عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 21-05-2021, 03:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,513
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]




تفسير الربع الأخير من سورة البقرة بأسلوب بسيط




رامي حنفي محمود




• الآية 272: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ : أي:لستَ مَسؤولاً عن توفيق الكافرين للإيمان وصالح الأعمال؛ وإنما عليك فقط بيان الطريق المستقيم، وهذا هو الجمع بين قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت ﴾ [القصص: 56]؛ (أي: هِداية التوفيق)، وبين قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]؛ (أي: هِداية الإرشاد والبيان)، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾: أي: يَشرحُ صدرَمَن يَشاءُ لِدينِهِ ويُوفقه له، واعلم أن سبب نزول هذه الآية: أنه لما رَغَّبَ اللهُ تعالى المؤمنين في صدقة التطوع (وهي الصدقة المُستَحَبَّة، غير الزكاة المفروضة)، جاء غير المؤمنين - من اليهود وغيرهم - فسألوا مِن هذه الصدقة، فتحرَّج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من التصدق عليهم، فأذهب الله تعالى عنهم هذا الحرج، وأذِنَ لهم بالتصدق على غير المؤمنينَ ولو لم يهتدوا، فقال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾، ثم قال: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾: يعني: وما تُنفِقُوامِن مالٍ، تُثَابُوا عليه في الدنيا والآخرة، سواء كان على مؤمن أو على كافر، ﴿ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ: أي: والمؤمنون لا ينفقون إلا طلبًا لمَرضاة الله تعالى، وَجَنَّتِه، والنظر إلى وجهه الكريم، ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ : أي:مِن مالٍ - مخلصين لله - ﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾:أي:يُرَدّ ثوابه كاملاً إليكم، ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾: أي: وأنتم لا تُنْقَصُون شيئًا من ذلك، حتى وإن كانَ قليلاً تحتقرونَ أن تتصدقوا به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الصَّحِيحَيْن -: ((اتقوا النارَ ولو بِشِقِّ تمرة))؛ يعني: ولو أن تتصدقوا بنصف تمرةٍ، أو ما يُعادلها في القِيمة.







• الآية 273: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ: :أي:اجعلوا صدقاتكم لأَوْلى الناس استحقاقاً لها، وهم فقراء المسلمين ﴿ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي:الذين قصَرُوا أنفسهم على طاعة الله مِن جهادٍ وغيره، فهم مُستعدون لذلك مَحبوسون له، وكذلك مَن حُبسوا ومُنعوا من التصرف في أموالهم؛ لأنهم هاجروا من بلادهم؛ لذلك فهم ﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ: أي: لا يستطيعون السفر للتجارة أو للعمل طلبًا للرزق؛ وذلك لحصار العدو لهم، وَهُم ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ:أي:والذي لا يَعرفهم: يَحسبهم ﴿ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾: أي: بسبب تعففهم عن السؤال،﴿ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾: أي: تعرفهم بعلاماتالاحتياج فيهم، مِثل ثيابهم البالية، وكذلك من اصفرار وجوههم، ومع ذلك فهم ﴿ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا: أي: لا يسألونالناس بالكُليَّة، وإن سألوا اضطرارًا: لم يُلِحُّوا في السؤال، ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾، وسيَجزِي عليه أوفر الجزاءيوم القيامة، فقد أخبر تعالى أنه يُضاعف ثواب الصدقة إلى سبعمائة ضعف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الصدقة لَتُطْفِئُ عن أهلها حَرَّ القبور، وإنما يَسْتَظل المؤمن يوم القيامة في ظِلِّ صَدَقَتِه))؛ (انظر السلسلة الصحيحة ج: 7)، وقال - أيضًا -: ((والصدقة تُطفِئُ الخَطيئة كما يُطفِئُ الماءُ النار))؛ (والحديث في صحيح الجامع برقم: 5136).







