عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20-05-2021, 03:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,707
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ

قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ


د. أمين سليمان الستيتي



وأمَّا الفصل الرابع فكان (
فاجعة الأندلس، وقيام الخلافة فيه وانهيارها)، وجعَلَه الدكتور عدنان النحوي في تسعة عناوين:



عهد فتح الأندلس وعهد الوُلاَة.

عهد الدولة الأموية.

الخلافة في عهد عبدالرحمن الثالث.

عهد العامريين.

عهد ملوك الطوائف.

دولة المُرابِطين.

دولة الموحدين.

دولة بني الأحمر.



سقوط الأندلس كلها بيد النصارى، وطرْد أبي عبدالله من غرناطة، وطرْد المسلمين منها، ثم طرْد الذين تنصَّروا.



ويُبَيِّن أن العِزَّة التي دخل بها المسلمون الأندلس يَحمِلون رسالة الإسلام وينشُرونها، استمرَّت معهم حتى بدَأَت الدنيا تَملأُ قلوب خاصَّتِهم وعامَّتِهم، فبدَّل الله عِزَّتهم وقوَّتهم ضعفًا ووهنًا، ونزلت بهم مِحَن عظيمة بما كسبت أيدي الناس، فصَرَخُوا وطلَبُوا العَوْنَ من أعدائهم حينًا، ومن بعض المسلمين حينًا آخر.



(ولم تنتَهِ المحنة بسقوط غرناطة سنة 898هـ/ 1492م، وإنما كان سقوطها بداية عهد من الاضطهاد والقتل والحرق، والتعذيب الذي لا يُوصَف، وأنشأ ملوك الإفرنج مَحاكِم التفتيش لِمَحْوِ أيِّ أثرٍ للإسلام، وأُحرِقت أهمُّ كتب المسلمين، وأُبِيدت روائع الفكر الإسلامي وعبقريَّاته، وامتدَّت التصفِيَة إلى طرْد المسلمين الذين تنصَّروا من الأندلس طردًا عامًّا سنة 1609م)، ص101.



ولعلَّ أهمَّ ما يَختِم به الدكتور النحوي هذا العنوان قوله: "ولولا أن الإسلام هو الذي يترك أثره الذي لا يزول، وعبقه الذي يملأ الدنيا، لما بقي للمسلمين اليوم من أثر في الأندلس..."، ص101.



وفي الفصل الخامس تحدَّث عن أفغانستان ودخول الإسلام إليها، وجهاده الممتدِّ، وانهِيار دولة الإسلام، وجعَلَ الحديث في خمسة مَحاوِر:

الموقع والسكَّان.

شعوب أفغانستان.

أهم القُوَى التي حكمت أفغانستان.

الفتح الإسلامي.

موجز لتاريخ أفغانستان وصراعها الممتدِّ.



يَخلُص في نهاية حديثة عن الغزو الذي لا يَكاد يحطُّ عصاه عن أفغانستان عبر التاريخ، إلى عِبَرٍ ودُروسٍ على المسلمين أن يَعُوها، ولعلَّ أهمَّها: "أن الله يَنصُر عباده المؤمنين ما استمسَكُوا بحبلِ الله وصدَقوا الله في نِيَّاتهم وعملهم، ونهجهم وأهدافهم، عن إيمان صافٍ، وعلمٍ بمنهاج الله صادق، ونهج جليٍّ وأهداف مُحَدَّدة، تَدُور كلُّها حول تبليغ رسالة الله إلى الناس كافَّة، كما أُنزِلت على محمد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وتعهُّدهم لها، لتمتدَّ في تاريخ الإسلام ملحمة واحدة"، ص116.



أَمَّا حديثُه عن الدولة العثمانية والخِلافة الإسلامية وانهيارها، فقد جعله في سبعة فصول:

موجز نشأة الخلافة العثمانية: نموُّها وامتدادها وانهيارها.

الخلافة والمُؤامَرات الخارجية عليها.

الخليفة عبدالحميد الثاني.

الخلافة والمشكلات الداخلية.

حكم الاتِّحاديين ومصيرهم.

محمد السادس وحيد الدين.

عبدالمجيد الثاني وإنهاء الخلافة الإسلامية.



