عرض مشاركة واحدة
  #576  
قديم 18-05-2021, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (79)
الحلقة (301)

تفسير سورة النساء (82)


جاءت هذه الآيات تكذيباً لليهود الذين زعموا أنه لم يوح إلى أحد من البشر غير موسى عليه السلام، فذكر الله عدداً من الأنبياء والرسل، ثم أخبر نبيه عن وجود آخرين لم يقصهم عليه أرسلهم سبحانه إلى أقوامهم، وفوق ذلك أخبره أنه كلم موسى تكليماً، فأسمعه كلامه بدون واسطة، فكيف ينكر اليهود ذلك كله، وقد بعث الله الرسل مبشرين لمن آمن بالجنة، ومنذرين من أشرك وكفر بالنار.
تابع تفسير قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:163-166].
تقرير الوحي الإلهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات الخمس الكريمة ترد على أهل الكتاب دعاواهم بأن الرسول النبي الخاتم محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بنبي ولا رسول، وادعوا أنه ليس هناك من يشهد له بالنبوة ولا بالرسالة، أما الأنبياء الصادقون قبله فقد كانوا يتواجدون في الوقت الواحد أو في البلد الواحد فيشهد هذا لهذا، وهذا الذي يدعي النبوة ليس هناك من يشهد له بأنه نبي أو رسول، فجاءت هذه الآيات تبطل تلك الدعاوى وتجتثها من أصولها، وحسبنا أن يشهد الله عز وجل له، ثم أبعد شهادة الله تطلبون شهادة؟! ما قيمة شهادة العباد بالنسبة إلى شهادة رب العباد؟! فهيا بنا نتدارس هذه الآيات تدبراً وتأملاً.قوله: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [النساء:163]، هذا إخباره تعالى عن نفسه، إِنَّا ، أي: رب العزة والجلال والكمال، أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ، أي: هذا القرآن الكريم، وهذه الشرائع وهذه الأحكام وهذه الآداب، فهل كنت يا محمد تعلم شيئاً من ذلك؟ وهل كان أحد يعرف أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم -قبل أن نبأه الله بعد أن بلغ الأربعين من السنين من عمره- سيكون رسولاً؟ إذاً من أوحى إليه بهذا القرآن؟! إنه الله تعالى، وليس هذا ببدع ولا بغريب، إذ أوحينا إليك كما أوحينا إلى الرسل والأنبياء من قبلك، فأية غرابة في هذا الباب ما دام أن الله عز وجل يوحي إلى الأنبياء والمرسلين وأنتم تعترفون بذلك؟! فلمَ إذاً ينفى الوحي عن النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم؟!
نبذة مختصرة عن نبي الله نوح عليه السلام
كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ [النساء:163]، وقد علمنا ومن حقنا أن نعلم أن نوحاً كان أول رسول حمل الرسالة إلى البشرية وهي متورطة في الشرك والآثام، وأما ما قبل نوح وهما إدريس عليه السلام وشيث من ولد آدم، فما كانوا في أمم أشركت بالله عز وجل غيره وعبدت سواه، وكسلت وهبطت حتى ينقذها الله بنبوة ورسالة، أما نوح عليه السلام فحسبنا أنه أرسل إلى قوم يعبدون خمسة تماثيل، وهذه التماثيل الخمسة هم في الواقع عباد صالحون، وهم: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، إذ قال تعالى حاكياً قولهم: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ [نوح:23]، أي: لا تتركن، آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، فهؤلاء قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا عباداً صالحين، فلما ماتوا وضعوا على قبورهم تماثيل تمثلهم بحجة الرغبة في العبادة والطاعة والإقبال على الله تعالى، والتوسل والاقتداء بهؤلاء الصالحين، لكن مع مرور الزمان جاء جيل ظنهم أنهم آلهة وعبدوهم من دون الله تعالى، ولهذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من كل عمل من شأنه أن يتولد عنه الشرك والعياذ بالله.