• الآية 275: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ﴾:أي:الذين يتعاملون بالربا، وهو الزيادة على أصل الدَّيْن (يعني: يأخذون من الناس مالاً زائدًاعن قيمة الدَّيْن الذي أعطوه لهم)، والقاعدة الشرعية تقول: "كل قرضٍ جَرَّ نفعًا، فهو ربا"؛ يعني: أي قرض كان مِن ورائِهِ زيادةُ المال المُقترَض، أو تسبب في حصول مَنفعة عادت على صاحب الدَّيْن، فهذا القرض يكونُ ربًا، وذلك كأن يَقترض شخصٌ ألفَ دِرهم مِن شخص آخر، فيقول له المُقرِض (وهو الدائن، صاحب المال): "تردهم إليَّ ألفًا ومائتي درهم، أو تردهم ألفًا فقط بشرط أن تفعل لي الخِدمة الفلانية)، أو غير ذلك، فهؤلاء ﴿ لَا يَقُومُونَفي الآخرة مِنقبورهم ﴿ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ﴾: أي: يَضربه ويَصرعه ﴿ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ: أي:من الجنون، فيقومون من قبورهم حَيارَى سُكارَى مُضطربين،مُتوقعين لِسوء المَآل، وعظيم العذاب، و﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ: أي: بسبب أنهم ﴿ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ؛ لأنَّ كِليهما - بزعمهم - يؤدي إلى زيادة المال، وهذا القول لا يَصدر إلا من جاهل عظيم الجهل، أو من مُتجاهل عظيم العِناد، فكما تقلبت عقولهم وقالوا ذلك، جازاهم الله مِن جِنس أحوالهم، فصاروا يَخرجون من قبورهم كالمجانين، ثم رَدَّ الله عليهم بقوله: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا؛ وذلك لِما في البيع والشراء مِن نفعٍللأفراد والجماعات، ولِما في الربا من استغلال وضياع وهلاك، ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ بالنَّهْي عن الربا﴿ فَانْتَهَى عنه﴿ فَلَهُ مَا سَلَفَ: أي:فله ما مضى من المال قبل أن يَبلغه التحريم، ولا إثم عليه فيه، وليس عليه أن يَرُدَّ الأموال التي سبقت توبتَه، ﴿ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ فيما يُستقبَل من زمانه، فإن استمرَّ على توبته، فإن الله لا يضيع أجرالمحسنين، ﴿ وَمَنْ عَادَ إلى الربا، ففعَلَهُ بعد بلوغه نَهْي الله عنه، فقد قامت عليه الحُجَّة، ووجبت عليهالعقوبة؛ ولهذا قال سبحانه:﴿ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وقد عُلِمَ - بالكتاب والسُّنَّة وإجماع سَلف الأمَّة - أن التوحيد يَمنع صاحبه من الخلود في النار، فبالتالي يكون المعنى: (فلولا ما مع الإنسان من التوحيد، لَصارَ أكله واستحلاله للربا صالحًا لخلوده في النار)؛ ولهذا يجب أن يَحذر - أشد الحذر - مَن يتعامل بالربا، أو يُعِين غيره على فِعل الربا؛ لأن الأمر خطير وليس بالهَيِّن.







• الآية 276: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾: أي:يُذهِبُ الله الربا كله، أو يَحرِم صاحبَه بركة مالِه، فلا يَنتفع به، ﴿ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ: يعني: يُنَمِّيها ويُكَثرها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الصَّحِيحَيْن -: ((مَن تصدق بعدل تمرة (يعني بمقدار أو بقيمة تمرة) مِن كَسْبٍ طيب، ولا يَصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يَتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل)) (والفَلُوُّ: هو ولد الفَرَس)، ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ مُصِرٍّ على كُفره، مُسْتَحِلٍّ أكل الربا، كَفَّار لِنعم الله عليه، لا يُؤدي ما أوْجَبَ عليه من الصدقات،﴿ أَثِيمٍ ﴾: أي: مُتمادٍ في الإثم وأكل الحرام.







