
21-05-2021, 02:47 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة :
|
|
العناية بأصول النحو في كتاب الفوائد الشافية
العناية بأصول النحو في كتاب الفوائد الشافية
أ. رضا جمال
أصول النَّحو هي أدلَّته الإجماليَّة التي تثبُت بها المسائِل النحويَّة، وهي أربعة[1]:
السَّماع، والقياس، والإجماع، واستصحاب الحال.
والمقصود بالسَّماع: القرآن الكريم، والحديث النبوي، وكلام العرب الفُصحاء في عصر الاحتجاج شعرًا ونثرًا[2].
والمقصود بالقياس: حمْل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه، وهو معظم أدلَّة النحو، والتعويل عليه في أغلب المسائل النحويَّة، وإنكاره إنكار للنحو.
والمقصود بالإجماع: اتفاقُ علماء النحو والصرف[3] على مسألةٍ أو حُكم. و إجماع العرب إنْ وُقِف عليه.
والمقصود باستصحاب الحال: استمرار الحُكم، وبقاء ما كان على ما كان، وهو أضعف الأدلة المعتبرة في النحو.
وقد ظهرتْ عنايةُ زيني زاده بأصول النحو، واحتفاؤه بها في كتابه "الفوائد الشافية"، وإنْ كان لم يُفصِّل في التنظير لذلك أو تقعيده؛ نظرًا لطبيعة كتابه التطبيقيَّة والتعليميَّة، وبيان ذلك كالتالي:
1- احتجاجه بالسَّماع:
يحتج زيني زاده بالشواهد السَّماعيَّة، ويقرِّر بها القواعد النحويَّة، كما يجعلها وسيلةً لرد الآراء التي يعترض عليها، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولًا: القرآن الكريم وقراءاته:
القرآن الكريم هو أول الأصول التي يحتج بها في العربيَّة، وأعلاها وأجلُّها؛ إذ هو كلام ربِّ البَشر، الذي أعجز فصحاء البشر جميعًا؛ فهو فوق كلام البشر، وقد أجمع النُّحاة على الاحتجاج بكلِّ ما ورد أنه قرئ به؛ حتى القراءات الشاذَّة، يقول السُّيوطي: "أما القرآن الكريم، فكلُّ ما ورد أنه قُرئ به؛ جازَ الاحتجاج به في العربية، سواء كان متواترًا أم آحادًا أم شاذًّا..."[4] ثم ذكر تفصيل ذلك.
وقد سار زيني زاده على ما سار عليه النحاة، فاستشهد بالقرآن الكريم محتجًّا به في كتابه على تقرير المسائل النحويَّة، بل يردُّ على النحاة بما في ورد في القرآن.
ومن ذلك قوله: "وفي عبارة المصنِّف وإن كان تتابع الإضافة، إلَّا أنَّه غيرُ مخلٍّ بالفَصاحَة؛ لورودِه في القُرآن كقولِه تعالى: ﴿ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ ﴾ [5] - كما في المطول"[6].
وقوله: "ولا حاجةَ إلى تقدير المبتدأ، أي: هو؛ ليكون المقول جملةً، كما في بعض الأعاريب؛ لأنَّ الصحيح أنَّ مقول القول يكون مفردًا كما ذكَره الزمخشريُّ في قوله تعالى: ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [7]" [8].
وقوله: "وما ذكَره الفاضل العصام في بحثِ جواز (أنَّ) بالفتح والكسر في مِثل قولهم: مَن يكرمني فإنِّي أُكرمه؛ ردًّا للفاضل الجامي مِن أنَّ لفظ الجزاء لا يرِدُ بعدَ فاء الجزاء، مردودٌ بقولِه تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ﴾[9]" [10].
وقوله: "(الجَرِّ) مجرور، عطف على اللَّام، أو مرفوع عطفٌ على محلِّه [*]، كما في قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [11]، حيث قُرئ: (والملائكةُ والناسُ أجمعون)[12] بالرَّفع على العَطف على محلِّ اسم الله، وهو الرفع؛ لأنَّه فاعل في المعنى - كما في أنوار التنزيل"[13].