وسجَّل بعض التفصيلات لملحمة التاريخ منذ نشأة الدولة العثمانية وحتى نهايتها، ليَخلُص إلى النتيجة الحتميَّة، والتي رآها عبر قراءاته وتجارِبه، وثقافته الإسلامية الأَصِيلة التي لا تتغيَّر؛ لأنها إلهيَّة المنشأ والتكوِين، فهي سنَّة الله، ولن تجد لسنَّة الله تبديلاً، فقد هُزِمت تركيا في مواقع كثيرة، واحتلَّ الحُلَفاء بلاد الشام والعراق وغيرها، وتَقاسَم الكفارُ بلادَ المسلمين، فكانَتْ غَنِيمة سَمِينة، فقد قَطَّعوا البلاد العربية تقطيعًا، ومَزَّقوا العالم الإسلامي تَمزِيقًا، وظلَّ المسلمون في ضعف ووهن، لا يخرج منه... والثقة بالله كبيرة، وما زال في الأمَّة نبْض الإسلام، وخفق الإيمان، وبُشرَيات المستقبل، وملحمة التاريخ... ص 154.



أمَّا الباب الثالث، فقد جعَلَه الدكتور عدنان النحوي لأحداث وفواجع مُمتَدَّة ودروس وعِبَر في ملحمة التاريخ، في فصلين:

أحداث وفواجع مُمتَدَّة مع سقوط الخلافة الإسلامية.

دروس وعِبَر مُمتَدَّة في ملحمة التاريخ.



ليَخلُص إلى نتيجته الناصِعة وهي: أن التاريخ البشري صِراعٌ بين الإيمان والكفر، والمعركة مستمِرَّة منذ بُعِثَ محمدٌ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وليس للمسلمين سبيلٌ سوى الصراط المستقيم الذي اختَطَّه الله لهم، "وكلما تفرَّقت كلمة المسلمين أنزَلَ الله بهم العذاب والهَوان، عسى أن يَتذكَّروا فيتوبوا، ولكن الواقع اليوم يكشف أن التمزُّقَ ماضٍ، وأن البُعْدَ عن الصراط المستقيم واضح، وأن الهوان بين المسلمين بلغ ذروة من ذرواته!



ملحمة التاريخ مُمتَدَّة ودويُّها عالٍ والنُّذُر شديدة، وعسى الله أن يُنزِل رحمته، ويمدَّنا بعونه ومَدَدٍ من لدنه..."، ص163.



ثم تحدَّث في الفصل الثاني عن "دروس وعبر مُمتَدَّة في ملحمة التاريخ، سنن لله ماضية، قضاء نافذ، وقدَر غالب، وحكمة لله بالغة، وحسابٌ حق يوم القيامة"، وأهمُّ ما يُبرِزه الدكتور عدنان النحوي أنَّ الله - سبحانه وتعالى - خلَقَ عباده ليُوفُوا بمهمَّة عظيمة "أمانة وعبادة وخلافة في الأرض، وعمارة لها في الحياة الدنيا"، ثم بعث في كلِّ أمَّة رسولاً يُذَكِّرهم بهذه المهمَّة، حتى جاء محمد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فأقام مدرسة جامعة، تَبنِي الإنسان في أجيال مؤمنة، تحمِل رسالة الله إلى خلقه على مرِّ العصور لعمارة الأرض، ولتكون كلمة الله هي العُليَا"، ص 165.



ولعلَّ أهمَّ العِلَل التي يراها سببًا في سقوط الدُّوَل وانهيارها "العصبيَّات الجاهليَّة، والانغِماس في اللهو والشهوات، واتِّباع الأهواء، وتنافُس الدنيا، ونسيان الآخرة"، وما ذلك إلا لضعف الإيمان، وهجْر القرآن والسنَّة النبويَّة المشرفة، فيغلب الجهل والشياطين من الإنس والجن، وينمو الشرُّ، فلا تُغنِي النذر، وينزل العقاب، ولا يترك واحدة من ذلك إلا ويُورِد آياتٍ من القرآن الكريم، وكأنَّه يُوثِّق كلامه، ويَربِطه أوْثَقَ رِباطٍ بأساس عقيدته المَتِينة: "القرآن الكريم، والسنة النبويَّة الشريفة، ولغته العربيَّة"، التي تحمل هذين الطودَيْن الشامِخَيْن.



