عرض مشاركة واحدة
  #526  
قديم 30-04-2021, 01:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (53)
الحلقة (276)

تفسير سورة النساء (58)

رخص الله عز وجل لعباده إذا هم خرجوا في سفر أن يقصروا الصلاة إن خافوا عدوهم، وبعد أن انتشر الإسلام وأمن الناس واضمحل الشرك والكفر بقيت رخصة القصر في سائر السفر، رحمة من الله عز وجل بعباده، فمن خرج في سفر شرع له أن يقصر الصلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء فيصليها ركعتين ركعتين، وأما الفجر والمغرب فلا قصر فيها.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم لك الحمد على ما أوليت وأعطيت، اللهم لك الحمد على ما أحسنت وأفضلت، فإنا لك شاكرون.
وجوب الهجرة عندما يحال بين العبد وربه والوعيد لمن ترك ذلك
معاشر المستمعين والمستمعات! قبل أن نشرع في آيات جديدة فنتلوها ونأخذ في دراستها، أعيد إلى أذهانكم ما سبق أن درسناه في الليلة الفائتة، قال تعالى -وقوله الحق- بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ [النساء:97]، كيف ظلموا أنفسهم وقد كانت نورانية كهذه المصابيح؟ ظلموها بأن أفرغوا عليها أطناناً من الذنوب والآثام فتعفنت واسودت، ومثل ذلك أن تأتي إلى مؤمن طاهر نقي فتصب عليه الأوساخ والقاذورات، وأنت بذلك تكون قد ظلمته. قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97]، والقائل هو ملك الموت وأعوانه، أي: قالوا لهم: فيم كنتم؟ في مزابل؟ في مراحيض؟ في أي مكان كنتم حتى أصبحتم هكذا؟ فقالوا معتذرين: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ [النساء:97]، أي: قهرونا وغلبونا ومنعونا من أن نذكر الله تعالى، وأن نقف بين يدي الله عز وجل، وأن ننكر الشرك والمشركين، فهذه هي علتهم، فردت عليهم الملائكة فقالت: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97]، فما استطاعوا أن يجادلوا؛ لأن الحجة قد قامت عليهم.فقال تعالى في الحكم عليهم: فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97]، فلماذا كان مستقرهم ومأواهم جهنم؟ لأن أرواحهم خبيثة منتنة عفنة ليست أهلاً لأن تنازل الأبرار وتجالسهم في الملكوت الأعلى، فهل في هذا ظلم؟ لا والله، إذ الآن لو يدخل عليكم رجل ملطخ بالدماء والقيوح والقاذورات والأبوال، فهل تسمحون له أن يجلس بينكم؟ والله ما تسمحون له، إذاً فكيف يُسمح لشخص ملطخ متعفن بأوضار الذنوب والآثام أن يدخل الجنة دار السلام؟!
سقوط الهجرة عن أصحاب الأعذار
وإن قلتم: يا شيخ! ما استطعنا أن نخرج من تلك الديار؛ لأننا مرضى لا نستطيع أن نمشي أو نهرب في الليل، والمرأة تقول: أنا ضعيفة لا أعرف الطريق، ولا أدري أين نذهب؟ والطفل الصغير يقول: يا رب! ما ذنبي، فماذا قال الله تعالى فيهم؟ قال: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:98-99]، فهل هناك أوضح من هذا البيان الإلهي؟ لو كنا نجتمع على كتاب الله منذ نعومة أظفارنا، منذ وجود أسلافنا والله ما هبطنا أبداً، ولكن هجرنا كتاب ربنا عز وجل، وصدق الله إذ يقول على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، حولتموه إلى الموتى.إذاً: أولاً: الهجرة واجبة من مكة إلى المدينة وجوباً عينياً لا كفائياً، ثم لما فتح الله مكة على رسول الله والمؤمنين سقطت تلك الهجرة عنهم، فأهل مكة يبقون في مكة، ثم أيما مؤمن وجد نفسه في دار أو في بلد لا يجد فيه من يعرف الله تعالى، ولا الطريق إليه، وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر ليعرف الله، ويعرف كيف يعبده ويتقرب إليه.ثانياً: إذا وجد المؤمن نفسه في بلد لا يستطيع أن يقيم فيها صلاة، ولا أن يتجنب ما حرم الله، لا من أكل ولا من شرب ولا من ملبوس، فإنه يجب عليه أن يهاجر إلى مكان آخر ليتمكن من عبادة الله تعالى، إذ الهجرة هي الانتقال من مكان إلى مكان لأجل أن نعبد الله تلك العبادة التي هي علة وجودنا وعلة وجود الكون كله، وهي السلم للوصول إلى الملكوت الأعلى، فإذا تعطلت من أجل فقر أو خوف هاجر يا عبد الله إلى بلد آخر.