معنى قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)
ثانياً: (( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ))[المائدة:15]، يا أهل الكتاب! قد جاءكم من الله نور عظيم لا ترون شيئاً في الحياة إلا به، النور لولاه ما رأينا شيئاً، هل العين تبصر في الظلام؟ ما تبصر شيئاً، لا بد من نور الشمس أو نور القمر أو الكوكب أو نور المصباح، هذا النور بدون الإيمان به واتباعه وتعظيمه وإجلاله وحبه وإكباره والله ما ترون ما يسعدكم ولا ينجيكم، بصائركم لا ترى شيئاً إلا على هذا النور، فهل ظهرت هداية اليهود والنصارى بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن؟ هل ظهر فيهم طهر وصفاء ومودة وحب وعز وكرامة؟ ما وقع شيء؛ لأنهم يمشون في الظلام، العهر والفجور والجرائم وأندية اللواط، والتلصص، والإجرام، وقتل البشرية، وتمزيق لحومها، قل ما شئت، أين النور الذي يهتدون عليه، كفروا به ورفضوه وأعرضوا عنه، فكيف يهتدون؟ (( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ ))[المائدة:15] ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا عبد الله! يا أمة الله! والله إن الذي لا يؤمن بمحمد رسولاً ويحبه ويعظمه ويمشي وراءه ما رأى شيئاً، إنه يعيش في الظلام، ولن يهتدي إلى سعادة ولا إلى كمال، إما أن تؤمن به وتحبه وتعظمه، وتسمع له وتمشي وراءه فتهتدي؛ إذ هو نورك بين يديك، وإما أن تعرض عنه وتكفر به ولا تبالي به؛ فوالله ما تخرج من الظلام سواء كنت يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو مسلماً، إلا أن المسلم لا يمكن أن يبتعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ ))[المائدة:15] هذا المصدر الذي جاء منه، الله هو الذي أرسله ونبأه وأعده إعداداً خاصاً وهو في أرحام أمهاته وأصلاب آبائه، قد جاء من الله نور وكتاب مبين، الكتاب المبين البين الواضح القرآن، إي والله إنه القرآن، ها نحن- وأكثرنا من العوام- نسمع هذا الكلام، فهل يحصل اضطراب في النفس وغموض؟ (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ))[المائدة:15] أي إنسان لا يفهم هذا الكلام؟(( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ))[المائدة:15] حقاً إن القرآن مبين، بين العقيدة، بين العبادة، بين الأحكام الشرعية، السياسية، المالية، الاقتصادية، الاجتماعية، الآداب، الأخلاق، بين ملكوت السماء وما فيه من كمالات، بين الأرض حتى الذرة، وكل شيء مبين في هذا الكتاب، مبين غاية الإبانة. وأما النور فهو الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ جاء في سورة النساء: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ))[النساء:174]، فالبرهان هو محمد صلى الله عليه وسلم، والنور المبين هو القرآن، وهنا النور المبين محمد، والقرآن هو البرهان، فلا إله إلا الله! محمد برهان على أنه رسول الله، فما دليل ذلك؟ استقامته، عاش ثلاثاً وستين سنة ما كذب كذبة! ما آذى أحداً، ما زاغ في أي ميدان، ما أخطأ خطيئة، قل ما شئت، أكبر من ذلك أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، ويحدثك عن الملكوت الأعلى بكل ما فيه، يحدثك عن تاريخ البشرية من آدم إلى يومه، كيف يتم هذا لولا أنه رسول الله؟ أي برهان أعظم من هذا؟ فالكتاب نور والنبي نور، والكتاب برهان والرسول برهان.
تفسير قوله تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ...)
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ [المائدة:15] عظيم وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ [المائدة:15-16] هذا النور يهدي به الله من من الناس؟ من كان عربياً هاشمياً؟ قال: مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ [المائدة:16]، الذي يطلب رضا الله ويرغب فيه، ويحيا لأجله، ويعطي ويمنع من أجله، يحرث ويحصد من أجله، الذي يطلب رضوان الله يهديه الله، إذ هو يحمل الهداية، والذي ما يريد الله ولا يطلبه وما يقرأ القرآن ولا يتبع الرسول كيف سيهتدي؟ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ [المائدة:16] يهديه إلى أين؟ إلى سبل السلام، إلى طرق النجاة والسلام، من اتبع رضوان الله أي: اتبع رسول الله وكتاب الله، وطلب رضا الله عز وجل، فالله تعهد له بأن يهديه سبل السلام، ويخرجه من الظلمات إلى النور، هذه دعوة للبشر عامة، أهل الكتاب وغير أهل الكتاب، هذا وعد الله عز وجل. اسمعوا ما يقول: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [المائدة:16]، إن قيل: لم تصلون؟ قلتم: نريد أن يرضى الله عنا، لم لا تكذبون؟ نريد أن يرضى الله عنا، إنه يكره الكذب، لم لا تزنون؟ لم لا تفجرون؟ لأن الله يكره ذلك ويحول دون رضوانه، إذاً: كل العبادات التي نقوم بها طلب لرضاه عنا، لأن من رضي الله عنه أسعده، ومن سخط عليه أشقاه وعذبه، العلة هي الرضا، فرضا الله ينتج الجنة والجوار الكريم في دار السلام. يَهْدِي بِهِ [المائدة:16] أي: بالقرآن والرسول مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [المائدة:16]، الجهل كله ظلمة، وكذلك الكفر، الشرك، الفسق، الظلم، الإجرام، كل هذه ظلمات بعضها فوق بعض، فما هي الواسطة التي نخرج بها من هذه الظلمات؟ القرآن والسنة، الكتاب والسنة، فإذا لم نرجع في قرانا ومدارسنا وجبالنا وسهولنا إلى القرآن والسنة النبوية نتعلم ونعلم ونعمل؛ فوالله لن نفوز ولن نظفر بسبل السلام، إذا عطلنا الآلة التي بها نصل إلى هذا، وهذا واضح في أمة الإسلام في قرون عديدة، أعرضت عن الكتاب والسنة فضلت وهبطت، وسادها الغرب والشرق، وتاهت في متاهات الضلال. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:16]، صراط الذين أنعم عليهم، ألا وهو طاعة الله ورسوله، من أراد الفوز من أراد النجاة فليطع الله ورسول الله عقيدة وعبادة وقضاء وآداباً وأخلاقاً، هذا الذي هو على الصراط المستقيم، ولا ينتهي به إلا إلى دار السلام الجنة.وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.