وقوله: "... وزَعم بعضُهم في البيت الأوَّل: أنَّ نحن للمُعظِّم نفسَه، وأنَّ راضٍ خبرٌ عنه، وردَّ بأنَّه لا يُحفَظ مِثل نحن قائِم، بل يجب في الخَبر المطابقة نحو: ﴿ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴾ [الحجر: 23] كما في شرح المغني للدماميني"[14]. وغير ذلك كثير من الآيات التي ذكَرها زيني زاده، وقد بلغت في كتابه حوالي (100 آية) أو يزيد، إضافة إلى الآيات التي احتج بها ابن الحاجب في الكافية وتكلم عليها زيني زاده في إعرابه.
وإنْ كان بعض النحاة قديمًا يَعيبون على بعض القُرَّاء بعض القراءات التي يرونها بعيدةً في العربية، ويتَّهمونهم باللَّحن - وهم مخطئون في ذلك؛ إذ قد ثبتَتْ قراءتهم بالأسانيد الصحيحة، وهو دليل على جوازها في العربية - كما ذكَر السيوطي[15] - فقَد وقف زيني زاده من القِراءات الشاذَّة موقفًا معتدلًا، فلم يتشدَّد ولم ينكر القراءة لمجرَّد مخالفتها لقواعد النُّحاة، بل يحتجُّ بها، ويستشهد بها معتمدًا عليها في تقرير الإعراب:
من ذلك قوله - بعد الانتهاء من إعراب قول المصنِّف: (والعَلَمُ المَوْصُوفُ بِابْنٍ مُضَافًا إلى عَلَم آخَرَ يُخَتَارُ فَتحُهُ) - قال: "وفي شرح التسهيل لمصنِّفه: قد رَوَى الأخفش عن بعض العرب ضمَّ نون الابن إتْباعًا لضمِّ المنعوت، وهو نظيرُ قراءة من قرأ ﴿ الحمدُ لُله ﴾ [16] بضمِّ اللام، بل ضم النون أسهل. انتهى"[17].
ويظهر من نقْل زيني زاده هذا، أنه يقوي هذا الرأي، وإن كان خلاف رأي المصنِّف؛ اعتمادًا منه على هذه القراءة.
بل يُحاول زيني زاده أن يوجِّه القراءة الشاذَّة لتتوافق مع القِراءات المتواترة المشهورة، من ذلك قوله - عند إعراب قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [18]:
"وقُرِئ في الشواذِّ برفْع كلّ على الابتداء [*]، فعلى هذا فالأولى أن يُجعل خلقْناه خبرًا للمُبتدأ، لا نَعتًا؛ ليطابق المشهورةَ في الدَّلالةِ على أنَّ كل شيء مخلوق بقدَر؛ لأنَّ الأصلَ توافق القراءات"[19].
ثانيًا: الحديث النبوي:
كثُر الخِلاف بين النحاة في الاحتجاج بالحديث النبويِّ في اللُّغة، فمنع أكثرُهم الاحتجاج به إلا ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله على اللفظ المروي، وذلك قليل جدَّا؛ معللين أنَّ غالب الأحاديث مرويٌّ بالمعنى، كما توسط البعض واحتج بما اعتنى ناقله بلفظه لمقصود خاصٍّ، كالأحاديث التي قصد بها بيان فصاحة، ككتابه لهَمْدان، وكتابه لوائل بن حُجر، والأمثال النبويَّة؛ فهذا يصحُّ الاستشهاد به في العربية، ومنهم من احتج بالحديث مُطلقًا، على تفصيل في ذلك[20].
والظاهر من صنيع زيني زاده أنه يرى الاحتجاج بالحديث النبوي مطلقًا، حيث احتجَّ ببعض الأحاديث - وإن كانت قليلة نوعًا ما؛ نظرًا لطبيعة كتابه التطبيقية والتعليميَّة - ولم يقيِّد احتجاجه هذا، من ذلك قوله:
"(في الناقصةِ) ظرف أيضًا لامتنع...، أو مفعول له لامتنع بجعْل "في" بمعنى اللام، كما في قوله عليه السلام: «عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّة»[21]، أي لأجْل هِرَّة - كما في شرح العصام"[22].
وقوله: "وقال المصنِّف في شرح المُفصَّل: إنَّ مجموع "وإما" حرف عطف، ولا يبعُد أن تكون صورةُ الحرْف مستقلَّةً حرفًا في موضِع، وبعض حرف في موضع آخَر،... وقال الرَّضي والسيد عبد الله: الحقُّ أنَّ الحرف العاطف هو الواو فقط، و(إمَّا) مفيدة لأحدِ الشَّيئين غير عاطفة، والواو في قوله: «إمَّا إلى الجَنة إمَّا إلى النار»[23]، مُقدَّرة، أي: وإما إلى نار. انتهى"[24].
