عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 19-05-2021, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المخاضات التاريخية في ديوان (أذان الفجر) للشاعر: عمر بهاء الدين الأميري

ويتطاول عهد الهموم على الشاعر، ففي قصيدته (أذان النصر) لا يجد أمامه سوى اللجوء إلى الله - سبحانه - في كلِّ حين، وهو يرى بلاء المسلمين يستعر من مرحلة إلى مرحلة أخطر، حتى غدا البلاء يخفف بعضه بعضًا:



أُرَدِّدُ ضَارِعًا رُحْمَاكَ رَبِّي

بَلاءُ الْمُسْلِمينَ غَدَا خَطِيرَا




إِلَهِي إِنَّهُ هَمٌّ مُقِيمٌ

إِذَا مَا نِمْتُ يَزْأَرُ بِي زَئِيرَا



وكلما كثرت الهموم زاد التجاء الشاعر إلى الله - سبحانه - دون يأسٍ، وإن كثرت الآلام، واتضحت صورة الأعداء بكلهم وكليلهم، وتبعثرت صفوف المسلمين، وليس للأمر من مخرج إلا أن يكون فرج من الله، والتجاء إليه:



تَكَاثَرَتِ الْعُدَاةُ وَنَحْنُ فَوْضَى

فَأَنْجِدْنَا أَلَسْتَ بِنَا بَصِيرَا



بلى!

وفي قنوت شعري بعنوان (يا الله)، يبدأ الشاعر بتمجيده - سبحانه - وحمده، والثناء عليه بما هو أهله، ثم يعرض همَّه، وما يكابد من اللأواء التي يجد لها علاجًا إلا أن يستجير به - سبحانه - فيقول له:



فَرِّجْ كُرُوبَ الْمُؤْمِنِينَ وَكُنْ لَهُمْ

يَا رَبَّهَمْ وَاكْشِفْ بِجُودِكَ عُسْرَهَا




سَدِّدْ مَسَاعِيَهَمْ وَرُصَّ صُفُوفَهُمْ

وَاجْعَلْ مَلاَئِكَةَ الْهِدَايَةِ أَزْرَهَا



ويبتهل إلى الله أن يردَّ الأمة إلى دينها وقرآنها، ويشرح صدرها لتتدبر آياته، وتحكِّمها، فتسود وتبني حضارة البشريَّة، وتنشر العدل بدينك ونورك، ويستمر الشاعر في قنوته ليكون لازمة حياته، في سرِّه وجهره، وليله ونهاره؛ كي يحقق أمله في تفريج هموم المسلمين، ونجاتهم من الشرِّ والفتنة، وأن يأخذ أعداءهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ، ويؤيدهم بنصر كنصر بدر.



حتى إذا وصل الشاعر إلى أمِّ الديوان (أذان القرآن) القصيدة التي ألقاها في الحفل الختامي للندوة العالميَّة للإسراء والمعراج في عمان سنة 1399هـ - 1979م، تحت شعار (الإسلام والتحديات المعاصرة)، وقد قدَّم في هذه القصيدة التي قاربت مائة بيت، تحليلاً وافيًا لأوضاع الأمة، وأمله في خروجها من مصائبها، جامعًا بين عبرة التاريخ، ووعي الحاضر، وأمل المستقبل، واقفًا عند مآسي المسلمين في القدس وفلسطين، ولبنان واليمن، وبلاد المسلمين كلها، وما صنعته بها القيادات القوميَّة الاشتراكيَّة من الدواهي والضلالات، وأنه ليس من حلٍّ لكلِّ ذلك سوى الإسلام، الذي بدأت إرهاصاته تحيي الآمال في النفوس:



إِنَّهُ الإِسْلامُ دِينٌ مَبْرَمٌ

لَيْسَ يَرْضَى اللهُ عَنْهُ بَدَلاَ




زَحْفُهُ مِنْ أَمْسِهِ فِي يَوْمِهِ

قَدْ تَحَدَّى يَصْنَعُ الْمُسْتَقْبَلا



فإذا رجع المسلمون إلى دينهم، وتركوا الشعارات الباطلة، وتمسكوا بقرآنهم، فإن الله - سبحانه - سيفرِّج همهم، وينصرهم، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وعندها:



سَنَرَى الْقُدْسَ فِي الأَقْصَى غَدًا

عَلَمُ الإِسْلاَمِ خَفَّاقًا عَلا



وكأن الشاعر حين غرق في هموم الأمة لذَّ له الغرق واستمرأه، حتى لم ينج العيد عنده من نفث الهموم، وإن تكاثرت عليه تهاني الصحب والإخوان، وكأنَّ نفسه لم تعد تجد للفرح مكانًا، وفي لبنان ما فيه، ومصائب الأمة تَترَى، ورؤوس قادتها ترضخ في المذلات، وأبناؤها يضجون، والأعداء ببغيهم يعششون، ولا منجاة من كلِّ ذلك إلى بالله، وإلى الله المشتكى:



إِلَى اللهِ لاَ مَنْجَاةَ إِلاَّ بِرَجْعَةٍ

إِلَى اللهِ فِي الأَعْمَاقِ تَسْرِي وَتَرْسَخُ




عَسَى أَنْ يَعُودَ الْعِيدُ بِاللهِ عِزَّةً

وَنَصْرًا، وَيَمْحِي الْعَارَ عَنَّا وَيَنْسَخُ



ويبقى الأمر كله لله وبيده - سبحانه - حين يحاور الشاعر المواطنين الماركسيين في المغرب، ولا يتخلَّى عن ثوابته، فإنه يصرُّ على أن الحلَّ هو الإسلام في كلِّ أرضٍ وصلها الأذان: في المغرب، في الرياض، وحلب، ودمشق، وحيثما حلَّ الشاعر حمل معه، وبين جنبيه خافقًا ملأته الشريعة السمحة:



أَنَا فِي امْتِدَادَاتِ الأَذَا

نِ كَأَنَّ فِي نَسَبِي رَبَاحْ









قَدْ يَرْتَمِي جِسْمِي ضَنًى

وَالْعَزْمُ لاَ يَرْمِي السِّلاَحْ



وهكذا ظلَّ فِكْرُ الشاعر يتماوج صاخبًا في ارتفاعات متواترة تطاول العنان، وتُشرع راياتها الخفَّاقة لتبحر إلى شاطئ النصر، تمرُّ بالمواني لتزودها وتتزوَّد منها، وتتابع إبحارها إلى هدفٍ لم تستطع كلُّ أستار المتاهات أن تخفيه، أو تعميه، أو تقطع السبيل نحوه، إنه الإسلام دينًا وشرعة، ومنهاجًا ودستورًا، وحياةً ارتضاها لنا من خلقنا، ومن يبتغي غيرها، فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين بعد أن أتمَّها الله - سبحانه - وبلغناها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فإذا كان هذا الديوان هو الأثر العشرين الذي نشر للشاعر، فليس جديدًا أن يقول الدارسون له: إن صاحبه (عمر بهاء الدين الأميري) - يرحمه الله - قد ملك ناصية اللغة، يقلبها كيف يشاء، ويتخيَّر من ألفاظها ما يروقه، وأنه قد أمسك جمرة الشعر وأدمنها حتى عزف آهاته وجراحاته وآلامه وآماله على ألحانها، فدندن على بحورها المجزوءة، بتفعيلاتها الراقصة، لكن رقصة الذبيح، وعزف على أوتار الطويل والرمل ليظهر على صراخ طبولهما نداءات الخطب الشعريَّة، والمواعظ بمعانيها المباشرة، وصورها الجميلة القريبة المنال، اليسيرة الإدراك.



وقد اتَّكأ الشاعر في كلِّ ذلك على ثقافة دينيَّة، وعالميَّة، وانتماء وصل به إلى ذوبان النفس في الأمة، وظهور الأمة في قلب الشاعر ونفسه ليعبِّر عن آلامها وآمالها، تعبيرًا ملتزمًا، لا يخرج من دائرة ما أحلَّ الله - سبحانه - ولا ينضوي، أو ينحاز، أو يميل إلى ما حرَّم - معاذ الله.



وهو بهذا يرسم صورة الشاعر الإسلامي الحق، الذي سَخَّر فنَّه لخدمة هذا الدين وأهله، وجعل حياته كلها خالصة لوجهه الكريم، نسأل الله له الرحمة، وأن يجمعنا به في عِلِّيين، إنه سميع قريب مجيب.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]