• الآية 278: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ﴾: يعني: واتركوا طلبَ ما بَقِيَ لكم منزيادة على أصول أموالكم - التي كانت لكم عند الناس - قبل تحريم الربا، ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : يعني: إن كنتم مُحققينإيمانكم قولاً وعملاً.







• الآية 279: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ﴾: يعني: فإن لم ترتدعوا عما نهاكم الله عنه، وظللتم تطلبون هذه الزيادة على أصل الدَّيْن: ﴿ فَأْذَنُوا : أي: فتَيَقنوا ﴿ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ ﴾: يعني: وإن رجعتمإلى ربكم وتركتم أخْذ الربا: ﴿ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ : يعني: فلكم أَخْذُ ما لكم مِن ديون دونَ زيادة، وبهذا ﴿ لَا تَظْلِمُونَ أحدًا بأخْذ ما زاد على رؤوس أموالكم، ﴿ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾: أي: ولا يَظلمكم أحد بإنقاصكم شيئًا مماأقرضتموه.







• الآية 280: ﴿ وَإِنْ كَانَ المَدِين (الذي عليه الدَّيْن) ﴿ ذُو عُسْرَةٍ ﴾: أي: غير قادر على السداد: ﴿ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ: أي: فأمْهِلوه إلى أن يُيسِّر الله له رزقًافيَدفع لكم مالكم، ﴿ وَأَنْ تَصَدَّقُوا ﴾: يعني: وأن تتركوا للمَدِين رأس المال كله أو بعضه وتضعوه عنه: فهو ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ في الدنيا والآخرة ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذلك، فقد قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ)؛ (والحديث في صحيح الجامع برقم: 6106)، وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم - كما في الصَّحِيحَيْن -: ((كانَ تاجرٌ يُدَاين النَّاس، فإذا رأى مُعْسِرًا، قال لصِبيانه: تجاوزوا عنه؛ لعلَّ الله أن يتجاوز عنَّا، فتجاوَزَ الله عنه))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: ((مَن سرَّه أن يُنجيه الله مِن كرب يوم القيامة، فليُنفِّس عن مُعسِر (يعني: فليؤخِّر مطالبته عن المَدِين إلى مُدَّةٍ يَجد فيها مالاً)، أو يَضع عنه))؛ يعني: أو يترك له رأس المال كله أو بعضه، ولا يُطالبه به.







• الآية 282: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ ﴾: أي: تعاملتم﴿ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى: أي: إلى وقتٍ معلوم، وهو وقت السداد، ﴿ فَاكْتُبُوهُ : أي: فاكتبوا هذا الدَّيْن؛ وذلك حِفظًا للمال ودفعًا للنزاع، ﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾: يعني: ولْيَقُم بالكتابةرجل أمين، يَعدل بينهما، فلا يميل لأحدهما - لِقرابةٍ أو صداقةٍ أو غير ذلك - ويجب أن يكون عارفًا بكتابة الوثائق وما يحصل به التوثق، وأن يستطيع أن يُلزِم كل واحد منهما - في هذه الوثائق - بالحق الذي له أو عليه؛ لأنه لا سبيل إلى العدل إلا بذلك، ﴿ وَلَا يَأْبَ: أي: ولا يَمتنع ﴿ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ﴾، فكما أحسَنَ اللهُ إليه بتعليمه، فليُحسِنْ إلى عباد الله المحتاجين إلى كتابته، ولا يمتنع عن الكتابة لهم، ﴿ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ﴾: أي: ولْيَقم المَدِينبإملاء الكاتب ما عليه مِن الدَّيْن؛ لأن ذلك الإملاء يُعتبر اعترافًا منه بالدَّيْن الذي عليه، ﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا : أي:ولا يَنْقُص شيئًا مِن الدَّيْن الذي عليه، ﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ: أي: المدين ﴿ سَفِيهًا: أي: لا يُحسن التصرف في المال كالمُبَذر، ﴿ أَوْ ضَعِيفًا: يعني: أو كانصغيرًا أو مجنونًا، ﴿ أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ﴾: يعني: أو كان لايستطيع النُّطق وإملاء ما عليه بنفسه، بسبب خَرَس به أو عدم قدرة كاملة على الكلام: ﴿ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾: أي: فليَقم وَلِيُّ المَدين (وهو الذي يتولى شؤونه) بالإملاء نِيابةً عنه، بلا زيادة ولا نقصان، ولا غش ولا احتيال.







﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾: أي: واطلبوا شهادة رجلين مُسلِمَيْن بالِغَيْنِ عاقلَيْن مَشهود لهما بالعدل، (واعلم أن العدالة يُشترَط فيها العُرف في كل مكان وزمان، فكل مَن كان مَرْضِيًّا مُعتبَرًا عند الناس: قُبِلَتْ شهادته)، ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ ﴾: يعني: حتى إذا نَسِيَتْ﴿ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾:يعني: فتذكرها الأخرى، ﴿ وَلَا يَأْبَ ﴾: أي:ولا يَمتنع﴿ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ليشهدوا، وكذلك عليهم أداء الشهادة إذا طُلِبَ منهم ذلك في أي وقتٍ،واعلم أنَّ قوله تعالى: (إذا ما دُعوا) فيه دليل على أنه لا يَجب على الشاهد أن يشهد إلا إذا دُعِيَ إلى الشهادة، ولكنْ وَرَدَ في السُّنَّة: (الترغيب في أداء الشهادة ولو لم يُدْعَ إليها المسلم)، لا سِيَّما إذا توقف على شهادته إثباتُ حق من الحقوق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا)).







﴿ وَلَا تَسْأَمُوا ﴾: أي: ولا تمَلوا ﴿ أَنْ تَكْتُبُوهُ)- أي: الدَّيْن - سواء كانَ ﴿ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ﴾: أي: إلى موعد السداد، ﴿ ذَلِكُمْ: أي: الكتابة مع الإشهاد ﴿ أَقْسَطُ: أي: أعدل ﴿ عِنْدَ اللَّهِ في شرعِهِ وهَدْيِه،﴿ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ ﴾: أي: وأعظمُ عَونًا على إقامة الشهادة وأدائها، وأثبَت لها وأكثر تقريرًا؛ لأن الكتابة لا تُنسَى، والشهادة تُنسَى، أو قد يموت الشاهد، أو يَغيب عن الإدلاء بشهادته، ﴿ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾: أي:وأقرب إلى نفي الشك في قيمة الدَّيْن وأجَلِه، بخلاف الإشهاد بدون كتابة ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾: يعني: إن كانت المسألة مسألة بيع وشراء، وذلك بأخذ سلعة ودفع ثمنها فيالحال: ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ﴾: أي: فلا حاجة إلى الكتابة، ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ: أي:ورغم أنه لا حرج أو إثم يترتب على ترك الكتابة في البيع، إلا أنه يُستحَب الإشهاد على تلك التجارة؛ منعًا للنِّزاع والشِّقاق، مِثل أن يبيع أحدٌ دارًا أو بستانًا لأحد، أو غير ذلك، ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ: يعني: واعلموا أنه لا يجوز لصاحب الحق ومَن عليه الحق: الإضرار بالكُتَّاب والشهود، وذلك بأن يُكلفوهم ما لا يَقدرون عليه، كأنْ يُدْعَوْا ليشهدوا ويكتبوا في مكان بعيد، أو أن يُطلَبَ منهم أن يَكتبوا زورًا أو يَشهدوا به، أو بإلزامهم الكتابة والشهادة وهم في أشغالهم، فإذا تَعَذَّرَ ذلك منهم لانشغالهم، فليَطلُبا كاتبًا وشاهدًا غيرهما، وكذلك لا يجوز للشاهد والكاتب أن يُضِروا بصاحب الحق، وذلك بالامتناع عن الكتابة والشهادة بدون عذر، ﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا ما نُهِيتم عنه ﴿ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ ﴾: يعني: خروجٌ عن طاعة الله، وعاقبة ذلك الفسوق سوف تَحلُّ عليكم، وتلحق ﴿ بِكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ: أي:وكما علمكم هذا العلم النافع، يُعلمكم جميع ما يُصلِحدُنياكم وأخراكم، واعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ فيه وَعْدٌ منه تعالى بأن يجعل للمتقي نورًا في قلبه، يَفهمُ به ما يتلقاهُ من العلم فهمًا صحيحًا، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]؛ أي: نورًا وعِلمًا تُفرقون بهِ بين الحق والباطل، والهُدى والضلال، والسُّنَّة والبِدعة، ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.