وحاجة المسلمين إلى دراسة العِبَر من التاريخ، والواقِع الذي يَعِيشونه اليوم - صارَتْ من الضروريات التي لا بُدَّ لهم منها؛ إذ كانت الأمَّة تنهض وتتوحَّد لرفع راية الله عاليًا، بقوَّتها وعلومها الربَّانية، وتذل وتُهزَم حين تتخلَّى عن مهمَّتها، وتتغيَّر النفوس، وتجري وراء الدنيا وتتنافَسها، فتهلكها كما أهلكت غيرها.



ويُؤكِّد الدكتور عدنان النحوي أن المُؤامَرة على الأمَّة الإسلامية مستمرَّة عبر التاريخ، فقد وضَع المشركون مائة مشروعٍ لتحطيم الخلافة الإسلامية، وشهد على ذلك (ت ج د جوفار) الرُّوماني في كتابه الذي نشره في باريس سنة 1914م، ويعمل الكفَّار بهدوء وتخطيط مدروس، وكيْد خفيٍّ، ومكر عميق، وتنسيق وتعاوُن بينهم، ويخدمهم من المسلمين أولئك الذين فُتِنوا بهم، فانطلَقُوا وراء فلسفاتهم الضالَّة المُضِلَّة، فمرَّةً يُخرِجون الاشتراكية، وأخرى يُخرِجون الديمقراطية، وثالثة يُخرِجون العلمانية، ولا تخلو جَعْبَتُهم من فكرة شيطانيَّة، هدفها إبعاد أبناء المسلمين عن حقيقة قوَّتهم، وأصولهم التي ارتَضاها الله لهم، فالمهمَّة الرئيسة للمسلمين هي الدعوة والبلاغ، والتعهُّد وبناء القوَّة عبر الأجيال؛ لتتوفَّر لها خاصتان:

1- الإيمان بخصائص الإسلام المفصَّلة في القرآن والسنَّة.

2- العمل الصالح بهذه الخصائص.



ويروي حديث ثوبان - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((يُوشِك الأُمَمُ أن تَداعَى عليكم كما تَداعَى الأكَلَة على قصعتها))، فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومَئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاء كغُثاءِ السَّيْل، ولينزِعَنَّ الله من صدور عدوِّكم المَهابَة منكم، وليقذِفَنَّ الله في قلوبكم الوَهَنَ))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهَنُ؟ قال: ((حبُّ الدنيا وكراهة الموت))؛ أخرَجَه أبو داود، إنها ملحمة مُمتَدَّة في تاريخ المسلمين، على سُنَنٍ ثابتة لله، إنها ملحمة التاريخ ودَوِيُّه.



وبذلك يَصِلُ الدكتور عدنان النحوي إلى القسم الثالث (الملحمة شعرًا) والتي وضَعَها في مقدِّمة وخمسة أبواب، جاء في المقدمة تأكيده المستمرُّ على أن ما يُقدِّمه "هو نماذج فقط من أحداث متتالية كثيرة جدًّا"، وأن مُنطَلَق الملحمة العربية الإسلامية كان الجزيرة العربية، من مكَّة المكرمة والمدينة المنوَّرة، حيث مهد الرسالة المحمدية، وهذا ما يسوغ به البدء في القسم الشعري من الملحمة بقصيدة (رسول الهدى) ثم (الجزيرة العربية) ثم (مكة المكرمة والمدينة المنورة) ثم قصيدة (الافتتاح)، كما يذكر أنَّه حصر حديثه في أحداث العصور الأخيرة؛ مثل: سقوط بغداد والأندلس والهند، وما تلا ذلك من فَواجِع، ص184.



ووَضَع في التمهيد قصيدة بعنوان (ولا غرَّنِي من زخرف العمر زينةٌ)، على لحنِ الطويل، تجاوَز فيها حكاية التصريع في المطالع، فكان مطلعها:



