كيف نتقي الله تعالى
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ .يا شيخ وهل نستطيع أن نتقي الله؟! بالسراديب تحت الأرض والأنفاق نختبئ فيها، أو بالحصون العالية والأسوار، أو بكثرة الجيوش والعتاد الحربي، بهذا يتقى الله؟! لا والله ما يتقى بهذا، وإنما يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله فقط. أطعه لا يغضب منك ولا يسخط عليك، أطعه أحبك ورضي عنك، إذاً الله تعالى يتقى بم يا عباد الله؟ رددوها: يتقى بطاعته وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لا يتقى بالجبال ولا بالجيوش ولا بالقبائل ولا بالمال ولا بالسحر ولا بالتدجيل، لا يتقى غضبه وعذابه وبلاؤه إلا بطاعته وطاعة رسوله. طاعته في أي شيء؟ في كل ما أمرك أن تعتقده من الاعتقادات، في كل ما أمرك أن تقوله وتتكلم به من الكلام والأقوال، في كل ما أمرك بفعله من الأعمال، وطاعة رسوله مقترنة بطاعته، ولا فرق بينهما؛ إذ قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وأختم لك على هذا، ما أطاع إنسان رسول الله إلا أطاع الله عز وجل، كيف؟ لأن الرسول لا يأمر ولا ينهى إلا بما أمر الله به ونهى عنه، أليس مبلغاً عنه؟! مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] إذاً الحمد لله عرفنا أن الآخرة بنعيمها وسعادتها للمتقين، يكفي إذاً، من الآن نأمل على أن نتقي الله عز وجل، من هم ورثة الجنة يرحمكم الله؟ بنو هاشم؟ المتقون، اقرأ قول الله عز وجل: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، تلك الجنة التي نورِّث من عبادنا من كان تقياً، سواء كان أصفر أبيض حبشي عربي شريفاً وضيعاً غنياً فقيراً، قل ما شئت، فقط أن يكون تقياً. وهذا الخليل إبراهيم نحن عاشرناه يعني؟ كيف نتحدث عنه؟ كيف بلغنا الكلام عنه؟ القرآن الكريم، إبراهيم يقول بعد دعاء طويل عريض: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85] لولا علمه بأن الجنة تورث ما كان يقول: واجعلني من ورثة الجنة. الجنة تورث؟ أي نعم، والميراث بدون سبب أو بسبب؟الآن نحن نتوارث بأي شيء؟ إما بالنسب وإما بالمصاهرة وإما بالولاء، والجنة تورث بأي شيء؟ بتقوى الله عز وجل، المتقون هم الوارثون، ولم عبر بالوراثة؟ ما قال: بالعطاء بالهبة يهبهم الله الجنة يعطيهم مساكنهم فيها. اسمعوا: لما خلق الله دار السلام ودار البوار، وبعبارة أخرى: لما خلق عالم السعادة وعالم الشقاء، عالم السعادة في الملكوت الأعلى وعالم الشقاء في الملكوت الأسفل -كل شيء له علو وسفل وإلا نحن مجانين- لما خلق الجنة والنار خلق لكل منهما عدداً من البشر والجن، ولا يزيد أحد ولا ينقص، وجعلهم يتوارثون، إن شاء الله عمر بن الخطاب ورث أبا جهل ، وأبو جهل ورث عمر بن الخطاب ؛ إذ لكلٍ مكان هنا وهنا، والمتوارثون من الإنس والجن يرث بعضهم بعضاً، فمن دخل الجنة ورث كافراً من الكفار ونزل منزله، وذلك الكافر أيضاً ينزل في المنزل الذي تركه المؤمن ودخل الجنة، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63] ، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] . يا شيخ الجنة هذه صورها لنا؟