• الآية 283: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ ﴾: يعني: إذا كنتم مسافرين، ﴿ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا يَكتب لكم، أو لم تجدوا أدوات الكتابة: ﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾: أي: فليَضَعِ المَدِين عندَ صاحب الحق شيئًا يَقبضه منه، ويكونُ رَهنًا عنده حتى يأتيه حقه، ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾: أي: فإنْ وَثق بعضكم ببعض،فلا حرج في ترك الكتابة والإشهاد والرَّهن، ﴿ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾: أي:ويَبقى الدَّيْن أمانة في ذمَّةالمَدِين، عليه أداؤه، وعلى هذا فإذا وُجِدَ الأمانُ والثقة بين الدائن والمَدِين، فلا تجب الكتابة، بل تُسْتَحَب فقط، ﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ: أي: وعلى المَدِين أن يُراقب اللهَ تعالى، فلا يَخونَ صاحبه، فإذا أنكر ماعليه مِن دَيْن، وكانَ هناك مَن حضر وشهد، فعليه أن يُظهِر شهادته، ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾: أي:فهو صاحب قلب غادر فاجر، وقد نُسِبَ الإثم إلى القلب؛ لأن الكتمان مِن عمل القلب، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وقد اشتملت هاتان الآيتان على حِكَمٍ عظيمة، ومصالحَ عميمةٍ، دَلَّتْ على أن الخلق لو اهتدوا بإرشاد الله لهم، لَصَلَحَ دِينهم ودنياهم، فقد اشتملت على العدل والمصلحة، وحِفظ الحقوق، وقطع المشاجرات والمنازعات، وانتظام أمر المعاش، فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.







• الآية 284: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مُلكًا وتدبيرًا وإحاطة، لا يَخفَى عليه شيء، ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌلا يُعجِزُهُ شيء، فأحكامه تعالى تدور بين العدل والفضل، والجميع ملكه وعبيده، وهم طوْع قهره ومشيئته وتقديره وجزائه، وقد أكرم الله المسلمين بعدذلك فعفا عن حديث النفس وخطرات القلب، ما لم يَتْبَعها كلام أو عمل (كما ثبت ذلكفي صحيح البخاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾: (دخلَ قلوبَهُم منها شيء) - يعني: كأنهم شَقَّ عليهم أن يحاسبهم الله على ما يدور في أنفسهم -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قولوا: سمعنا وأطعنا وسَلَّمْنا))، فألقى اللهُ في قلوبهم الإيمان، فلما فعلوا ذلك، نَسَخَها اللهُ تعالى فأنزل قوله: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286].







• الآية 285: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وهو القرآن، ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ كذلك صَدَّقوا وعَمِلوا بالقرآن العظيم، ﴿ كُلٌّ مِن الرسول والمؤمنين ﴿ آمَنَ بِاللَّهِ تعالى ربًّا وإلهًا مُتَّصِفًا بصفات الجلال والكمال،﴿ وَمَلَائِكَتِهِ ﴾: أي:وأنَّ للهِ ملائكة كِرامًا، ﴿ وَكُتُبِهِ ﴾: أي: وأنه تعالىأنزل كتبًا؛ كالتوراة والإنجيل والقرآن، ﴿ وَرُسُلِهِ: أي: وأنه أرسل إلى خَلقه رسلاً، ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، فنحن نؤمن بهم جميعًا، ولا نفرق بينهم في الإيمان بهم، ولكننا نُقِرُّ - أيضًا - بأن الله قد فَضَّلَ بعضهم على بعضٍ درجات، كما أخبر سبحانه بذلك، ﴿ وَقَالُوا ﴾:أي:الرسول والمؤمنون ﴿ سَمِعْنَا يا ربنا ما أوحيتَ به،﴿ وَأَطَعْنَا في كل ذلك ﴿ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا : أي: نرجو أن تغفر - بفضلك - ذنوبنا، فأنت الذي رَبَّيتنا بماأنعمتَ به علينا، ﴿ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ: أي:وإليك – وحدك - مرجعنا ومصيرنا.







