عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 20-05-2021, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ

وَإِذَا طَيْبَةٌ يَفِيضُ عَلَيْهَا الْ

وَحْيُ تَغْنَى بِوَثْبَةٍ وَجِهَادِ




حَسْبُكِ الْيَوْمَ أَنَّ فِيكِ نَبِيًّا

وَجَلاَلاً مِنْ طِيبِهِ وَالرَّشَادِ




كَمْ نَبِيٍّ سَعَى بِأَرْضِكِ يَدْعُو

وَنَبِيٍّ سَعَى إِلَيْكِ وَهَادِي




بَيْنَ شَوْقٍ مُمَوَّجٍ وَحَنِينٍ

وَدُعَاءٍ مِنْ صَامِتٍ وَمُنَادِ


وبعيدًا عن لغة المؤرخين الخالية من الانتماء، والتي يَفُوح منها روائح الولاء والمُداجَاة، وإخفاء الحقائق الشائنة عن الذين تَمِيل إليهم أهواؤهم - قدَّم الدكتور عدنان النحوي رؤيته للمدينتين، ومزَجَها بتجربته وحبِّه وعواطفه، فجاءت لحنًا يشدو به المسلمون عبر الزمن، واتَّخَذ من قدراته التصويرية جسرًا، وزيَّنه بما يَلِيق من الصُّوَر التي زادت النص رَوْنَقًا؛ كقوله: "أشرقت مكة، وطيبة عطرٌ"، "فانشرا النور"، و"نورٌ يموج ملء البوادي"، "وشوشات مهاد"، "هواي الصادي"... وغيرها من الصُّوَر التي اختمرَتْ بغِلالة من أحاسيسه ومشاعره الفيَّاضة، النابِعَة من عقيدة راسِخَة، تُؤَثِّر وتشقُّ طريقها عبر الدروب على مرِّ الأيام.



لم يكن الشاعر يَمِيل إلى الإغراب، مُنطلِقًا من حرصه على البلاغ، ونشر الفكر الذي نما بين ضلوعه، فكانت لغته - على فصاحتها، ورَصانة الأساليب التي بنى عليها معانِيَه - واضحةً قريبة المنال، تَفُوح منها رائحة أنفاسه، ليختطَّ بها نهجه، نهج مدرسة لقاء المؤمنين.



وتختلط ذاتيَّة الشاعر بحالِ الأمَّة وأوطانها، فيدلف من الخاصِّ إلى الأخصِّ، وكأنَّه اعتَبَر هذا الأخصَّ أكثر عمومِيَّة، فصاغَ قصيدته (تلفَّتُّ أين الدار والأهل والصبا؟!) ليتحدَّث عن تجرِبته في حياته التي شقَّ طريقها بين الدروب، شائكها ووعرها وسهلها، وتضحياته بما يخصُّه في سبيل الإسلام والمسلمين، قصيدة بلغت أربعين بيتًا، على بحر الطويل، وصرَّع مطلعها حين قال:



حَبَسْتُ الْهَوَى، أَمْسَكْتُ مُرَّ شَكَاتِي

وَأَرْخَيْتُ لِلْأَيَّامِ حَبْلَ أَنَاتِي



إلى أن يصل إلى الاندِماج التامِّ بأمَّته وآمالها وآلامها، تحت راية هذا الدين الذي ينبُع منه كلُّ ما تَجِيش به قلوب المؤمنين، فتعلو بها الآمَال، وتشتدُّ الخطوات، والخير يبقى أبدًا بيد الله - سبحانه - وما الشرُّ إلاَّ من نَزْغِ الشيطان، فيقول:



إِلَهِي، وَفِي نَفْسِي أُرَدِّدُ حَاجَتِي

وَبَيْنَ ضُلُوعِي هَمْسَةٌ اللَّهَفَاتِ




عَلَى شَفَتَيَّ الْهَمْسُ وَالْجَهْرُ وَالصَّدَى

يُرَجِّعُ مَا فِي القَلْبِ مِنْ كَلِمَاتِ




أَبَى لِيَ دِينِي أَنْ أُضِيعَ مُرُوءَتِي

وَقَدْ غُرِسَتْ فِي فِطْرَةٍ وَسِمَاتِ




يَصُوغُ لَنَا الْقُرْآنُ طِيبَ جُذُورِهَا

وَحُلْوَ أَمَانِيهَا وَنَهْجَ حَيَاةِ



ويُلَمْلِم ذكرياته مع أهله، وما في الدار من أزهار، ومع المروج وما فيها من الخيرات، وما سال عليها من دِماء الشهداء والمجاهدين على مرِّ الأيام، فلم يكن غير هذا الدِّين أساسًا لكلِّ تلك المَشاعِر والأحاسيس والأعمال، مع أنَّ ديار المسلمين قد تقطَّعَتْ أَوْصَالها، وتشتَّتت أطرافها، وما عادَت الدَّار هي الدار، ولا الحجرات هي الحجرات:



لَمَمْتُ طُيُوفَ الذِّكْرَيَاتِ بِخَاطِرِي

مِنَ الدَّارِ مِنْ أَهْلٍ مِنَ الزَّهَرَاتِ




جَمَعْتُ بِهَا التَّارِيخَ قَبْلَ جَفَافِهُ

وَقَبْلَ ذُبُولِ الْعُودِ وَالْغَرَسَاتِ




فَلَمْ أَلْقَ إِلاَّ الدِّينَ يَرْوِي جُذُورَهَا

وَيُزْكِي فُرُوعًا فِي رُبًا وَفَلاَةِ

يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.16%)]