مصادر السيوطي في كتابه "المحاضرات والمحاورات"
د. عبدالحكيم الأنيس
"المحاضرات والمحاورات" كتابٌ رائقٌ للحافظ السيوطي (849-911) أودعَ فيه نقولًا جميلة مما رآه يصلح للمحاضرة والمحاورة، في أثناء جولاته في الكتب، قال في مقدمته: "هذا مجموعٌ حسنٌ انتخبتُ فيه ما رقَّ وراق، من ثمار الأوراق، والتقطتُ فيه من درر الكتب الجواهر، ومن شجر الحدائق الأزاهر، ممّا يصلح لمحاضرة الجليس، ومشاهدة الأنيس، وسمَّيته: المحاضرات والمحاورات، والله المستعان وعليه التكلان".
وقد رجع فيه إلى مصادر كثيرة، منها ما هو مفقودٌ اليوم أو نادرٌ، وقد اكتفى محقِّقه[1] بقوله عنها: "والكتب التي اختارَ منها متنوعة العلوم والثقافات، ففيها المجاميع الأدبية والإخبارية، والرسائل، والمقامات، والتراجم، وكتب الطبقات، والتفاسير، والمسانيد، والمعجمات، وكتب آداب التعليم ومكارم الأخلاق، والتعازي، والطرف والنوادر وغيرها"[2].
ورأيتُ من المفيد تتبعها وتقييدها وبيانَها لينتفع بها مَن له اهتمام بواحد منها في تحقيق، أو مطالعة، أو بحث، ودرس، وهي تنفع كثيرًا أيضًا في معرفة ما كان بين يدي السيوطي من الكتب، في القرن التاسع وأول العاشر.
وقد تفاوت نقلُه عنها بين إكثار وإقلال، ففيها ما نقلَ عنه مرة واحدة، ومنها ما أطال النقل كطبقات ابن سعد، والزهد لأحمد، وتاريخ ابن عساكر، والمصنف لابن أبي شيبة، وتاريخ الصفدي، والغرر لوكيع، ومصنف عبد الرزاق، وتاريخ مَن دخل مصر من المحدِّثين للمنذري، وتذكرة اليغموري ...
ومِن أساليبه في النقل قولُه:
"ذكرُ مستحسنات انتقيتُها من طبقات ابن سعد".
"ذكرُ مستحسنات انتقيتُها من كتاب الزهد لأحمد".
"في تاريخ ابن عساكر".
"منتقى من المصنف لابن أبي شيبة مما يحسن في المحاضرات".
"ذكرُ مستحسنات انتقيتُها من كتاب الغرر في الأخبار...".
"ذكرُ مستحسنات انتقيتُها من مصنف عبد الرزاق".
"وقفتُ على كتاب "حكايات الصوفية" تأليف أبي عبد الله محمد بن باكويه الشيرازي، مات سنة ٤٢٨، وهو مرويٌّ بالأسانيد، فانتقيتُ منه ما يصلحُ للمحاضرة".
"المُغرب في أخبار المَغرب للأديب علي بن سعيد، اختصره الحافظُ جمال الدين يوسف بن أحمد بن محمود بن أحمد الأسدي الدمشقي، المعروف باليغموري، في[3] كتابٍ سمّاه «المُعجب»، وقفتُ عليه بخطه، وهذا منتقى منه، ممّا يصلح في المحاضرة".
وقد يبينُ مصدرَ مَن يَنقلُ عنه كقوله في أثناء نقلهِ عن "تاريخ دمشق" لابن عساكر: "قال عثمان بن أبي شيبة في الأوائل"[4]، وهذه من فوائده.
وقد ينقلُ عن كتابٍ في موضعٍ واحدٍ، كما في نقلهِ عن كتاب "الزهد" لأحمد (ص 97-106)، وقد ينقلُ عن آخرَ في مواضعَ، كما في نقله عن "تاريخ" ابن عساكر (106-111)، و(125)، و(296-325)، و(448-450).
وهناك مقاماتٌ ورسائلُ أوردَها كاملة.
وأوردَ مِن مؤلفات نفسه: "المقامة اللازوردية" في موت الأبناء.
وأبهمَ مصادر فقال: "قال غيرُه"، "قال بعضهم".
وقال ص 51: "مِن إنشاء الشهاب المراغي في ذكر العلم..."، ولم يَذكر مصدر النقل.
وقال ص 243: "لغز في النّدّ الذي يتبخر به، من إنشاء الشهاب محمود".