بَذَلْتُ عَلَى عَهْدِ الشَّبَابِ عَزَائِمًا

وَخُضْتُ عَلَى الْمَيْدَانِ نَهْجَ حَيَاتِي




فَمَا وَهَنَتْ نَفْسِي وَلاَ الْعَزْمُ قَدْ وَنَى

وَلاَ مَسَّنِي يَأْسٌ مَعَ الْعَزَمَاتِ




وَلاَ غَرَّنِي مِنْ زُخْرِفِ العُمْرِ زِينَةٌ

وَلا َبِعْتُ نَفْسِي فِي ضَلاَلِ غُوَاةِ



ويَلمَس القارِئ لهذه الأبيات مدى تأثير المعاني التي طرَقَها محمود سامي البارودي، إذ يُبَيِّن نهجه في الحياة وما تعرَّض له فيها من عقبات، ومُساوَمات، وما قدَّمه من نصائح لوجه الله - سبحانه وتعالى - لكن قضاء الله نافِذٌ، والندامة لا تُجدِي، ولا العيون البواكي:



نَصَحْتُ لِوَجْهِ اللهِ، لَكِنْ تَبَدَّدَتْ

أَمَانِيُّ مِنْ شَوْقٍ وَمِنْ فُرُجَاتِ




نَصَحْتُ، وَلَكِنْ قَدْ قَضَى اللهُ أَمْرَهُ

وَجَاءَ الَّذِي نَخْشَى مِنَ النَّكَبَاتِ




فَمَا عَادَ يُجْدِي بَعْدَ ذَاكَ نَدَامَةٌ

وَلاَ عَادَ يُجْدِي دَفْقَةُ الْعَبَرَاتِ



ويُعلِن الشاعر اتِّضاح الأمور، وتكشُّفها، وإن كانت تُحاوِل الاختِفاء خلف ضَباب الخديعة والمكر الكافر، تلك المكايد التي أسقطت نفوسًا وساحات، وصنعت تاريخًا مُشَوَّها، وشَكَّلت ملحمة التاريخ المدوِّيَة، والمواعظ منها بادِيَة، عسى أن يستفيد منها المسلمون؛ فيبعثوا أُمَّتهم من رُقادِها الذي طالَ أمَدُه، وتستأنِف أمجادها، وصفحاتها المضيئة:



سَتَبْقَى مَعَ الْأَيَّامِ تَتْلُو مَوَاعِظًا

وَتَقْرَعُ مِنْ أُذْنٍ وَمِنْ مُهَجَاتِ




لِيَنْتَفِضَ التَّارِيخُ يَبْعَثُ أُمَّةً

فَتَسْتَأْنِفُ الْأَمْجَادَ وَالصَّفَحَاتِ



ص186.

وجاء الافتِتاح بقصيدة (دعاء ودمعة في جوف الليل)، وكانت مُتابِعة للقصيدة الأولى من حيث الوزن والقافية، بدَأَها بمناجاة الله - سبحانه وتعالى - وتمجيده، ودعاه أن يهب له نورًا يشقُّ به طريقه، ويَقِينًا لينجو من حُفَرِ الدنيا، ومن فِتَنِها المتتالِيَة، فليس له سوى الله - سبحانه وتعالى - يُمِدُّه ويُعطِيه من قوَّته وثباته، وعلمًا بكتاب الله - سبحانه وتعالى - يَتَّقي به الشرَّ، وينجو من الشبهات، ومن السنَّة المشرَّفة، تقودُه للخير والبركة، ودمعة ليل تُضِيء له ما أظلم، وتملأ حياته نورًا:



إِلَهِي، وَهَذَا اللَّيْلُ أَلْقَى جِبَالَهُ

وَدَافَعَ أَمْوَاجًا مِنَ الظُّلُمَاتِ




فَهَبْ لِيَ نُورًا مِنْ لَدُنْكَ يَشُقُّ لِي

سَبِيلاً وَيُنْجِينِي مِنَ الْحُفُرَاتِ




وَمِنْ دَمْعَةٍ فِي اللَّيْلِ يَنْزَاحُ دُونَهَا

ظَلاَمٌ وَتَزْوِي الْمَوْجَ مِنْ عَتَمَاتِ



وبعد أن ينتهي من دعائه لنفسه، وطلب العفو من الله عن كلِّ ما وقع في حياته، لا ينسى أمَّته، التي تَغُطُّ في سُباتِها، وكأنَّها استمرأت تمزُّقَها عبر التاريخ، فيدعوه أن يُغِيثنا، فهو الملجأ في كلِّ حين، وليس سواه من مغيث:



أَغِثْنَا إِلَهِي، وَالْمَصَائِبُ أَقْبَلَتْ

تَلاَطُمُ طُوفَانٍ وَزَحْفُ مَمَاتِ
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]