة بشرية وطبيعية لصالح أوروبا مثل ما حدث لأفريقيا كما لم يحدثنا التاريخ من قبل عن قارة قسمت إلى أشلاء ودويلات قزمية بأيدي الأوروبيين مثل ما حدث في أفريقيا.
لقد أصبحت القارة الأفريقية بعد موجة التحرر والتحرير في النصف الثاني من القرن العشرين تعاني من التمزق والتجزئة، وتلك الحدود المصطنعة التي قسّمت أبناء القبيلة الواحدة بين أكثر من وحدة سياسية.
وكانت هذه الحدود التي ساومت عليها الدول الأوروبية في القارة الأفريقية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر هي أساس الحدود الحالية، وهي بلا شك حدود من صنع الاستعمار ولا تتفق مع واقع القارة ولا شعوبها فأصبحت مشكلات الحدود من أعقد الأمور التي تواجه قادة أفريقيا في مرحلة البناء والتعمير بعد الاستقلال.
كانت هذه الموجة الاستعمارية تتركز في المقام الأول على المسلمين في شمال القارة باعتبارهم الحصن الحص والدرع الدرع المتين الذي يدافع عن الإسلام وعن المسلمين؛ وهذا ما أعطى حركات التوسع البرتغالي والإسباني صبغة صليبية من أجل القضاء على المسلمين ومن أجل تتبع الهاربين من الأندلس.
وقد تطلب ذلك الأمر الدخول في صراع مع مسلمي شمال أفريقيا واحتلال هذه الأجزاء وقيام أكبر عملية جهاد بحري في تاريخ البحر المتوسط استمرت منذ عام 1492م حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.. وذلك عندما بدأت دول استعمارية جديدة تدخل الميدان وتتطلع إلى استعمار القارة بقصد القضاء على حضارة المسلمين وبهدف التحكم في المناطق الإستراتيجية في القارة وبغية السيطرة على أجزائها لضمان الحصول على المواد الخام اللازمة للثورة الصناعية التي قامت في القارة الأوروبية.
إهلاك الحرث والنسل
ومن نتائج الاحتلال الأوروبي التجارب النووية التي نفذتها فرنسا في بلاد الجزائر، فقد نشرت جريدة (لوباريزيان) الباريسية - في فبراير 2010م - تقريراً عسكرياً فرنسياً أشارت فيه إلى أنه تم تعريض الجنود الفرنسيين وأسرى التحرير وسكان مناطق الصحراء في جنوب الجزائر بداية الستينات لتجارب نووية تهدف إلى دراسة انعكاسات السلاح النووي الجسدية والنفسية على الإنسان.
ومن بين التجارب التي كشفت عنها الصحيفة تلك التي جرت في منطقة الحمودية صباح يوم الثالث عشر من فبراير عام 1960م حيث استيقظ سكان المنطقة على وقع انفجاراتٍ ضخمةٍ تبينَ فيما بعد أنها تفجيرات نووية تجريبيةٌ عُرِفتْ بـ(الجربوع الأزرق).
وخلال تلك التجارب تحولَ سكانُ المدينةِ البالغُ عددُهم نحوَ اثنين وأربعينَ شخصاً، بالإضافةِ إلى بعضِ أسرى التحرير وجنودٍ فرنسيين، إلى فئران تجاربَ لخبراءِ التفجيراتِ النووية.
وأجرت فرنسا تجارب نووية في الجزائر في الفترة من العام 1960م حتى العام 1966م، ثم في بولينيزيا الفرنسية في المحيط الهادي من العام 1966م حتى العام 1996م، وبلغ العدد الإجمالي للتجارب النووية الفرنسية 210 تجارب.
ورفضت الدولة الفرنسية طويلاً الاعتراف رسمياً بالصلة بين الاختبارات النووية التي أنهتها عام 1996م ومشاكل صحية شكا منها أفراد عسكريون ومدنيون شاركوا في هذه الاختبارات.
ويقول بيير لوروا - أحد الخبراء المشاركين في التفجيرات - في تقرير لقناة العربية -: "تم تفجير أربع قنابل نووية باسم الجربوع الأزرق والأبيض والأحمر وهي ألوان العلم الفرنسي، وأنا كنت شاهداً على هذه التفجيرات الضخمة والمشعة وللأسف أثرت علينا جميعا ومازلنا نعاني".
أما بيير جامية – أحد المهندسين النووين المشاركين في التفجيرات - فيقول: "شاركت في أول تفجير في الصحراء وذهبت بعدها لدراسة آثار التفجيرات على البشر والأرض ووثقت ذلك بالصورة والصوت، ولو عاد الزمن لرفضت المشاركة في هذا العمل غير الإنساني".
جريدة (لوباريزيان) الفرنسية أكدَتْ أنَ عددَ التجاربِ النووية الفرنسية في الجزائر وبعضِ المستعمراتِ الفرنسيةِ بلغَ - بينَ عاميْ 1960م إلى 1966م – 210 تجاربَ نوويةٍ، بعضُها تحتَ الأرضِ والآخرُ فوقَ سطح ِ الماء.
وفي نوفمبر 2009م دعا وزير المجاهدين الجزائري الحكومة الفرنسية إلى "تسوية الملفات العالقة بين البلدين"، تمهيداً لتطبيع العلاقات المتوترة منذ خروج الاستعمار الفرنسي من الجزائر عام 1962م. وجاءت الدعوة الجزائرية بمناسبة احتفال الجزائر بمرور 55 سنة على اندلاع ثورة التحرير (1954م ـ 1962م).