وكان أول من هاجر في سبيل الله هو الخليل إبراهيم عليه السلام، فاقتدوا بأبيكم، واقرءوا قوله تعالى: وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26]، وذلك بعد أن حُكِم عليه بالإعدام، فأججوا النار وأوقدوها أربعين يوماً أو أكثر، وأرادوا أن يلقوه فيها حتى لا تتعلق به قلوب الناس أو يفتنهم عن دينهم الجاهلي الكافر، ولما أرادوا أن يلقوه في النار ما استطاعوا لشدة لهبها وحرها، فوضعوه في منجنيق ودفعوه من بعيد، وقبل أن يصل إلى النار عرض له جبريل فقال له: هل لك حاجة يا إبراهيم؟ فقال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم، والمتصوفة والهابطون في الضلال يقولون: قال إبراهيم: حالي يغني عن سؤالي، ومعنى هذا: إياكم أن تدعو الله عز وجل، إذ إن هذا عيب عليكم، كيف تدعوه وهو يعرف حالك؟! ومعنى هذا أيضاً أنهم هدموا أعظم حصن في الإسلام وهو العبادة، إذ إن الدعاء هو العبادة ومخها، فاستطاعوا أن يحرموا المؤمنين والمؤمنات من دعاء الله حتى يبقوا هابطين، وهذا من تخطيط الثالوث الأسود، والمقلدون يقلدون ويقولون: هذا من وضع الماكرين، فقالوا: ليس هناك حاجة إلى أن تقول: رب أعطني، ارزقني، اعملي لي كذا، هل هو ما يعرف؟ معناها: أنك تقول: رب لا يدري وأنا أبين له! وهذه مقتلة ومذبحة للعقيدة، فالدعاء هو العبادة، قال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [الأعراف:55]، إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي [الجن:20]، فمن ترك دعاء الله كفر، فهل عرفتم من أين أخذوا هذا؟ إبراهيم قال: أما إليك فلا، أي: أنا أدعو ربي فقط، فقال الله عز وجل: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فانقلبت برداً لولا قوله: وسلاماً، إذ إن البرد يقتل كالنار تقتل، وما أتت النار إلا على قيد في يديه ورجليه، فأحرقته فقط وخرج وقال: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26]، فودعهم وتركهم، وهاجر معه ابن أخيه لوطاً وامرأته سارة، فخرجوا تائهين في الأرض، ليس عندهم ما يركبون ولا ما يأكلون، فاتجهوا غرباً تجاه فلسطين.
بيان من هو المهاجر الحق
فهل فيكم من قد هاجر؟ هذا رجل يقول: أنا من المهاجرين، على كل حال الله يعلم ما في نياتنا وقلوبنا، فالذي يهاجر من بلد إلى بلد يريد وجه الله هو المهاجر، لكن أفضل المهاجرين هو من أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( المهاجر )، و(أل) الدالة على عراقة الوصف ومكانة ...، ( المهاجر ) بحق، ( من هجر ما نهى الله ورسوله عنه )، أي: المهاجر بحق وصدق، من هجر، أي: ترك، ما نهى الله تعالى عنه ورسوله من سائر المنهيات والمحرمات، فذلك هو المهاجر بحق، فمن فاتته الهجرة من دار إلى دار فلا تفوته، فاستعن بالله واهجر بقلبك وبسمعك وببصرك كلما نهى الله تعالى عنه ورسوله.واعلموا أنه لا بد من أن تكون القلوب مقبلة على ربها، فصححوا معتقداتكم، وحققوا معنى لا إله إلا الله، فصاحب هذه المنزلة العالية قلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، أما مع دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذور لهم والعكوف على قبورهم والتمسح بأتربة أضرحتهم، فهذا يتنافى منافاة كاملة مع الإيمان بالله ورسوله، إذ لا يصح أبداً أن يكون صاحبها مؤمناً، وقد خدعونا وغرونا وفعلوا بنا العجب، والحمد لله قد صحونا وانتبهنا وعرفنا ألا إله إلا الله معناها: لا ينبغي أن يوجد في الأكوان من نقبل عليه بقلوبنا ووجوهنا إلا الله تعالى، فلو تعطش ألف سنة لا تقل: يا سيدي عبد القادر اروني، ولو تجوع حتى يكاد الجوع أن يقتلك فلا تقل: يا أولياء الله! أنا خادمكم، ولو تصاب بمصائب فلا تفزع فيها إلى غير الله أبداً؛ لأن هذه الفضائل والمقامات السامية لا بد لها من أصل ألا وهو توحيد الله عز وجل.إذاً: المهاجر المؤمن الصادق ذو التوحيد الخالص هو الذي هجر كل ما نهى الله عنه من الكذب والغيبة والنميمة والغش والخداع والعجب والسرقة والفجور والزنا والربا وعقوق الوالدين وأذية الجيران وأذية المؤمنين، بل كل ما نهى الله ورسوله عنه، فهذا هو المهاجر حقاً، فاللهم اجعلنا منهم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]