ثالثًا: كلام العرب:
احتج النحاة بما ثبَت من كلام فُصحاء العرب الموثوق بعربيَّتهم شعرًا ونثرًا، ويبدأ عصر الاحتجاج من العصر الجاهلي، وينتهي عام (176هـ)، وهي سَنَة وفاة إبراهيم بن هرمة الذي قال عنه الأصمعي: ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة، وهو آخر الحجج، ومنعوا الاحتجاج بشعر المولدين والمحدثين بعد ذلك، وقيده بعضهم بما إذا لم يكن من علماء العربية[25].
وقد سار زيني زاده على ما سار عليه النُّحاة؛ فاحتج بكلام العرب، شِعره ونثره، كالتالي:
أ- الشِّعر:
استشهد زيني زاده بالشِّعر العربي الفَصيح، وعوَّل عليه في إثبات القواعد النحويَّة ووجوه الإعراب، من ذلك قوله وهو يتحدث عن إعراب قول المصنف: (يَا لِزَيدٍ): "واللام حرف جر زائد غير متعلِّق بشيءٍ عندَ المبرِّد...، واختاره ابنُ خروف بدليلِ صحَّةِ إسقاطها...، وقال جماعة: هي غيرُ زائدة، ثُمَّ اختلفوا؛ فقال ابن جني: هي متعلِّقة بحرف النِّداء؛ لِمَا فيه من معنى الفعل، ورُدَّ بأنَّ معنى الحرف لا يَعمل في المجرور، وفيه نظَر؛ لأنَّه قد عمِل في الحال في نحو قوله:
كَأنَّ قلوبَ الطَّير رَطبًا ويابسًا ♦♦♦ لدَى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالِي[26]"[27].
وقوله: "وقد يتجرَّد مِن النداء للتنبيه ألبتة.... وفي القاموس: إنْ ولِيَ "يا" الفعلُ [*]، نحو: [يا اسجدوا]، أو الحرف نحو: ﴿ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ ﴾ [28]، أو الجملة الاسمية نحو:
يَا لَعْنَةُ اللهِ والأقوامِ كلِّهِمُ ♦♦♦ والصَّالحِينَ عَلَى سِمْعَانَ مِن جَارِ[29]
فهي للنداء [*]، والمنادى محذوف، أو لمجرَّد التنبيه؛ لئلَّا يلزمَ الإجحاف بحذف الجملة كلِّها [*]"[30].
ولم يعلق عليه زيني زاده، وعادته أن ما ينقله من غير تعليق عليه أنه يُقرُّه.
ولم يعتد بالشِّعر غير الفصيح، الذي تلقي من أفواه العامة، أو اختلَط قائله بالعامَّة، أو يخرجه على تأويل فصيح، أو الضرورة الشِّعريَّة؛ من ذلك قوله:
"وقول المعلِّمين: "لام ألف" خطأ كما في سرِّ الصناعة لابن جني... ثم إنَّ ابن جني اعترَض على نفْسِه بقول أبي النَّجم[31]:
أَقبلْتُ مِن عند زيادٍ كالحرِف
تخط رِجلاي بخطٍّ مختلف
وتَكتبان في الطريقِ لامَ الِف
وأجاب عنه بأنَّه لعلَّه تلقَّاه من أفواه العامَّة؛ لأنَّ الخط ليس له تعلُّق بالفصاحة، كما في مغني اللبيب، وفي شرحه للدَّماميني: هذا الجواب ليس ببعيدٍ؛ لأنَّ هذا اللفظ صار مشهورًا على الألسنة، وهذا العربي لم يقُلْ هذا الشِّعر إلَّا وهو في الحاضرة ومخالطتِه للعامَّة، وأجاب عن هذا الاعتراض الدَّماميني في شرح المغني، وقبِله الشُّمُني بأنَّ مرادَ أبي النَّجم تَكتبان: لامًا وألفًا، وليس مراده لام ألف، الذي هو حرف مركَّب يُقصد به "لا"، فيكون قدْ حذَف التنوين وحرْف العطف ووصَل همزة القطع؛ كلَّ ذلِك لأجل الضرورة..." [32].