نبذة مختصرة عن نبي الله إبراهيم وأبنائه عليهم السلام
وأما إبراهيم عليه السلام فهو أبو الأنبياء، وعامة أنبياء بني إسرائيل من ولد إبراهيم عليه السلام، ومعنى إبراهيم باللغة السريانية: الأب الرحيم، وقد كلفه الله بأوامر فنهض بها فاستوجب بذلك الإمامة، ولنقرأ قول الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، ونذكر من هذا أنه كلفه بأن يذبح ولده إسماعيل قرباناً لله رب العالمين، فما تردد في ذلك أبداً، بل أطاع ربه ووضع طفله إسماعيل بين يديه ليذبحه تقرباً إلى ربه عز وجل.واليهود والنصارى لا يجحدون نبوته، إذ الكل يؤمن بإبراهيم نبياً ورسولاً، وإسماعيل هو ابن إبراهيم الخليل، وهو ابن هاجر التي أهداها ملك مصر إلى سارة زوج إبراهيم وابنة عمه، فتسراها إبراهيم فأنجبت له إسماعيل، ثم بعد فترة أنجبت له إسحاق، وإسحاق هو ابن سارة وقد ولد بعد إسماعيل، قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71]، ويعقوب هو ابن إسحاق، وهذه تسمى بالبشرى المزدوجة، أي: بشره بولد يولد له ويكبر ويتزوج ويولد له ولد آخر، وهذا لا يقدره عليه إلا الله تعالى.
بيان من هم الأسباط عليهم السلام
وأما الأسباط فهم أحفاد يعقوب عليه السلام، والأسباط جمع: سبط، والحقيقة هو ابن الابن، وهؤلاء الأسباط كانوا اثني عشر رجلاً، وكانوا أنبياء، واليهود يعرفون هذا ويؤمنون به.
نبذة مختصرة عن نبي الله عيسى عليه السلام
وأما عيسى عليه السلام فهو روح الله وكلمته، وعبد الله ورسوله، وقد أراد الله عز وجل أن يخلق هذا المخلوق على خلاف سنته في تواجد بني آدم وتكاثرهم في الأرض، فأمر الله تعالى ملكه جبريل عليه السلام أن ينفخ في كُمِّ درع أم عيسى مريم عليها السلام، وبالفعل نفخ في كم الدرع فسرت النفخة -وهي روح- فدخلت في جوف مريم عليها السلام، وما هي إلا أن هزَّها الطلق وألجأها إلى مكان لتلد فيه تحت نخلة في قريتهم التي كانوا بها، فكان عيسى بكلمة التكوين، أي: كن، فكان، والذي عليه أكثر أهل العلم: أنه ما مكث في بطنها أكثر من ساعات، وتجلت حقيقة أنه عبد الله ورسوله في أنه وهو يرضع قالت لهم أمه: اسألوه، فأنطقه الله فقال: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم:30-33]، ثم قال الله تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [مريم:34]، وقد أنزل الله عليه الإنجيل، والإنجيل بعد التوراة، إذ إن بني إسرائيل كانوا يعيشون على التوراة التي أوحاها الله إلى موسى الكريم منذ قرون، لكن الله نسخ بالإنجيل بعض الأحكام التي كانت في التوراة، وأقر أحكاماً أخرى، وأضاف أيضاً إلى ذلك أحكاماً أخرى، لكن لا منافاة بين التوراة والإنجيل.وقد ولد عيسى في بيت لحم، وأخذ الخصوم يحاربونه، بل أدى بهم الحال إلى أن عزموا على قتله، وبالفعل حاصروه في بيته ورفعه الله تعالى من روزنة البيت وألقى الشبه على رئيس الشرطة الذي دخل ليخرجه، فلما تباطأ دخلوا عليه فألقوا القبض على ذاك الشرطي أو المسئول وظنوه عيسى، فأخذوه وصلبوه وقتلوه، وهم مختلفون هل هو عيسى أو لا؟ أما عيسى فقد رفعه الله تعالى إليه، قال تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:158].