• الآية 286: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾: أي: إنَّ دِينَ الله يُسر، لا مشقة فيه، فلا يَطلب اللهُ مِن عباده ما لا تُطِيقه أنفسهم، ﴿ لَهَا : أي: لكل نفسٍ ﴿ مَا كَسَبَتْمن الخير، فتُجْزَى به خيرًا، ﴿ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ من الشر، فتُجْزَى به شرًّا، ثم عَلَّمَ اللهُ المؤمنين كيف يَدعونه، وذلك في قوله: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا ﴾: أي:لا تعاقبنا ﴿ إِنْ نَسِينَاشيئًامما افترضتَهُ علينا ﴿ أَوْ أَخْطَأْنَا في فِعْل شيءٍ نَهيتنا عن فِعله، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا: أي: ولاتكلِّفنا من الأعمال الشاقة ما كَلَّفتَهُ الَّذِينَمِنْ قَبْلِنَا مِن العصاةِ عقوبةً لهم، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾: أي:ما لا نتحمله من التكاليف والمصائب، ﴿ وَاعْفُ عَنَّا ﴾: أي: فيما بيننا وبينك مما تعلمه مِن تقصيرنا وزَلَلِنا، ﴿ وَاغْفِرْ لَنَا: أي: فيما بيننا وبين عبادك، فلا تُطْلِعهم على مَساوئِنا وأعمالنا القبيحة، ﴿ وَارْحَمْنَا : أي: فيما يُستقبَل، فلا تُوقِعنا - بتوفيقك - في ذنب آخر؛ ولهذا قالوا: إنالمُذنِب مُحتاجٌ إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه، وأنيستره عن عباده فلا يفضحه بينهم، وأن يَعصمه فلا يُوقِعه في ذنب آخر، ﴿ أَنْتَ مَوْلَانَا: أي:مالِكُ أمرنا ومُدَبِّرُه، ﴿ فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، واعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر - كما في الصحيحين - أنَّ مَن قرأ هاتين الآيتين (الأخيرتين من سورة البقرة) في ليلةٍ كَفَتاه (يعني: كَفَتاه مِن شر ما يُؤذيه).







وفي خِتام تفسير سورة البقرة نَوَدُّ أن نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزَّهراوَيْن: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فِرْقان من طيرٍ صَوَاف (والمقصود أنهما تُظِلان أصحابهما يوم القيامة)، تُحاجَّان (يعني: تجادلان) عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإنَّ أخْذَهَا بركة، وتَرْكَها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلة))؛(والبَطَلة: هم السَّحَرة؛ لأنَّ ما يفعلونه باطل)،وَهُؤلاء السَّحَرة لا يستطيعون اختراق تحصين سورة البقرة لصاحبها؛ ولذلك ينبغي للعبد أن يُداوم على قراءة سورة البقرة وأن يتدبرها، وأن يحفظها إن أمكنه، مع مُراجَعتها باستمرار حتى لا يَنساها، وأن يعمل بما فيها من أحكامٍ وأوامر (قدر المستطاع)؛ وذلك حتى يُحَصِّلَ الثواب المذكور في الحديث، وكذلك للتخلص من السِّحر وإبطاله وإفساده، ووقاية النفس منه بإذن الله تعالى.







[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من كتاب: (التفسير المُيَسَّر (بإشراف التركي)، وأيضًا من تفسير السعدي) (بتصرف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.32%)]