وقال ص153: "وأخرجَ البغوي وابنُ قانع والطبراني والدارقطني وابن عساكر".
وقال ص 245: قال ابن الأنباري في بامية".
وقال ص 246: "كتب الجمالُ ابن نباته في محضر جرائحي". مِن غير ذكر كتبٍ كذلك.
وثَمَّ نقولٌ أخرى مثلها.
ونقلَ ص 159عن بعض كتب الهند: "ليس مِن خلّة يُمدح بها الغنيُّ، إلا ذُمّ بها الفقيرُ، فإنْ كان شجاعًا، قيل: أهوج، وإنْ كان وقورًا، قيل: بليد، وإنْ كان لسِنًا، قيل: مهذار، وإنْ كان زمّيتًا، قيل: عيي"، وهذا القولُ موجودٌ في "عيون الأخبار" لابن قتيبة، و"المجالسة" للدينوري، ولا ذكرَ للكتابين في هذا الكتاب.
وقد ينقلُ مِن كتابٍ وتقوم القرينةُ على أنه نقلٌ بالواسطة كنقله ص 222 مِنْ "مرآة الزمان" لسبط ابن الجوزي، فإنَّ النقل بواسطة تاريخ الصفدي، ولم ينقل عن "مرآة الزمان" في غير هذا الموضع، نعم نقلَ عن أبي المظفر ابن الجوزي[5] روايةً عن جدِّه أبي الفرج، وهذه الراوية في تاريخ الصفدي أيضًا: "الوافي بالوفيات".
وقد كشفَ التتبعُ أمرًا لطيفًا وهو أنه نقلَ مِن خمس "تذكرات".
وهناك كتابان نقلَ عنهما وسمّاهما ولم يَذكر مؤلفيهما، وبحثتُ فلم أقفْ لهما على مؤلف! وهما: "نزهة المذاكرة وأنس المحاضرة"، و"نزهة النُّدماء".
وقد نقلَ السيوطي عن الأول في كتبه: "اللآلئ المصنوعة"، و"لقط المرجان في أخبار الجان"، و"تحفة الأديب في نُحاة مغني اللبيب" ولم يَذكرْ له مؤلفًا أيضًا.
وذكر حاجي خليفة الثاني "نزهة النُّدماء" ولم يتكلم عليه.
وقد يَنقلُ فيذكر المؤلِّفَ ولا يَذكر المؤلَّفَ، فإنْ عرفتُه ذكرتُه بين معقوفين.
وبعد: فقد اجتهدتُ أن أكون دقيقًا في استخراج مصادر هذا الكتاب، ومَن عانى استخراج المصادر علم أنه بحثٌ شاقٌّ يتطلبُ انتباهًا ومراجعاتٍ وخبرةً بأسلوب صاحب الكتاب، حتى لا يهم في ذكر مصدرٍ لم يرجع إليه المؤلفُ رجوعًا مباشرًا، ومع ذلك فقد يكون نقلَ -بندرةٍ- عن كتابٍ بواسطة ولم يصرِّح بها، وإذا وقع هذا فقد يكونُ فيما قلَّ ذكرُه له ونقلُه عنه.
***
وهذه هي مصادرُه مرتبة على الحروف:
1- الإبانة لأبي نصر السجزي.
2- الإشراف لابن أبي الدنيا.
3- الإصابة لابن حجر.
4- الألقاب للشيرازي.
5- الأمالي للرافعي. ويريد: "الأمالي الشارحة لمفردات الفاتحة".
6- بعض المجاميع. نقل عنه ص 391 مرتين، وأعادَ خبرًا نقله منه في ص 430 وعزاه إلى "مجموع القاضي أمين الدين بن الزبير"، فلعله هو المقصود بما أبهمَه أولًا.
7- تاريخ ابن عساكر.
8- تاريخ الصفدي.
9- تاريخ المدينة الشريفة للحافظ جمال الدين المطري.
10- تاريخ المدينة لأبي بكر بن الحسين المراغي.
11- تاريخ بغداد لابن النجّار.
12- تاريخ بغداد للخطيب.
13- تاريخ مَن دخلَ مصرَ مِن المُحدِّثين للمُنذري قال: "وقفتُ على المجلد الأول".
14- التدوين في أخبار قزوين للرافعي.
15- تذكرة ابن مكتوم[6]. نقل من خطه.
16- التذكرة الحمدونية.
17- تذكرة المَقريزي.
18- تذكرة الوداعي.
19- تذكرة اليغموري: "كنوز الفوائد ومعادن الفرائد"[7].
20- تذكرة عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي.
يتبع