وقد آمن بعيسى عليه السلام بعض الصلحاء والمعروفين بالحواريين، وأحداثهم في سورة المائدة وفي غيرها، والشاهد عندنا: أن عيسى رفع إلى الملكوت الأعلى، والحواريون نشروا دعوته التوحيدية الإسلامية في جنوب أوروبا، وانتشرت الدعوة الإسلامية التي جاء بها عيسى عليه السلام، فكاد اليهود ومكروا فبعثوا بولس، وأخذ يتقرب إلى الحاكم المسيحي، واستطاع أن يفسد الديانة المسيحية كما كانت على عهد عيسى، حتى قيل: لم يعبد النصارى ربهم عبادة حقيقية تزكي نفوسهم وتؤهلهم للجنة إلا سبعين سنة، ويدل لذلك أن الإنجيل الآن هو خمسة أناجيل، بل قد عبثوا بالإنجيل فقسموه إلى أكثر من خمسة وثلاثين إنجيلاً، ثم بمرور الأيام والفضيحة اجتمعوا وحولوا الخمسة والثلاثين إلى خمسة أناجيل.إذاً: الذي مكر بالمسيحيين هم اليهود، ولا زالوا إلى اليوم يمكرون بأي دين يظهر؛ لأنهم يريدون أن يكونوا هم أهل الدين فقط، كما قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيسى سينزل من الملكوت الأعلى في آخر أيام هذه الحياة، وإنا لمنتظرون، وسوف ينزل فيحكم ويملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً، ولكن العلامة المؤكدة له ولظهوره أن تتغير أحوال المسلمين، ويحكمهم إمام صالح اسمه محمد بن عبد الله المهدي، وينزل عيسى والمهدي يؤم ويحكم هذه الأمة، وإذا نزل عيسى فقد أغلق باب التوبة، فالمؤمن مؤمن، والكافر كافر، والبار بار، والفاجر فاجر؛ لأنها العلامة الكبرى من علامات قيام الساعة.
نبذة مختصرة عن نبي الله أيوب عليه السلام
وأما أيوب عليه السلام فقد ذكر تعالى قصته وأنه مرض ثمانية عشر سنة، ثم سأل ربه بتلك الدعوة: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، فاستجاب الله له وكشف ضره.
نبذة مختصرة عن نبي الله يونس عليه السلام
وأما يونس عليه السلام فقد قال فيه نبينا: ( لا تفضلوني على ابن متَّى )؛ لأن يونس باللغة السائدة إن صح التعبير فشل في الدعوة وما استطاع مقاومة المعاندين والمشركين من قومه، فما كان منه إلا أن تركهم وخرج من بلادهم، ولم يثبت كثبوت محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك خاف الرسول على أصحابه من أن يقولوا: إن يونس قد ضعف أو أن يونس كذا وكذا، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تفضلوني على يونس بن متَّى )، ولما ملَّ يونس وسئم من عناد قومه وانصرافهم عنه ومقاومتهم لدعوته ترك البلاد وخرج، فلما وصل إلى شاطئ البحر صادف السفينة تريد أن تقلع فركب معهم، والتدبير لله عز وجل، ولما أصبحوا في البحر قال ربان السفينة: إن الشحنة أو الحمولة ثقيلة، فخيروا أنفسكم، إما أن تسقطوا واحداً منكم وإما أن تغرقوا كلكم، فأقرعوا فيما بينهم فخرجت القرعة على يونس، قال تعالى مصوراً ذلك: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:141]، فما كان منهم إلا أن ربطوه بحبل ورموه في البحر، فأمر الله سمكة من السمك العظيم أن تفتح فاها ليدخل يونس في بطنها، وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:139-142]، ثم أخذ يسبح: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فلما سمعت ملائكة العرش صوت يونس في قعر البحر وفي بطن الحوت شفعوا له عند الله تعالى، فأمر الله تعالى تلك السمكة أن تلفظه على شاطئ البحر، وكان قد نضج لحمه من حرارة بطن الحوت، إذ إن من يمكث كذا يوماً أو أسبوعاً في بطن الحوت فإن لحمه سيتهرى، وبعد أن ألقته السمكة على الشاطئ شاء الله أن ينبت عليه شجرة اليقطين، وذلك لتصبح كمستشفى خاصاً بنبي الله يونس، وتعرفون ورق الدباء؟ إذ إنه ورق ناعم والذباب لا يقع عليه، كما سخر الله له واحدة من الغزلان تأتي بنفسها وتدني بثديها ويرضع منها، فهذا غذاؤه وهذا دواؤه حتى تماثل للشفاء، ولنقرأ ذلك: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات:145-146]، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب اليقطين، أي: يحب ثمره وهو الدباء، وكان يلتقطها من حافتي القصعة، وهي ناعمة حقيقة، ولا ألذ منها إذا أُحسن طبخها.ولما تماثل للشفاء عاد إلى قومه، فوجدهم ينتظرونه بفارغ الصبر، قال تعالى: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:145-148]، فلم تؤمن أمة بكاملها إلا أمة يونس، إذ ما من أمة بعث الله فيها رسولاً أو نبأ نبياً إلا آمن البعض وكفر البعض إلا أمة يونس فقد آمنوا عن آخرهم، وكان عددهم مائة ألف وزيادة، فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:148]، أي: إلى نهاية آجالهم وإلا استوجبوا العذاب، وقال العلماء: لما خرج يونس من بلادهم تجلت سحب سوداء في سماء تلك المدينة، فنصح بعض المصلحين في تلك الأمة أن العذاب قد قرب، وأن عليهم أن يتوبوا إلى الله تعالى، وأن يصرخوا بين يديه، فتقول الروايات: أبعدوا الأطفال عن أمهاتهم ليصرخوا وليبكوا، وحتى الحيوانات أبعدوا صغارها عن كبارها، وضجت البلاد كلها بالبكاء لله عز وجل، فتقشعت تلك السحب وآمنوا، وهذا تدبير من رب العزة والجلال، فعاد يونس فإذا بهم يستقبلونه بحفاوة ويقبلونه.
نبذة مختصرة عن نبي الله هارون عليه السلام
وأما هارون فهو أخو موسى عليه السلام، وقد ولد قبل موسى بسنة أو بسنتين في العام الذي كان لا يقتل فيه ذكور بني إسرائيل من قبل جنود فرعون، والسبب في ذلك: أن السحرة أو رجال السياسة قالوا لفرعون: إن دولتك أو سلطانك سيكون زوالها على يد هذه الفئة من بني إسرائيل؛ لأنهم أولاد الأنبياء، ولا بد وأن يكون لهم يوم يملكون، وقد حصلت أيضاً تجربة وهي أنه لما قدم موسى إلى فرعون وهو يحبو، فإذا به يحاول أن يقف فمسك بلحية فرعون وجذبها، فتطير فرعون وقال: إذاً هذا هو، وهم بذبحه، وهذا مبين في سورة القصص، فشفعت له آسية وقالت: جربه أو امتحنه، فامتحنوه فجاءوا بطبق فيه جمر وآخر فيه تمر، وقالوا: إن تناول التمر فهو واع وبصير وقد أراد إهانة فرعون بجذب لحيته، وإن تناول الجمر فهو صغير لا يفرق ولا يميز بين الحسن والقبيح، فأخذ الجمر وألقاها في فمه فكانت سبب لُكنة لسانه، ولما كبر موسى وحمل الرسالة عابه فرعون بهذه اللكنة، إذ لم يكن فصيحاً.وعلى كلٍ لما أصدر فرعون أمره بقتل ذكور بني إسرائيل قام رجال الدولة وقالوا: ستنتهي اليد العاملة إذا قضينا على بني إسرائيل كلهم، فمن الرأي أن عاماً نقتل وعاماً نعفي، ففي عام الإعفاء ولد هارون، وفي عام القتل ولد موسى، فأوحى الله تعالى إليها بما بينه في كتابه العزيز: أن ضعيه في التابوت وألقيه في اليم إلى آخر القصة.إذاً: هارون هو أخو موسى وشقيقه، وموسى هو الذي سأل ربه أن ينبئه ويرسله معه، وقد استجاب الله عز وجل له، وخلف موسى في بني إسرائيل أيام ذهابه إلى المناجاة، ومات في التيه في صحراء سينا قبل موسى، وقد اتهم اليهود موسى بقتل أخيه، وهذه من أخلاقهم إلى الآن.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.95 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]