عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 20-05-2021, 03:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ



طَغَى الْجَهْلُ لاَ عِلْمٌ يَقُودُ وَلاَ هُدًى

يُنِيرُ وَلاَ حُكْمٌ لِرَأْيِ سَرَاةِ




هُوَ الْجَهْلُ، وَالْقُرْآنُ يَتْلُوهُ جَاهِلٌ

عَلَى غَفْلَةِ الْأَلْبَابِ وَالسَّكَرَاتِ




يَهُزُّ رُؤُوسًا لاَ يَهُزُّ سَوَاعِدًا

وَلاَ أَضْلُعًا مَاجَتْ عَلَى نَخَوَاتِ




وَيَجْتَاحُ سَاحَاتٍ لِيَحْصُدَ أَهْلَهَا

وَيَنْهَبَ مِنْ كَنْزٍ وَمِنْ ثَرَوَاتِ


وفي هذه القصيدة تظهر صورة الأمَّة في ذهْن الشاعر، فأحوالها المتردِّية ناتجة عن جهْل أبنائها بكتاب الله الكريم؛ فهم يتلونه، ويهزُّون له الرُّؤوس، لكنَّهم لا يَعُون مَعانِيَه ومَرامِيَه، فلا تهتزُّ له قلوبهم، ولا سواعدهم، وكأنما فقدوا النخوة والإحساس، أو كأنما فقَدُوا عربيتهم، وانتماءهم.



ولا يتخلَّى الشاعر عن الأُسُس الفنية للغة الشعرية، فقد ملأت صُوَرَه وصياغاته الخاصَّة القصيدة من بيتها الأوَّل؛ مثل: (الغنية بالتقى - تمرس فيك الداء - طغى الجهل - أضلعًا ماجت على نخوات - تدفق منها الكيد...).



وينطلق الشاعر في هذه القصيدة من أعماق ثقافته وفكره الإسلامي، ومن قوله - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ï´¾ [النور: 21].



وجعل الباب الثاني في ثلاثة فصول:

الأوَّل: حنانيك يا بغداد.

الثاني: الهند وسحر جمالها، والهند بين نور الإسلام وظلام الفتن.

الثالث: فاجعة الأندلس.



ففي قصيدة (حنانيك يا بغداد) التي جاءت كسابقاتها بحرًا ورَوِيًّا، في أربعة عشر بيتًا، يبدأ بذكرياته عن نكباتها، والفواجع التي حلَّت بها، ويُشِير الشاعر إلى ملحمته الخاصَّة ببغداد، والتي أفرَدَها في كتاب خاص؛ لما لبغداد من خصوصية في فواجعها، وفيما تمثّله للمسلمين كعاصمة للخلافة طوال فترة حكم بني العباس، ولعلَّ عمود القصيدة في قوله:



إِذَا عَجَزَ الْإِنْسَانُ عَنْ جَمْعِ أُمَّةٍ

سَتَجْمَعُهَا الأَيَّامُ فِي نَكَبَاتِ






حقًّا؛ إن النكبات تجمع الأمَّة وتُوَحِّدها عبر الزمن، فما بال أمَّتنا اليوم ما عادَتْ تجمعها النكبات؟ وتفرقها الأعياد؟ فالأمر لله من قبلُ ومن بعدُ، فهو القادر على هداية القلوب وتنقِيَة النفوس، فقد مضَتْ سُنَّته - عزَّ وجلَّ - في الذين خَلَوْا من قبلُ، ولن تجد لسنَّته - سبحانه وتعالى - تبديلاً ولا تحويلاً؛ إذ حين يكون الله - عزَّ وجلَّ - وحبُّه وشريعتُه هي الدافع، وتكون الآخرة هي الهدف، تجتَمِع الأُمَّة وتحقق النصر، وإن تغيَّرت كلُّ هذه السنن، ضاعَ النصر، وحلَّت النكبات، وهذه سنَّته - سبحانه وتعالى - مع الناس كافَّة، من أقرب المقرَّبين محمد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إلى آخِر الخلق، فليس بينه وبين الناس نَسَبٌ يَتَّكئ عليه المتَّكِئون، وهذا دَوِيُّ التاريخ عَبْرَ الزمن، وهذا تأكيدٌ للمفهوم الملحمي للشعر في ذهن الشاعر، وقدرته على التطبيق، فيقول ص 211:



حَنَانَيْكِ يَا بَغْدَادُ كَمْ مِنْ فَوَاجِعٍ

مُدَوِّيَةٍ فِي السَّاحِ وَالقَصَبَاتِ




تَوَاثَبَ أَعْدَاءٌ عَلَيْكِ وَأَطْبَقُوا

مِنَ الْجَوِّ، مِنْ بَحْرٍ وَمِنْ ظُلُمَاتِ




وَيَجْمَعُهَا الرَّحْمَنُ حِينَ يَضُمُّهَا

وَفَاءُ نُفُوسٍ أَوْ صَفَاءُ دُعَاةِ




مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ الْعَزِيزِ وَحِكْمَةٌ

فَيَهْوِي غُرُورُ النَّاسِ فِي ظُلُمَاتِ




دَوِيٌّ مِنَ التَّارِيخِ مَا زَالَ عَالِيًا

يُرَجِّعُ مِنْ ذِكْرَى وَمِنْ حَسَرَاتِ



وفي الفصل الثاني (1) قصيدة عنوانها (الهند وسحر جمالها)، يُتابِع الشاعر من خلالها صِياغة ملحمة التاريخ ودَوِيِّه، فقد جاءَتْ على بحر الكامل، في تسعة أبيات وقافية الدال المكسورة، وتجاوَز فيها الشاعر تصريع المطلع في قوله:



الْهِنْدُ يَا سِحْرَ الْجَمَالِ تَحَدَّثِي

فَالدَّهْرُ مُصْغٍ لِلْجَمَالِ فَرَدِّدِي



ثم ينطلق في ذكريات تاريخيَّة ترسِم صورة الفاتحين، أو الذين حملوا دعوة الإسلام في صدورهم، وجالُوا مَشارِق الأرض لتبليغ الرسالة، ثم ينطلق إلى سحر الجمال، مستغنِيًا عن الجسور اللفظية التي تعوَّدَها الشعراء: (دع ذا - عد عن...)، لكنه كرَّر صدر المطلع (الهند يا سحر الجمال...)، مُستَعِيضًا به عن الجسور اللفظية التي تنقل الشعراء من فكرة إلى أخرى، ومن غَرَضٍ إلى آخر، فقد ألقَتْ عليها اللآلِئ عسجدًا وزمردًا، وياقوتًا منثورًا ومنضدًا، ويطلب منها أن تصوغ تلك الجواهر وتتغنَّى بها، فيقول:



الْهِنْدُ يَا سِحْرَ الْجَمَالِ لَآلِئٌ

أَلْقَتْ عَلَيْكِ بِعَسْجَدٍ وَزُمُرُّدِ

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]