وقال وزير المجاهدين الجزائري - في تصريحات صحافية - إن "اعتراف فرنسا بالجرائم التي ارتكبتها خلال استعمار الجزائر (1830م ـ 1962م)، هو أمر مطلوب بحدة ومفروغ منه بالنسبة إلينا".
وأوضح أن الجزائريين "يعتبرون اعتراف فرنسا بجرائمها ضرورة ملحة، فالمسألة خلاف قديم بيننا سيظل قائماً إلى غاية تسويته".
وأضاف: "يتعين على الفرنسيين أن يعترفوا بأنهم احتلوا الجزائر، ونزعوا منها سيادتها واعتدوا على شعبها، وكل ذلك يشكل جرائم".
وقال أستاذ التاريخ المختص في العلاقات الجزائرية الفرنسية لـ(الشرق الأوسط)، إن فرنسا "ما زالت تنظر إلى الجزائر على أنها الفردوس المفقود الذي يمكنها استرجاعه بطرق شتى".
وأضاف: "يوجد تيار سياسي قوي في فرنسا يبذل مجهودات ضخمة للحيلولة دون أي خطوة لاعتراف رسمي بفظاعة الاحتلال الفرنسي بالجزائر". وزاد قائلاً: "إن أصوات ممثلي هذا التيار هي المسموعة حالياً بفرنسا، ومن أبرزهم الكاتب باسكال بروكنير، الذي أصدر مؤلفاً يدين كل فرنسي يتبنى الاعتذار. وهناك كتاب آخر صدر العام الماضي (2008م) بعنوان (حتى نقضي على فكرة التوبة الكولونيالية)، كتبه دانيال لفيفريندرج في الإطار نفسه".
وتحت الضغوط الجزائرية المستمرة عرضت الحكومة الفرنسية للمرة الأولى تقديم تعويضات لضحايا التجارب النووية التي أجرتها في الجزائر ومستعمراتها السابقة في جنوب المحيط الهادي قبل خمسين عاماً.
وقال وزير الدفاع الفرنسي إيرفيه موران - في مارس 2009م - إن بلاده تعتزم تعويض ضحايا الاختبارات النووية السابقة وإنها خصصت لذلك مبدئياً عشرة ملايين يورو.
وزعم أن "الحكومات اعتقدت طويلاً أن فتح باب التعويض سيشكل خطراً على الجهود المهمة جداً التي بذلتها فرنسا لتملك قوة ردع نووية ذات مصداقية، لكن حان الوقت لتكون فرنسا صادقة مع ضميرها".
وعن تقديره لعدد الضحايا قال موران لصحيفة (لوفيغارو) الفرنسية "نظرياً تأثر بالتجارب نحو 150 ألف فرد مدني وعسكري".
وقال إنه قد خصص بالفعل عشرة ملايين يورو دفعة أولى للعام الأول من برنامج التعويضات في ميزانية وزارة الدفاع.
وشكا أفراد شاركوا في التجارب الفرنسية وأيضاً سكان المناطق التي أجريت فيها هذه التجارب طويلاً من عواقب صحية، منها الإصابة بسرطان الدم (لوكيميا) وأنواع أخرى من السرطان وشهدت ساحات المحاكم العديد من القضايا.
الخلاصة
ضعفت الدولة الإسلامية في العصور المتأخِّرة وخبت روح العقيدة الإسلامية في تنظيمات الحياة الأخرى، فتوقفت الحركة العلمية في التربية، وتدهورت الحياة الإسلامية في جوانب مختلفة، حتى تعرض العالم الإسلامي لموجة الاستعمار الغربي الذي فصل فصلاً تاماً بين عقيدة الأمة وتنظيمات الحياة ما عدا نظام العبادات والأحوال الشخصية، وأوجد تعليماً مدنياً وفقاً لفلسفته هو، كما أوجد تنظيمات حيوية مدنية أخرى تنبثق من الأساس الفلسفي المادي الذي يفصل بين الدين والحياة العامة، ويبعد الدين عن توجيهها. وفي الوقت الذي فعل فيه المستعمر كل ذلك لإخماد روح الدين وفصله عن جسد الأمة الإسلامية، حرص على إبقاء التربية الإسلامية في شكل مادة دراسية محددة في جدول المدرسة، تدرس فيها أصول الدين فقط، ويفصل بينها وبين السلوكيات في مجالات الحياة العامة المختلفة.
ثم كان الوجه الآخر من المأساة هي تقطيع أوصال بلاد المسلمين وزرع الشقاق الدائم بينهم، والاستيلاء على ثرواتهم، وتدمير مظاهر الحياة المستقرة، ونشر الأمراض والأوبئة داخل مجتمعاتهم.. فالتقى مرضان مرض روحي ومرض مادي..
وكلا المرضين لن نجد لهما دواءً لدى الغرب مهما حاول دعاتهم والمتأثرين بثقافتهم بل إن الدواء موجود لدينا في ديننا وثقافتنا وأرضنا، هذا لمن أراد العافية..
المصادر
- (الاستعمار أحقاد وأطماع)، محمد الغزالي- الطبعة الرابعة، يناير 2005م.
- (المسلمون والاستعمار الأوروبي لأفريقيا)، د. عبد الله عبد الرازق إبراهيم، مجلة (عالم المعرفة)، الإصدار 139- يوليو 1989م.
- الموسوعة العربية العالمية.
- (كيد الترجمة.. الاستعمار)، زيد علي الوزير، مجلة المسار، العددان 11و 12، (1424 - 2003م).
- صحيفة (الشرق الأوسط).
- موقع (المركز اللبناني للأبحاث والنشر).
- الجزيرة نت.
- العربية نت.
- موقع cnn.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|