ادخل بستاناً من بساتين الأغنياء، وانظر إلى تلك الزهور، وتلك الظلال والثمار والمياه الجارية تعطيك صورة من واحد إلى مليار، وإن قلت: أنا أريد أن أسمع عن الله وصفه للجنة أكب على القرآن سبع ليال وأنت تقرأ من الفاتحة إلى الناس تمر بك سور عجيبة بأن هذه الجنة وقصورها ونعيمها، وما فيها من كتاب الله. وإن قلت: أنا أريد وصفاً لرجل ارتادها، قلنا لك: نعم، أول رائد من رواد الملكوت الأعلى من رواد الجنة دار السلام هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اقرأ قول الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1] ومن ثم إلى الملكوت الأعلى.وإن قلت: هنا ذكر المسجد فقط ما ذكر طلع أو لم يطلع، اقرأ من سورة النجم: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:13-18] . واضح هذا وإلا لا؟ ولقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل أول ما رآه في غار حراء في صورة إنسان، ثم رآه في أجياد -شارع مكة المعروف- وقد تجلى وغطى السماء بأجنحته الستمائة، وناداه: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل، ثم رآه مرة أخرى: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:14-18] . أسمعتم؟ إن المؤمنين أهل القرآن والسنة على نور من ربهم، وكل أصحاب الهراء والكلام الهابط الفارغ مما تمليه الشياطين والأهواء والدنيا والشهوات كلامهم غثاء كغثاء السيل.قال تعالى وقوله الحق: قل يا رسولنا لهؤلاء الضعفة المهزومين قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ [النساء:77] وإن عشت مائة سنة، وأكلت مائة قنطار لحم أو بيض، قليل بالنسبة إلى الآخرة وإلا لا؟ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77] لا تقل لبني هاشم أو بني تميم أو العرب أو العجم، بل: لمن اتقى أبيض كان أو أسود.لو تقول هذا لملايين المسلمين، والله ما يسألك أحد نتقي كيف؟ الشيخ ما له الليلة مجنون مهموم!يعرف أن الجنة لمن اتقى ولا يبالي، لو كان قد وعي وعرف وفهم، والله يقول لك: والله لا تبرح مكانك حتى تعلمنا كيف نتقي نحن؟وهذا كان أيام كنا صاعدين للملكوت الأعلى، أما اليوم أبداً يسمعها ملايين المسلمين ما يسأل كيف نتقي؟ بماذا نتقي؟ وأنتم عرفتم وإلا ما عرفتم؟ بم نتقي الله؟ بالمزامير والأغاني؟ بطاعته وطاعة رسوله، وهل أمرنا بأوامر؟ كم؟ اطلبها من كتابه، أمرنا بإقام الصلاة، بإيتاء الزكاة، بصوم رمضان، بحج بيت الله الحرام، بالجهاد وبالرباط، بصلة الأرحام، بالعدل وبالخير وبالإحسان، بالذكر بالدعاء بالقراءة أوامر. ونهانا عن أشياء أيضاً، ما هي؟الربا.. الزنا.. الغيبة.. النميمة.. الكذب.. الخلاعة.. السفاهة.. البذاء.. السوء.. الحسد.. العجب.. ومنهيات كثيرة، كيف نعرفها يا شيخ؟ هنا تقف حيران كيف نعرفها؟ أما ذهبت لكل واحد علمته؟ ما ذهبت، فما الطريق -يرحمكم الله- إلى أن يصبح كل المؤمنين والمؤمنات عالمين بمحاب الله ومساخطه بأوامره ونواهيه وكيف يؤدونها ويتقربون بها إليه؟الجواب: ما كررناه مئات المرات وإلى الآن لا حراك ولا انتفاضة، الطريق هو أن إمام المسجد في القرية سواء كان في الجبل وإلا في السهل.. إمام مسجد الحي في المدينة يوم الجمعة يستقبل أهل القرية ويقول: معشر المؤمنين! هل نحن مسلمون؟ قالوا: نعم، كيف لا، هيا نتعاهد عهد المؤمنين أننا من الليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد عن حضور صلاة المغرب في هذا المسجد، اللهم إلا مريضاً على فراش المرض ومن يمرضه ويقف إلى جنبه إن فرضنا هذا، أهل القرية كأهل الحي ما إن تدق الساعة السادسة مساءً إلا وذهبوا إلى الوضوء ولبس الثياب الحسنة وترك العمل وأغلق باب الدكان المتجر المقهى المصنع المزرعة، وارم يا فلاح بالمسحاة والمنجل، وتعالوا كلكم إلى بيت ربكم. يملئون المسجد النساء وراء الستائر ومكبرات الصوت تبلغهن الصوت، وأبناؤنا أطفالنا كالملائكة في ثياب بيضاء ليس على رءوسهم برانيط كما تفعلون، كأبناء اليهود والنصارى كالملائكة بيننا، والكل مصغي، والكل مستمع، والكل يبكي بين يدي الله ساعة وربع أو ساعة ونصف ومربينا يعلمنا آية من كتاب الله كآينا هذا ونتغنى بها حتى نحفظها، يحفظها الكبير والصغير والذكر والأنثى آية نور ندخلها قلوبنا. والله لحفظ آية خير من خمسين ألف دينار أقسم بالله! وليسمح لي ربي إذا قارنت بين هذان، بل خير من الدنيا وما فيها، لو عرفنا قيمتها لحفظناها وسارعنا إلى حفظها، لكن ما عرفنا! ريال خير من عشرين آية، هذا شأن الجهل وإلا لا؟ إذاً: ولما نفرغ من حفظ الآية يأخذ المربي المزكي للنفس المعلم يقول: إن ربنا في هذه الآية يأمرنا بكذا، أو ينهانا عن كذا، أو يدعونا إلى كذا، هل فهمتم؟ قالوا: نعم، إذاً الزموه، وغداً يأتون في نفس الوقت.. مظهر من مظاهر الإقبال على الله، يصلون المغرب ويعلمهم حديثاً واحداً من أحاديث الرسول التي بلغت عشرات الآلاف؛ لأن كلامه من يوم أن بعثه الله إلى أن قبضه ثلاثة وعشرين سنة كل كلامه علم وحكمة، لا يقول كلمة باطلة أو لا خير فيها. إذاً: حفظتم الحديث هذا الشريف؟ نعم، الرسول يدعونا في هذا إلى كذا وكذا، أو ينهانا عن كذا وكذا، ملتزمون؟ أي نعم، ويعودون وكلهم ذكر مع الله، ويوم ثاني وثالث ورابع إلى أربعين يوماً كيف تصبح القرية أسألكم بالله؟! أصبحت كتلة من نور، سنة واحدة ما يبقى جاهل ولا جاهلة، الكل عرف فيما يتقى الله، وبم يتق الله، وتجلت أنوار الحب والولاء والصدق والتعاون والإخاء والمودة، واختفت مظاهر الحسد والغش والكبر والعهر والربا والزنا وما إلى ذلك، هل حقيقة يتحقق هذا؟ أيه ورب الكعبة، أليس الطعام يشبع وإلا لا؟ أليس الماء يروي وإلا لا؟ أليست النار تحرق وإلا لا؟ أليس الحديد يقطع وإلا لا؟ هذه سنن لا تتبدل.إذاً: تعلمك الكتاب والحكمة لن يتبدل في تطهير نفسك وتزكية روحك، وإذا زكت الروح وطابت النفس لو تعطيه مليار على أن يكذب والله ما يقبل!عرفتم هذا؟متى نعود؟ لا جهاد ولا مال ولا ولا.. فقط نجتمع في بيت ربنا صدقاً لنتعلم الكتاب والحكمة، هل هناك طريق غير هذا ينجينا ويعود بنا إلى السبيل السوي؟ والله لا طريق، لو قتل بعضكم بعضاً، وأفنى بعضكم بعضاً، أبداً مستحيل إلا هذا المسلك. وكتبنا في هذا رسالة وهي تحت الطبع خاصة بالعلماء وهم المسئولون عن هذا. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.