ب- النثر:
احتجَّ زِيني زاده بكلام العرب؛ كما في قوله:
"(أشغلَ) مجرور، عطف على أحدهما، والمعنى أكثر مشغوليَّةً، وكذا أحبّ، أي: أكثر محبوبيَّة، وأخوف، أي: أكثر مخوفية، وغير ذلك ممَّا سُمع مِن العرب؛ فإنَّ مجيء اسم التفضيل لتفضيل المفعول سماعي كما في الرَّضي..." [33].
ويَحكُم على الأقوال بخطئها وعدم جوازها؛ لعدم سماعها عن العرب؛ إذ يقول:
"ولا يجوز كون الظرف المستقَر حالًا مِن مثله، على أن يكون عامل الحال معنى التحقيق المستفاد من (أنَّ)؛ لعدم السَّماع من العرب[*]، خلافًا لبعضِهم كما في تفسير ابن عادل"[34].
ويحتجُّ على تضعيفِ بعض ما نُسِب إلى سيبويه؛ لكونه لا يساعده استعمالُ العرب:
يقول: "وقول سيبويه: إنَّه [يعني: لفظ "إذا"] يُستعمل اسمًا، فيُقال: إذا يقومُ زيدٌ إذا يقعد عَمرو، على أنَّ إذا الأولى مبتدأ، والثانية خبر، غير موثوق به، ولا يساعده استعمال العرب"[35].
بل يحتجُّ بلُغة بعض العرب، ويخرِّج عليها ما جاء في غير القراءات السَّبعيَّة؛ يقول:
"(هو) ضميرُ الفصل مبنيٌّ على الفتح، لا محلَّ له من الإعراب... أو مرفوع المحلِّ مبتدأ ثانٍ كما هو لغةُ بعض العرب، فيقولون: كان زيدٌ هو المنطلقُ - بالضم، وعليه: ما نُقل في غير السَّبعة: ﴿ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [36]، وشبهه، كما في شرْح المصنِّف"[37].
ويُخطِّئ زيني زاده مَن ينسب للنحاة قولًا غير موجود في كلام العرب:
يقول: "(وَهِي)... والواو فيه؛ قيل: إنَّه للعطف،... وقيل: للاستئناف والابتداء، وفائدته تزيينُ اللفظ وتحسينه، ومعناه: وقوعه أوَّلَ كلام بعد تقدُّم جملة مفيدة من غير ارتباطٍ لها لفظًا، سواء كان جوابًا لسؤالٍ مقدَّر أو لا، هذا عند النُّحاة، وعند أهل المعاني لا بدَّ من أن يكون جوابًا لسؤال مقدَّر... وقدْ أخطأ مَن عزَا[*] المعنى الأخير إلى النُّحاة، لا وقوعه أوَّل كلام مِن غير أن يتقدَّمَ عليه بشيءٍ، فإنَّه غير موجود في كلام العرب، ولم يَقعْ في كلام أهلِ الأدب...، فعُرف اتحاد واو الاستئناف والابتداء"[38].
ويردُّ على مَن يردُّ قولَ النحاة بأنَّ ما ذكروه ليس موجودًا في كلام العرب، فيرد زيني زاده مثبتًا وقوعه بكثرة في كلامهم؛ يقول: "فإنَّ (معه) في قولِه تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ﴾ [39] ليس ظرفًا لقولِه بلَغ، بلْ ظرف مستقَر على الاستئناف،... فاحفظه؛ فإنَّ بعضهم يُنكرونَ[*] كونَ الظرف المستقر مستعملًا بلا اعتمادٍ على أحدِ الأمور الستَّة، فيَعترضون على النُّحاة في قولهم: إنَّ الاستتار واجبٌ في الظرف المستقر إذا لم يَعتمدْ على شيء من الأمور الستَّة، بأنَّ الظرف المستقر لم يوجدْ في كلام العرب بلا اعتمادٍ على أحد ما ذُكر، ولا يخفى أنَّ هذا عجيب منهم، وجراءة عظيمة في رَدِّهم على النُّحاة الكامِلة؛ بسببِ عدم وجدانِهم استعمالَ الظرفِ المستقرِّ بلا اعتماد، مع أنَّه كثيرُ الوقوع في مواضعَ متعدِّدة، منها: استعمالُه استئنافًا كما عرفتَ، ومنها استعمالُه في جوابِ القَسم مثل: والله لفي الدَّار"[40].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|